بعد حوالي ساعة مِـنْ دخولها مكتب الإمبراطور، هربتْ فيفيان على عجل إلى الخَارج.
‘آه، لنْ أمزحَ مرّةً أخرى أبدًا.’
لو لم يقتحم ديلان المكانَ و يصرخ بوجود موعدٍ آخر، لكانت “قطعة الستيك الصغيرة الثّمينة” قد واجهتْ مصيرًا سيئًا.
لقد حدثَ شيء سيّء لديلان بدلاً منها، لكنها قرّرتْ عدمَ الاكتراث. المهمّ أنها بخير.
رتبّت مظهرها ، و هزّتْ يدها لتهدئة خديها المحمرين، ثمّ سارعتْ في خطواتها.
“إيما، ما هو جدول اليوم المتبقي؟”
“الغداء، زيارة الطبيب، وقت الشاي، زيارة الطبيب، العشاء، و زيارة الطبيب.”
“وبعدَ ذلك، سيعودُ أصلان، و يهربُ الجميع، أليس كذلك؟”
“بالطّبع.”
أومأتْ إيما برأسها بشكلٍ طبيعيّ، ثم سعلت فجأة.
“أعني، إنّهم يتراجعون لمنح جلالتيكما راحة هادئة.”
“لا حاجة للتّعبير بطريقةٍ أنيقة.”
“أمم…”
أدارت رئيسة الخادمات المتوسطة العمر عينيها بعيدًا. نظرت إليها فيفيان بنظرة مليئة باللّوم، ثم توقّفت فجأة.
عبرَ الممر المزين بالنوافذ العالية في القصر الإمبراطوري، لمحتْ مبنى أبيض نقي وجميل. كان قصر الإمبراطورة، المبني مِن الرخام الأبيض و الجواهر الفاخرة.
“يُقال إنه أجملُ مبنى في القارّة، أليس كذلك؟”
“سمعتُ أنّ الإمبراطور الأوّل بذل جهدًا كبيرًا في بنائه.”
“صحيح.”
تذكّرتْ ذكرى قديمة.
‘حتّى لو دارت دورة الحياة، و تغيّرت الأقدار، و تقابلنا في ظروفٍ و أماكن مختلفة تمامًا، سأقع في حبّكِ من النّظرة الأولى.’
لم تكن ذكرى بالضرورة، بل شعور و كأنها قرأت ملحمة طويلة.
الآن، هي فيفيان إليونورا، أخت أليكس و إيريس، زوجة اصلان، و إمبراطورة الإمبراطوريّة.
تحبُّ التسكع على السّرير، تميل قليلاً إلى استخدام القوّة قبلَ القانون، و تحملُ في قلبها حلمًا بالذهاب إلى شاطئ الزمرد.
“حياتي محدودة، لذا يجبُ أن أستمتع بالسّعادة أمامي بكلّ قوتي.”
كما قالتْ لهيسيوس في آخر لقاءٍ خلال الحرب، الأهمّ هو السّعادة الحالية.
الماضي لا يمكنه زعزعة حاضرها.
كانتْ تغرقُ أحيانًا في لحظاتٍ عاطفيّة، لكنها دائمًا تعود إلى هنا، حيثُ الأشخاص الذين تحبهم.
“آه، أخبري ليام أن يأتي غدًا. أريد مناقشة أمور المختبر.”
“حسنًا، جلالتك.”
أومأت إيما، و استأنفت فيفيان سيرها. كانَ وقت الغداء و زيارة الطّبيب – التي تشتكي منها دائمًا لكنها لا تتخطاها أبدًا.
* * *
صوت تمشيط الشّعر يملأ الغرفة الهادئة.
نظرَ أصلان بعينين مليئتين بالعاطفة إلى خصلات الشّعر البلاتينية الناعمة التي تنزلق بين أصابعه.
“ألا تتعبُ من هذا؟ يبدو أن شعري قدْ جـفَّ بالفعل…”
“ليس بعد.”
“حقًّا؟”
“لستِ بصحّةٍ جيدة، لا يجب أن تتجولي و شعركِ مبلّل. أغمضي عينيكِ و استرخي.”
كانَ قضاء الوقت مع فيفيان بمفرده، بحجة وعدهما قبلَ الزواج، من أكثر الأمور التي يحبها.
كانتْ تظنّ بسذاجة أن ذلكَ بسببِ إحساسه القوي بالمسؤولية.
كمْ هي لطيفة و محبوبة.
شعرها جـفَّ منذ زمن، لكنه أقنعها بأنه لم ينته بعد، فجلست أمام مرآة الزينة و هي تغفو برفق.
“أرسلتُ أشخاصًا إلى بلاكفورد. طلبت منهم إحضار بعضِ الطّيور التي تحبينها…”
“حقًا؟”
“فكّرتُ أن تربيتها في القصر قد تعطيكِ بعضَ القوّة.”
كم هي صغيرة و رقيقة.
كأنها ستنجرف مع الرّيح أو تتعثر إذا مشت. كانَ يشعر بالقلق الدائم، غير قادرٍ على إبعاد عينيه عنها، يرغب في حملها في جيبه دائمًا.
‘إنْ كانت للسعادة اسم، فهل هي هذه اللّحظة؟’
بدا وجه فيفيان في المرآة هادئًا جدًا.
كانَ قبولها للمسته بطبيعية يبدو كمعجزة. أن تعود إليه بعد رحلةٍ طويلةٍ عبر الزمن…
‘نعم، إنّها معجزة.’
لن يتركها أبدًا.
هذه المرّة، سيحميها مهمَا كلّفَ الأمر، حتى لو كان عليه تقديم كل شيء لها.
“ما رأيك؟”
“همم…”
“أصلان، لم تستمع إليّ مجددًا!”
نفخت فيفيان خدّيها و وخزت خاصرته بأصابعها. كانت تنوي إزعاجه، لكن أصابعها تألمت من عضلاته الصّلبة.
حتى شكواها من فشلها في وخزه كانت محبوبة جدًا.
“آسف.”
ركعَ أصلان على ركبة واحدة ليصبح في مستوى عينيها.
شفتاها المتذمرتان، أنفها الصّغير، و صوتها الواضح كنقاء طائر – كلّ شيء فيها كانَ مثاليًا.
تمتمَ أصلان دون وعي:
“أنتِ جميلة جدًا.”
“ماذا؟”
“أنا أحبكِ كثيرًا.”
‘عندما أكون أمامكِ، يصبحُ عقلي فارغًا. كيف يمكن أن تكوني زوجتي، أيتها المخلوقة الصّغيرة الثّمينة؟’
توقّفتْ فيفيان للحظة، ثم احمرت وجنتاها.
انعكسَ وجهه بوضوح في عينيها الزرقاوين.
لكنه كانَ يعلم حتى دون رؤيته. عندما ينظر إليها، تصبح عيناه دافئتين كالعسل الذائب.
لا أحدَ يمكنه تخيّل أنّ أقوى فارسٍ في القارة، سيّد الإمبراطورية، سيجثو أمام امرأة صغيرة كهذه.
‘ماذا أفعل؟ لا أستطيعُ تحمّل ذلكَ إلّا هكذا.’
كانت فيفيان حبّه الوحيد و إيمانه الثّابت.
هي الحقيقة الوحيدة بالنّسبة له.
بينما كانَ يداعب ذقنها بلطف و يغلق عينيه مقتربًا، فتحتْ فيفيان عينيها فجأة.
كانَ ذلكَ بسببُ طرق على الباب يعلنُ عن وقت الطّعام.
“ادخل.”
“آه، أصلان!”
لم تهدأ الحرارة بعد، لكن الخدمَ دخلوا و أعدّوا الطّاولة قبلَ أن تهدأ فيفيان.
للهروبِ من أعينهم، اختارتْ الاختباء في حضن أصلان.
كانَ طويلاً، عريض الكتفين، و صدره قوي، لذا عندما كانت تختبئ في حضنه، كانْ تختفي تمامًا.
“ههه.”
“لا تضحك! هذا بسببك!”
ضربت فيفيان صدره بخفة، ثم دفنت رأسها في حضنهِ كعصفور يختبئ في عشّه.
أشارَ أصلان إلى الخدم بعينيه ليتباطؤوا، لأنه يحبّّ أن تتشبثَ به الإمبراطورة.
ألقى ديلان، الذي مرَّ و رأى المشهد، نظرةَ اشمئزاز للحظة، لكنّهُ هربَ بسرعةٍ عندما لمحَ نظرة أصلان الحادة.
“هل انتهوا؟”
“ليس بعد.”
“لماذا أعدّوا الكثير…”
“يجب أن تأكلي كثيرًا لتتعافي بسرعة.”
تحتَ إشرافِ أصلان الصّارم، تحرّكَ الخدم ببطء شديد. عندما غادروا أخيرًا، تنهّدت فيفيان براحة و رفعت رأسها.
كان خداها، الحمراوان أصلاً، الآن مثلَ تفاحة ناضجة.
“في المرّةِ القادمة، كن حذرًا! أشعر بالحرج أمام الآخرين…”
“حسنًا.”
تمتمَ أصلان بوعد لن يفي به، و قادها إلى الطاولة.
بما أن الإمبراطورة لم تتعافَ تمامًا، أُعدّ الإفطار في غرفة النوم الزوجية بدلاً مِن قاعة الطّعام.
في الحقيقة، كانتْ قد تعافتْ تقريبًا، و بقيت تعاني فقط سعالٍ خفيف، لكن أصلان كان يعاملها كدمية سكر هشة، بسببِ صدمته من حالتها بعد إزالة الختم، عندما عادت أعراض مرض الرئة.
“لا شهية لكِ اليوم أيضًا؟ تبدين شاحبة.”
“إنه الصّباح، أنا نعسة…”
“لكن تناولي المزيد، حسنًا؟”
كانَ أصلان قلقًا داخليًا.
على الرّغمِ من إعداد الطعام الخفيف ليناسب ذوق فيفيان، التي لا تحبّ الأطعمة الدسمة، كانت تأكل كمّيةً صغيرة كطعام الطيور و تتوقّف مدّعيةً أنها شبعت.
‘كيف تشبع من بضع لقيمات؟’
هل هي لا تزال مريضة؟
يقولون إن حالتها تتحسّن، فلماذا لا تعود شهيتها؟
لم يرَ أحدًا يأكلُ بهذا الكمية القليلة. حتى الأولاد في العاشرة الذين يعملون في الفرقة يأكلون أضعافها.
“لاحقًا…”
“فيفيان، انظري إلي.”
“أمممم.”
بدأت فيفيان، التي كانت تتثاءب، تنزلق على ظهر الأريكة.
رفعَ أصلان أجمل و ألطف مخلوق في العالم و أجلسها على حجره، يبحث عما يمكنه إطعامها.
‘الفاكهة قد تكون مناسبة.’
مسحَ خدها بلطف ليطلبَ منها فتح فمها، لكن بدلاً من قضم الفراولة، نفخت خديها.
“لا شهيّة لي في الصباح. أنا لستُ جائعة.”
“كيف لا تأكلين؟ ألا تعانينَ مِن شيء؟”
“أنا لستُ جائعة، أقسم…”
أصبح خداها أكثر نفخًا. شفتاها المنتفختان كمنقار بطة كانتا لا تُطاق من الجمال. كان يريد ابتلاعها دون أن يراها أحد.
لم يفكّر طويلاً، و مالَ برأسه نحوها.
“….!”
عندما قبّلها قبلةً خفيفة، فتحت فيفيان، التي كانت تغفو، عينيها فجأة.
كانت عيناها المستديرتان المذهولتان محبوبة. حتى تلكَ اللّحظة بدت كمعجزة، ممّا جعله غير قادر على إبعاد عينيه عنها.
‘ألست قلقًا؟’
‘اللّعنة.’
قبّلها مرة أخرى، ممسكًا بذقنها. لفّت فيفيان، التي كانت تحمر خجلاً، ذراعيها حولَ رقبته بهدوء.
‘لستَ الوحيد الذي لا يستطيع إبعاد عينيه عنها. إنه أمر مزعج. أريد قتلَ الجميع.’
حاولَ أصلان تجاهل الطّنين في أذنيه و ركّزَ على فيفيان.
دفء جسدها الصغير، أنفاسها الرقيقة، و رائحتها الحلوة المذهلة – كلّ شيء فيها.
‘ههه، كم هي حياة الإنسان زائلة.’
عضَّ أصلان أسنانه و ركّز على دقات قلب فيفيان.
“أصلان؟”
“لحظة.”
“ماذا؟”
“دعينا نبقى هكذا قليلاً…”
فيفيان على قيدِ الحياة.
على الرّغمِ من الألم القاسي، عادت إليه بعد رحلة طويلة في طريقٍ مليء بالأشواك.
إنها قوية، أقوى منه، هو الذي يتأرجح بسببِ ظلال شيطان ميت.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 129"