“ما هذا؟ أيّ قانون هذا؟”
“……”
“كنتَ تُعاملني بلطف و تناديني بالسّيدة، والآن تريدُ فجأةً إرسالي إلى القارة الشرقية؟”
لم يقلْ ديلان شيئًا. شعرتْ من صمته بإصراره على عدم مواصلة الحديث.
بغضّ النّظر عن مدى تمسّكها أو رفضها، كان مصمّمًا على أخذها إلى القارة الشرقية.
“حقًا، أيّ قانون هذا…”
‘إذا كنتَ ستتخلّى عنّي بهذه السهولة، لمَ كنتَ لطيفًا معي؟’
لقد اقتربوا منها كعائلة حقيقيّة، جعلوها تخفّض حذرها تمامًا، و جعلوا الثقة بهم أمرًا طبيعيًا، ثمّ جعلوها تدركُ مدى وحدتها في الماضي.
من البداية إلى النّهاية، كلّ شيء كانَ حسب أهوائهم.
‘أنا الحمقاء التي شعرت بتأنيب الضمير.’
أمسكتْ فيفيان الكرة الكهرمانيّة بقوّة حتّى أصدرت صوتًا.
ستتخلّى عنْ كلّ شيء دون أيّ تردّد وتصبح حرّة.
سواءَ استيقظ الشيطان و دمّر الإمبراطوريّة أو سقطت، ستنتقلُ إلى القارة الشرقية، ستعيش برفاهية، محاطة بمئة رجل وسيم، و تعيش حياةً فاخرة!
“لنرى ما الذريعة التي استخدمَها.”
حاولتْ فيفيان تهدئة صوتها المرتجف بصعوبة وفتحت الظّرف.
* * *
[عندما تصلكِ هذه الرسالة، سيكون الوضع قد وصل إلى نقطة لا رجعة فيها.
أنا آسف.
هناكَ شيء لم أستطعْ قوله لكِ.
كدليل على أنّكِ رفيقة وحشٍ ملعون، فإنّ الختم يضمن أنّكِ لن تموتي.
حياة و موت الرّفيقة مرتبطان بالوحش، لذا نُقش في قلبكِ شيءٌ شرّير و قبيح يمنع الموت حتّى.]
في اللّحظة التي رأت فيها خطّ أصلان القويّ والبسيط، خفق! قلبها بحماقة.
كما لو أنّ اللعنة لم تكن الشّيء الوحيد المنقوش في قلبها…
[طالما أنّ جسد الوحش يتنفّس، لن تموتي.
لذلك قرّرتُ أنْ أعيش.
لأنّكِ موجودة، لا أستطيعُ أنْ أموت.
حتّى لو أصبحتُ دميةً حيّة، سأحميكِ بطريقتي الخاصّة، فأرجو أن تكوني سعيدة.]
مسحت فيفيان بأطرافِ أصابعها الأجزاء المشطوبة بالحبر الأسود.
لا، في الحقيقة، كانت تعرف دون أن تنظر.
حتّى لو أصبحَ دمية يوهانس، الذي كانَ يكرهه بشدّة، وحتّى لو عاشَ مع الشيطان في جسده الضيّق حتّى نهاية العالم.
و مع كلّ ذلك، قال إنّه سيبقى حيًّا .
‘من أجل حمايتي…’
بسبب تضحيته بنفسه و التي لا يمكن تفسيرها إلّا بهذا السّبب الوحيد، أدركتْ فيفيان، رغمًا عنها.
إنّه يحبّها.
‘آه، أصلان.’
انهارت فيفيان وهي تمسكُ وصيّته بكلتا يديها. كانت قطرات الماء تتساقط على ظهر يدها التي تستند إلى الأرض.
“يجب أن تذهبي الآن.”
“…..”
في الماضي، كانَ يكفي أن تتظاهر بالبكاء أو تتعثّر قليلًا لتمسكَ يد قويّة كتفيها، وتعانقها بحنان كما لو أنّ السقوط لحظة واحدة أمرٌ ثمين.
لم يمرّ عام بعد، لكن تلكَ الذكريات بدت وكأنّها من زمن بعيد. لم يكن هناك أحد ليواسيها وهي ملقاة على الأرض الباردة تبكي.
رفعت فيفيان رأسها وهي تمسحُ عينيها .
كانت الدّائرة السّحريّة التي تكبّل أصلان تومض بضعف، وتظهر شقوقًا هشّة على أطرافها، كما لو أنّها ستنهار في أيّ لحظة.
‘منذ متى كنتُ أميرة تنتظر مساعدة بطل؟’
كانتْ دائمًا وحيدة منذ البداية.
لم تنتظر أحدًا ليواسيها أو يمسكَ بها. اتّخذت قراراتها بنفسها وتصرّفت بنفسها.
كانَ ذلكَ طبيعيًا.
“أصلان.”
نهضت فيفيان وهي تمسحُ الدّموع من خدّيها بقوّة.
على الرّغمِ من تحذيرات الخطر، جلستْ بجانبِ رأس أصلان ومالت نحوه.
كانت عيناه، و هو يتنفّس بصعوبة من ألم الطاقة السحريّة الهائجة، خاليتان من البريق الذي اعتادت عليه.
ومع ذلك، كانَ يبدو مؤلمًا و محبوبًا إلى هذا الحدّ.
“خطّتكَ لا تعجبني.”
داعبتْ فيفيان خدّه بلطف.
حتّى وهو فاقد للوعي، بدا وكأنّ لمستها تريحه، وأصبحت أنفاسه أكثر هدوءًا قليلًا.
“لذا، سأفعل ما يحلو لي. إذا كنتَ غير راضٍ، انهض و طاردني.”
لمعَ الحجر السحريّ في يدها بنور مشؤوم.
عكستْ فيفيان اللعنة، مقلّبة بين الطرف الذي يزرعها والطرف الذي يتلقّاها.
كما لو أنّه أدركَ نواياها، ارتجفَ السرير بعنف. تسرّب صوت خشن مشبّع بالدّم بين أنفاسه المتقطّعة.
“لا. آه، لا يمكن.”
“…..”
“لا تفعلي، آه! فيفيان…!”
“إذا لم تطاردني بسرعة، سأتزوّجُ من رجلٍ آخر”
حاولتْ أن تضحكَ مازحة، لكن صوتها ارتعش. على الرّغمِ من كلامها الجريء، كانت خائفة. كان قلبها يتردّد بجبن.
شعرت أنّها إذا استمرّت هكذا، ستهربُ مرّة أخرى، فأغمضت عينيها بقوّة.
“أنا أحبّكَ، أصلان.”
عندما نفثت الطّاقة السحريّة في الحجر كما علّمها هيسيوس، ومضت رؤيتها بالسواد، و غمرتها آلام ساحقة كما لو أنّ قلبها يُسحق بحجر.
لم تستطع حتّى التّنفس من شدّةِ الألم، فأمسكت صدرها وصرخت صرخة صامتة.
“أآ، آه…”
من مكان بعيد جدًا، بدا وكأنّ صرخة أصلان تصل إليها.
توقّف السّرير، الذي كان يهتزّ بعنف، فجأةً. اختفت الأصوات الحادّة التي كانت تمزّق الأذنين، والطّاقة السحريّة السوداء التي كانت تتدفّق بعنف.
مسحت فيفيان قلبها النابض بألم بيدها المرتجفة.
لم تكنْ بحاجةٍ إلى النّظر لتعرف. لقد انتقلت اللّعنة بالكامل.
‘بالنسبة لشخصٍ عادي، فإنّ عمليّة نزع السحر الأسود ستسبّب ضررًا هائلًا للجسد و الرّوح، لكن لحسن الحظ، أنتِ بطبيعتك غير متأثّرة بالطّاقة السحريّة.’
شعرت بوضوح بجسدها و هو يتمزّق ويعاد بناؤه بعد قبول اللعنة الجديدة.
حتّى مع طبيعتها غير الحسّاسة للطاقة السحريّة، كان الأمر ثقيلًا إلى هذا الحدّ. كم كانَ الألم الهائل الذي يتحمّله أصلان من بمفرده طوال هذا الوقت؟
تنفّست فيفيان ببطء، منتظرة حتّى تهدأ رعشتها.
“ما الذي فعلتِه، أيتها…”
في تلكَ اللحظة، أيقظها صوتٌ مخيف ومتقطّع.
كانَ أصلان يحدّقُ بها بوجهٍ شاحب تمامًا.
بالنسبة لشخصٍ عادي، كانَ الألم سيجعله يفقد وعيه، لكنّه كانَ يصمد بقوّة، و عروق عينيه تنفجر من الجهد.
“هل أنتَ غاضبٌ لأنّني قلتُ إنّني سأتزوّج من رجل آخر؟”
“فيفيان…!”
“لمَ يطلب منّي شخصٌ مثلكَ المغادرة؟”
ضحكت فيفيان بنعومة.
كانَ عليها الرّحيل الآن، بينما كان أصلان مشلولًا من الصدمة. إذا تعافى، لن تكون هناك فرصة أخرى.
“وداعًا، أصلان.”
اهتزّت الخيمة بأكملها، وهبّت ريح قويّة.
قفز روبن من جيبها وامتصّ الطّاقة السحريّة الكثيفة. في لحظة، أصبح العنكبوت الوحشيّ أراكني هائلًا، وأضاءت عيونه الثمانية وهو ينظر إليها.
“بيي.”
“… هيا بنا.”
مدّتْ فيفيان يدها المرهقة، فلفّتها خيوط العنكبوت الفضيّة كشرنقة. بدأ شكلهما يتلاشى تدريجيًا.
“فيفيان، لا! فيفيان!”
صرخَ أصلان وهو يلهث من صدمة نزع اللعنة، وحاول النّهوض. استند إلى السرير واندفعَ نحو المكان الذي كانت فيه فيفيان.
لكنّهما اختفيا بالفعل.
لم يبقَ في المكان الذي أمسك به أصلان سوى خيوط فضيّة تذوب في الهواء كأثر متبقّ.
“آه، آههه!”
‘وداعًا، أصلان.
وداعًا.’
تردّدَ صوتها، وهي تهمس وكأنّها تودّعه إلى الأبد، كصدى في الفضاء.
* * *
في القصّة الأصليّة، تسبّب أصلان في انفجار سحريّ أثناء دفاعه عن الخط الأخير في الحرب.
لم يكن لديه خياراتٌ أخرى بعد أن أُجبر على التراجع إلى أقصى شمال القارة، بلاكفورد. واصلَ القتال بيأس، قامعًا الطّاقة السحريّة التي كانت تمزّق جسده.
لم تستطع البطلة تحمّل رؤيته هكذا، فاندفعت للخارج، لكنّها أُمسكت و خُطفت من قِبل أتباع يوهانس.
‘إنّها مقامرة إلى حدّ ما، لكنّها تستحقّ المحاولة.’
تحتَ ظلام اللّيل، استقرّ ضوء القمر الخافت.
ابتعدت فيفيان كثيرًا عن معسكر الجيش الشمالي، ورفعت شعرها المتناثر مع الريح وهي تقفز من على ظهر العنكبوت.
“بيي…”
“أنا بخير.”
طمأنت الوحش القلق، الذي كانَ يحرّك عينيه، وهي تقيّم حالتها الجسديّة.
مع اكتمال اللعنة الناقصة، اختفت أعراض السلّ المزعجة تمامًا. ومن المفارقة أنّها لم تشعر بحالة أفضل منذ استحواذها على هذا الجسد.
حتّى خطرت لها فكرة سخيفة أنّها ربّما تكون مناسبة للعنات.
‘هل أصلان بخير؟’
على عكسها، التي كانت تكاد لا تتأثّر بالطاقة السحريّة، كان أصلان حسّاسًا جدًا لها.
بما أنّ اللعنة، التي كانت كجزء منه، أُزيلت بالقوّة، لا بدّ أنّه عانى من ألمٍ شديد. هل هو يلومها؟
هزّت فيفيان رأسها لتتخلّص من شعور الأسف.
إذا فكّرت في الأحداث التي تسير بالتوازي مع القصّة الأصليّة، فمن المفترض أن تُختطف الليلة من قِبل أتباع يوهانس. لم يكن لديها وقت للغرق في التأمّلات.
“أخبر يوهانس أنّكَ لازتَ تحتَ تأثير غسيل الدماغ وأنّكَ اختطفتَني.”
“بيي.”
“بعد ذلك، افعل كما شرحتُ لكَ مِن قبل.”
هزّ العنكبوت رأسه بعنف.
كان يعني أنّه لا يريد الانفصال عن سيّدته، و يريد العودة إلى جيبها الداخليّ.
كانتْ تصرفات روبن دائمًا سهلة الفهم، لكن بعد قبول اللعنة بالكامل، أصبحت أفكاره واضحةً كأنّها تقرأها.
ربّما لأنّه وُلد بقوّة الشيطان أستاروث.
“إذا اكتُشف أنّ غسيل الدماغ قد زال، ستكونُ في خطر. لذا، مهما حدثَ لي…”
“بيي، بيي.”
“يجب أن تتظاهرَ بأنّكَ لا تعرف. هل يمكنكَ فعل ذلك؟”
بينما كانت تقنع العنكبوت الملكيّ الذي يرفض بعنف، أغلقت فيفيان فمها فجأة.
كانتْ هناكَ أصواتٌ عديدة تقترب بسرعة. لا بدّ أنّهم أتباع يوهانس الذين يتفقّدون محيط الوادي.
كما لو كان الأمر متوقّعًا، تظاهرت فيفيان بالإغماء وسقطت، فلفّها روبن بخيوطه بسرعة.
‘راحة لا تتزعزع.’
كان داخل الشرنقة ناعمًا كالسرير.
بل إنّ روبن، ربّما ليجعلها أكثر راحة، وضع خيوطًا متكتلة تحت رقبتها. قبلت فيفيان لطفه بامتنان وأغمضت عينيها.
بعد قليل، بدأت تسمع أصواتًا متجمّعة.
“إنّه ذلك الكيميرا. ظننتُ أنّه أُعدم، لكنّه لا يزال حيًا.”
“يبدو أنّ سحر غسيل الدماغ لم يُكسر. إذا كان قويًا إلى هذا الحدّ، يمكن استخدامه مباشرة ضد وحش الشمال…”
“انتظر، هناكَ شخص تحت الكيميرا!”
توقّفت الأصوات، وشعرت بتبادل النظرات. كان هناكَ اتفاق صامت أنّه إذا سُمعت محادثتهم، فلن يتركوها على قيد الحياة.
‘لم أتنصّت، أنتم من تكلّمتم بلا مبالاة!’
أرادت أن تصرخ، لكن فيفيان ظلّت صامتة.
“الأميرة؟”
تسبّبَ صوت معيّن في أن تفتح أذنيها، حتّى وهي تتظاهر بالإغماء.
التعليقات لهذا الفصل " 121"