“سأهديها لك. على أيّ حال، أنا لا أستخدمها… آه، بالمناسبة، كلّ المسامير المرصّعة عليها من الألماس.”
“يبدو أنّني لن أحتاجها أكثر منكِ، أيتها الدّوقة.”
نظرَ هيسيوس بنظرات مشمئزّة إلى القبضة اللاّمعة التي وُضعت على كفّ يده.
كانَ يعلمُ أنّ هذا الشّيء يساوي قيمة عدّة مبانٍ في سوق مينيرفا، لكن رغم ذلك، بدا تصميمه كأنه شيءٌ بشع بشكلٍ مثيرٍ للدّهشة.
ضرب شفتيه بلسانه و وضعَ القبضة على الطّاولة بهدوء.
“تمّ نقل الكونت ألبارو إلى محكمة مينيرفا. لابد أنكِ سمعتِ بهذا، لكن هل سمعتِ عن الخادمة؟”
“لم أستطع طرح الموضوع لأنّ أصلان كانَ منزعجًا للغاية.”
بالتّأكيد، كانَ ذلكَ صادمًا. مَـنْ سيكون سعيدًا عندما يكتشفُ أنّ جاسوسًا كانَ يتجوّل في منزله؟
لكن مجرّد ذكرِ الحرف الأول من اسم إيسيدورا كانَ يكفي ليصبح تنفّسه خشنًا و عضلة ذراعه ترتفع بشكلٍ مخيف، فتساءلت فيفيان إنْ كانت قد هربتْ و أُفلتت منه، وهل هذا سبب غضبه الشديد.
لكن هيسيوس، الذي سمعَ كلامها، سخر قائلًا:
“أُفلتتْ منه؟ الدوق الأكبر يترك تلكَ المرأة تُفلت؟”
“كان غاضبًا جدًا حتّى تغيّرَ لون وجهه. رأيتُ بعينيّ كيف انقلبتْ عيناه بمجردِّ ذكرِ الموضوع.”
“يقطّع أحدهم بقسوة ثم يقول إن غضبه لم يهدأ؟ ربّما من الأفضل لكِ، أيتها الأميرة، ألا تعرفي التفاصيل. فكّري بهدوء.”
تركتْ فيفيان هيسيوس يتمتم لوحده وتوجّهت نحو النافذة.
كانت أشعّة الشّمس السّاطعة تبهر العينين. يبدو أنّ الوقت اقتربَ من منتصف النهار، مما يعني أن عودة أصلان ستستغرق وقتًا أطول.
‘آه.’
نظرت فيفيان إلى يدها التي كانت تتكئ على حافّة النّافذة. سوار التوباز الأزرق الذي كانتْ ترتديه دائمًا لم يكن موجودًا.
“آسفة، السوار الذي أهديتَني إياه… يبدو أنه انقطع وسط الفوضى. لونه أصبح باهتًا كأنه خالٍ تمامًا. لقد احتفظتُ به على أيّ حال…”
“لمَ تعتذرين عن ذلك، أيتها الأميرة؟”
“لأنه هديّة، و قدْ تعاملتُ معه بإهمال.”
“الدوق الأكبر هو من قطعَ السوار.”
بوجه فيفيان المندهش، تابعَ هيسيوس ببرود:
“إنه قطعة أثريّة تحتوي على سحرٍ علاجي. مصمّم بحيث يُفعّل السّحر عند قطعه.”
“لكن كيف عرفتَ أن أصلان هو مَن قطعه دون أن ترَ ذلك بنفسك؟”
بالتفكير في ذلك، بدا الأمر غريبًا.
عندما استيقظت بعد قضاء اللّيل مع أصلان، وجدت عباءة هيسيوس ممدّة على الأرض كبطانية، وكانت قد أُعِدّت ملابس جديدة لها و لأصلان.
فكّرت أن تسأله مباشرة، لكن الفرصة لم تسنح لها.
“الدوق الأكبر يعرف هويّتي الحقيقيّة.”
“…ماذا؟”
“لقد زمجر عليّ ألا أخبركِ، لكن هذا ليس من شأني.”
“حقًا، منذُ متى؟”
على الرّغمِ من هذا الإعلان المذهل، ظلّ تعبير هيسيوس هادئًا كالعادة. بل إنها أدركت للتّو أنه يتحرّكُ بحرية في هيئته الحقيقية.
فجأةً ، أظلمَ وجهه. كان يحدّق في عنق فيفيان بشكلٍ مخيف.
“كان يجب أن أرفض طلبكِ تلكَ المرّة.”
حاولت أن تعترض على تغييره للموضوع، لكن وجهه بدا جادًا جدًا، فتمتمت دون وعي:
“بفضل ذهابكَ إلى ألبارو، تمّ حلّ كل شيء. وبفضلِ السوار، نجوتُ أنا أيضًا. هذه النّدبة الباهتة ليست مشكلة…”
“إذا لم أتمكّن من علاجها تمامًا بسحري، فهذا يعني أن الجرح كانَ عميقًا وخطيرًا. لقد كنتِ، أيتها الأميرة، على وشكِ الموت هذه المرّة.”
على الرّغمِ من أنّ الجرح قد التأم، مدّ هيسيوس يده بوجه يبدو كأنه هو مَن يتألم.
قبل أن تصلَ أصابعه إلى خطّ عنقها النحيف، تراجعت فيفيان خطوةً إلى الوراء.
كانَ هذا هيسيوس، بالطّبع. لابد أنّ فعلته لم تحمل أيّ معنى، لكنها شعرت بشيءٍ غريب دون سبب واضح.
“…..”
سادَ صمتٌ محرج.
عبثت فيفيان بعنقها الذي شعرت بحكّة فيه دون داعٍ.
‘آه، هذا محرج.’
لم يكن الشّعور بالحكّة بلا سبب، بل كانَ روبين ملتصقًا هناك يتحرّك بمفرده. ظنّت للحظةٍ أنها شعرت بشيء غريب تجاه هيسيوس، لكن قلبها عادَ إلى مكانه.
‘سأجد عذرًا مناسبًا وأغادر. هكذا لن أتمكّن من التحقيق أو أيّ شيء.’
تنهّدتْ فيفيان تنهيدةً خفيفة، ثم لاحظت أن بوابة القلعة أصبحتْ صاخبة.
عادَ أصلان، الذي كانَ يتفقّد الجدران، لكن الأجواء بدت غير عاديّة لتكون مجرّد عودته.
بدأت منارات النار في أنحاء بلاكفورد تشتعلُ واحدةً تلو الأخرى.
‘حالة طوارئ…’
اندفعتْ فيفيان خارج المكتبة بسرعة.
أوكلت روبين، الذي كان يعاني من الدوار، إلى دييغو، و تجاهلت الخدم الذين حاولوا منعها، ثم ركضتْ إلى الخارج.
في تلكَ اللّحظة، كانَ أصلان ينزل من جواده. عندما رأى فيفيان تركض نحوه، خلع معطفه دون كلام و وضعه على كتفيها.
لكن ذلكَ كان كل شيء. لم يُلقِ مواعظه المعتادة، بل اكتفى باحتضانها بقوّة وإغلاقها في أحضانه.
“أصلان، ما الخطب؟ هل حدثَ شيء؟”
“…..”
“أصلان!”
توقّفَ فجأةً وهو يسير كأنه ينوي حبسها في غرفة النوم.
مسحَ وجهه بيده، محاولًا كبح بريقِ عينيه الحاد. لكن القلق الذي لم يستطع إخفاءه تسرّب منه.
“لقد ماتَ الإمبراطور.”
تجمّد وجه فيفيان فور سماعِ كلماته.
في القصّة الأصلية، كانَ موت الإمبراطور بعد ثلاث سنوات. وبعدها، عرفَ يوهانس، الذي تولّى العرش، أوّل شيء يجب عليه فعله لتأمين حكمه.
‘حبس الشّيطان أستاروت في جسد أصلان وإيقاف الزمن الذي يمرّ عليه.’
لتحويل أصلان إلى دميةٍ حيّة حتّى تنهار الإمبراطورية، أعلن الإمبراطور الجديد عن وجود اللعنة و قرّر غزو بلاكفورد.
تمتمت فيفيان في ذهول:
“حتّى عندما غادرنا، كان جلالته بصحّةٍ جيدة. كيف حدثَ هذا فجأة…”
“هناكَ الكثير من النّقاط المشبوهة، لكن المهم الآن…”
تمتمَ أصلان بمرارة:
“يوهانس هو الإمبراطور الجديد الآن.”
حملَ فيفيان وبدأ يسير بسرعة. عندما وصلا إلى الغرفة، جعلها تشعر بالدفء و مسحَ خدّيها الشاحبين مرّاتٍ عديدة.
“سيستهدف يوهانس حياتي وحياتكِ معًا.”
“أصلان…”
“أنتِ الربيع الأول الذي وصلَ إلى حياتي، لكنهم لا يمنحونني حتى وقتًا للاستمتاع به.”
أغلقَ عينيه ببطء ودفن رأسه في عنق فيفيان. لم تستطع تمييز صوت قلبها الخافق أم قلبه.
“لا يهمّ ما سيحدث لي. لا أريد شيئًا، سوى…”
مالت أجسادهما معًا وسقطا على السرير.
في السّكون، تشابكت نظراتهما، وصوت القلب الذي يرنّ في الأذنين أصبح أعلى.
“سأحميكِ مهما كلّفَ الأمر. بأيّ ثمن.”
“…..”
داعبت فيفيان عيني أصلان بهدوء. كان في عينيه المتقلّبتين قلقٌ لا يمكن إخفاؤه.
بالتّأكيد، أصلان يعرف. بعد أن قاتلَ يوهانس طوال حياته، كانَ يعرف حتى دون أن يرى.
يعرف ما الذي سيفعلهُ الإمبراطور الجديد.
ويعرف ما الذي سيحدثُ بعد ذلك.
“بعد شهر تقريبًا، سينصهر الثلج وتُفتح الطرق. لكن لا يمكننا الانتظار ساكنين حتّى ذلكَ الحين. إذا كانَ هناك جواسيس يتجوّلون في قلعتي، فمن يدري ما الذي قد يحدث.”
مرّت لحظة بدت كالأبدية.
أصلان، سحب الغطاء وغطّى جسد فيفيان. ثم مسحَ جبهتها الصغيرة المستديرة برفق.
“سيحيط بكِ أفضل الفرسان. لا تخرجي من هذه الغرفة أبدًا، واتركي كلّ المهام للخدم.”
“لكن، أصلان…”
“عِديني بذلك!”
عندما تردّدت فيفيان في الرّد، تمتم أصلان بصوتٍ مكتوم كأن حلقه يُخنق:
“إذا حدث لكِ شيء، أنا… لن أتحمّل…”
بدا و كأنه يلهث ولا يستطيعُ التّفكير أكثر، مما جعلَ مظهره يثير الشفقة. لمست فيفيان فكّـه المشدود بحذر.
“أثق بأنكَ ستحميني، أصلان.”
“…..”
حتّى دونَ كلام، تنتقل المشاعر الصّادقة إلى الطّرف الآخر.
أمسكَ أصلان يد فيفيان الصغيرة البيضاء و أومأ برأسهِ ببطء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 112"