الفصل الجانبي 9
“هاا…”
استندت فيفيان على الأريكة، تضغط على رأسها الذي يؤلمها. اقتربَ أصلان، الذي كان يتردد حولها، بهدوء وبدأ بتدليكِ كتفيها.
كان هكذا منذُ أن سمعَ أنها حامل. قلقًا من أن تنهار إذا هبّت الريح أو تعثرت إذا مشت، ظلَّ يدور حولها بحذر.
حتى عندما عادوا من القاعة إلى غرفة النوم، حملها ولم يسمح لها بالمشيِ خطوةً واحدة.
‘إذا فكرت في السبب وراء الحمل، فهذا منطقي.’
كان ارتباك الطبيب متوقعًا.
كانَ أصلان مهووسًا تقريبًا بحبوب منع الحمل، وعلى الرّغمِ من أنه هو مَنْ يتناولها، كان يضايق الطبيب خوفًا من أن تؤثّر على جسد فيفيان.
ومع ذلك، حامل؟
‘كان حادثًا…’
في الشّهر الماضي، زارَ أصلان، الذي طرد الجميع من حوله، قصر الأمير الثاني، الذي أصبحَ الآن مهجورًا، مع فيفيان فقط.
أقفال صدئة ملطخة بالدماء، أغلال، ودوائر سحرية مشؤومة مرسومةٌ في كلّ مكان.
مكان مغطّى بالغبار الأبيض، كما لو أن الزمن توقف، فضاء أبيض و أسود.
نظر أصلان إلى آثار ماضيه التي قيّدته و سيطرت عليه بعيونٍ مليئة بالندم. جزءٌ منه كان لا يزال مقيدًا هناك.
‘ابتعدي. إنّـه خطر.’
أرسلَ أصلان فيفيان إلى خلفه.
ثم أطلقَ طاقة سحرية مخيفة، مدمرًا كل شيء حوله. حطّمَ كل شيء إلى أشلاء، حتّى تحوّل إلى غبار.
لم يبقَ أيّ أثر، لكنه لم يتوقف. أفرغَ كلّ غضبه كما لو كانَ ينتقم.
وثم، ثم…
‘نعم، لم يكن هناكَ وقت لتناول حبوب منع الحمل.’
يبدو أنّ أصلان تذكر نفس اليوم، فركعَ كما لو كان مذنبًا.
عند رؤيته هكذا، لانت مشاعرها، و أعلنت أنه إذا لم ينهض فورًا، ستنام في غرفة منفصلة إلى الأبد، فقفز بسرعةٍ ودار حولها.
كان ذلكَ قبل ساعةٍ واحدة فقط.
“كيف هو الصداع؟”
“بخي…”
كادت فيفيان أن تقول “بخير” عادةً، لكنها هزت رأسها فجأة.
بسببِ تدليلِ أصلان المفرط، اكتسبت عادةً سيئة. عندما كانت أصغر سنًا، في أيام الدوقية، كانت تتعامل مع كلّ شيءٍ بشجاعة بمفردها.
لكن الآن، بعد سماعِ خبر الحمل، أرادت أن يكون زوجها بجانبها.
كان ذلك دلالًا سخيفًا، لكن ماذا في ذلك؟
هي حامل…
“أشعر بالغثيان. أريد أنْ أنام. رأسي يؤلمني، وقلبي ينبض بقوة…”
“سأستدعي الطبيب.”
“عانقني.”
كلما اشتكت فيفيان من أعراض، بدا أصلان وكأن قلبه يغرق. كانَ وجهه كمن انهار العالم، لكنه اقترب بسرعةٍ عندما فتحت ذراعيها و وضعها على حجره.
تنهدت فيفيان برضا و تسلّلت إلى حضنه.
“لم أسامحكَ بعد. لم تمرّ ساعتان على شجارنا.”
“فيفيان…”
“لكن الآن حالةٌ طارئة، لذا هذه هدنة مؤقتة.”
فركت فيفيان بطنها المسطّح الذي لا يظهر فيه شيء.
قالوا إن حياة جديدة تنمو بداخلها. بذرة أصلان استقرت منذُ أكثر من شهر.
“أنا آسف. كلّ شيء خطأي.”
استند أصلان المحبط إلى رأسها.
“عندما سمعتُ أن القاعة تعرضت للهجوم، شعرت و كأن العالم انتهى. كنتُ خائفًا طوال الطريق وأنا أركض، خوفًا من أن يصيبكِ مكروه. لم أتحمّل…”
“هل غضبتَ لأنني أصبت؟”
“غضبت على نفسي لأنني لم أحميكِ. جسدكِ الرقيق هذا، أين يمكن أن يتحمل الإصابات؟”
نزلت أصابعه التي كانت تداعب كتفيها الرقيقتين ببطء.
وضع يده فوق يدها، متشابكًا أصابعه مع أصابعها، و ضمّـها بالكامل إلى حضنه.
“وكأن هذا لم يكن كافيًا، حامل؟ أن أفعل هذا بجسدك ِالصغير…”
“ألا تريد الطّفل؟”
“بصراحة، نعم، أنا خائف.”
“من ماذا؟”
“من أن أفقدكِ”.
لأوّل مرّة، فتحَ فمه بدلاً من تكرار “أنا بخير” كببغاء.
لكن بالنّسبةِ لفيفيان، لم يكن هذا خبرًا سارًا. كان أصلان مشوشًا فقط. بمجردِّ أن يستعيد رباطة جأشه، سيعود إلى صمته المعتاد.
“أصلان أنتَ أحمق.”
“صحيح، أنا غبي.”
“هذا ليس ما أريد أن أسمعه.”
شكلت فيفيان عقدة صغيرة على فكها.
كان الأمر غريبًا بكلّ الطرق. كانت هي نفسها عاطفية مثل أصلان المشوش. شعرتْ بالإحباط لأنها لم تقدم له الكلمات التي أرادها.
عندما أصبحت عيناها ساخنتين وهي تسحب أنفها، تصلّب أصلان وفركَ وجهه في عنقها.
“أحبك، فيفيان.”
“همف…”
“أحبك.”
لم يكن هذا الجواب الذي أرادته، لكنّه كان أفضل بكثيرٍ من لوم نفسه كأحمق.
أغلقت فيفيان عينيها، و هي تشعرُ بيد أصلان تداعب بطنها. كانت الشّمس لا تزال مرتفعة، لكنها أرادت الراحة قليلاً.
* * *
في تلكَ الليلة، كُشف عن تفاصيل هجوم القاعة.
لم يكن المهاجمون حرّاس فيفيان. كانوا بقايا فصيل الجنوب، استخدموا أداةً سحرية لتغيير مظهرهم.
المشكلة كانت “من أين حصلوا على تلكَ الأداة”.
سحر التحول، الذي يغيّر شكلَ الهدف، كان صعبًا للغاية، وصنعُ أداةٍ سحرية له يتطلب مهارة سحرية أعلى بكثير.
‘سحرة البلاط.’
حدد أصلان الجاني بسهولة.
كان يوهانس، تحتَ تأثير اللعنة، قد ركز بشدة على تدريب السحرة و تطوير السحر. لذا، كان معظم سحرة البلاط تحت نفوذ فصيل الجنوب.
ومع ذلك، بسببِ ندرة السحرة المهرة، تم تأجيل التعامل معهم، مما تسبّبَ في هذه الأزمة.
اعترف القتلة أنهم خططوا لاحتجاز الإمبراطورة رهينة للتفاوض مع الإمبراطور، أو قتلها للانتقام إذا فشلوا.
كانَ من الطبيعيّ أن يفقدَ أصلان صوابه.
انتشرت شائعات بسرعةٍ أن الإمبراطور الغاضب يستعدُّ لحربٍ جديدة لإبادة الجنوبيين.
كم من الأحداث ستندلع في يومٍ واحد؟
“ألا يجب أن أذهب؟”
“ممنوع! فكّـري في الطفل.”
“سمعتُ من ديلان أن أرضية غرفة التعذيب غارقة بالدماء لدرجة أنه لا مكان للوقوف. بل إنه طلبَ مني تهدئة جلالتكِ.”
زارت إيريس و سيليا، اللتين تأخرتا بسببِ الصيد، غرفة الإمبراطورة.
تفاجأن أوّلاً بخبر الحمل، ثم بالهجوم من القتلة، وأخيرًا بأنّ فيفيان تغلبت عليهم جميعًا.
ضغطت إيريس على صدغيها، كما لو أنّ رأسها يؤلمها، ثم توقفت فجأة.
“لم أهنئكِ بعد بسببِ ضيق الوقت. مبارك، فيفيان. لقد بذلتِ جهدًا كبيرًا.”
“لم تتأخري. كلامكِ هو أوّل تهنئة أسمعها اليوم.”
“ماذا؟”
“فيفيان، ماذا تعنين؟ جلالته…”
استندت فيفيان إلى ذقنها بحزن.
لم تتحدّث مع أصلان عن حبوب منع الحمل بشكلٍ صحيح، وكانت محادثاتهما كزوجينِ غريبة بعض الشيء، والآن الحمل في هذه الظروف.
“التوافق سيء حقًا.”
“فيفيان…”
“على أيّ حال، لا يمكنني الوقوف مكتوفة الأيدي هذه المرة. هل سيحل شيء إذا قتل جميع السحرة وسار إلى الجنوب؟”
لم تكن تقصد العفو عن نبلاء الجنوب.
لكنها لم ترغب في إيذاء الشعب البريء في الجنوب… في الواقع، كانت تريد منع أي وصمة على حكم أصلان أكثرَ من أي قضية نبيلة.
أرادت أن يكون ملكًا محبوبًا و محترمًا من الجميع.
لم ترغب في أن يسير في طريق الطغيان بسببها.
“لن ينجح هكذا. ساعدنني.”
“بالطبع نريد ذلك، لكن كيف؟”
“هكذا…”
أمسكت فيفيان بورقةٍ و قلم وبدأت تكتب أوامر لديلان و الماركيز باستيان.
كانا العربة ذات الرأسين التي تقود الجيش والسياسة في الإمبراطورية. إذا حصلت على تعاونهما، لن يكون من الصّعب عليها التدخل في هذه القضية.
وأكبر نقطة ضعف لهما كانتْ أمامها مباشرةً.
“أنا أثق بكما فقط.”
“لا أعرف التّفاصيل، لكن سأحاول.”
“أنا أيضًا. تعلمين أنّنا دائمًا في صفّكِ، أليس كذلك؟”
أمسكتْ سيليا بالرّسالة و أخذت يد فيفيان، و هي تهمس بالتهنئة.
ضمتها إيريس بحماس.
“ابن أخت لي؟ يبدو كالحلم! سأكون رائعة معه!”
“هل تريدين صبيًا أم فتاة؟”
“عندما نعود إلى العاصمة، سنشتري ملابس وأحذية للطفل. سيكون لطيفًا جدًا!”
“قبل ذلك، يجبُ أن نبحث عن مربية جيدة. يوم الولادة سيأتي بسرعة.”
تجمعت النساء، ممسكات بأيدي بعضهن، يثرثرن بحماس.
فركتْ فيفيان عينيها الساخنتين وابتسمت بجهد.
كما قال أحدهم، بسببِ زوجها الأحمق، استغرق الأمر يومًا كاملًا لسماعِ الكلمات التي أرادتها، لكنها شعرت أنّ هذا جيّدٌ أيضًا.
التعليقات لهذا الفصل " 136"