“أمم، تذكّرتُ شيئًا نسيتُه في الغرفة، سأذهب للحظة…”
تمّ الإمساك بخصر فيفيان وهي تحاول الهروب من الأريكة. على الرّغمِ من هزّ رأسها المحموم، جذبها أصلان بسرعة ليجلسها على ركبتيه.
في تلكَ اللحظة، تجمّدت فجأةً شفتاه التي كانت تسترخي تدريجيًا.
اتّجهت عيناه نحو خصر فيفيان الذي بدا وكأنّه ينقصه شيء.
“يبدو أنّكِ تفقدين الوزن باستمرار.”
“ربّما هذا وهم. أنا أتناول الأدوية التي أرسلها الطّبيب بانتظام.”
“…..”
“همف، أنتَ دائمًا تقول إنّني نحيفة كلّما رأيتني. حقًا، أنتَ مفرطٌ في الحماية.”
تظاهرت فيفيان بالضّيق وهي تتذمّر، لكنّها في داخلها رسمت ابتسامة انتصار خفيّة.
في الحقيقة، بعد أن قرّرت فعليًا مغادرة أصلان، بدأت تتعمّد إظهار تدهور حالتها الصحيّة، فكانت تزيد من مقاس ملابسها تدريجيًا. كما تظاهرت بالسّعال بين الحين والآخر، وسقطت مغشيًا عليها عدّة مرّات.
يبدو أنّ خطتها نجحت، إذ لمسَ أصلان خصرها الفضفاض بوجه متجهّم، ثمّ رفعَ زاوية فمه على مضض.
“حسنًا، لقد أخطأتُ. من المؤكّد أنّكِ ستعيشين طويلًا وبصحّة جيّدة.”
“أدركتَ ذلك أخيرًا.”
“ومع ذلك، لا يزال هذا غير كافٍ. يجب أن أطعمكِ أكثر حتّى تصبحين ممتلئة.”
“لماذا؟ لمَ؟”
“إذا بقي الأمر هكذا، فلن أتمكّن من احتضانكِ بحريّة.”
“…..”
‘آه. لحسن الحظّ! سأحمي ألف وسبعمائة قطعة ذهبيّة خاصّتي مهما كلّفَ الأمر!’
فيفيان ستستمرّ في خسارة الوزن وإظهار المرض. إذا شعرتَ أنّها اكتسبت بعض الوزن من كثرة التّمدد في السرير، فهذا مجرّدُ سوء فهم و وهم كبير!
بينما كانت فيفيان، كطائر صغير، ترفرف بقوّة للهروب من أنياب الوحش، كانَ أصلان يراقبها بمحبّة و كأنّها كائنٌ لطيف للغاية، ثمّ فتحَ فمه قائلًا:
“تمّ تحديد موعد المغادرة للحرب. بعد ثلاثة أيّام.”
توقّفتْ فيفيان، التي كانت تتلوّى للهروب، فجأة.
نظر أصلان، الذي شعر بنظرتها، إلى الدفيئة الزجاجيّة بصمت. عيناه الذهبيّتان، اللتين كانتا دائمًا تخيفان بحدّتهما، بدتا في تلك اللحظة حزينتين ومغبّشتين.
“كخطيب، دائمًا ما كان يؤرقني أنّني لم أصنع لكِ ذكريات جميلة. كنتُ أخاف أن تتذكّريني فقط من خلالَ الذكريات المؤلمة.”
“لماذا تقول هذا فجأة؟ ستكون هناكَ فرصٌ كثيرة في المستقبل…”
ابتسم أصلان بحزن وقبّل جبين فيفيان.
“لا تنسي هذه اليوم، حتّى لو كان في المستقبل البعيد.”
“أصلان؟”
“أنا أحبّكِ، فيفيان.”
“…..”
“أنا أحبّكِ.”
توقّفت فيفيان عن التّنفس دون قصد. شعرت بقلبها ينتفض من إعلانه، لكنّها شعرت في الوقت ذاته بالحزن.
كانَ أصلان يودّعها بطريقته الخاصّة.
‘هو يقول إنّه يحبّني، لكنّه في الحقيقة يخطّط للموت في هذه الحرب.’
عندما أدركتْ ذلك، شعرت بحرقة في عينيها.
إذا بقيت هكذا، فقد تنهار وتبكي بشدّة، لذا استدارت بعيدًا عن أصلان وحاولت التّحديق في سماء الليل.
شعرت بحزن عميق من أنفاسه التي كانت تلامس رقبتها بحذر، كما لو كان كلبًا كبيرًا يتودّد إليها.
“أنا و يوهانس كانَ مصيرنا منذ البداية أن يموت أحدنا. ليس هذا ذنبكِ.”
“…..”
“سأعود بالتأكيد. مكاني الوحيد هو بجانبكِ.”
مسحت فيفيان الدموع التي جرت على خدّيها بصمت.
شعرت وكأنّها تتلقّى تأكيدًا قاسيًا. أصلان، كما توقّعت، يخطئ في فهم مشاعره تجاهها. أيّ إنسان غير مسؤول يمكن أن يخطّط للموت تاركًا المرأة التي يحبّها؟
ومع ذلك…
‘لا أريد أن يموت أصلان.’
كانت خطتها الأصليّة أن تتظاهر بتدهور مرض السلّ وتموت في بلاكفورد أثناء غيابه في الحرب. لكنّها غيّرت رأيها الآن.
إذا كان يريد الموت، فسوفَ تجبره على العيش مهما كلّف الأمر. ستجعله إمبراطورًا.
همستْ فيفيان بصوتٍ أكثر إثارة للشفقة:
“أنتَ تريد الانفصال عنّي، أليس كذلك؟”
“مستحيل! فيفيان، لماذا تفكّرين هكذا؟ أنتِ تعلمين كم أنا…”
“كح كح!”
“فيفيان!”
احتضنها أصلان بسرعة وهي تسعل بعنف حتّى ارتجفت كتفاها. حاولت فيفيان التّحرر، لكنّ القوّة التي تقيّدها كانت أقوى.
ضربت فيفيان كتفَ أصلان بيدٍ مرتجفة.
“ها، أنتَ تعلم، أليس كذلك؟ السّنة التي تحدّثَ عنها الطّبيب، كح، تقترب… أن أبقى وحدي في القلعة، كح كح، لأواجه النهاية بمفردي، كح!”
“سأترك شقيقكِ في بلاكفورد. لن تشعري بالوحدة.”
هزّت فيفيان رأسها بالنفي. لحسن الحظّ، كانت عيناها وأنفها محمرّتين من البكاء، ممّا أضافَ مصداقيّة إلى تعبيرها الحزين والمثير للشفقة.
“أريد أن أكون بجانبكَ. حتّى النهاية، كح كح!”
“فيفيان، فيفيان!”
كانت يداه، اللتين تمسكان بكتفيها، ترتجفان بشكلٍ نادر. تنفّسَ أصلان بعنف، ثمّ، كما لو أنّه لا يستطيع تحمّل المزيد، احتضنها بقوّة وأغلقها في أحضانه.
“ساحة الحرب خطرة. إنّها خطيرة جدًا بالنسبة لكِ.”
“أصلان…”
“آه.”
قبّل أصلان رقبتها مرّات عديدة، كما لو كان يتأكّد من وجودها في أحضانه، وداعب خصرها النحيل، ثمّ أومأ برأسه بهدوء.
“لنذهب معًا.”
“إلى أيّ مكان؟”
“إلى أيّ مكان.”
‘لذا، من فضلكِ، لا تقولي كلمة النهاية.’
غاصت فيفيان في صدر أصلان وهي تستمع إلى همساته. على الرّغمِ من أنّها سمعت الإجابة التي أرادتها، شعرت، لسببٍ ما، أنّ الدموع ستتساقط.
* * *
بعد انتهاء الطعام، تجوّلت فيفيان في الدفيئة وهي تنظر حولها بفضول.
كانت مفتونة بشكلٍ خاصّ بالضوء المنبعث من حجر السحر، فظلّت تلمسه و تهمسُ بشيء ما، ثمّ استندت إلى الأريكة وراحت تغفو برضا.
سند أصلان رأسها الذي بدا غير مرتاح بيده، وجذب خصرها بحذر.
في العادة، كانت فيفيان متيقّظة كطائر صغير، لكنّها، وهي نائمة، كانت تستسلم له دون مقاومة، ممّا جعلها تبدو محبوبة جدًا. شعر بقلبه ينفطر.
“…..”
لكنّ هذا الشعور العميق لم يدم طويلًا. غمر اليأس عينيه وهو ينظر إلى فيفيان.
‘ليس وهمًا، بالتأكيد.’
خلالَ الشّهر الماضي، بدت فيفيان أنحف بشكلٍ ملحوظ.
في البداية، ظنّ أنّ ملابسها كبيرة قليلًا، لكنّه تذكّر أنّها كانت مناسبة تمامًا لجسمها في الخريف الماضي.
لكن الآن، خصرها ينقصه الكثير. كانت دائمًا تبدو هشّة لدرجة أنّها قد تنكسر إذا ضمّها بقوّة، والآن أصبحتْ أكثر نحافة.
“اللعنة.”
لم يستطع إلّا أن يدركَ أنّ السنة الموعودة تقترب من نهايتها.
هل كان من الخطأ أن يأتي إلى الشمال؟ هل كان يجب أن يبقى في العاصمة بأيّ ثمن؟ لو فعلَ ذلك، هل كان بإمكانه إيقاف الزمن، ولو قليلًا؟
‘كخطيب، دائمًا ما كان يؤرقني أنّني لم أصنع لكِ ذكريات جميلة. كنتُ أخاف أن تتذكّريني فقط من خلالِ الذكريات المؤلمة.’
‘لماذا تقول هذا فجأة؟ ستكون هناكَ فرصٌ كثيرة في المستقبل…’
‘لا تنسي هذا اليوم، حتّى لو كان في المستقبل البعيد.’
ارتجفَ صوته بشكلٍ غير لائق من القلق بأنّه قد لا يكون هناك مرّةً أخرى.
أرادَ أن يترك لها ذكريات سعيدة هذا اليوم، لكنّ خوفه الذي لم يستطع إخفاءه جعل فيفيان تتألّم.
‘أنتَ تريد الانفصال عنّي، أليس كذلك؟’
‘ها، أنتَ تعلم، أليس كذلك؟ السنة التي تحدّث عنها الطّبيب، كح، تقترب… أن أبقى وحدي في القلعة، كح كح، لأواجه النهاية بمفردي، كح!’
كانت عيناها الزرقاوان المؤلمتان تفيضان بالدموع، وأنفها المحمرّ قليلًا جعلها تبدو أكثر إثارة للشفقة.
على الرّغمِ من أنّه يعلم أنّه لا يجب، أنّه لا ينبغي أن يأخذها المريضة إلى ساحة الحرب المليئة بالمذابح، إلّا أنّ توسّلها بعدم الانفصال جعله يومئ برأسه في النهاية.
‘لا يهمّ ما يحدثُ لي. فقط اعثر على طريقة لإنقاذ فيفيان.’
كذبة.
في الحقيقة، أرادَ أن يعيش. مع فيفيان…
في الماضي، كان سيختار الموت بدلًا من أن يصبح دمية ليوهانس. كان سيضحّي بجسده لإحياء الشيطان وإحلال الدمار في العالم.
لكن الآن، ظهرَ سبب يمنعه من فعل ذلك.
“…..”
حقنَ أصلان قلبه بالسحر، كما لو كان يتحقّق من شيء. استجاب ختم فيفيان بإصدار ضوء خافت، دليلًا على أنّ حياتيهما مرتبطتان.
عندَ رؤية ذلك، شعرَ بانتشاء خسيس.
“طالما وُجدت لعنة أستاروث، ستشاركينني الحياة والموت.”
لم يكن يحلم يومًا أنّ اللعنة يمكن أن تتحوّل إلى نعمة…
“سأنجو.”
‘حتّى لو سقطتُ إلى قاع الجحيم، سأتسلّق مرّةً أخرى من أجل حمايتكِ. ألف مرّة أو عشرة آلاف مرّة، سأبذل كلّ جهدي لألتقي بكِ.’
‘لذا، تحمّلي قليلًا، فيفيان. قليلًا فقط.’
قبّل أصلان جبينها النّائم وكأنّه يضع ختمًا عليها.
حتّى لو افترقا بعيدًا جدًا، سيتمكّن من التعرّف عليها.
حتّى لو تكرّرتْ الحياة وتغيّر القدر، و قابلها في مكانٍ وزمانٍ مختلفين تمامًا، سيقعُ في حبّها من النّظرة الأولى.
ليتمكّن، بأيّ ثمن، مِـنْ ذلك…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 116"