كان خدّاها المنتفختان بحنق، وهي تتذمّر من وجود النعامة في ساحة الحرب، محبوبة لدرجةٍ لا تُطاق.
داعب أصلان خدّيها المحمّرين بأطرافِ أصابعه وهو يبتسم.
“نسيتُ أن أشكركِ على النبيذ. لقد استمتعتُ به بفضلكِ.”
“حسنًا.”
“لكن لتدفئة الجسم، هناك طريقة أفضل. مثل هذه اللحظة…”
مدّ أصلان كلماته ببطء و هو يرفع ذقنها.
رمشت فيفيان بعينيها بدهشة، ثمّ انتفضت فجأة ولوّت خصرها. أدركت أنّها كانت مستسلمة في أحضانه دون مقاومة.
تجمّدت نظراته، التي كانت تلمع برضا كوحش نجح في الصيد، مرّة أخرى.
“لن أدع يوهانس يضع قدمًا في هذه الأرض التي أنتِ فيها.”
“…..”
“لا تهملي دواءكِ لأنّني غائب، ولا تتجوّلي في أماكن خطرة. ابقي في الدّاخل حيث الدفء.”
ألقى أصلان نظرةً سريعة على السيفين الموضوعين بجانب السرير. أحدهما كانَ سيف القصر الذي قدّمه لها، والآخر كان سيف إليونورا الأولى.
“على الرّغمِ من أنّه لا يُفترض أن تحدث أمور خطرة، فإنّ هذا معسكر، لذا احملي سلاحكِ دائمًا. أين أراكني؟”
“إنّها نائمة هنا.”
أظهرتْ فيفيان بطانة معطفها قليلًا. كان هناك عنكبوت ملكيّ ممتلئ معلّقًا.
منذ الفوضى التي حدثت في بلاكفورد، كان روبن يبقى دائمًا بجانب فيفيان حتّى دون أن تطلب منه ذلك. لذا، أضافت جيبًا داخليًا ليتمكّن من التعلّق براحة.
“لا تقلق عليّ فقط، بل اهتمّ بنفسكَ أيضًا.”
“لكن…”
“إذا حدثَ لكَ شيء، سأتزوّج مِن جديد فورًا.”
تجمّدت عيناه الذهبيّتان، التي كانتْ تذوب بنعومة، في لحظة.
على الرّغمِ من أنّ نظرات أصلان بدت خطيرة، لم تعرف فيفيان ذلك أبدًا. فهو، أمامها، كانَ دائمًا وحشًا لطيفًا يخفي طباعه الحقيقيّة.
“مَـعَ مَن؟”
“وماذا لو عرفتَ؟”
‘سأمزّقه إربًا حتّى لا يقترب منكِ.’
“مجرّدُ فضول.”
“هناك، هناك شخص ما…”
“ميغيل؟”
كما لو كانَ وحشًا يغري طائرًا خائفًا، أصبحَ صوته ناعمًا. لكنّ يده، التي كانت تداعب خدّيها المحمّرين، شدّت قبضتها دون وعي.
“لمَ ذكرتَ ميغيل؟”
“…..”
“على أيّ حال، هل تريد المزاح حتّى في موقفٍ كهذا؟”
تجهّمَ وجه فيفيان كما لو أنّها سمعت هراءً لا يُصدّق.
عندها فقطْ استرخى تعبير أصلان.
لم يكن فقط لأنّه تلقّى تأكيدًا بأنّ التنّين ليس لديه قلب، بل أيضًا لأنّه أصبحَ واضحًا أنّ فيفيان لم تتلقَّ أيّ كلام خاصّ منه.
لم تظهر أيّ علامة سوى الاشمئزاز من هرائه.
“يجب أن أذهب الآن.”
سُمعت خطوات تقترب من الخيمة. من المؤكّد أنّها للإعلان عن وقت المغادرة.
عندما نهضَ أصلان، أمسكتْ فيفيان يدهُ فجأة.
“عد بخير. لا تُصَب…”
على الرّغمِ من تظاهرها باللامبالاة، كانت عيناها، التي تلمح إليه، مليئةً بالقلق.
أمسكَ أصلان يدها بقوّة للحظة ثمّ أفلتها، آملًا أن تصل مشاعره الحقيقيّة إليها.
“سأعود.”
‘لأنّ المكان الوحيد الذي سأعود إليه هو بجانبكِ.’
* * *
بدأت رياح الرّبيع الدافئة تمتزج تدريجيًا مع الرياح الباردة القارسة.
مرّت خمسة عشر يومًا منذ أن قاد أصلان الجيش للحرب. وعده بالعودة السريعة لم يتحقّق.
كانت فيفيان تسير بمفردها في محيط المعسكر، غارقة في أفكارها.
‘لقد منعتُ خسارة المعركة الأولى، لكن…’
يبدو أنّ تغيير مسار التاريخ الكبير أصعب بكثير من شؤون الأفراد.
لم يحقّق أيّ من الجيشين تفوّقًا واضحًا، فاصطدما بشدّة، وتحوّلت الحرب بسرعة إلى حرب استنزاف.
حتّى ديلان، الذي كانَ يحرس القاعدة الرئيسيّة خارج الوادي، بدأ يفكّر في الانضمام إلى القتال، ممّا يدلّ علَى مدى خطورة الوضع.
‘إذا كان الجوّ في المؤخّرة خانقًا إلى هذا الحدّ، فكيف حال أصلان؟’
كانت الطاقة السحريّة تأتي من قوّة شريرة أطلقها الشيطان العظيم أستاروث.
ساحة الحرب، المليئة بالعداء والقتل، لا بدّ أن تكون مشبعة بالطاقة السحريّة. بالنسبة لأصلان، الوحش الأسود الذي مرّ بتحوّل شيطانيّ سابقًا، ستكون هذه بيئة كارثيّة.
“البقاء في الخارج طويلًا مضرّ بحالتكِ الصحيّة.”
“لكنّني أشعر بالضيق.”
“ما الذي يضايقكِ؟”
“الوضع بالطبع…”
توقّفت فيفيان فجأةً وهي تستدير دون تفكير. لم تعرف منذ متى كان هناك، لكنّ الرجل الذي تقاطعت عيناه مع عينيها ابتسمَ بنعومة.
“مرحبًا بعد طول غياب، أيتها الأميرة.”
“هيسيوس؟!”
“هل أنا مرحّب بي إلى هذا الحدّ؟ ترحيب غير متوقّع.”
“أيّ ترحيب؟ لقد أفزعتني!”
في الحقيقة، قبل مغادرة بلاكفورد، كلّفت فيفيان هيسيوس بمهمّة جديدة.
طلبت منه مساعدة الجيش الشمالي على الانتصار، مقابل منحه أكبر إقطاعية تملكها. كانت الإقطاعية في موقع ممتاز، ممّا يجعل الصّفقة مربحةً جدًا إذا وافق.
‘لكنّه رفض.’
قال إنّه لا يمكنه التّدخّل في شؤون البشر، وهو عذر لم تفهمه تمامًا.
لكن عودته الآن كانت كضوء أمل في موقف خانق. خاصّة في وقت وصلت فيه الحرب إلى طريق مسدود.
“جئتَ في الوقت المناسب. كنتُ أريد طلب شيء منكَ.”
“حسنًا. لكن هل يمكنني الكلام أوّلًا؟”
“ما الذي يجعلكَ تخلق هذا الجوّ…”
“هيا بنا نرحل معًا، أيتها الأميرة.”
توقّفت فيفيان، التي كانت تركض نحوه، فجأة.
“ماذا؟”
شعرت بأنّ بضعَ خطوات تفصلها عنه كمسافة شاسعة. اقترب هيسيوس منها بخطوة واسعة.
“لمَ فجأة…”
لم تشعرْ بذلك من قبل، لكن عندَ مواجهته مباشرةً، بدا أطول و أكثر وسامة ممّا تذكرت.
كان وجهه الشاحب، الذي لم يرَ الشمس، يحمل جمالًا غريبًا غير بشريّ، والطّاقة السحريّة الفضيّة التي تحيط به تحمل نسيمًا منعشًا يشبه جبال الثلج.
“لا أعرف مِن أين أبدأ أو كيفَ أشرح.”
“…..”
“ها، هذا صعب. إنّه شعورٌ جديد بالنّسبة لي.”
أن يتردّد هيسيوس وهو ينظّم أفكاره! الرّجل الذي يُعدّ كارثة ثرثارة بعد ديلان مباشرة.
شعرتْ أنّ الأمر ليس عاديًا، فاستعدّت فيفيان نفسيًا.
‘إقطاعية واحدة مقابل واحدة أخرى.’
كان هيسيوس قد رفضَ أخذ أجر مقابل مهمّة سابقة، كمكافأة لإتمام صفقة مع السيدة جلبت أموالًا طائلة للنقابة.
لكن هذه المرّة كانت مختلفة. إنّها حرب.
‘كساحرٍ عظيم، ربّما يشعر بالحرج من التّراجع عن كلامه.’
لم يتوقّع هيسيوس، ولا هي، أن تصل الأمور إلى هذا الحدّ.
لكن الوضع أصبحَ حرجًا، والأخبار من الجبهة لم تكن مُبشّرة، وكان الجرحى يصلون إلى المعسكر يوميًا.
إذا كان بإمكانها مساعدة أصلان، فلن تبخل بإقطاعيتين ذهبيّتين… كح، على أيّ حال، يمكنها التّضحية بهما.
عندما أنهت استعدادها النفسيّ وكانت على وشك الكلام، قال هيسيوس:
“أنا أحبّكِ، أيتها الأميرة.”
“ماذا؟”
“سألتُ نفسي مرّاتٍ عديدة، لكنّ الإجابة كانت ذاتها. أنا بالتأكيد وقعتُ في حبّكِ.”
رمشت فيفيان بدهشة.
لم تستطع تصديق ذلك. في القصّة الأصليّة، وُصف بأنّه لا يشعر بأيّ عواطف بشريّة. كانَ يسأل ببرود إذا مات شخص أمام عينيه، “وما علاقتي بذلك؟”
ظنّتْ أنّه يمزح بشراسة، فتراجعت خطوة.
“إذا كنتَ تحبّني حقًا، لمَ رفضتَ طلبي قبل الحرب بتلك البرودة؟”
“لأنّني لا أستطيع التدخّل في شؤون البشر.”
“لا أفهم ماذا تعني بعدم التدخّل.”
“حسنًا، سأريكِ.”
أمسكَ هيسيوس يدها و وضعها على خدّه.
بينما كانت تتساءل عمّا يحدث وهي تتبعه، انقلبت رؤيتها فجأةً.
كانا وحديهما في سهل شاسع.
تطفو الغيوم البيضاء في سماء شتويّة شاحبة وباردة. تحوّلت الجبال الثلجيّة الوعرة إلى تلال منخفضة، والأرض القاحلة إلى حقل زهور مزهر ببهاء.
لكن حتّى في هذا المشهد الجميل، كان الشيء الأكثر إشراقًا هو الكائن الذي يواجهها.
“هل يمكن أن…”
كانَ هناك تنّين فضيّ هائل متكوّر بطاعة عند قدميها.
كانت عيناه الشفّافتان كالمرآة تنظران إليها، وكأنّهما تشعران بالإحراج من هذا الموقف، لكنّهما تحملان أيضًا توقّعًا ما.
“أنتَ تنّين؟”
أومأ.
“لا، لمَ يتجوّل تنّين في عالم البشر هكذا…؟”
تسرّبتْ همهمة مندهشة منها دونَ وعي.
دونَ أن تلاحظ أنّ عيني التنّين تتقوّسان بمرح، غرقت فيفيان في تأمّلات قصيرة.
‘أوه، أليست التنانين كبيرة في السنّ؟ إذا كان مسنًّا، هل يجب أن أستخدم لغة فائقة الاحترام؟’
لم تعرفْ الكثير عن التنانين، لكنّها تذكّرت أنّهم جزء من الطبيعة، ويستطيعون استخدام السّحر بحريّة، ويعيشون طويلًا جدًا.
لكنّه على الرغم من عمره الطويل، يتصرّفُ كفتى متهوّر…
“عذرًا، أنا لازلتُ شابًّا لم أتجاوز المئتي عام بعد.”
رمشتْ فيفيان.
عاد المشهد إلى طبيعته المألوفة. تحوّلَ التنّين الهائل عند قدميها إلى شابٍّ وسيم مرّة أخرى.
“في شكلي الحقيقي، أستطيع قراءة أفكار الآخرين. لكن ليس الآن.”
ابتسمَ هيسيوس، مضيفًا ذلكَ قبل أن تُصاب بالصدمة.
“هل تريدين مساعدة الدوق؟”
لمَ يسأل هذا فجأة؟
التنانين، كجزء من الطبيعة، لا يمكنهم التدخّل في قوانين السببيّة البشريّة. فهمت معنى كلامه، لكنّ طريقته المرحة في السؤال جعلتها تشعر أنّ هناك حلًا ما.
“إذا أصبحتِ رفيقتي، سأساعد الدوق.”
“ماذا؟”
عندها تذكّرت فيفيان بداية هذا الحديث.
‘أنا أحبّكِ، أيتها الأميرة.’
‘سألتُ نفسي مرّات عديدة، لكنّ الإجابة كانت ذاتها. أنا بالتأكيد وقعتُ في حبّكِ.’
من صدمة رؤية تنّين حقيقي، نسيت كلّ شيءٍ حتّى تلك اللحظة.
لاحظَ هيسيوس، من تعبيرها، ما يدور في ذهنها، فابتسم وتابع:
“إذا أصبحتِ رفيقتي، سأحصلُ على الحقّ في التدخّل في الحرب. لأنّ الأمر سيكون من أجل رفيقة التنّين الوحيدة في حياته.”
“أيّ هراء هذا…”
“حتّى لو كان هراءً، لا يهمّ. سأخاطر بانتهاك قوانين السببيّة، لأنّني أريد أن أكون معكِ.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 119"