عندما لم يأتِ ردّ من فيفيان، أمسكَ أصلان بطوق عنقها كما لو كان يتأفّف.
“عندما استعدتُ وعيي، كنتُ أعضّ عنقك. كانت دماؤك العطرة تملأ حواسي، وكلّ إحساسٍ فيّ يصرخ من النشوة المتفجّرة.”
“أصلان…”
“بينما كانت حياتكِ تتلاشى، كنتُ أنا أرتعد من اللذة. ألا تدركين مدى بشاعة ذلك؟”
لهثَ بنبرةٍ متوتّرة.
“ضعي سلامتكِ دائمًا في المقام الأول. تعهّدي بذلك. إن لم ترغبي في رؤيتي أفقد صوابي.”
“لا تقلق، أنا أعتبرُ نفسي أثمن شيءٍ في العالم.”
“شخصٌٌ كهذا يمتصّ طاقة لاميا السحريّة لإنقاذ آخرين؟ تلكَ الطاقة السامّة. أنتِ بارعةٌ في إفقادي صوابي.”
“لم تتركْ الظروف حينها خيارًا آخر…”
“هل تعلمينَ أنّكِ تبدين كمنْ لا يرغبُ في الحياة أبدًا؟”
نظر! أصلان إلى عيني فيفيان المتلألئتين. بعد أحداث الكهف، أصبحَ الختم المرتبط بينهما متطابقًا تمامًا، بحيث يمكن للجميع رؤية الختم المنقوش عليها بوضوح.
لكن، على عكسِ الوصف الذي يذكر اللّون الأحمر القاتم، كان ختم فيفيان لا يزال يتلألأ بلونٍ فضيّ.
شعرَ أصلان بالحيرة.
حقيقة أنّ علاقة الوحش و الرفيق اختلفت تمامًا عن السجلّات، و أنّه لا يمكن التنبؤ بنهايتهما، كانت تُثير قلقه.
“فيفيان، أنا في السابق…”
تردّد صوته و انقسم بنبرةٍ متلعثمة.
“في السّابق، كنتُ أظنّ أنّ لا قيمة لحياتي مهما حدثَ لها. كنتُ أكافح من أجل البقاء، لكنّني في الوقت ذاته شعرتُ بالضجر من هذا الوضع. كنتُ أرى الحياة بلا معنى.”
“أصلان.”
“أنتِ من صنعَ ذلك. سببًا لا يمكنني التخلّي عنه، وهدفًا لحياتي.”
أمسكَ أصلان بيدِ فيفيان بقوّة.
الخاتم الذي تركه قبل مغادرته إلى إقليم الكونت، الذي كان يحمله في جيبه ويلمسه حتى أصبح شكله مألوفًا في يده، كانَ الآن يتألّق على إصبع فيفيان.
“أريد أن أكون ذلكَ المعنى بالنسبة لكِ أيضًا. أعلم أنّه جشعٌ كبير، لكن…”
“…..”
“إذا انتظرتُ، ربّما يومًا ما، سأصبح كذلك.”
تحرّكت شفتا أصلان و هما تتبّعان أثر أصابعها إلى الأسفل. امتزجت حرارةٌ محمومة بسرعة مع الأجواء المتوترة.
أحسّت غريزة بقاء فيفيان بذلك بحدّة.
‘هذا خطير.’
خلافًا لاعتقاد أصلان، كانت فيفيان من النوع الذي يتمسّك بالحياة بشدّة. لم تكن لتدع خصرها يتحطّم بهذا الشكل، فدارت أفكارها بسرعة.
“آه، أصلان!”
“نعم؟”
“أعني… شكرًا لأنّكَ استجبتَ لطلبي. طلبي بمساعدة طفل السيدة ألبارو لوراثة عائلة الكونت.”
لحسن الحظ، توقّف أصلان عن الحركة بعد أن نجحت كلماتها. سحبت فيفيان البطانية بسرعة لتغطي نفسها بالكامل عدا عينيها.
عندما اختفتْ خطيبته الجميلة من أمامه، تحوّلت ملامح أصلان إلى تعبيرٍ ساخط، لكنّ فيفيان تجاهلته ونظرت إلى الجبل البعيد.
“هذه المرّة أيضًا، تلقّيتُ مساعدتكِ. بفضلكِ، انتهت الدعوى القضائية بسرعة. يوهانيس سيضطرّ إلى توخّي الحذر، لذا لن يستهدف بلاكفورد بسهولة في الوقت الحالي.”
“هذا جيّد.”
“لكن، لا تقتربي من ذلكَ الرّجل بعد الآن.”
“ذلكَ الرّجل؟”
“الفارس الذي أرسلتِه إلى ألبارو.”
لم تفهم فيفيان مغزى كلامه، فمالت برأسها بِحيرة.
إن كان يقصد الفارس الذي أرسلته إلى ألبارو، فهو يتحدّث عن هيسيوس، لكن دوره كان يقتصر على تسليم دليل على أنّ إيسيدورا جاسوسة، ولم يكن هناكَ ما يجعله يتعارض مع أصلان.
‘هل أخطأ هيسيوس في شيء؟ أم أنّ غريزته في منافسة الأقوياء قد استيقظت مجدّدًا؟’
على أيّ حال، لم يكن ذلك مهمًا. لن ترى هيسيوس بمظهر الفارس مجدّدًا.
ابتسمت ببراءة وأومأت برأسها.
“سأفعل كما تقول.”
“…اللعنة.”
“آه، أصلان؟”
تسارعت الأمور مجدّدًا. بسبب ابتسامتها الساحرة، رمى أصلان البطانية بعيدًا كما لو كان يقشر خوخة.
أمسكتْ فيفيان بيده بقوّة كما لو كانت تتشبّث بحبل نجاة.
“وأيضًا!”
“نعم؟”
“أعني…”
خصري الثمين، أغلى شيء في العالم. إذا تحطّم، ستكلّف جراحة العمود الفقري ألفًا و سبعمائة ذهبية!
في لحظة اليأس، وقعت عيناها على السيف الأبيض النقيّ الموضوع في زاوية الغرفة. سيفٌ كان مغمورًا في قاع بحيرة أعمق ممّا توقّعت، و قد جلبته معها.
‘لقد حان الوقت أخيرًا لتصحيح الزمن والمصير اللذين لواهما الشيطان.’
في اللّحظة التي أمسكتْ به، رنّ صوتٌ في رأسها. صوتٌ يبدو كأنّه يضحك ويبكي في آنٍ واحد، لكنّه بدا هادئًا بشكلٍ غامض.
لاحظَ أصلان نظرتها وتوقّف عن الحركة.
“سيف إليونورا الأولى؟”
“……”
“كانت هناك إشارات في القصص القديمة تقول إنّها ذهبت إلى شمال القارّة بعد هزيمة الشيطان، لكن من كان ليظنّ أنّ المقصود هو بلاكفورد؟”
“كان هناك مثل هذا الحديث؟”
“بطلةٌ هزم الشيطان ثمّ اختفتْ من العالم فجأة، لذا كثرت القصص المتداولة. هذه إحداها فقط.”
اكتشفت فيفيان ضريح إليونورا الأولى، حاكمة الإمبراطورية المقدّسة، وأثرها المقدّس.
رغمَ القيمة السّياسية وغيرها التي يمكن استغلالها، نقل أصلان كلّ سلطة القرار إلى فيفيان، مؤكّدًا دعمه لأيّ قرارٍ تتّخذه.
‘حتى لو قرّرتُ إخفاء الاكتشاف، سيقبل أصلان قراري بكلّ سرور.’
ربّما كانَ ذلك وهمًا، لكنّها شعرت أنّ إليونورا ترغب في الرقود إلى جانب الإمبراطور الأوّل في ضريح الإمبراطور ليوناردو في الغابة المقدسة.
“فيفيان!”
استفاقت من أفكارها عندما أمسكَ كتفيها. أمسكَ أصلان بوجنتيها ليحوّل نظرتها من السيف إليه.
“تظهرين تلكَ النّظرة مجدّدًا.”
“أيّ نظرة؟”
“…..”
“أصلان؟”
بينما كانت مستلقية على السجادة، هيمن ظلٌّ ضخم فوق رأسها. اتّكأ أصلان على مرفقيه عند رأسها، مواجهًا النافذة، محيطًا بجسدها النحيل تمامًا بحيث لا يُرى تحت جسده.
“لا يمكنكِ الهرب منّي. سأجدكِ مهما كلّف الأمر.”
“لماذا تقول هذا فجأة…”
“كلّما أظهرتِ هذه النظرة، أشعر بقلقٍ يقتلني. لا أستطيع التنفّس بدونكِ الآن.”
شعرت فيفيان بلحظة ذنب. لقد فكّرت لثانية فقط في خطة شاطئ الزمرد، لكنّه كانَ كالوحش الذي يشمّ الأمور بحدّة.
‘لكنّني أحتاج إلى وقتٍ لتنظيم أفكاري.’
لم يكن لديها وقتٌ للتّفكير في الخطة منذ عودتها من الكهف. كانَ أصلان يطاردها كلّ يوم دون انقطاع.
نعم، أصلان كان حقًا كالوحش.
‘فيفيان…’
‘جميلةٌ بشكلٍ يفقدني صوابي. عروسي الوحيدة.’
آه!
صرخت فيفيان داخليًا. كانت الذّكريات التي تتجدّد في ذهنها محرجةً للغاية.
إذا سألها أحدهم إن كانت تحبّ أصلان، ستجيب: نعم، أح، أح، أحبّه.
كانت قلبها يخفق كلّما لمسها بحنانٍ و شوق، وكانت تحبّ اهتمامه بها، و تغضبُ وتشعر بالخيانة بمجرّد التفكير فيه مع امرأةٍ أخرى.
‘لكن، مع ذلك…’
جراحة العمود الفقري تكلّف ألفٌ وسبعمائة ذهبية!
نسيتْ كلّ الحوار الذي دار للتّو، وتدحرجت فيفيان بسرعة لتهربَ من أصلان. بالأحرى، حاولتْ الهرب.
لكنّ ذراعًا قويّةً عريضةً سدّت طريقها. كانت عضلات ذراع أصلان التي اتّكأت على رأسها بارزةً بشكلٍ مخيف.
“رغم أنّني أتوسّل إليكِ ألّا تتركينني، ومع ذلك تحاولينَ الهرب هكذا؟”
انحنى فمه بطريقةٍ خطيرة.
“هل تعلمين؟ الوحوش تشعر بالحماسة أكثر عندما تهرب فريستها.”
“…أنقذني، أرجوك.”
“مرفوض.”
ابتسمَ أصلان بمرحٍ وابتلع شفتيها.
آه، يا لقسوة قانون البريّة.
* * *
توالت الأيام اللّطيفة الحلوة كما لو كانت مغمورةً في شراب السكّر.
في صباحٍ مبكّر هدأت فيه العاصفة الثلجيّة، فركت فيفيان عينيها المتثاقلتين وتحسّست المكان بجانبها. كان المكان الذي يفترض أن يكون فيه الوحش الذي حطّم خصرها الثمين خاليًا.
لكن يدها لمست شرشفًا باردًا فقط.
“أصلان؟”
عدّلت فيفيان صوتها المبحوح ورفعتْ جسدها. لم تكن هناك أيّ حركةٌ في الغرفة الواسعة سواها.
أمالت رأسها وهي تتذكّر صوتًا سمعته كالحلم في الفجر.
‘آه، صحيح… قال إنّه سيذهب لتفقّد أعمال إصلاح السور.’
مشطت فيفيان شعرها المتناثر بعشوائيّة وخرجت من السّرير.
لن يجدي سحب حبل الجرس نفعًا. هذه الأيام، لم يقترب الخدم من الرواق في الطابق الثاني. بدلًا من ذلك، كانَ أصلان يكاد يتولّى خدمتها بنفسه.
حتى اليوم، رغم خروجه في الفجر، تركَ ملابسها مطويّة بعنايةٍ على طاولة الأريكة.
تخيّلت يده الخشنة ذات الجلد القاسي وهي تختار ثوبًا ورديًا رقيقًا من غرفة الملابس، فظهرت ابتسامة على شفتيها دون وعي…
“في ماذا أفكّر الآن؟”
الوحش الذي حطّم ألفًا و سبعمائة ذهبية هل أجده الآن لطيفًا و محبّبًا؟!
اغتسلتْ فيفيان بسرعة وغيّرت ملابسها. عندما نزلت إلى الطابق الأوّل، التصق شيءٌ بوجهها فجأة.
“بي…”
ماذا؟
كانت نصف رؤيتها مغطّاة، فلم تستطع تمييز الوضع. بينما كانت تتحسّس الشيء الملتصق بوجهها، سمعت خطوات ديلان المتعجّلة من الجهة المقابلة.
“روبن، ماذا تفعل؟ ابتعد عن وجهِ السّيدة فورًا!”
“…..”
“تتحرّك كما تشاء ثمّ تتظاهر بأنّك دبوس عندما يناسبك؟ هذا لن ينفع!”
عندها فقط، رمشَت ثماني عيون ببطء. انتشرت طاقةٌ سوداء في الهواء كأنّها تذوب.
فجأة، تحوّل روبن إلى طفلٍ وتشبّث بحاشية فستان فيفيان.
“سيّدتي، اشتقتُ إليكِ.”
“ترحيبكِ حارّ جدًا. يجعلني أشعر وكأنّني لم أرَكِ منذ زمن.”
“لم أرَكِ منذ زمن، حقًا، زمنٌ طويل جدًا…”
تذمّر روبن و هو يفرك وجهه بفستان فيفيان.
مَنْ يراه سيظنّّ أنّهما افترقا لألف عام.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 110"