سيف الإمبراطور الأول، أثرٌ مقدّس للإمبراطورية، كان موجودًا هنا.
‘كان من المفترض أن يكون في المقبرة في الغابة المقدّسة…’
كانَ يوهانس، في عيني فيفيان، دائمًا هادئًا و واثقًا، كما لو أن مصيره أن يقف فوقَ الجميع أمرٌ مفروغ منه. حتى في خضمّ الحرب، كانَ كذلك.
لكنها بدأت تتساءل إن كانت تلكَ صورة مصطنعة.
لقد كانَ يائسًا لدرجةِ أن ينقل أثرًا إمبراطوريًا سرًا إلى الشّمال البعيد. كان مستعدًا لفعل أي شيء لسحق أصلان.
ذلكَ الهوس المدمّر أثار قشعريرتها.
‘لا بد أن يوهانس متورط في وفاة الإمبراطور السابق المفاجئة.’
مدّتْ فيفيان يدها دون وعي.
خطرَ لها أنها، بما أنها تحمل اللعنة، قد لا تستطيع لمس الأثر المقدس، لكن، على عكس توقعاتها، لامستْ أطراف أصابعها السيف دون مقاومة.
في اللّحظة التي شعرت فيها ببرودة المعدن، انقلبت رؤيتها.
* * *
عاصفة ثلجية تهبّ بعنف عبر سلسلة جبال متجمّدة.
في الخارج، كانت الرياح العاتية تصرخ وكأنها تمزّق العالم، لكن في أعماق الكهف، أمام بحيرة، كانت عينا المرأة أكثر هدوءًا من أي وقت مضى.
“أيها الشيطان، تعالَ! سأقبل الرهان.”
‘هاهاهاها…’
تردّدتْ ضحكةٌ مخيفة على جدران الكهف بنبرة خافتة.
مدّت المرأة يدها البيضاء النحيلة نحو مصدر الطاقة السحرية.
“إذا متّ بـيدِ ليون، فالنّصر لك. وإذا تعرّف عليّ، فالنصر لي.”
‘مدّة الرّهان ألف عام. هل لديكِ اعتراض؟’
“لا يهم. لن يفشل في التّعرفِ عليّ أبدًا.”
حتى لو تجددت الحياة، وتبدلت الأقدار، وتقابلا في ظروفٍ وأماكنَ مختلفة تمامًا، كانت واثقة أنه سيتعرف عليها من النّظرة الأولى.
هكذا كان وعدهما.
حتّى لو كان ذلكَ قبل أن تتركه…
‘قد يتعرف عليكِ و يقتلكِ.’
لاحظَ الشيطان تردّدها، فأضافَ بسخرية.
للمرّةِ الأولى، ظهرت شقوق على وجهها الجميل كلوحة فنية.
“لن يحدث ذلك…”
لو أخبرته، لتمسّكَ بها. لكانَ مصممًا على تحمّل اللّعنة وحده.
لذلك، لم يكن أمامها سوى الرحيل بصمت. حتى لو كانَ ذلكَ سيجعله يلومها و يكرهها، كانت سعادته أهمّ بالنّسبة لها.
كانَ ليون الرّجل الذي يتألق أكثرَ عندما يكون بين الناس.
الشّمس الساطعة يجب أن تُشارَك مع الجميع.
‘أنا لا أجرؤ على الطّمع به.’
برقتْ عينا الشّيطان برضا وهو يراقبها. عندما أدركت ذلك، غيّرت كلامها بسرعة.
“في تلكَ الحالة، سيكون التعادل. لن تأخذ سوى شيءٍ واحد: جسدي و روحي، وفي المقابل، دعْه يذهب.”
‘أوه، يا لها من تضحية مؤثرة.’
“…..”
‘حسنًا، لنرَ كم ستتحمّلين.’
لم تجب المرأة. بدلاً من ذلك، اكتفت بملاطفة بطنها المسطّحة بصمت.
حتى بعدَ اختفاء الشيطان، ظلّت كذلك لفترة طويلة.
* * *
انقلبت رؤيتها مرة أخرى.
ظهرتْ خيمة مغمورةٌ بالظلام أمام عينيها. كل ما رأته للتو بدا كحلم، وكانَ أثر الإمبراطور الأوّل لا يزال واقفًا في مكانه.
“آه…”
غمرها شعورٌ غريب لا يمكن وصفه.
كانتْ الأوضاع لا تزال عاجلة. أصلان والجيش الشمالي كانا في موقف دفاعي، ويوهانس كان مستعدًا تمامًا لسحقه.
إذا عُزلَ الجيش الشمالي، لن تكون هناكَ عودة.
كانت تعلم أن عليها التحرك بسرعة، لكن… شعرت برغبة في الجلوس و البكاء. كأن مشاعر المرأة في الرؤيا، التي كتمتها بقوة، انتقلت إليها.
‘لماذا أشعر هكذا؟’
بينما كانتْ تمسحُ عينيها الجافتين بحركة آلية، توقّفت فجأة.
خلف خزانة الزينة التي وُضعَ عليها السيف، كان هناك صندوق صغير يُصدر ضوءًا خافتًا. شكل الدائرة السحرية على القفل بدا مألوفًا.
فتّشت فيفيان جيبها بسرعة.
“نفس الشكل.”
كان الأثر الذي سرقته مطابقًا للقفل تمامًا، كأنه انعكاس في مرآة.
عندما أدخلت فيفيان الأثر في فتحة القفل، سمعت صوت طقطقة ، و انفتحَ الصندوق. بداخله كانت الكرة البلورية الحجرية.
لم تكن خبيرة بالسّحر، لكنها أدركت بحدسها:
هذا هو الشيء الذي سيُكمل خطّة يوهانس.
وخطّتها أيضًا.
أصبح تنفّس فيفيان مضطربًا من التوتر. استعدت لأخذ القطعة بعد أن تنفست بعمقًا، لكن…
“كنت أشعرُ أن هناكَ خطأً ما.”
كأن دلوًا من الماء البارد سُكب عليها، تجمّد قلبها عند سماع الصّوت من خلفها.
عند المدخل المفتوح، كانَ يوهانس واقفًا.
“كنتُ أعلم.”
تمتمَ بنبرةٍ خافتة، و رفعَ شعره الأمامي . كانت نظرته إلى فيفيان مخيفة.
“هل كلّ هذا من خطة أصلان؟”
“عن ماذا تتحدّث؟”
“إرسال خطيبته وحدها إلى معسكر العدوّ. هل هذه جرأة أم إهمال؟”
اقتربَ يوهانس ببطء، شابكًا شفتيه بسخرية.
تراجعت فيفيان بحذر، لكنها أصدرت وجهًا محتارًا عندما اصطدمَ ظهرها بالخزانة. لم يكن هناكَ مكانٌ للتّراجع.
“لو لم أتلقَ تقارير تفيدي بغياب أصلان عن الجبهة، لكدتُ أفسدُ الأمور. أنا أعلم.”
“…..”
“إنه ينتظر لحظتنا الأخيرة بقدر ما أنتظرها أنا. هو ليس من النّوع الذي يهرب منَ المعركة النهائية، لذا كلّ هذا تمثيل لخداعي.”
تظاهرَ بالتراجع في ساحة القتال، وتظاهرَ بأنه في موقف دفاعي بسببِ التحوّل إلى وحش.
‘كلّ ذلكَ كانَ جزءًا من خطة…’
شعرت بالارتياح من جهة، لكنها لم تستطع تبديد شكوكها. لم تفهم ما يحدث.
“بما أن الأمور وصلت إلى هنا، يجب أن تخوني أصلان، أيتها الأميرة.”
“أخونه؟”
“ألم تعلمي؟”
اقتربَ منها بخطوةٍ واسعة وأمسكَ برقبتها النحيلة.
كأنه سيخنقها في الحال.
“عندما تخون رفيقة الوحش، ينفجر قلبُ الوحش ويموت. تخيّلي كم سيكونُ يائسًا عندما يدرك أنكِ سُرقت منه.”
“…..”
ضيّقت فيفيان عينيها بدهشة، ثم توقّفت.
من نظرة يوهانس التي تفحّصت رقبتها، استنتجت المعنى الدقيق لكلمة “خيانة”.
ليتها لم تفهم، لكنها، للأسف، أدركت ما يقصده.
في اللّحظة التي حاولت فيها سحب سيفها، اندفع روبين، الذي كان مختبئًا في الزاوية، و عيناه تلمعان، نحو يوهانس.
“مت!”
“كيف يجرؤ هذا الكيميرا!”
تصادمت طاقة روبين السحرية مع هالة سيف يوهانس، مما تسبّبَ في موجة هائلة اجتاحت المكان.
لم تتحمل فيفيان الضغط، فاندفعت وسقطت. في الوقت نفسه، تردّدتْ صيحات عالية ودويّ حوافر خارج المعسكر.
“هجوم! هجوم العدو!”
“الجميع، استعدوا للقتال! احموا جلالته!”
“أنقذوا!”
اختلطت صيحات الفرسان اليائسة في فوضى. لكن، قبل أن تفهم ما يحدث، تغيّر المكان الذي كانتْ تقف فيه فيفيان.
“آه…”
كانت ملقاة في مكان ما في الجبال.
من الخيوط الرفيعة التي تطفو في الهواء، بدا أن روبين حاول! الهروب، لكنها سقطت في الطريق، ولم يكن هناكَ أي أثر لأحد حولها.
رمشت بعينيها بحيرة، ثم التقطت شيئًا عند قدميها.
لحسنِ الحظ، كانت الكرة البلورية هناك. و سيف الإمبراطور الأول بالقرب منها. بسببِ الوضع العاجل، يبدو أن الأشياء القريبة نُقلت معها.
نهضت فيفيان متعثرة، وهي تنفض الغبار عن ملابسها.
“أين أنا؟ الظلام لا يسمح برؤية شيء…”
“هوو، في النّهاية، بقينا وحدنا.”
توقّفت فيفيان وهي تتفقّدُ المنطقة.
شعرتْ بحركةٍ في الظلام. لم تكن وحدها.
تراجعت بسرعة وسحبتْ سلاحها من خصرها. سيف إليونورا الأولى لمعَ بشكلٍ خافت تحت ضوء القمر.
“هل تنوين المقاومة حتى النهاية؟”
لم تجب.
“هل تظنين أنكِ تستطيعينَ هزيمتي؟”
“…..”
“لا تقلقي. ستكونينَ الإمبراطورة الأكثر حبًا في تاريخ القارة.”
“لا أحتاج إلى هذا الهراء.”
نسيتْ كلّ آداب التّعامل مع النبلاء، وخرجت كلماتها قاسية.
كانت تعلم أنّ مهاراتها في السيف لا يمكن أن تواجه هذا الوحش.
لكن، لمرّةٍ واحدة فقط. لو أتيحت لها فرصة واحدة.
‘سأنقل اللعنة إلى يوهانس، أفعّل سحر الكرة البلورية، ثم أطعن قلبه.’
القلب كانَ مركز السبعة نقاط التي تتدفق فيها الطاقة السحرية.
إذا انفجر، لم يكن حتى أقوى الشياطين ليبقى على قيد الحياة. كانَ هذَا الاستثناء الوحيد الذي يمكن أن يقتل رفيقة الوحش.
طعنُ القلب المحمّل باللعنة.
‘فرصةٌ واحدة فقط…!’
مستغلة لحظة غفلة يوهانس، ركلت الأرض و هوت بسيفها.
تقلّصت المسافة بينهما في لحظة. برقت عيناها الزرقاوان بنيّةٍ قتل مخيفة.
“آه!”
تفاداها يوهانس بحركة غريزية، لكن سيف فيفيان تبع رقبته بعناد.
لا يجب أن تمنحه فرصة للمس السيف.
بعد أن دفعته إلى الدفاع بهجوم شرس، كانت على وشكِ توجيه الضربة القاضية.
“يا للبؤس.”
“آه!”
“جهودكِ وأنتِ تعلمين أنكِ لن تنجحي لطيفة و… أنا حقًا حالة ميؤوسة.”
أوقفَ هجومها اليائس بإشارة يد واحدة.
صدّ السيف الذي استهدف رقبته بحركة سلسة، ثم انتزع معصمها الذي يمسكُ السّيف بعنف وجذبها إليه.
فقدت توازنها وسقطت في أحضانه. نظرَ إلى السيف الذي انتزعه منها.
“مهلاً… هل هذا سيف إليونورا الأولى؟”
“أعطه لي!”
عضّت فيفيان على أسنانها، وسحبت خنجرًا وطعنته في رقبته.
لو كانَ شخصًا عاديًا، لكان قد مات، لكن يوهانس تفادى الهجوم بصعوبة، و مسحَ رقبته المؤلمة.
كانت هناك قطرة دم على أطراف أصابعه.
“يقولون إن الوردة الجميلة لها أشواك، والأمثال لا تخطئ.”
“لذلك قلتُ أعطه لي…!”
“يبدو أنني سأضطر لكسرها مرّة واحدة، لئلا تعتقدي أنكِ تستطيعين المقاومة.”
برقت عينا يوهانس، بعد أن رأى الدّم، بابتسامةٍ مخيفة وجميلة.
شعرت فيفيان بالخطر، فتراجعت غريزيًا. في تلكَ اللحظة، تردّد صوت رحل مخيف في أذنيها، و سقطت خصلات شعرها متفرقة.
ابتسمَ يوهانس، ممسكًا السيف بشكلٍ صحيح.
ما تبع ذلكَ كان قتالًا عنيفًا.
بل، في الواقع، كان مجرّد مقاومةٍ بائسة من فيفيان، التي حُشرت في الزاوية.
جُرحت عدّةَ مرات بشفراته التي هُويت كلعبة، وسقطت على الأرض.
صعدَ يوهايس فوقها، ممسكًا برقبتها بقوّة.
التعليقات لهذا الفصل " 124"