“جسمكِ لا يزال باردًا كالجليد. توقّفي عن قول إنّكِ بخير و أطيعيني.”
كانَ الوقت ضيّقًا لإنهاء الاجتماع قبل غروب الشمس. أرخى أصلان ذراعيه عن خصر فيفيان بوجهٍ متردّد، ثمّ استدعى الفرسان القريبين.
استغلّت فيفيان الفرصةَ للخروج من الخيمة، وبدأت تسرع نحو المكان الذي ربطت فيه جوادها… لكنّها أُمسكت.
انحنى الفرسان المكلّفون بحراستها أمامها بوجه بريء، كما لو كانوا يقولون إنّ هذا ليس الطريق.
“إنّه شرف لنا أن نخدمكِ، سمو الدوقة الكبرى.”
“سنرافقكِ بأمان إلى خيمة سمو الدوق.”
لا أعرف ما الذي قيل لهم، لكنّهم تعاملوا مع فيفيان بحذر شديد، كما لو كانت دمية زجاجيّة قد تنكسر بأدنى صدمة.
“هناك حجر صغير في الطريق، احترسي.”
“الرياح تهبّ، فاختبئي خلفَ ظهري.”
“إذا شعرتِ بصعوبة في التّنفس، سنستدعي الطبيب العسكري.”
كانوا في حالةِ ذعرٍ دائم.
للتوضيح، كانَ الحجر بحجم حبّة رمل، والرياح نسيمًا خفيفًا، و سعالها مجرّد تعبيرٍ عن الامتعاض.
“سنحرس المدخل، فإذا احتجتِ إلى شيء، نادينا في أيّ وقت.”
“ارتاحي جيّدًا.”
تركها الفرسان عند خيمة القائد بعد أن أغلقوا أيّ فرصة للهروب بكلماتهم، ثمّ انسحبوا.
‘أن نكون وحدنا يبدو محرجًا بعض الشيء…’
في الحقيقة، منذ أن أعادت إطلاق خطّة شاطئ الزمرد، بدأت فيفيان تتظاهر بالمرض وتتجنّب أصلان بشكل خفيّ.
كان أصلان، على الأقلّ، يملكُ بعض الضمير، فلم يحاول لمسها.
لكن قبل قليل، شعرت بحرارة خفيّة في قبضته التي ضمّت خصرها بقوّة. حتّى نظراته المتقاطعة معها للحظة، وأنفاسه الخشنة، كانت كذلك.
غريزة البقاء لدى فيفيان… أو بالأحرى، الطائر الصغير، استيقظت بحدّة.
‘هو بالتّأكيد غاضبٌ منّي.’
لم يكن من الممكنِ أن لا يلاحظ شخصٌ ذكي مثله أنّها أصبحتْ فجأةً متردّدة. من المؤكّد أنّه أبقاها هنا لمناقشة هذا الأمر.
كانَ من المحتم أن يحدث هذا يومًا ما، لكنّ التفكير بأنّ أصلان غاضبٌ منها جعلها تشعرُ ببعض الحزن.
“العلاقات صعبة حقًا.”
تنهّدت فيفيان و أخرجت كيسًا صغيرًا.
كان يحتوي على نموذج أوّلي لدواء السلّ من ليام. على الرّغمِ من تحذيره بأنّه لا يزال في مرحلة التجربة، أخذته – أو بالأحرى انتزعته – منه قائلة:
‘سأتناول هذا الدواء. هذا دليل على ثقتي بكَ، تابعي الأوّل.’
شعرت بالأسف تجاه ليام، الذي بدا متأثّرًا وهو يبلّل عينيه، لكنّها لم تكن تثقُ به تمامًا. تذكّرت فقط أنّ القصّة الأصليّة ذكرت أنّ كلّ دواء يطوّره ليام ينجح.
ابتلعت فيفيان الدّواء مع الماء وجلست على حافّة السرير.
كانت خيمتها مجهّزة لتوفير الدفء والراحة بسبب مرضها، بينما كانت خيمة أصلان، رغم اتّساعها، خالية من أيّ زينة، مما يعطي شعورًا قاتمًا.
شعرت حقًا وكأنّها في وسط ساحة الحرب.
“آه…”
استلقت فيفيان على السرير ونظرت إلى السقف.
كانت الأغطية تحتَ يديها أرقّ وأخشن بكثير مقارنة بأغطيتها. بدت مشابهة لأكياس النوم العسكريّة التي يستخدمها الفرسان العاديّون.
‘لكن هذا غريب.’
كان عبير أصلان، الذي يتسرّب إلى أنفها، مريحًا. رائحةّ قويّة و حسيّة، كرائحة ذكر قويّ.
عندما أغمضت عينيها، شعرت وكأنّها في أحضانه، مما جعلَ قلبها هادئًا.
‘أنا ويوهانس كان مصيرنا منذ البداية أن يموت أحدنا.’
في هذه الحرب، هل سيموت يوهانس، أم أنتَ؟
‘أعلم أنّ القدر يقف إلى جانبِ يوهانس، لكنّني أتمنّى ألّا تموت.’
كيف سار الاجتماع؟ من المؤكّد أنّهم قرّروا تأجيل الهجوم لبضعة أيام لأنّ الخروج الآن خطير.
‘إذن، من الآن فصاعدًا…’
رمشت فيفيان ببطء.
في الخيمة الهادئة، كان صوت احتراق الحطب يتردّد كنغمة مهدئة. استسلمت لنعاس مريح وغرقت في النوم.
ثمّ حلّ الظلام.
* * *
في ليلة مظلمة لا يُرى فيها شيء، كان هناك توتّر ثقيل يعمّ المعسكر قبل المعركة الأولى.
تلقّى أصلان التقرير الأخير من الكشّاف الذي عاد من الوادي.
كانت النتيجة كما توقّع.
“المنطقة الخارجيّة للوادي آمنة، لكنّ الطريق يصبح متجمّدًا بالجليد الرقيق كلّما تقدّمت نحو المركز. يبدو طبيعيًا من الخارج، لكنّه خطير لمرور الجيش.”
نظرَ أصلان إلى الخريطة التي قدّمها الكشّاف. كانت هناك علامات حمراء مرسومة في أماكن مختلفة من الوادي.
“هل هذا كلّ شيء؟”
“نعتذر. بسببِ ضيق الوقت، لم نتمكّن من فحص المنطقة بأكملها. هذه نتائج فحص المسارات الرئيسيّة التي سيسلكها جيشنا.”
فركَ ديلان، الذي كان يفحص الخريطة بجانبِ أصلان، ذقنه.
“معظم الممرات الرئيسيّة متجمّدة. سيكون من الصعب التحرّك هكذا. الوضع نفسه ينطبق على الجيش المركزي، لذا ربّما من الأفضل تأجيل الهجوم لبضعة أيام…”
“لا، سنخرج كما هو مخطّط عند الفجر.”
لعبور الوادي، حتّى لو ركضوا دون توقّف، سيستغرق الأمر يومًا كاملًا. للسيطرة على منطقة شاسعة كهذه، كان عليهم المخاطرة والإسراع.
“من يسيطرُ على الوادي سيحدّد مسار الحرب.”
إذا نجحوا في السّيطرة، فسيفتح ذلكَ إمكانيّة دفع الجيش المركزي والتقدّم ، لكن إذا فشلوا، سيعزلون في الشمال.
العزلة دون مخرج تعني الهزيمة.
على الرّغمِ من علمه بأنّ الوضع خطير لتحرّك الجيش، لم يستطع أصلان إلّا أنْ يستعجل.
“انتقل إلى الخطّة الثّانية. أبلغ وحدة الكمين.”
“أمركَ!”
أومأ الفارس برأسه وهرع إلى أليكس، الذي كان يجهّز سرجًا على نعامة. كانت أساليبه الغير متوقّعة في حرب العصابات عنصرًا حاسمًا في هذه الخطّة.
في هذه الأثناء، تولّى أصلان المهمّة الأكثر خطورة: استدراج العدو.
كانَ عليه التظاهر بالتوقّف بسبب الانزلاق على الجليد الرقيق، ثمّ الصمود أمام الجيش المركزي عند دخولهم دون التراجع، حتّى تعبر وحدة الكمين الوادي بسرعة بعد مهاجمة مؤخّرة العدو.
“…..”
لاحظَ ديلان، وهو ينقل الخطط إلى قادة الوحدات، أنّ عيني سيّده كانتا مثبتتين على مكان واحد.
حتّى نظراته، التي كانت متّقدة بالقتل، أصبحت الآن ناعمة ولطيفة كالعسل.
“اذهب وألقِ نظرة على وجه السيّدة ولو للحظة.”
“لا…”
“بضع دقائق لن تضرّ.”
نظرَ أصلان بصمتٍ إلى الخيمة المظلمة.
لم يكن لديه وقت للغرق في التأمّلات قبل الخطّة. كان يعلم ذلك جيّدًا، لكنّه أراد رؤية وجهها وهي نائمة.
أرادَ أن يتأكّد بعينيه أنّها، التي كادت تسقط من الجواد، بخير الآن.
لم يستطع أصلان مقاومة الدافع و تحرّك. رفع ستارةَ مدخل الخيمة المظلمة بحذر، فسمع أنفاسًا صغيرة منتظمة.
كانت فيفيان نائمةً بعمق على سريره.
هذا الواقع وحده جعلَ عضلاته، التي كانت مشدودة من توتّر الحرب، تسترخي تدريجيًا.
دخلَ كالمسحور، خلع قفّازاته المعدنيّة، وجثا على ركبة واحدة بجانب السرير. كانت فيفيان ملتفّة في بطانيّتها، متكوّرة كما لو كانت تشعر ببرد هواء الفجر.
‘يجب أن أزيد النار.’
أضاف أصلان المزيد من الحطب إلى المدفأة وغطّى كتفي فيفيان بمعطفه المعلّق على الحائط.
ثمّ مرّر أصابعه بلطف على خصلات شعرها العالقة على جبينها، فأصدرت فيفيان، وهي نائمة، أنينًا ناعمًا و أدارت رأسها.
“هممم…”
ظهرت عيناها الزرقاوان.
حتّى في الظلام الدامس، كانتا مشعّتين وجميلتين بحيث يمكن تمييزهما بسهولة.
“أمم، أصلان؟”
“نعم.”
“لقد تأخّرت. يبدو أنّ الاجتماع طال…”
“يمكنكِ النوم أكثر. يجب أن أخرج قريبًا.”
“دون أن تنام قليلًا؟”
أصبحتْ عيناها، التي كانت غارقة في النعاس، أكثر وضوحًا تدريجيًا. انتقلت نظرتها من وجه أصلان إلى درعه الثقيل.
دهشت فيفيان من مظهره الجاهز للمعركة ونهضت.
“هل ستخرج للحرب؟”
“…..”
“لماذا؟”
“سأعود قريبًا.”
على الرّغمِ من رده الهادئ، تمسّكت فيفيان بصدره بوجهٍ قلق.
“ألا يمكنكَ إعادة التفكير؟ هل يجب أن تخرج اليوم بالذات؟ على الأقلّ، انتظر حتّى يذوب الطريق قليلًا…”
“هل أنتِ قلقة عليّ؟”
“ومن لن يقلق؟ هل هذا ما تقوله الآن؟!”
استيقظت للتوّ ولم تملك القوّة الكافية، لكنّ فيفيان ضربت كتف أصلان بقبضتيها الصغيرتين.
نظر إليها أصلان بصمت، ثمّ أمسكَ قبضتيها بلطف.
لم يهتمّ بضرباتها، لكنّه كان قلقًا من أن تؤذي يديها النحيلتين، خاصّة وهو يرتدي درعًا ثقيلًا.
“لم أفهم مشاعركِ.”
حتّى في هذه اللحظة، شعرَ أصلان بالنشوة لأنّ فيفيان استسلمت في أحضانه دون مقاومة.
كانت فيفيان، مع تفاقم أعراض السلّ، بدأت ترفضه. حتّى العناق أو القبلات اليوميّة كانت تتجنّبها بإحراج.
لم يكن جاهلًا بأفكارها، لذا لم يسأل عن السّبب.
مع اقتراب النهاية، كانت تحاول قطع العلاقة والاستعداد لرحيلها ، من أجله ، حتّى لا يُترك وحيدًا…
‘أنا رجلٌ جبان.’
فيفيان قويّة بما يكفي لمواجهة وحشٍ مثلي دون خوف، لكنّني لا أستطيع حتّى أن أكشف لها سرّ الختم بالكامل.
لم أستطع أن أقول أنّها لا يمكن أن تتركني أبدًا، وأنّ حياتها مرتبطة بي، باستثناء ‘استثناء واحد’ فقط.
“لا تقلقي، كلّ شيءٍ على ما يرام. لقد أعدنا صياغة الخطّة مع مراعاة الجليد الرقيق.”
لم يذكر أنّ الخطّة خطرة.
من أجلِ حماية فيفيان، لن يموتَ حتّى لو قُتل. حتّى لو سُحق و هوى إلى قاع الجحيم، سيتسلّق مرّة أخرى ليعانقها.
ومع ذلك، ظلَّ وجه فيفيان قلقًا، فأضاف أصلان:
“شقيقكِ سيخرج معي، فلا تقلقي.”
“إذن، أرمسترونغ ستذهب أيضًا؟”
أومأ أصلان برأسه، فتجهّمَ وجه فيفيان على الفور.
“هذا يجعلني أقلّ ثقة.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 118"
النعامة دي صارا من العيلة زي الضرة بالضبط
و الكيس حبيت شخصيته و كيف يتعامل مع امروسترونغ