3. حتى لو تم اختطافك إلى عرين الشيطان، ما دمتَ تحتفظ بوعيك
كانت فيفيان مستندة بذقنها على إطار نافذة العربة، ترمق الأفق بطرف عينها. كانت أسوار العاصمة مينيرفا تقترب من الأفق.
حين غادرت وحدها استغرق الطريق نحو خمسة أيام، أما الآن في رحلة العودة فقد استغرقت أكثر من عشرة أيام. كان ذلك لأن أصلان أعطى الأولوية لوضعها الصحي بشكل مفرط.
‘لم يكن هناك داعٍ لكل هذه المبالغة.’
في الأساس، لم يكن أصلان ينوي العودة إلى العاصمة. كان على وشك أن يمزق الوثيقة القادمة من القصر الإمبراطوري، بل وكان ينوي إحراق رسالة دوق إليونورا.
لكن لم يكن من الممكن الهروب. فقد صدرت أوامر إمبراطورية تلزمهما كلاهما بدخول القصر.
عدم الامتثال للأمر الإمبراطوري يعني الخيانة.
كان من الصعب إقناع أصلان الغاضب و الهائج، لكنها تمكنت من ذلك في النهاية. الخدم الذين كانوا يراقبون بقلق، قد رفعوا إبهامهم إعجابًا بجهودها.
مهما يكن، فإن امتلاك خطيب حساس يعني أنها الوحيدة التي تعاني.
بينما كانت فيفيان تزم شفتيها وتتذمر، اقترب فارسان راكبان من بوابة المدينة.
كان على سرجيهما شعار عائلة إليونورا.
“نحيي صاحب السمو الأمير الثاني.”
رغم أنهما رأيا فيفيان الجالسة في العربة، إلا أن الفارسين وجها تحيتهما إلى أصلان فقط. ارتسمت على وجه أصلان علامات الانزعاج.
“هل يجب أن أقتلع أعينكما لتعودا إلى رشدكما؟”
“نحن… نحيي الأميرة!”
“فيفيان، ماذا تريدين أن أفعل؟”
التفت أصلان إليها بنظرة خاطفة. كان يقصد أن يقتلع أعينهما حقًا إذا أظهرت فيفيان أدنى علامة انزعاج.
لكن فيفيان التي لم تكن تعلم ذلك، رفعت كتفيها بلا مبالاة.
“لا بأس على الإطلاق.”
“أنتِ دائمًا تقولين انكِ بخير.”
“لأنها الحقيقة. و لم تكن هذه أول مرة يحدث فيها هذا. على كل حال، إذا كان هذان الفارسان أرسلهم والدي، فلا بد أن لديهم أمرًا لي.”
انحنى الفارسان برأسيهما أمام نظرات فيفيان.
“بأمر من الدوق، سنقوم بمرافقة الأميرة من الآن فصاعدًا.”
“بأي حق؟”
“كان هناك أمر بأن تدخل الأميرة القصر فور وصولها إلى العاصمة دون أي تأخير…”
“ألم أسأل؟ بأي حق تودون أخذ فيفيان؟”
أمال أصلان رأسه وكأنه لا يستطيع الفهم حقًا.
“فيفيان ستكون زوجتي. لم تعد تنتمي إلى إليونورا.”
“لكن، لكنها لم تتزوج بعد رسميًا. وإذا عاش الخطيبان معًا في نفس القصر، فسيتحدث الناس عن ذلك بلا شك، مما يسيء إلى شرف العائلة!”
“كلام كبير من أناس كانوا سابقًا يتهافتون على بيع فيفيان.”
تتضمن وثيقة خطبتهما بندًا ينص على أن فيفيان ستقيم مسبقًا في قصر الدوق كجزء من تدريبها كعروس. وكان ذلك بطلب ملحّ من دوق إليونورا نفسه.
و الآن، ماذا يعني هذا الهراء؟
كان أصلان ينظر إلى الفارسين من علوّ و معدته تنقلب. كان يرغب في أن يكسر رقبة كل منها و يلقي بجثتيهما في الشارع فورًا.
لكنه لم يفعل ذلك أمام خطيبته الرقيقة، لذا اكتفى بحفظ ملامح وجهيهما في ذاكرته.
“فيفيان ستعيش معي من الآن فصاعدًا. لن تعود إلى إليونورا مجددًا، فأوصلوا هذا الكلام إلى الدوق كما هو.”
“الدوق لن يقف مكتوف اليدين حيال هذا الأمر.”
“ليفعل ما يشاء. إن كان يجرؤ على تحدي سلطة بلاكفورد، فأنا مستعد في أي وقت.”
بلاكفورد هو اسم الإقطاعية الشمالية التي يملكها أصلان.
كانت تلك المنطقة تُعرف سابقًا بجحيم الأرض لكثرة ظهور الوحوش السحرية فيها.
لكن منذ أن أُعطيت لأصلان كإقطاعية، سرعان ما ازدهرت و أصبحت ذات نفوذ. لقد أخضع المدن المجاورة كلها و درّب جيشًا قويًا، ليؤسس ما يشبه مملكة صغيرة.
ومهما كانت إليونورا مشهورة بمهارتها في السيف، فمواجهة بلاكفورد مباشرة كانت ضربًا من الجنون.
“إن تكرر هذا الهراء على مسامعي مجددًا، فلن أسامحكم حينها.”
عاد الفارسان بخزي واضح.
كان أصلان، الذي كان يعبث بسيفه مثل وحش غاضب، قد اقترب أخيرًا من فيفيان.
“هل أخافكِ الأمر؟”
“كيف لا أخاف؟”
“كما توقعت، يجب أن أقتلهم جميعًا…”
“ماذا كنتَ تقصد بقولكَ انني سأعيش معك؟”
بالنسبة لـفيفيان، كان تصريح أصلان صدمة كالصاعقة.
كانت تتوقع أنها، بوصولها إلى العاصمة، ستنال قليلًا من الحرية من رقابة أصلان. بل كانت تفكر في الفرار بسرعة تفوق الريح إذا سنحت لها الفرصة.
“هل تكرهين العيش معي؟”
غريب، و هل يُطرح هذا كسؤال؟
“هل ترغبين في العودة، فيفيان؟”
لم تمضِ سوى ثانية واحدة دون أن تجيب، حتى انخفضت حرارة نظرات أصلان إلى ما دون درجة التجمد.
رد فعل فيفيان الغريزي من أجل البقاء سبق تفكيرها. قبل أن تصدر أي أوامر من دماغها، كانت قد ابتسمت له ابتسامة مشرقة.
“كيف يكون ذلك ممكنًا؟ خطيبي هو أصلان.”
آه، إنه عالم قاسٍ، يحكمه قانون البقاء للأقوى.
* * *
بعد عبور بوابة العاصمة مينيرفا، توجه الموكب مباشرة إلى قصر دوق بلاكفورد.
رغم أن أصلان كان أميرًا إمبراطوريًا، إلا أنه فضّل أن يُنادى بدوق بلاكفورد.
ولذا، وعلى خلاف باقي أفراد العائلة المالكة الذين يقيمون في القصر الإمبراطوري، كان يمتلك قصرًا خاصًا به.
“لا يوجد مكان ممنوع عليكِ. يمكنكِ التجوّل أين ما تريدين .”
أرشد أصلان فيفيان بنفسه داخل قصره. حتى الخدم الذين تبعوهما تم صرفهم، فتجوّل الاثنان أنحاء القصر وحدهما.
“و هذه هي ، غرفة نومكِ.”
“……!”
انفتح فم فيفيان من الذهول.
لكن نظراتها لم تتجه إلى الأثاث الفاخر الذي يفوق ما في المنزل الجنوبي، ولا إلى الملابس والحلي الممتلئة في غرفة تبديل الملابس، ولا حتى إلى حديقة الورود الجميلة التي تُطل عليها النافذة.
“هناك فتحة ما!”
“صحيح.”
“غرفة نومي ليس لها باب داخلي!”
“من الطبيعي أن تكون غرفة نوم الدوق والدوقة متصلة.”
هل هذا الرجل إنسان حقًا؟!
هذا ليس بالأمر البسيط! لا يوجد باب! لا يوجد باب!
هرعت فيفيان بسرعة نحو الفتحة، وكادت تسقط وهي تمسك برقبتها من الذهول.
عندما أزاحت الستارة التي كانت تتظاهر بأنها باب، ظهرت بوضوح آثار لخلع مفصلات باب بالقوة.
‘يا له من شك. ألم يحن الوقت ليثق بالناس؟!’
صحيح، حقيقة تحوّل أصلان إلى أسد أسود كانت من أعمق و أخطر الأسرار في هذا العالم.
فلو كُشفت، لسقط مركزه الاجتماعي إلى الحضيض، لذا من الطبيعي أن يكون حذرًا.
‘لكن حتى مع ذلك، ألا يجب أن يكون هناك حد؟! إن كان الأمر كذلك، فليضع مراقبًا فحسب!’
وفي تلك اللحظة التي كانت فيها فيفيان تصرخ في داخلها…
“أحيّي السيدة. أنا إيما، رئيسة الخدم التي ستخدم السيدة من الآن فصاعدًا. سأبذل قصارى جهدي.”
آه.
* * *
كانت تلك أول ليلة تستقبلها فيفيان داخل قصر الدوق. لكنها لم تستطع النوم بسهولة.
كانت مستلقية على السرير، منكمشة على نفسها، وغارقة في الأفكار.
‘لم يكن الأمر سيئًا كما توقعت. الخدم كانوا لطفاء للغاية، وكانوا يعتنون بي بشكل مبالغ فيه.’
عند أول سعال بسيط، كان الشاي الدافئ يُقدَّم فورًا، وإذا جلست عند النافذة لمشاهدة الحديقة، وُضِع على كتفيها غطاء سميك دون أن تطلب.
كان ذلك أفضل من أن يُعاملها أحد بفظاظة. لكن رغم ذلك، لم تستطع فيفيان أن تتخلّص من الشعور الغريب في قلبها.
فقد كان الأمر مختلفًا تمامًا عن خدم منزل دوق إلِيونورا.
‘أفضل من الفظاظة، صحيح، لكن حين يكون الناس لطفاء للغاية، يصبح الأمر مشبوهًا. هل كانوا دائمًا بهذا اللطف؟ أنا لست الدوقة بعد، أليس كذلك؟’
كان ذلك بمستوى المعاملة التي تتلقاها بطلة الرواية الأصلية.
حتى انهم لم يُظهروا أي امتعاض من كونها مريضة بداء السل.
رغم أنه في هذا العالم مرض السل غير معدٍ، إلا أنه من وجهة نظرهم، لا بد أنه لا يزال يثير النفور.
“آه، رأسي يؤلمني.”
و إذا كان فخًا، فليكن. عند الضرورة، ستسقطهم جميعًا و تهرب، هذا كل شيء.
طالما أنها لا تواجه أصلان نفسه، فلن يكون الهروب صعبًا. وقد قامت سابقًا بجولة تقديرية سريعة للقصر.
حين هزّت فيفيان رأسها برضا، وقع شيء ما.
“آهغ…….”
صدر صوت أنين غريب من مكان ما. و فتحت عيناها، وقد كانت على وشك النوم.
“هاه… كاه!”
ما هذا الصوت؟
بحذر شديد، نزلت فيفيان من السرير. و كان الأنين يأتي من خلف الستارة التي أغلقتها بإحكام.
كانت غرفة نوم أصلان.
بهدوء، أزاحت فيفيان الستارة.
“آهغ، هااه…….”
“أصلان؟”
“هاه، هااه!”
تحت ضوء القمر المنسكب بغزارة، كان أَصلان يتلوّى من الألم.
حتى عندما نادته، لم ينتبه. كان غارقًا في كابوس.
‘الآن تذكّرت، كانت مينيرفا المكان الذي هزم فيه البطل الشيطان.’
في الرواية الأصلية، لم يكن أَصلان يحب البقاء في مينيرفا. لأن الشيطان الذي يسكن جسده كان يكره هذه الأرض التي لقي فيها حتفه.
خاصة أن أَصلان خضع للعنة عن طريق السحر الأسود. لذا، كان اندماجه مع أستاروت أقوى بكثير من الضحايا الآخرين على مر العصور.
‘يجب أن يكون الأمر مؤلمًا للغاية. وهذا ليس خطأ أَصلان حتى…’
كان الرجل الذي عاش حياته كسيف مشحوذ، لا يشعر الآن حتى بأبسط الحركات من حوله.
من دون أن تشعر، اقتربت منه فيفيان و جلست برفق بجوار رأسه على السرير.
“سيكون الأمر بخير، أَصلان.”
“هاه، هااه…….”
“كل هذا مجرد حلم. مجرد حلم لا أكثر.”
همست فيفيان بصوت منخفض، و هي تمسح شعره الأسود.
و رغم لمساتها الرقيقة، لم يستيقظ أَصلان.
لكن بدا و كأن لمسة فيفيان كانت حبل نجاته الوحيد، فتمسّك بها بشدة عند خصرها. عانقها بقوة، و تنفس بأنفاس متقطعة.
“إنه مجرد حلم. مجرد حلم.”
“……”
“الليلة، لن أسمح لأحد بأن يؤذيك. سأحميك.”
ثم تحولت نظرة فيفيان، التي كانت تواسي أَصلان، نحو الأسفل فجأة. فرباط الجرح عند خاصرته كان مبللًا بالدم.
“لماذا هناك دم…؟”
ثم تذكّرت الجرح الذي رأته في الغابة.
كان أَصلان قد طُعن بحربة، لدرجة أن أمعاءه كادت تخرج. لذلك اضطرت لتمزيق فستانها لإيقاف النزيف.
كان جرحًا قاتلًا لو كان بشريًا عاديًا. لذا، حتى إن كان شيطانًا، فمن الطبيعي أن يحتاج للوقت ليتعافى.
‘لو استمر بهذا الشكل، ستكون العواقب وخيمة. ماذا كانت تفعل البطلة في مثل هذه الحالة؟’
في الرواية الأصلية، كانت البطلة تُهدئ أَصلان عندما كان يعاني من كوابيس. و كانت تغني له تهويدة طوال الليل.
لكن للأسف، لم تكن فيفيان تعرف أي تهويدة من هذا العالم. لذا، اضطرت لاتخاذ قرار.
“نم جيدًا يا صغيري. في الحديقة الأمامية و الخلفية……”
أَصلان ليس طفلًا، ولكن ما العمل؟ هذه التهويدة الوحيدة التي تعرفها الآن.
فلتكن لديه شكوى، فليستيقظ و يخبرها بنفسه. فكّرت فيفيان بذلك، و هي تواصل التربيت بلطف على كتف أَصلان.
ومع مرور الوقت، بدأ رأس فيفيان يميل من النعاس، وعندها فقط، فتح أَصلان عينيه الذهبيتين ببطء.
كان يحدّق طويلًا بصمت إلى فيفيان النائمة بجانبه.
رغبة وُلِدت في قاع الهاوية. عطش لا يُروى.
كان القمر آخذًا في التناقص
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "14"