سارعَ يوهانس إلى تمزيق خيوط العنكبوت التي كانت تُكبّل فيفيان، ثم حملها بين ذراعيه.
عندما رأى الفرسان ذلك، خلعوا أرديتهم وقدّموها، لكن يوهانس أوقفهم ولف رداءه الخاص حول جسد فيفيان بنفسه.
“لقد فقدتْ وعيها. كم من الوقت كانت هنا؟”
“جلالتك، من الأفضل أن ننزلَ الآن. هذا المكان خطير.”
“حسنًا، فلنفعل ذلك. أعدّوا الطبيب الملكي.”
على الرّغمِ من تحذيرات الفرسان، صعدَ يوهانس على حصانه وهو يحمل فيفيان بين ذراعيه.
فيفيان، التي كانت تأمل في الابتعاد قليلًا، تُطلق تذمّرًا داخليًا بينما تتفقّد الوضع في الخلف.
تحوّلَ الوحش أراكني إلى عنكبوت بحجم قبضة اليد، وما إن رمش بعينيه حتى بدأوا، كما توقّعت، في التعامل بحذر مع الكيميرا الذي عاد، و وضعوه في قفص.
من الأجواء، بدا أن روبين سيتمكّن من التسلّل إلى معسكر العدوّ دون صعوبة تُذكر.
تنفّست فيفيان الصعداء داخليًا، و ركّزت على إرخاء جسدها لئلّا تبدو مشبوهة. لكن يوهانس، الذي كان يُحيط خصرها بذراعيه، ضمّها إليه أكثر.
“أن تعود الاميرة إلى أحضاني هكذا…”
مع صدمة حصانه الذي بدأ يعدو، ازدادت قوة قبضته التي تُحيط بها.
“لن أدعكِ تذهبين أبدًا بعد الآن.”
لم يكن لديها وقت للتفكير في معنى كلماته، إذ هزّتها حركة الحصان و دويّ حوافره الصاخب يملأ أذنيها.
وهكذا، غادرت فيفيان الشّمال.
* * *
دوّى صوت تحطّم مدوٍّ عندما سقطت خزانة الزينة الثقيلة المعلّقة بالأسلحة. لكن حتى هذا الصوت غرق وسط صرخات مُمزّقة للحنجرة.
“آه، أآه!!”
تمايل أصلان بضعف وهو يُمسكُ بقلبه، و يتنفّس بصعوبة.
كانت الطّاقة السحريّة المظلمة، التي تتدفّق كالبركان، تسري في عروقه وأعصابه، مُسبّبة ألمًا لا يُمكن وصفه بالكلمات.
لو كان إنسانًا عاديًا، لكان قد فارق الحياة منذ زمن.
‘أنا أحبّكَ، أصلان.’
حتى وسط الألم الذي يحرق جسده كالنار، كان وجهها الذي همسَ بحزن هو الوحيد الذي يدورُ في ذهنه.
تلكَ العيون المملوءة بالخوف وهي تنظر إلى الكرة البلوريّة، ثم عزيمتها و هي تُضخّ الطّاقة السحريّة فيها، لتحبس اللعنة القاسية في جسدها الهشّ وتختفي.
حبّي الذي ضاع.
‘كيكيكيك! أيتها الفتاة الغبيّة.’
ومع ذلك، كانت سخرية مألوفة كجزء منه لا تزال تتردّد في أذنيه.
ضحّت فيفيان بنفسها لتأخذ نجمة الشؤم معها، لكن كان الأوان قد فات.
انتقلت علامة اللعنة إليها، لكن الشيطان كان قد اندمج بالفعل مع روح أصلان، متجاوزًا جسده. كان ذلك نتيجة تكرار تحوّله إلى شيطان مرات عديدة منذ زمن بعيد.
“آه…!”
مع موجةٍ أخرى من الألم الشديد، تصلّبَ جسد أصلان.
بسبب الطّاقة السّحريّة المحترقة كالنيران، لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه. في هذه اللحظة من العذاب، كان وحيدًا تمامًا.
إذا كان هو يعاني هكذا، فكم من الألم الهائل تتحمّله فيفيان وحدها؟
كادَ أن يفقد عقله.
أرادَ أن يتأكّد على الفور أنها بخير. أراد أن يحتضن جسدها الهشّ الذي يبدو و كأنه سينكسر، ويبتلع كل دمعة تذرفها.
كونها غائبة عن يديه، كونها قد هربت إلى مكان لا يستطيع الوصول إليه…
‘إذن، اجعلها غير قادرة على الهروب.’
‘اخرس.’
‘خذها لنفسكَ إلى الأبد. قبل فوات الأوان.’
كان صوت الشيطان الذي يهمس بقبولها وامتلاكها مقززًا ومنافقًا.
بينما كانَ أصلان يمضغ كلمات قاسية و يحاول الإمساك بشفرة سيفه ليستعيد وعيه، اجتاحته ذكرى جديدة في الفراغ الذي تركته نجمة اللعنة الممزّقة.
تغيّرت رؤيته، وكأنّه يغرق في أعماق البحر البعيدة.
ظلامٌ حالك يعمّ الجوانب. سماء ليل ضبابيّة وهواء رطب على ضفاف البحيرة. وأصابع رقيقةٌ و محبّبةٌ تلامسُ جبهته.
كان شعورًا ممتعًا، فأغمض عينيه متظاهرًا بعدم الانتباه.
“أحبّك، ليون.”
‘أنا أيضًا أحبّكِ. أكثر من أيّ شيءٍ آخر…’
‘هل تعلمين؟ لم أكن أريد إنقاذ العالم، بل أنتِ. أردتُ أن أهديكِ العالم الذي تحلمينَ به بيدي.’
“أحبّك.”
دون أن تعلم ما يدور في ذهنه، همست الفتاة بهدوء كمن يُفشي سرًا، ثم نهضت.
رُفعت البطانية التي كانا يتشاركانها، فتسرّب الهواء البارد ثم اختفى.
كان هناك صوت خفيف لها و هي تتحرّكُ بحذر، ربما تبحث عن ملابسها التي رُميت في مكانٍ ما الليلة الماضية. حتى صوت خطواتها الحذرة على أطراف أصابعها كان محبّبًا للغاية.
‘هل هي خجولة؟’
لو اقتربتُ منها من الخلف وضممتُها، ستُفاجأ بالتأكيد.’
تخيّلَ وجهها بعيون مفتوحة بدهشة، فشعرَ بقلبه يخفق بشدّة لا يمكن السيطرة عليها.
‘أريد رؤيتها الآن.’
كانت ابتسامةٌ مرحة ترتسم على شفتيه.
لكن فجأة، سادَ صمت قصير، تلاه صوت خطى تبتعد بسرعة.
كمن أُلقي عليه دلو ماء بارد، اجتاحه شعور بالقلق. نهض الرّجل بسرعة، و انتزع ملابسه من الأرض.
‘لا، مستحيل.’
‘إنها تمزح، بالتّأكيد هي لاحظتْ أنني استيقظت و تفعل هذا.’
كانَ يُردّد ذلك، لكنها، خلافًا لتوقّعاته، لم تلتفت حتى وهي تُغادر ضفة البحيرة وتنزل الجبل، في اتّجاهٍ معاكس لمكان رفاقها.
‘لماذا بحقّ السماء…؟’
لم يستطع فهم الأمر.
لكن المهم كان إيقافها.
بينما كان ينزلق على منحدر الجبل الحاد ويهمّ بصياح اسمها…
* * *
“هاه!”
تغيّرت رؤيته مرة أخرى.
ظهرت أمامه خيمة فوضوية، أشياء متناثرة وأغراض مقلوبة.
أصلان، أو الرجل، تنفّس بعنف فرك وجهه بيديه.
شعرَ بشعر أشقر يتألّق كضوء القمر تحت نسيم الليل يعلق بذهنه بوضوح.
كان يريد أن يصرخ ويطلب منها الانتظار. أن يقول إنها الوحيدة التي يحتاجها أكثر من أي شخص آخر…
حاول تذكّر وجهها، لكن صداعًا موجعًا اجتاحه.
‘لا تتذكّر. لا تفكّر في أي شيء.’
“آه، أه!”
تمايل أصلان وأمسك برأسه.
‘اللعينة! اللذيذة!’
كانَ الشيطان، الذي فقدَ علامة التضحية، يُثير الغضب. كأنّه ينتقم، ضخّ كميّة هائلة من الطّاقة السحريّة السامّة في أعصابه ودمه.
اجتاحه ألم يجعل التنفس مستحيلاً، كأنّه أُلقي في قاع فرن صهر.
‘لا تعجبني خطتك.’
‘لذلك سأفعل ما أريد. إذا كنت غير راضٍ، انهض و طاردني.’
كلما هدّه الألم حتى كاد يفقد وعيه، كان يتذكّر صوتها وهي تحثّه على ملاحقتها.
دارت في ذهنه تقارير أحد أتباعه التي أشارت إلى أن فيفيان، التي هربت من المعسكر وتجوّلت في الوادي، قد أُسرت من قبل يوهانس.
‘لا يمكنني أن أنهار هكذا، أبدًا…’
إذا لم يتمكّن مِن التغلّبِ على هذا، فسيأخذُ يوهانس فيفيان بالقوّة.
“قلبي لم يعد يحمل علامة الذبيحة، لذا لن أخضع لكَ بعد الآن.”
‘هل تعتقد أنّك ستبقيني محبوسًا في هذا الجسد الضيّق حتى تموت؟ هل تعتقد ذلك ممكنًا؟’
‘لأن لديّ سببًا لذلك.’
“حتى لو كان عليّ أن أهوي إلى قاع الجحيم متشابكًا معك، فهناك من يجب أن أحميه…!”
في اللّحظة التي فتح فيها أصلان عينيه وأمسكَ بسيفه، تبدّدت الطّاقة السحريّة التي كانت تملأ المكان فجأة.
“سيدي، هل أنتَ بخير؟”
“سيدي!”
اندفعَ أتباعه، الذين لم يتمكنوا من الاقتراب بسبب الطّاقة السّحريّة المشتعلة، وفتحوا خيمة الدّوق الأكبر.
على عكس توقّعاتهم القلقة، كانَ أصلان يقف عند المدخل، يدير ظهره بهدوء.
“سيدي…؟”
لكن الفرسان لاحظوا شيئًا غريبًا على الفور.
اختفت الطاقة السحريّة التي كانت تُعمّ الجو تمامًا، لكن بدلاً منها، شعروا بكتلة من الطّاقة السحريّة الأكثر بدائيّة وقوّة تنبعث من أمام أنوفهم مباشرة.
يُطلق على البشر الذين ابتلعهم الشيطان اسم “الذبائح”.
فماذا يُسمّى الإنسان الذي ابتلع شيطانًا؟
“سوف ننقذُ فيفيان.”
آه، أليس هذا شيطانًا بالفعل؟
* * *
مضى أسبوع منذ أن استقرّت فيفيان في معسكر الجيش الإمبراطوري.
خلالَ هذه المدة، حظيت بمعاملة فائقة الرفاهية.
رغم الحرب، أُعطيت خيمة فاخرة خاصة، وُكّلت إليها خادمة خاصة و حراسة من النخبة، ولأسباب غير معروفة، كان النبلاء المخضرمون يخفضون رؤوسهم احترامًا عند رؤيتها.
لكن، بغضّ النّظر عن معاملة الآخرين، كانت فيفيان مشغولة للغاية.
“أين بحق السّماء أخفاه؟!”
كانت الآن في خيمة نائية تُستخدم كمخزن، تفتّش الصناديق المتراكمة كالجبال واحدًا تلو الآخر، ثم تعيدها إلى مكانها. كانت تلهث، لكن لم يكن لديها وقت للراحة.
“ليس هنا أيضًا؟”
كانَ المكان بالتأكيد لتخزين الأدوات السحريّة، لكن الشيء الذي تبحثُ عنه لم يظهر حتى بمقدار شعرة.
ولو نبت شعر على الكرة البلوريّة، لكان ذلكَ كارثة، لكن هذا هو الواقع.
بينما كانت تمتصّ الطاقة السحريّة المتسرّبة من روبين باستمرار و تبحث في المخزن، اقترب فجأة عنكبوت صغير و همس بشيء إلى العنكبوت الملكي.
تقلّصت عينا الفتى.
“سيدتي، الرجل الأشقر… عاد.”
“بهذه السرعة؟”
ألقتْ فيفيان الصّندوق الذي كانت تحمله بقوّة. يبدو أنها لن تجد هدفها اليوم أيضًا.
ما إن أمسكَ روبين بيدها الممدودة حتى تغيّر المشهد حولها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 122"