That's Not What My Will Said - 113
كانَ الوقت لا يزالُ منتصف النهار، والشّمس مشرقة في كبد السّماء.
تأمّلَ أصلان وجه فيفيان النّائمة بعمق، ثم خرجَ من غرفة النّوم دونَ كلمة. أمرَ الفرسان المتمركزين عند المدخل بحراسة المكان بصرامة، ثم اتّجهَ نحو مكتبه.
“سيدي، لقد وصلت.”
نهضَ الفرسان والخدم الذين كانوا بانتظاره وقدّموا التّحية باحترام. مرّ أصلان بهم وجلسَ في مكانه.
“أبلغوني.”
“الوضع ليس جيّدًا. الأمير يوهانيس… أو بالأحرى، الإمبراطور الآن. لقد أعلنَ الحرب على بلاكفورد. حتّى هذه النقطة، كنا نتوقّعها.”
اقتربَ ديلان بوجه متجهّم وهمسَ بهدوء.
“لقد تسبّبَ الرّجل بمشكلة. هويّتكَ الحقيقيّة، سيدي…”
“تحدّث.”
“أعلنَ أنكَ وحشٌ شيطانيّ.”
أغلقَ ديلان عينيه بقوّة بعد أن أبلغَ الخبر على مضض.
القيد الذي كبّل حياة سيّده طوالَ الوقت قد كُشف أخيرًا أمام العالم بأسره. كان سيّده يعاني دائمًا من لعنة الشيطان أستاروث.
استعدّ ديلان لتحمّلِ كلّ غضب سيّده، مشدود الأسنان.
“…سيدي؟”
لكن مهما طَال انتظاره، لم يتغيّر تعبير أصلان.
هل كانَ ذلكَ لأنّ شخصًا عزيزًا قد قَبِـله على حقيقته؟ على عكسِ قلق نائبه، تمتمَ أصلان بوجه هادئ.
“ما الذي يخطّطُ له يوهانيس؟ كشف وجود اللعنة سيثير مشاكل في شرعيّة العائلة الإمبراطوريّة.”
وجود وحش شيطانيّ في السّلالة الإمبراطوريّة المباشرة يعني أنّه قد يكون هناك وحوش شيطانيّة بين الأباطرة السّابقين.
لن يمرّ النبلاء المتعجرفون بسهولةٍ على حقيقة أنّهم خضعوا لوجودٍ نجس.
“لهذا السّبب، لم يكشف عن وجود اللّعنة صراحةً. ها هي الرّسالة التي أرسلها الجاسوس.”
قدّمَ ديلان رسالةً وصلت من مينيرفا.
كانَ المحتوى بسيطًا: أصلان الحقيقيّ مات منذ ثماني سنوات خلال أول معركة له في بلاكفورد، هُزم على يد وحش شيطانيّ، وأصلان الحاليّ هو مزيّف يرتدي قناعه.
“لقد فكّرَ جيّدًا. إذن، الانتقام لأخيه الميت هو الذريعة لإعلان الحرب؟”
“نعم، قال إنه سيُهاجم بلاكفورد، معقل الوحوش الشيطانيّة، لإتمام انتقامه، وإنقاذ الأميرة المحتجزة كرهينةٍ ليجعلها إمبراطورة، وبهذا يكرّم ذكرى أخيه الراحل.”
“اللعنة!”
أصلان، الذي كانَ هادئًا طوالَ الوقت، لم يتمالكْ غضبه عند سماع هراء جعل فيفيان إمبراطورة، فضربَ المكتب بقوّة.
رأى ديلان مكتب الماهوغاني المتين يتحطّم كالبسكويت، فابتلعَ تأوّهه. لقد أثارَ يوهانيس غضب سيّده بطريقةٍ مثاليّة.
“هناك شائعات في العاصمة عَن رؤية وحش الأسد الأسود. لسوء الحظ، تزامنت مع الفترة التي غابَ فيها سيّدي دون سابق إنذار…”
“حسنًا.”
أومأ أصلان برأسهِ ببطء.
كانا يعلمان. لم يكن الأمر يتعلّق بما إذا كانَ النّاس يصدّقون الشائعات أم لا، بل كانَ وجود الشّائعة نفسه هو المهم.
كانَ يوهانيس بارعًا في الحربِ النفسيّة والتّلاعب بالرأي العام.
كما فعلَ عندما ألصق لقبَ “وحش العائلة الإمبراطوريّة” بأصلان، كانَ بإمكانه نشر معلومات مزيّفة عن أيّ شخص، حتّى لو لم يقابله من قبل.
كانتْ هذه أقوى أسلحته.
“نبلاء الشمال و خدم بلاكفورد سيعتبرونها هراءً بالطبع، لكن من الصّعب توقّع ذلكَ في المناطق التي لا تمتد إليها نفوذنا.”
“بالتأكيد.”
“عليكَ أنْ تتوخّى المزيدَ منَ الحذر في التحكّم بالطاقة الشيطانيّة.”
لم يكن سوى قلّة من المقرّبين يعرفون عن الوجه الآخر لأصلان. في مثلِ هذه الظّروف، إذا انتشرتْ شائعات عن رؤية وحش الأسد الأسود، ستكون العواقب لا تُحتمل.
كلمة “الحذر” التي قالها ديلان تضمّنت سؤالًا ضمنيًا: هل يمكنهم استخدام القوّة إذا لزم الأمر؟
أومأ أصلان برأسه ببطء موافقًا.
“انتهى التقرير. لنبدأ الاجتماع.”
تذمّرَ ديلان بمرارة، ثم رفعَ صوته كأن شيئًا لم يكن.
تجمّعت أنظار الجميع المتحاورين في مكان واحد. بدأ الاجتماع في وضح النهار و استمرّ حتّى حلّ الظلام وتألّقت النّجوم في السّماء.
“بالنظر إلى وقوفِ النّبلاء الكبار في الجنوب خلفَ الإمبراطور الجديد و والدته الإمبراطورة، فإن تحالفَ الجيش المركزيّ والجنوبيّ أمرٌ مؤكّد.”
“يجب إتمام كلّ الاستعدادات قبلَ حلول الربيع. فحالما يأتي الربيع، سيبدأون الهجوم فورًا.”
“شهر واحد فقط متبقٍ… لنْ يكونَ الأمر سهلًا.”
التّحضير للحرب في شهرٍ واحد فقط؟ في الأوقات العادية، كانوا سيقفون عاجزين. لا شكَّ أن الإمبراطور راهنَ على ذلك.
‘بفضل السيدة، نجونا.’
تشاركَ الجميع الفكرة ذاتها في أذهانهم.
منذ الصّيف الماضي، بدأ سيّدهم في تدريب الجيش و تخزين الإمدادات العسكريّة بعزم لحماية السّيدة، حتى أنه عقد اتفاقيّة تجاريّة منفصلة مع مملكة هيرمون في القارة الشرقيّة.
بفضلِ وصول فرسان إليونورا الممتازين مع الدّوق أليكس إلى بلاكفورد، تمّ تعزيز القوات بشكلٍ كبير، وبعد أحداث ألبارو، تعهّد لوردات الشمال بدعم مطلق لبلاكفورد، فلا خوف من ضربة خلفيّة.
خلال الحرب، سيتولّى الماركيز باستيان و قواته المحايذة إدارة الشّؤون السياسيّة في العاصمة.
كلّ ذلكَ بفضلِ العلاقات التي نسجتها السّيدة.
“الآن أفهم لماذا يبدو الإمبراطور متعجّلًا. لقد أدركَ أنه يجبُ سحق نفوذ سيّد القلعة قبلَ أن يصبح لا يمكن السيطرة عليه.”
“إذا استولى على السّيدة وجعلها إمبراطورة، فإن كلّ تلكَ القوى ستصبح تحت سيطرته.”
“أكثر ما يقلقني هو صحّة السيدة. قلبها الرقيق وجسمها الضعيف قد يتأثّران بشدّة بهذه الأحداث.”
عندَ هذا التّصريح الحذر من أحدهم، شدّ أصلان على أسنانه.
‘لكن إذا أخبرتك بهذه الأمور، سيشعر قلبكَ بالثّقل دون أن تتمكّنَ من فعل شيء. إذا لم أتمكّن من الصّمود هنا، سأكون عبئًا عليك…’
‘آسفة. بسبب نقصي، أصبحتُ عبئًا على أصلان في النهاية.’
ستلوم فيفيان نفسها على كلّ شيء هذه المرة أيضًا. ظهرت صورتها و هي ملقاة على السرير، و دموعها الصّامتة تتساقط، محفورة بوضوح في ذهنه.
لا يمكنه أن يدعها تُجرح مرّةً أخرى. وإلا سيفقد عقله.
“أنا ويوهانيس لا يمكننا التعايش. نرغب في الشيء ذاته، والسماء لا تتّسع لشمسين.”
نظرَ إليه خدمه بنظراتٍ تحمل إحساسًا بالحدس.
قبضَ على يده، وأعلنَ أخيرًا:
“سأصبحُ الإمبراطور.”
نهضَ الفرسان و قدّموا التحية بالانحناء، وتبعهم الخدم بتأديةِ فروض الطاعة.
“حتى آخر أنفاسي، سأتبع سيّدي فقط!”
“أنتَ الوحيد الذي سنخدمه، ملك القارة الحقيقي.”
لقد أُلقي بالنرد.
لم يعد بإمكانهم التّراجع عن التيّار الجارف للقدر.
* * *
دوّتْ خطواتٌ ثقيلة لرجل في الرواق المظلم. توقّفَ أصلان فجأةً ونظر عبر النافذة.
في فجر الشفق، كانت الجبال المغطاة بالثلوج محاطة بضباب كثيف.
تدفّقت ذكرياته تلقائيًا إلى ثماني سنوات مضت. عندما وصلَ إلى هذه الأرض لأوّل مرّة، ماذا كان يفكّر وهو ينظر إلى الجبال الضخمة المهيبة؟
‘اللامبالاة.’
رياح قارسة كالسكاكين، وحوشٌ شيطانيّة تهاجم من كل مكان، وهجمات الاغتيال التي كانت تتربّص به في كلّ لحظة.
لم يشعر بشيء. كانَ إحساس رذاذ الدّم أثناءَ القتال هو الشّيء الوحيد الواضح.
‘لكن الآن…’
عيناها المنحنيتان كالقمر، وجهها النائم بهدوء، صوتها المتذمّر، و حركاتها الصغيرة المزعجة، كلّها أشعلت رأسه و جعلت قلبه ينبض.
بمجرّدِ أن تذكّرها، تدفّقت أفكاره نحوها تلقائيًا.
ماذا تفعل الآن؟ بما أنها تنام كثيرًا، ربما لا تزال غارقة في نومٍ عميق. إذا أيقظها بهدوء، ستنظر إليه بعينين ناعستين، تنفخ خدّيها و تتذمّر.
تجمّدت زاوية فم أصلان التي كانت تتراخى بلطف فجأة.
‘لا أستحق ذلك، و مع ذلك تجرّأت.’
الندبة الواضحة على عنق فيفيان. دليل الجريمةِ التي ارتكبها بحقّها.
ومع ذلك، قَبِـلته فيفيان من دون أيّ لوم. وحشٌ قذر و مشوّه ، حتى بعد أن دَفعَ بها إلى عتبة الموت…
‘هذا بحدِّ ذاته معجزة. أعلمُ أن المطالبة بأكثرَ من ذلكَ هو جشع.’
إنه سعيد بما فيه الكفاية الآن. يعلم ذلك، فلماذا يشعر أن هذا القدر ملعون؟
هو مَنْ تجاوز حدّه بالطمع، فلماذا تكون فيفيان هي مَن تُجرح وتعاني؟
رفعَ أصلان رأسه، وغرقت عيناه في برودة قارسة. كانت طاقته الشيطانيّة الفضيّة تتطاير.
“يبدو أنكَ لم تعد تنوي إخفاء شكلك.”
“أنا حذرٌ بما فيه الكفاية أمامَ الآخرين. لكن أمام الدوق الأكبر، لا أشعر بالحَاجة لذلك.”
ظهرَ ساحر منَ الظّلام.
شعرٌ فضي طويل و أملس، و حركاتٌ سلسة كالماء. لو وقف إلى جانب فيفيان، سيكونان كلوحةٍ متناغمة. على عكس نفسه المشوّهة.
“بسبب رقّة قلب فيفيان، كثيرًا ما تتعلّق بها الحشرات الوقحة، لكن مَن كان يظن أن شيئًا كهذا سيلتصق بها.”
“هكذا قدّمت نفسك.”
سخرَ هيسيوس، فبرزت عروق غليظة على ظهر يد أصلان.
نظرَ هيسيوس إلى ذلكَ بارتياحٍ واضح.
“من هو الوقح حقًا؟ مجرّد إنسانٍ يجرؤ على إثارة أعصابي. حتّى لو كنت الدوق الأكبر، قد لا ترى نهايةً سعيدة.”
“ليس سيئًا.”
“ماذا؟”
“أعرفُ مكانتي جيّدًا. أنا رجل ناقص جدًا مقارنةً بفيفيان. لذا، أعتقد أنّني بحاجةٍ للحصول على لقب قاتل التّنانين لأكونَ جديرًا بالوقوفِ إلى جانبها.”
“إذا فعلتَ ذلك، حتّى الدوق الأكبر لن ينجو سالمًا.”
تضيّقت عيناه الفضيّتان كعيني زاحف. عند ذكرِ اسم فيفيان، انهار تعبيره الواثق فجأة.
‘حتّى هذا الرّجل يريدُ فيفيان…’
تذكّر أصلان ما حدثَ في الكهف.
السّوار الذي كانت تحملهُ فيفيان كان محفورًا بسحرٍ علاجيّ و تتبّعي. سحرٌ من الدرجة العليا يصعب حتى على سحرة القصر تنفيذه، يُفعّلُ عند كسره.
لم يكن من الممكنِ أن تكونَ قد اشترته من كشكٍ في الشارع، لكنه لم يقلْ شيئًا.
سوار مليءٌ بعلامات رغبة رجلٍ آخر في التملّك، لم يكن ليستخدمه أبدًا لو لم تكنْ فيفيان على وشكِ الموت.
“سمعتُ أنّ التنانين تمتلك نزعة قويّة للتملّك والاحتكار. لكنكَ تأخرتَ بالفعل.”
“…..”
“ألم ترَ ذلك بنفسك؟ كنتُ تراقب كلّ شيءٍ من خارجِ الكهف.”
كان تنين؟؟؟