كانت عينا هيسيوس، وهما تحدّقان في فيفيان، صافيتين وساكنتين كبحيرة في يوم شتويّ.
أدركتْ فيفيان أنّ اعترافه بحبّه لها كان صادقًا تمامًا، دون ذرّة كذب. كانت عيناه نقيّتين لدرجة أنّه يمكن رؤية مشاعر قلبه بوضوح.
كانَ مختلفًا عن أصلان.
أصلان، الذي يتوق إليها بحرارة، ويعلمُ أنّه سيموت محترقًا، لكنّه يقفز إلى النار رغم ذلك، مدفوعًا برغبةٍ و هوس ساحقين…
‘حتّى في هذه اللحظة، أفكّر في أصلان.’
بفضل اعتراف هيسيوس، أصبحت مشاعرها تجاه أصلان أكثر وضوحًا.
ربّما هي تشبهُ العثّة الحمقاء التي تطيرُ نحو النار.
“أنا آسفة، هيسوس.”
“هل تخافين لأنّني لستُ بشريًا؟”
“ليس لهذا علاقة بالأمر. نجن نعيش في عالمٍ حيث يتحوّل الناس إلى وحوش، وتُنقش اللعنات على قلوب سليمة. ما الذي سيتغيّر إذا أضيف تنّين إلى الأمر؟”
بما أنّ هيسيوس جزء من الطبيعة، فلا فائدة من إخفاء هويّة أصلان عنه.
علاوةً على ذلك، عندما كلّفته بالمهمّة الأخيرة، ألمحت إلى اللعنة إلى حدّ ما. لم يكن من الممكن إتمام السحر دون ذلك.
‘أصلان يحمل لعنة مثلي. كانت في الأصل لوليّ العهد، لكنّه، وهو في رحم أمّه، تحمّلها بدلًا عنه.’
‘لديّ الكثير من الأسئلة.’
‘ألم تعِدني بألّا تسأل شيئًا؟’
في القصّة الأصليّة، أرادَ يوهانس كسر سلسلة لعنة ولادة الوحوش في العائلة الإمبراطوريّة.
لذلك، ابتكرَ سحرًا يمكنه حبس الشيطان في جسد أصلان.
كان مبدأه يعتمد على تقييد الشيطان في القلب وإيقاف الزمن في الجسد، مما يجعل المرء لا يشيخ ولا يموت، ويمنع الشّيطان من الانتقال إلى جسد جديد.
حتّى تنهار أسرة أستاروث الإمبراطوريّة، سيظلّ أصلان مجرّدَ دمية حيّة.
‘أريد إعادة لعنة أصلان إلى يوهانس. أحتاج إلى سحر يعيد التشوّه إلى مكانه الأصلي.’
‘بالنظر إلى طبيعةِ اللّعنة، الأمر ليس صعبًا… لكن هناك شيء غريب. تغيير هدف اللعنة؟ قد يكون ذلك ممكنًا لمدّة عام أو اثنين، لكن ليس مدى الحياة.’
‘لماذا؟’
‘اللعنات تميل إلى العودة إلى مكانها الأصلي. إنّها شديدة التعلّق بالضحيّة.’
لا يوجد سحرٌ في العالم يمكنه إزالة لعنة تمامًا.
ولا يوجد سحرٌ يمكنه نقلها إلى هدفٍ جديد إلى الأبد.
لكن هل نجح؟ كانت مجرّد مصادفة بدت كما لو أنّها نجحت.
‘هدف اللعنة الحقيقيّ لأسرة أستاروث… أي الشخص الذي نُقشت عليه اللعنة أوّلًا، هو الدوق نفسه.’
أدركَ هيسيوس شيئًا لكنّه لم ينطق به.
وبما أنّه سكت، لم تستطع فيفيان معرفة الحقيقة.
دونَ أن تعرف ما يفكّر فيه الرجل أمامها، واصلت:
“لذا، رفضي لاعترافكَ ليس لأنّكَ ناقص.”
“إذن؟”
“أنتَ حقًا شخص رائع… أو بالأحرى، تنّين رائع. لكن قبلكَ، دخلَ شخص آخر إلى قلبي.”
“أن أُرفضَ بهذا الوضوح، يا لها من إهانة لكرامة تنّين.”
تحرّكت حنجرته بمرارة.
لكن عندما رفعَ رأسه، ابتسم هيسيوس بحرّيّة ورفع زاوية فمه.
“كما توقّعت، أنتِ صريحة و جريئة، وهذا ما يعجبني. لا يمكن التنبّؤ بكِ، لذا مجرّد مشاهدتكِ ممتع. أنتِ حقًا البشريّة التي أحبّها.”
“هيسيوس…”
“لقد قالت ريجينا…”
‘لا يمكن معرفة ما إذا كان الفائز الأوّل سيظلّ الفائز حتّى النهاية.’
همسَ هيسيوس بشيء لم تسمعه و وضعَ حجرًا سحريًا جديدًا في كفّها.
على عكس الكرة الكهرمانيّة السابقة، كان هذا الحجر يتلألأ بلون أحمر داكن مشؤوم.
“هذا هو الشيء الذي طلبتِه. سحرٌ يمكنه عكس كلّ التشوّهات.”
“هذا هو…”
“لكن يجب أن تكوني حذرة عند تفعيله. ابتعدي قدر الإمكان عن نطاقه.”
“لماذا؟”
“عكس التشوّه يعني عكس القدر. في هذه العمليّة، قد تُفتح ذكريات الروح معه.”
أضافَ هيسيوس أنّه لا يمكن التراجع إذا حدثَ ذلك، مع بعض التفسيرات.
كرة الحجر الأحمر تستطيع الصمود لدقيقة واحدة فقط.
إذا لم يتحقّق الهدف خلالَ الوقت الذي ينفتح فيه باب القدر، سيدفع السّاحر الثمن.
‘في اللحظة التي تعود فيها اللعنة إلى يوهانس، يجب أن نجعله يستخدم سحر تقييد الشيطان. إن لم يفعل، فالثمن سيكون…’
شعرت فيفيان بثقل الحجر في يدها بشكل خاصّ.
خبّأته بعناية في صدرها ونظرت إلى هيسيوس.
“شكرًا لأنّكَ استجبتَ لطلبي.”
“لا شيء.”
“إذا أردتَ شيئًا كمكافأة، قُل أيّ شيء.”
“لمَ تقولين ذلك؟ هل تعتقدين أنّني أتظاهر بالطيبة أمامكِ، بينما أتربّص بالفرصة للكشف عن طبيعتي الحقيقيّة؟”
“حسنًا…”
هزّت فيفيان رأسها.
“سأفكّر في ذلك حينها. وقتي محدود، لذا يجب أن أستمتع بالسّعادة الحاليّة بكلّ ما أملك.”
إذا قضت وقتها في القلق والحسابات، فلن تستطيع أن تكون ممتنّة تمامًا لما لديها.
لم تكن حمقاء لتستبدل السّعادة بالقلق. فهي من النوع الذي لا يقبلُ بالخسارة.
“يبدو أنّكِ تقولين ذلك لأجعلني أسمعه. هل هذا يعني أنّني قد أدمّر سعادتكِ بناءً على تصرّفاتي؟”
“لم أقصد شيئًا معيّنًا، لكن إذا بدا لكَ كذلك، فأنا آسفة.”
على عكسِ كلماتها، كانت عينا فيفيان تلمعان بثقةٍ واضحة.
ضحكَ هيسيوس بمرح و تراجعَ ببطء. لفّته طاقة سحريّة فضيّة.
‘كما توقّعت، لا يمكنني التغلّب على الأميرة.’
تردّدت تحيّة لم تتحوّل إلى صوت مثل صدى في الأرض القاحلة.
* * *
غربت الشمس، وعادَ الليل إلى المعسكر مرّة أخرى.
اتّجهت فيفيان، كعادتها، إلى خيمة أصلان الفارغة. فتح الفرسان الذين رأوها المدخل كما لو كان ذلك أمرًا بديهيًا، ودخلت لتجلس على حافّة السرير.
“لن يعود اليوم أيضًا…”
وعدها بالعودة السريعة، لكنّه لم يفِ بوعده.
كانت تعلم أنّ الوضع لا يمكن السيطرة عليه. كان عليها أن تكون ممتنّة لأنّهم لم يخسروا المعركة الأولى ولم يُعزلوا في الشمال كما في القصّة الأصليّة.
ومع ذلك، لم تستطعْ منع نفسها من التذمّر.
لقد مرّت خمسة عشر يومًا وهي تحدّق بيأس في الجبال، وشعورها يحترق من القلق.
“يجب أن أتحدّث إلى أصلان عن اللعنة يومًا ما.”
تكلّمت الكرتين السحريّتين تحت كفّها برنين خفيف.
زرع لعنتها و ختمها في أصلان ليصبحا شيئًا واحدًا كاملًا. ثمّ نقلها إلى يوهانس لتصفيتها.
كانت المرحلة الأخيرة من خطّتها أمامها. إذا أكملت هذا، ستصبح حرّة تمامًا.
لكن لمَ يبدو عقلها مشوّشًا إلى هذا الحدّ؟
هل هي متعلّقة به؟ تعلم جيّدًا مدى تعاستها بجانب رجل لا يحبّها. على مدى السنوات الثلاث الماضية، عانت بما فيه الكفاية…
بينما كانت عينا فيفيان تُغيّمان بالحزن، سُمع صوت صراخ من الخارج.
“امسكوه بسرعة!”
“سيدي، لا تفقد وعيكَ! سيدي!”
نهضت فيفيان مفزوعة، وفُتح مدخل الخيمة على مصراعيه.
دخل أصلان، محمولًا تقريبًا من قِبل ديلان، وهو يتنفّس بصعوبة، ثمّ رفع رأسه.
حتّى في حالته، حيث كان فاقدًا لنصف وعيه من الألم، تقاطعت عيناه مع عينيها بشكل طبيعيّ، كما لو كانا مغناطيسين.
‘عيناه…’
كانتا حمراوين.
بينما كانت فيفيان مصدومة، أغلقَ ديلان مدخل الخيمة وأسندَ أصلان إلى السرير. ثمّ حدثَ شيء لا يُصدّق.
ظهرت دائرة سحريّة واضحة فوق السرير، الذي كان عاديًا حتّى لحظات مضت.
“آه، أخ…”
عضّ أصلان شفتيه السفلى من الألم وكأنّه توقّف عن التّنفس.
تسلّلتْ ظلال تشبه المجسات من الدائرة السحريّة، فتحت جروحه، و تغلغلت في جسده بعمق.
“ما… ما الذي يحدث الآن؟”
“هذا سحر لقمع تحوّله إلى شيطان. لا أعرف إن كان سيجدي نفعًا في هذه الحالة…”
قال إنّه حتّى في حالة الانهيار الوشيك، لم يترك أصلان سيفه، متمسّكًا به بيأس كما لو أنّ السماح للعدو باختراق المؤخّرة يعني النهاية، ونجحَ في استعادة نقطة استراتييجيّة رئيسيّة.
لكن الثمن كان أنّه فاته الوقت للعودة إلى شكله البشريّ.
“إنّ بقاء سيّدنا في شكله البشريّ الآن هو رحمة أخيرة من الحاكم. لو اكتُشف شكلُ الأسد الأسود، لانهار جيشنا إلى أشلاء.”
“إذن…”
“الدوق أليكس يحرس الجبهة، لكن من المستحيل أن يصدّ الجيش الإمبراطوريّ بمفرده.”
قالَ ديلان إنّه سيخرج إلى الجبهة قريبًا، وسلّمَها رسالة احتفظ بها لفترة طويلة.
كان ختم أصلان مطبوعًا على الظرف.
“أعتذر عن كلّ الوقاحات التي ارتكبتها تجاهكِ خلال السنوات الثلاث الماضية، سيدتي. لا أجرؤ على طلب المغفرة. كانَ شرفًا لي أن أخدمكِ ولو لفترة قصيرة.”
“ديلان؟ لمَ أنتَ هكذا فجأة؟ هذا لا يشبهك.”
“أحد رجالي سيأخذكِ إلى مملكة هيرمون في القارّة الشرقيّة. لقد تحدّثتُ مع السيد رافي بالفعل. غادري الجبهة. بأسرع ما يمكن…”
عندها أدركت فيفيان.
الرسالة في يدها كانت وصيّة أصلان.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 120"