استيقظت فيفيان ببطء من النّوم العميق الذي غرقت فيه بعد الإرهاق طوال الليل.
قبّل رجل كتفها بلطف. عندما ارتجفت من البرد، غطّاها بعباءته بعناية و لطف.
“آه…”
لم تستطع فيفيان فتح عينيها و تنفّست بصعوبة.
كانَ جسدها ثقيلًا كما لو أن صخرة تسحقها. خصوصًا خصرها، الذي تألّم بشدة لدرجة أنّها لم تستطع التفكير بوضوح.
تسبّبَ تغيير وضعيّتها بألم حادّ.
“…لا بأس.”
على الرّغمِ من أنينها الصامت، شعرت بيد كبيرة تضغط على خصرها و تدلّكه بلطف.
“أممم.”
عادَ النعاس مع لمسته المريحة. أسندت فيفيان خدّها على وسادة وهي مغمضة العينين.
لكن بدلاً من النعومة المتوقّعة، شعرت بشيء صلب ومشدود، كما لو كان سلاحًا مخيفًا.
شيء إذا علقت فيه، قد يُغمى عليها من الضّغط.
‘…همم.’
هل هو وهم؟
بالتّأكيد وهم. لا شكَّ أنّه وهمٌ سخيف.
ضحكت فيفيان وهي تحاولُ العودةَ إلى النّوم، لكنّها فتحت عينيها فجأةً عندما أدركت الموقف.
“أصلان.”
“…..”
“ما هذا الآن؟”
حاولتْ استجوابه بحزمٍ، لكن صوتها خرج متصدّعًا بشكلٍ مثير للشّفقة. عندما سعلتْ بصعوبة، تمتمَ أصلان بحزن.
“آسف، كانَ يجب أن أتحكّم بنفسي مع حالتكِ، لكن لم أستطع.”
عندما التقت بعينيه الذّهبيّتين، تذكّرتْ كيفَ هاجمها اللّيلة الماضية.
في الحقيقة، لم يكنْ هو الوحيد الذي فقدَ صوابه.
‘لقد جننتُ. ماذا فعلتُ؟ لقد جننتُ حقًا!’
لكن في اللّيلة الماضية، لم تستطع التحمّل. كان أصلان يائسّا و يعاني ، و لم يكن خطأه أنّه يحمل لعنة.
‘لمَ لا تقولين شيئًا؟ لقد رأيتِ شكلي الحقيقيّ. وحش قذر خدعكِ طوال الوقت.’
‘إنّه مقزّز، أليس كذلك؟ تريدين الصّراخ والهروب! توقّفي عن التّظاهر بالطّيبة! اصرخي، اشتمي، أشيري إليّ!!’
‘لا يمكن أن تحبّي وحشًا مثلي، لذا كلّ شيءٍ انتهى الآن…’
طوالَ اللّيل، مسحتْ فيفيان عينيه مرّاتٍ عديدة. لم يذرف دمعة، لكن بدا لها وكأنّه يبكي بصمت.
أرادتْ مواساته.
لذا، اللّيلة الماضية، كانت…
‘محرج جدًا! أشعر أنّني سأموتُ من الخجل!’
تجنّبتْ نظراته الحارّة و بحثتْ عن مكان للاختباء.
‘خزانة الملابس… لا يمكن أن تكون هنا.’
خارجَ الكهف، بدأ الفجر يضيء. تذكّرت أنّها فقدت وعيها عند السّقوطِ من الجرف في هذا الوقت تقريبًا، لكنّها لم تستطع استيعابَ مرور الوقت.
لاحظَ أصلان حالتها و تحدّث.
“يبدو أنّ يومين قد مرّا. يجب العودة إلى القلعة، هل يمكنكِ النهوض؟”
“لا أعرف.”
“هاه، أريد أن نبقى وحدنا، لكن مع أخذِ حالتكِ بعين الاعتبار، يجب أن نغادر.”
تنهّدَ أصلان برضا و قبّلَ رقبتها بنعومة. حاولتْ فيفيان تهدئة عقلها الذي أعلنَ الإضراب.
رأت شيئًا مألوفًا.
‘تلكَ العباءة…’
كانت عباءة هيسيوس ممدّدة على الأرض كسجادة. كان يرتديها عندما عادَ إلى شكله الحقيقيّ، وليس ميغيل.
‘هل جاء هيسيوس إلى هنا و ذهب؟ لكن كيف؟ أصلان لا يعرفُ هويّته.’
عندما لمستْ العباءة، عبسَ أصلان بعدمِ رضا. شابكَ أصابعه مع أصابعها و صرف نظره.
“ابقي مستلقية. سأساعدكِ….”
“بالمناسبة، من أين حصلتَ على الملابس في هذا الجبل؟”
تجاهلت فيفيان كلامه و نهضت. تألّم خصرها، لكن كان عليها النهوض للبقاء على قيد الحياة.
“أين الملابس الملطّخة بالدّم…؟”
عندما التقطت الملابس الجديدة، رأت سوار الياقوت الأزرق المكسور. كان باهتًا، لكنّه بالتأكيد من هيسيوس.
حاولت استجوابه، لكن أصلان نهض متجاهلاً سؤالها.
“عيناكِ متورّمتان….”
كانت يده التي تفحّص حالتها حذرةً كما لو كانت تتعامل مع حلوى سكّر هشّة.
لم تكن تعاني من نوبة مرض السلّ، لكن قلبها كانَ يشعر بالدغدغة.
‘أيّها القلب اللعين، اهدأ. لا يوجد دواء الآن، إذا أصبتَ باضطراب النبضات، سوف تتوقف و سأموت!’
هزّتْ فيفيان رأسها و هي تأمل في طردِ الشّعور الغريب. جعلتْ أصلان يستدير للخلف وبدأت ترتدي الملابس.
كانتْ ملابسَ صيد دافئة و مريحة، كانت ترتديها أثناء التّدريب مع هيسيوس.
‘ما الذي يحدث…؟’
بدا مؤكّدًا أنّ هيسيوس كانَ هنا، لكن أصلان لم يبدُ مستعدًا للحديث.
تشوّشت أفكارها. ليس فقط بشأنِ هيسيوس، بل كيفَ ستتعامل مع ما حدثَ الليلة الماضية بشكل عفويّ.
“احذري!”
“آسفة.”
كادت تسقط عندما نهضت بعد ارتداء حذائها، لأنّ خصرها لم يتحمّل.
احتضنها أصلان و أمسكتْ بالجدار، ثم توقّفت. كان جدار الكهف يتلألأ بضوءٍ غريب.
بدا و كأنّه إذا لامسته بجسدها، ستعزّز التمثيل الغذائيّ وتقوّي الأعضاء وتنقّي الدّم.
“نفس الشيء.”
لم تكن فيفيان الوحيدة التي فكّرت هكذا، فقد ضاقت عينا أصلان.
“كان حجر شقيقكِ يضيء هكذا عندما كنتِ تملكينه. لا أشعر بهالة خاصّة.”
“أين نحن؟”
“بالقرب مِنَ الجرف الذي حدثَ فيه الانهيار الأرضيّ.”
كانَ يشيرُ إلى مكان إنقاذ ليام. آنذاك، أثناءَ التدريب مع هيسيوس، كانت الهالة التي يصعب على السّحرة العظماء التعامل معها تطيعها بسهولة.
هناكَ شيءٌ في هذا الكهف. خطرت لها هذه الفكرة فجأة.
“يجب أن ندخل.”
“لكن… حسنًا، سأذهب معكِ.”
“شكرًا. كنتُ سأطلب ذلك.”
“لن أدعكِ تذهبين وحدكِ! من يدري ماذا سيحدث داخل الكهف.”
تنهّدَ أصلان بيأس و رفعها بحذر.
كان الكهف عميقًا وطويلًا. أثناء سيرهما، أضاءت جدران الكهف بألوان زاهية كما لو كانت ترحّب بالزّوار.
اتّسعَ الممرّ الضيّق فجأة، ليكشف عن فضاءٍ شاسع لا نهائيّ.
كانت هناك بحيرة ضخمة.
انتشرت تموّجات هادئة من مركز الماء. لا شيء يسقط من الأعلى، لكن كانت هناك أمواج. كان هناك شيء تحت الماء.
“أنزلني.”
على الرّغمِ من أنّه مكان جديد، شعرت بنوع من الحنين.
خلعت فيفيان معطفها و دخلت البحيرة كالمسحورة. عندما كادت تدخل دون وعي، أمسكَ أصلان معصمها.
“لا تذهبي!” صرخَ بعيونٍ متّسعة.
“…..”
“سأدخل أنا، لذا ابقي بالخارج.”
“لماذا؟”
أمالت فيفيان رأسها. بدا المكان مريحًا، فما الخطر فيه؟
لكن وجه أصلان تصلّب أكثر. قفزَ في الماء دون اكتراث بملابسه واحتضنها بقوّة.
“هل تعرفين كيف تبدينَ الآن؟”
“كيف؟”
“كما لو كنتِ لن تعودي. كما لو كنتِ ستغادرينني إلى الأبد.”
كرّر “لا تذهبي” و قبّلَ جبهتها بيأس و هو يمسح كتفيها النّحيلتين و خصرها ليتأكّد من وجودها.
“لا يمكنني العيش بدونكِ. الآن فقط، أنا…”
“أصلان؟”
“لا تذهبي، أرجوكِ.”
لم يهدأ أصلان، و حثّها على مغادرة الكهف فورًا.
“لا تقلق. لن أذهبَ إلى أيّ مكان…!”
ربتتْ على كتفه وحاولت التّحرّر. خطّطت للهروب و رشّ الماء عليه لتهدئته.
…لكنّها لم تستطع الحركة.
‘هذه العضلات اللّعينة!’
قرّرت أنّ مقولة “ضرب الصّخر بالبيض” يجب أن تكون “ضرب عضلات أصلان بفيفيان”.
بذلتْ قصارى جهدها رغم ألم خصرها، لكن أصلان لم يتحرّك، كما لو كانت ذبابة.
‘هل هذا الشّخص إنسان أم صخر… لا، ليس هذا.’
كادت تكشف عن نواياها. أمسكتْ وجهه بكلتا يديها.
“أصلان، اهدأ وانظر إليّ.”
“ما الذي تقولينه فجأة؟”
“هل أصبحتَ لا تريد حتّى النّظر إليّ؟ هل مللتَ منّي بعد ليلة واحدة؟”
أدارتْ رأسها بحزن مصطنع، فسمعت صوت زئير كالرّعد.
“مستحيل! أنا لا أزال أريدكِ بجنون…!”
توقّفَ أصلان و هو ينفي بغضب.
كانت عيناها صافيتين كسماء الخريف. لم تكن كتلك التي حاولت دخول البحيرة.
كانت هي حقًا.
“ثق بي مرّة واحدة. سأثبت أنّ اختياركَ لم يكن خطأ.”
لا تقلق.
ربتت على ذراعه بهدوء. استرخت عضلاته المتشنّجة تدريجيًا.
تراجعت ببطء و غاصت في الماء العميق. نظرَ أصلان إلى الأمواج و صبر بصعوبة. كانت لحظة كالأبد.
“…..”
كم مضى من الوقت؟
رفع رأسه عندما تحرّكت الأمواج بسرعة. ظهرت فيفيان على السّطح و هي تلهث و تبتسم.
“أرأيتَ؟ قد تكون قويًا كوحش، لكنّني أيضًا شخص رائع!”
كانت تمسكُ بسيفٍ أبيض نقيّ.
التعليقات لهذا الفصل " 108"