انفتحت خيمة في معسكر خلفي للجيش الشمالي بهدوء. أطلّت فيفيان، ملفوفة بفراء أبيض ناصع، من بين الفتحة.
“حسنًا، لا أحد هنا.”
مرّتْ خمسة أيام منذ مغادرة قلعة بلاكفورد لخوض الحرب، وخلال هذه الفترة، كادت فيفيان أن تفقد عقلها من فرط الحماية المبالغ فيها.
كان أصلان قد وضعها في مكانٍ بعيد عن الوادي في المعسكر الخلفي، وأمرَ فرسان النخبة بمراقبتها على مدار الساعة. وبما أنّ أصلان كانَ في الخطوط الأماميّة، لم تتح لها فرصة لقائه…
‘لمَ تركتُ راحتي في القلعة وجئتُ إلى هنا؟’
لإنقاذه.
بالأحرى، لقيادةِ الجيش الشمالي إلى النصر، و وضع تاج مشع على رأس أصلان، ولمنح نفسها، بعد كلّ هذا العناء، سعادة شاطئ الزمرد!
لذا، لم يعدْ لديها وقت للتردّد.
كانَ هناك اليوم اجتماع استراتيجي هامّ قبلَ بدء المعركة. وكان عليها، بأيّ وسيلة، اقتحام ذلك الاجتماع.
‘لقد جاءت الفرصة المثالية.’
غابَ فرسان الحراسة ليومٍ واحد بسبب الاجتماع. قيل إنّ الخدم سيبقون بجانبها، لكنّها سبقتهم وأعطتهم موعدًا خاطئًا.
بفضلِ ذلك، كانَ المكان هادئًا تمامًا.
ركضت فيفيان بخطواتٍ سريعة نحو وحدة الإمداد. بما أنّ قسم التموين كان يتولّى طعام عدد هائل من الجنود، كان الجميع يركضون بلا توقّف.
كانت المنطقة محاطة بجبال ثلجيّة وحقول بيضاء. مع معطفها الأبيض الناصع، اندمجت فيفيان بسلاسة مع المناظر الطبيعيّة، كما لو كانت شبحًا مثاليًا يذوب في البيئة.
بعد أن حصلتْ على خمس زجاجات من النبيذ المدفّأ، اتّجهت فيفيان نحو الوحدة الأمامية.
“أليس هذه السيّدة؟ إلى أين تذهب؟”
“لقد رأيتُ للتوّ الدوق أليكس يركض على نعامة. يبدو أنّهما يتسابقان.”
“كما هو متوقّع، علاقتهما الأخويّة قويّة. يجب ألّا نعكّر عليهما. دعنا نتظاهر بأنّنا لم نرَ شيئًا.”
أُذهلت فيفيان فعاليّة تمويهها.
لم يوقفها أحد أثناء عبورها المعسكر إلى الخطوط الأمامية. كانَ اختيارها لجواد أبيض يستحقّ العناء.
ربطتْ فيفيان الجواد، الذي بدا مضطربًا، في مكان آمن، ثمّ بعثرت معطفها وشعرها عمدًا.
بعد أن أنهتْ استعداداتها، اقتربت من الخيمة التي يَعقد فيها أصلان الاجتماع، فانحنى الفرسان الحرّاس عند المدخل بدهشة.
“يا إلهي، سمو الدوقة الكبرى! كيف وصلتِ إلى مكان خطير كهذا؟”
“إذا كان لديكِ أيّ أمر، أخبرينا و سوف ننفّذه بسرعة الريح.”
“حسنًا…”
كانَ هناك خطأ فادح في لقبهم لها، لكنّها تجاوزت الأمر مؤقتًا وأظهرت الحقيبة التي كانت تحتضنها تحت معطفها.
هذه المرّة، هجوم العيون البرّاقة!
“أصلان يعمل بجدّ، فأردتُ مساعدته ولو قليلًا، فجئتُ بمشروبات دافئة.”
“آه، نعتذر حقًا. لقد أمر سمو الدوق بعدمِ السّماح لأحدٍ بالدخول حتّى ينتهي الاجتماع الاستراتيجي. من الأفضل أن تعودي الآن…”
“إذن أنا بالفعل عبء. كح! أنا دائمًا أسبّبُ المشاكل بسببِ مرضي، وحتّى هذه المرّة، كح كح، تصرّفتُ كالحمقاء!”
عندما ترقرقت الدموع في عينيها الكبيرتين كالدمية، بدأ الفرسان الضخام، الذين يبدون و كأنّهم قادرون على قتل دبّ، يتلفتون حولها بحيرة.
“مستحيل! أن تكون سمو الدوقة عبئًا؟!”
“هل يمكنكِ تسليم هذا لاحقًا؟ أخبره إنّه من قلبي لأصلان… رغم أنّه سيكون قد بردَ بحلول الوقت الذي يصل إليه.”
أضافت فيفيان تكتيك الإحساس بالذنب إلى هجوم عينيها.
تردّدَ الفرسان، مرتبكين بين ما إذا كانت تقصد النبيذ أم مشاعرها، ثمّ أومأوا برؤوسهم كما لو اتّخذوا قرارًا.
“انتظري لحظة من فضلكِ.”
هرعَ أحد الفرسان إلى داخل الخيمة لإبلاغ الدوق. ارتفعت زاوية فم فيفيان داخل المعطف.
‘ههه، كلّ شيء يسير حسب الخطّة!’
ألقت فيفيان نظرة من خلال فتحة الخيمة المفتوحة قليلًا. توقّعت أن يكون الداخل صاخبًا بسبب نقاشات الاجتماع، لكنّه كان هادئًا كما لو أنّ ماءً باردًا قد سُكب عليه.
السّبب كان عيون أصلان المتّقدة بالغضب وهو جالس في المقعد الرئيسي.
كانَ شعور القمع الذي ينبعث منه غريبًا. مجرّد رؤيته من بعيد جعلها تشعر باختناق.
“…..”
لكنّ هذا الجوّ تغيّر في لحظة. عندما تقاطعت عيناه مع عيني فيفيان خارج الخيمة، نهضَ من مكانه مرتبكًا.
اقتربَ منها بخطواتٍ واسعة، وبدا وجهه غاضبًا لسببٍ ما.
“لمَ أنتِ هنا؟ ألم أقل لكِ إنّ الرياح الباردة مضرّة برئتيكِ ولا يجب أن تخرجي؟”
“آسفة لأنّني أزعجتكَ. بدا لي أنّ الجميع يعملون بجدّ بينما أنا مرتاحة جدًا، فأردتُ أن أكون مفيدة ولو قليلًا…”
“دوركِ هو أن تكوني مرتاحة قدر الإمكان، وليس أن تتعبي هكذا!”
“أنا آسفة…”
“ها، خدّاكِ متجمّدان.”
خفتَ صوته قليلًا، لكنّ تنفّسه ظلّ خشنًا. على الرغم من أنّ غضبه لم يهدأ بعد، لفّ أصلان وجه فيفيان بيديه بحذر شديد.
ذاب خدّاها وأنفها المتجمّدان تدريجيًا في دفء راحتيه الكبيرتين.
شعرت فيفيان، دون وعي، بفرك وجهها في يديه بسبب الدّفء المريح، لكنّ عيني أصلان، الذي كان يراقبها، ضاقتا.
“هل حدثَ شيء؟”
“لا، لا شيء.”
“ملابسكِ مبعثرة. ودبوس شعركِ مفقود من جهة.”
كما هو متوقّع من حدّةِ ملاحظة أصلان، وقع في الفخّ مباشرة. سعلت فيفيان بخفّة، كح كح، لتجذب انتباه الجميع.
“لم يكن شيئًا كبيرًا، كح! كدتُ أسقط من الجواد. لقد دُستُ الجليد الرقيق دون قصد…”
“كدتِ تسقطين من الجواد وتقولين إنّه ليس شيئًا كبيرًا؟! هل أنتِ مصابة؟!”
كانَ المهم هنا هو ‘الجليد الرقيق’، لكنّ أصلان، وكذلك المساعدين في الاجتماع، فوجئوا بـ‘السقوط من الجواد’ ونظروا إليها.
بينما كانَ الفارس يهرع لتنفيذ الأمر، نحتت فيفيان حفرة صغيرة في داخلها .
‘أيّها الرجل القاسي…’
‘أنتَ ستخسر المعركةَ الأولى بسبب الجليد الرقيق!’
شعرتْ بالإحباط من أنّ الجميع لم يفهموا نواياها، لكن ماذا يمكنها أن تفعل؟ كان عليها، كشخص طيّب، أن تؤكّد مرّة أخرى.
“سأتحقّق بنفسي، ادخلي الآن.”
صاح أصلان أنّ الاجتماع سيأخذ استراحة، ثمّ حمل فيفيان وأجلسها بالقرب من المدفأة. خلعَ لها حذاءها وبدأ يفحص كاحلها بعناية.
ضغطت راحته الخشنة على كاحلها النحيل، ثمّ صعدت ببطء إلى ساقها.
شعرتْ فيفيان من هذا الموقف بالحرج أمام الآخرين، فاحمرّ خدّاها دون وعي.
“أصلان…”
“إذا كنتِ ستقولين إنّكِ بخير، فلا تتكلّمي. أنا بالفعل على وشكِ الجنون لأنّكِ خرجتِ بهذا الجسد!”
“أووه.”
“كيف كدتِ تسقطين من الجواد؟ أعرف مهاراتكِ في ركوب الخيل، و قد اخترتُ جوادًا هادئًا و مدرّبًا جيّدًا.”
جاءت الفرصة!
كانت تنتظر هذه اللّحظة. اليوم، ستُظهر له خدمتها الكاملة.
“لقد انزلقت لأنّني دُستُ جليدًا رقيقًا. التفكير في الأمر الآن يجعلني أشعر بالدوار.”
“جليد رقيق؟”
“حتّى الأمس، كانَ الثلج قد ذابَ تمامًا وكان كلّ شيء على ما يرام، لكنّني لم أتوقّع أن يتجمّد الطريق مرّة أخرى.”
كانَ الجيش الشماليّ والجيش المركزيّ في مواجهة عبر الوادي.
في مثل هذه المنطقة، كان الهجوم الأوّل حاسمًا.
بما أنّ الوادي هو المدخل الوحيد الذي يربط المنطقتين، فإنّ من يعبره أوّلًا ويسيطر على المدخل يكون قد ضمن نصف النصر.
خاصّة أنّ الجيش الشمالي بقيادة أصلان كان متأقلمًا مع منطقة الثلوج، لذا، في القصّة الأصليّة، قرّروا استغلال هذه الميزة لشنّ الهجوم الأوّل.
‘وعلى عكس الجيش المركزيّ، الذي لديه فرص أخرى حتّى لو خسر الهجوم الأوّل، فإنّ الجيش الشماليّ إذا عُزل في الشمال سينتهي الأمر.’
هذا الوضع اليائس جعلهم يتجاهلون تقلبات الطقس في بداية الربيع.
خطأ الجيش الشماليّ في القصّة الأصلية هو أنّهم داسوا على جرف متجمّد بالجليد الرقيق، ممّا جعلهم غير قادرين على مواجهة الجيش المركزي، فخسروا المعركة الأولى بشكل ساحق.
“الشمال في هذه الفترة متقلب الطقس. حتّى لو كان هناكَ جليد رقيق على الطّريق، قد لا يبدو واضحًا. يجب أن نكون حذرين دائمًا…”
توقّفَ أصلان فجأةً وهو يشرح لها لتهدئتها.
كذلك فعل المساعدون والفرسان الذين كانوا يستمعون إلى حديثهما بقلق.
“أصلان؟”
تظاهرت فيفيان بالدّهشة من الهدوء المفاجئ وهي تتفقّد الموقف. كانتْ الخريطة على الطاولة مليئة بقطع اللعب المتناثرة.
‘كما توقّعت، كانوا يخطّطون لشنّ الهجوم غدًا.’
خلالَ هذه الفترة، كانت فيفيان تراقبُ الطّقسَ بعنايةٍ تحسبًا لأيّ تغيير عن القصّة الأصليّة.
حتّى الأمس، كانت الأنابيب الجليديّة تحت الخيمة تذوب وتتساقط قطرات الماء، لكنّها لاحظت صباح اليوم أنّ جليدًا رقيقًا تشكّل على الأطراف.
عندما ضغطت عليه بأصابعها، تحطّم بسهولة. كان كما توقّعت.
“كلام سمو الدوقة الكبرى منطقي. من الأفضل إعادة النظر في الخطّة من البداية.”
“لكنّ خسارة الهجوم الأوّل مخاطرة كبيرة. قد ينتهي بنا الأمر إلى السماح للجيش المركزي بدخول أرضنا!”
“صحيح أنّنا متأقلمون مع منطقة الثلوج، لكنّ هذا لا يعني أنّنا يجب أن نكون متغطرسين.”
“أتّفق. المعركة الأولى تؤثّر بشكل كبير على الروح المعنويّة لاحقًا.”
استمرّ النقاش بين الفصيل الذي يدعو إلى الحذر والفصيل الذي يريد تنفيذ الخطّة الأصليّة.
على الرّغمِ من اختلاف الآراء، كانَ الجميع يريد النصر. اتّفقوا على إرسال أشخاص إضافيين لفحص المنطقة، إلى جانب الكشّافة الذين يراقبون تحرّكات العدو.
‘هذا يكفي في الوقت الحالي.’
بينما كانت فيفيان تلتقط حذاءها بهدوء لتتراجع، تمّ الإمساك بخصرها فجأة.
همسَ أصلان، وهو يحتضنها من الخلف، بصوت يحمل أسفًا:
“بسبب الاجتماع، لن أتمكّن من مرافقتكِ.”
“لا، أنا من يجب أن تعتذر لأنّني تسبّبتُ في الإزعاج.”
“مستحيل. أنتِ تميمة النّصر بالنسبة لي.”
لم يستطع المساعدون المحيطون إلّا أن يومئوا برؤوسهم دون وعي، ثمّ سعل بعضهم فجأة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 117"