كانت الطريقة التي أسقطت بها فيفيان اللص بسيطة.
صادف أن اللص هرب باتجاه الطريق الذي كانوا واقفين فيه، فمدّت قدمها بشكل طبيعي فقط.
بفضل ذلك، تعثر الرجل الذي كان يركض بأقصى سرعته و سقط بطريقة بائسة.
“يا إلهي، كم أنتَ غير حذر.”
كان بإمكانها استخدام السيف، لكنها اختارت طريقة لا تلفت الأنظار كثيرًا.
لكن اللص لم يُدرك نوايا فيفيان العميقة وحدّق بها بعينين شرستين. وفي يده التي رفعها بعد أن نهض، كانت هناك خنجر لامع.
“أيتها الحقيرة، هل تريدين الموت…!”
ظل وجه فيفيان هادئًا كالسابق.
عائلة إليونورا لم تكن مشهورة بفنون السيف فقط. بل كانت تتدرب بجد أيضًا على الفنون القتالية الجسدية اللازمة للوصول إلى ذروة المبارزة.
في عينيها، كان مسار هجوم الرجل يظهر كأنه بالحركة البطيئة. كان واضحًا و ساذجًا لدرجة أنها لم تستطع إلا أن تضحك.
‘بما أنه لن يكون من الجيد أن أُلاحظ الآن، هل أتظاهر فقط بتلقي ضربة؟’
لكن خنجر الرجل لم يلمس حتى شعرة واحدة من فيفيان.
“كيف تجرؤ على رفع يدك.”
تغلفت عينا أصلان، الذي أمسك بمعصم اللص، على الفور بلون أحمر.
“آاااااه!”
“سألتكَ، كيف تجرؤ على رفع يدك؟”
صوت تكسير مخيف صدر من معصم اللص الممسوك من قبل أصلان. سحق أصلان العظام تمامًا بقوة قبضته فقط.
“هي شخص لا أجرؤ حتى أنا على الاقتراب منها. و أنتَ، أيها التافه، بيديك القذرتين…!”
شعرت فيفيان بحدس سيئ. الهواء المحيط تجمّد بشكل مخيف.
ولم يكن حدسها خاطئًا، إذ بدأ لون عنق أصلان يتحوّل إلى السواد. كان على وشك أن يفقد وعيه و يتحول إلى هيئة شيطانية.
إذا تحوّل الآن، فستكون كارثة تاريخية حقيقية. من يستطيع أن يوقف قوة الشيطان الأعظم أستاروت إذا فقد وعيه!
“أصلان!”
“…”
“أصلان، أنا بخير. لأنكَ حميتني، لم أصب بأي أذى!”
تعلقت فيفيان بذراعه. كانت عيناه الحمراوان تسقطان على رأسها بشكل مخيف، لكنها لم تتراجع، بل اندفعت إلى خصره وعانقته بشدة.
“أصلان، أنا بخير. لذا، أرجوك، اتركه!”
“ولماذا؟”
“نعم؟”
“لماذا تمنعيني؟ هل لديكِ مشاعر تجاه هذا الرجل؟ هل أعجبك؟”
ما هذا الهراء؟
كان كلامه غير معقول لدرجة أن فيفيان كادت أن تفقد أعصابها و تشتمه.
‘لا، يجب أن أفكر في النجاة. إذا تحوّل أصلان الآن، فإن خطتي للهرب ستنتهي!’
كتمت الشتائم التي وصلت إلى طرف لسانها، و تحدثت فيفيان بصعوبة.
“من لديّ غيركَ؟ ليس لدي سوى خطيب واحد.”
“ومن تكونين أنتِ؟”
لكن أصلان بدا غير مقتنع إطلاقًا.
ظلّ يُلحّ بالسؤال “من أنتِ” بشدة، و عندما لم تجب فيفيان مباشرة ، شدّ قبضته على الرجل أكثر.
لم يحتمل اللص الطاقة الشيطانية، و أُغمي عليه وهو يزبد من فمه. اشتد توتر فيفيان.
“آه، أصلان…”
إن فشلت هذه المحاولة أيضًا، فلا أمل لي!
تمامًا في اللحظة التي دفنت فيها فيفيان وجهها في صدره تنتظر حكمه…
بدأت الهالة السوداء التي كانت تنتشر من حوله بالاختفاء بسرعة. و عادت عيناه الحمراء إلى لونها الذهبي الطبيعي.
‘هاه، هل كان هذا هو الجواب الصحيح؟ ما الذي حدث بالضبط؟’
بسبب التوتر الشديد لم تفهم حتى معنى السؤال الذي طرحه ، لكنها قالت شيئًا غريزيًا، و لحسن الحظ، يبدو أنه كان صحيحًا.
و بينما كانت فيفيان المرهقة تطلق تنهيدة ارتياح…
“آه، شكرًا جزيلًا!”
ظلت المرأة التي استعادت تذكار والدتها تنحني لهما مرارًا.
رفعت فيفيان الحزمة التي كانت ملقاة على الأرض و نفضت عنها الغبار وسلمتها للمرأة.
“هل أنتِ بخير؟ هل أصبتِ ؟”
“بفضل منقذتي، أنا بخير تمامًا. قبل قليل، لم يساعدني أحد، و ظننت أن كل شيء انتهى، لكنكِ أوقفتِه بشجاعة. لا أعلم كيف أرد لكِ هذا الجميل…”
من صوتها، بدت امرأة شابة في عمر فيفيان تقريبًا.
لكنها كانت تغطي وجهها بغطاء رأس كبير، فلم يُرَ وجهها.
“لقد أنقذتِ حياتي للأبد. أحتاج إلى تذكار والدتي حتى أثبت أنني ابنة والدي عندما ألتقي به. لم أره منذ ولادتي أبدًا.”
“أوه، يبدو أنكِ مررتِ بالكثير.”
“نعم…”
خمنت فيفيان أن للمرأة ظروفًا كثيرة.
ولأن الإلحاح أكثر من اللازم ليس من الأدب، أمسكت بيدها بشدة و شجعتها فقط.
“كوني قوية.”
ثنت فيفيان المرأة عن رد الجميل و أعادتها. قالت المرأة وهي تبكي انها سترد الجميل لاحقًا، لكن فيفيان قررت ألا تعير الأمر اهتمامًا.
لأنه في الوقت الذي تلتقي فيه المرأة بوالدها وتنحل الأمور، ستكون فيفيان قد تظاهرت بالموت واختفت من الوجود.
‘لم أخبرها حتى باسمي، فكيف ستعثر عليّ.’
بينما كانت تراقب ظهر المرأة و هي تبتعد، أدركت فيفيان فجأة أن الجميع يحدق بهم. كان ذلك بسبب الفوضى الكبيرة التي أحدثها أصلان.
‘أوه، اذا تم اكتشاف هوياتنا ، فسيكون الأمر خطيرًا!’
قبل أن تصل قوة الأمن، كان عليهما الفرار. أمسكت فيفيان بذراع أصلان وغادرت المدينة بسرعة.
* * *
“هاه، إنه مرهق.”
“لم أجد حتى فرصة لأتدخل.”
على أطراف المدينة، سمع صوت منخفض و ممتعض خلف فيفيان التي كانت تلهث.
كان أصلان ينظر إليها من أعلى بتعبير شديد الاستياء.
“مع أنكِ لستِ في حالة جيدة، تتدخلين في أمر خطير، ماذا لو حدث لكِ شيء؟”
بدأت نظرات أصلان تتلاشى بهدوء.
عندها فقط أدركت فيفيان خطأها. لقد تحركت بنشاط كبير رغم أنها تعاني من مرض عضال.
“أ-أعني، لم يتدخل أحد…”
لم يكن هناك رد. يبدو أن هذا جواب خاطئ. سارعت فيفيان إلى تغيير إجاباتها.
“في أمر بسيط كهذا، كيف لكَ أن تتدخل؟”
“هل هناك سبب يمنعني من التدخل؟”
“أنتَ أعظم مبارز في الإمبراطورية، أليس كذلك؟ لا يصح أن تستخدم قوتكَ لقتل ذبابة.”
لم تنسَ فيفيان أن تضيف لمسة مدح لتمدح مهاراته. لكن وجه أصلان المتجهم لم يهدأ على الإطلاق.
شعرت فيفيان ببعض الظلم.
رغم أن النهاية كانت باستخدام قوته، إلا أنها حاولت أن تحل الأمر بهدوء. ما تسبب في تعقيد الأمور هو تدخل أصلان.
لكنها وحدها من تتلقى كل اللوم، مما أثار في نفسها شعورًا بالتمرد.
“أنتَ أيضًا لا يحق لكَ قول ذلك! كيف لي أن أكون مهتمة بلص قابلته لأول مرة في حياتي؟ و أحمل له مشاعر؟”
أدار أصلان نظره بعيدًا بخفة. شعرت فيفيان بأنها أمسكت عليه شيئًا.
“لا تتهرب بنظركَ، فسر الأمر، سمو الدوق؟”
جال نظر أصلان في السماء البعيدة بلا هدف. يبدو أنه لا يملك حجة للرد.
خفضت فيفيان خديها المنتفخين.
“لا تفعل هذا مرة أخرى. لقد أخفتني حقًا.”
“هل أخفتكِ لهذا الحد؟”
“تقول هذا و كأنه أمر بسيط؟”
“فهمت، إذًا كان الأمر بهذا القدر.”
“نعم!”
هزّت فيفيان رأسها بحزم. كان عليها أن تنتزع وعدًا منه بينما ما زال يستوعب كلام البشر.
ولحسن الحظ، بدا أن أصلان يتفق معها.
“فيفيان، كلامكِ صحيح. ما حدث هذه المرة كان بوضوح خطأي. لذا لا أستحق حتى أن أُدعى دوقًا.”
“لا، هذا مبالغ فيه…”
“إذن، ناديني باسمي.”
“ماذا؟”
لكن الأمور بدأت تسير في اتجاه غريب قليلًا. بدأ العرق البارد يتسلل على ظهر فيفيان.
“سمو الأمير الثاني أستاروت؟”
“بالاسم.”
“سمو دوق بلاكفورد؟”
“…بالاسم.”
“أ-أصلان؟”
كانت تأمل ألا يكون هذا هو المقصود، لكنه كان كذلك. فقد ارتخت تعابير أصلان قليلًا.
“هل حقًا يجب أن أناديكَ باسمك؟”
“و هل هناك مشكلة في ذلك؟”
“لا، لا إطلاقًا. لا توجد أي مشكلة.”
رأت فيفيان التجاعيد تتشكل برفق في جبين أصلان، فسارعت بتغيير كلامها و رفعت إبهامها عاليًا.
‘آه، محاولة العيش صعبة…’
شعرت و كأنها انجرفت في الموقف دون أن تدري.
بينما كانت تهمهم لنفسها و تضرب الحصى بقدمها، مد أصلان يده.
“لقد تأخر الوقت. لنعد الآن.”
“حسنًا، أصلان.”
أمسكت فيفيان بيده الممتدة بصمت.
ربما بسبب غروب الشمس، كانت شحمة أذن أصلان الذي أدار وجهه عنها، متوهجة باللون الأحمر.
* * *
في نفس الوقت، كان قصر أَدريان الجنوبي، المستخدم كفيلا ملكية، يعج بالحركة.
فقد وصل ولي عهد إمبراطورية أستاروت، يوهانس، فجأة ومن دون إشعار مسبق.
“هذه الأجواء الهادئة و المسترخية… كما توقعت، الجنوب يريحني.”
همس يوهانس، الذي نزل من على حصانه، كما لو كان يتحدث إلى نفسه. كانت خصلات شعره الأشقر اللامعة تتمايل بسلاسة بفعل نسيم البحر.
أومأ المستشار الذي كان يتبعه موافقًا.
“لأن عائلة والدة سموكِ من الجنوب، يا سمو الأمير.”
“صحيح، والدتي من الجنوب.”
عندما اقترب يوهانس، انحنى الخدم المصطفون عند مدخل القصر جميعًا في وقت واحد.
“نقدم التحية للشمس الصغيرة للإمبراطورية!”
“لا تتصرفوا بهذه الرسمية. هل أصبحتم متحفظين لأنني لم أزر منذ فترة؟”
كما قال يوهانس، فقد كان يزور الجنوب أحيانًا برفقة والدته الإمبراطورة، أو حتى بمفرده. فقد كانت قاعدته السياسية متركزة في الجنوب.
لكن في الوقت الراهن، كان الأمير الثاني أصلان يقيم في الجنوب.
لم يكن الأمير الثاني قد أظهر طموحًا صريحًا نحو السلطة من قبل، لكن في المقابل، لم يُخفِ أنيابه الحادة كوحش مفترس.
لذلك لم يكن من الممكن تجاهل احتمال نشوب صراع بين الأخوين.
ومع ذلك، بدأت الأجواء المتجمدة تخف تدريجيًا بفضل نكات يوهانس الماكرة.
التعليقات لهذا الفصل "11"