أخذ أصلان يهزّها بلا توقف وهي متراخية بين ذراعيه، ثم وضعَ أذنه على صدرها فجأة.
كانَ الصّوت الخافت لنبضات القلب مسموعًا، لدرجة أنه لم يكن من الغريب أن تتوقف في أيّ لحظة. ارتاح قليلًا لمجرّدِ أنها لا تزال على قيد الحياة، ولكن سرعان ما اتّسعت عيناه في ذهول.
“لا يمكن… طاقة أستاروت السحرية…!”
وضع أصلان يده على صدرها بينما يدعم عنقها، و عندما لم ينخلع ثوبها بسهولة، مزّقه بعنفٍ ليرى النجمة الخماسية المنقوشة.
بلونٍ أحمر داكن مخيف كالدّم.
كانَ قلب فيفيان يغلي بطاقةٍ سحريّة سوداء، طاقة لا يمكن لبشريّ عادي أن يتحملها.
“فيفيان، فيفيان… لا، لااا…!”
أخذت يده تجول بلا هدف حول عنقها.
كانتْ فيفيان قد جَرحت عنقها بنفسها لتنقذ نفسها من الاستحواذ الشيطاني. لكنه، بدلًا من أن يحميها، عضّ عنقها ليأخذ المزيد من دمها.
لقد انجرفَ بلا وعي في تلكَ اللذة الحلوة و المغرية، التي تشبه عبير جسدها.
“أرجوكِ…”
ضغطَ على الجرح بكفه، لكن الدّم أخذَ يتسرّب من بين أصابعهِ أكثر فأكثر.
لم تكن لتصمدَ طويلًا بهذا الشّكل. عليه أن يستخدم سحر الشفاء لإنقاذها فورًا.
“هل أستطيع فعل ذلك؟ لكن إن أخطأت…؟”
منذ أن وعدَ فيفيان في مهرجان الصيد بتعلُّم سحر الشفاء، بذلَ جهدًا كبيرًا.
لكن ربّما لأنه ليس إلا وحشًا مغلفًا بجلدٍ بشريّ، فبدلًا من شفاء من يعالجه، كانت الجراح تتفاقم و تنمو العظام والعضلات بطريقةٍ مرعبة.
نظرَ أصلان إلى سوار التوباز الأزرق المعلق في معصمها.
“لم أرد أبدًا استخدام هذا الشيء…!”
لكن لم يكن هناك وقتٌ للتّردد.
قطعَ السّوار ونفخ فيه طاقته السحرية. فتكوّنت دائرة السحر المنقوشة فيه بسرعة وبدأت بالدوران.
ومع رؤيته للجرح يلتئم تدريجيًّا، رمى السوار الذي فقد بريقه، و لمسَ وجه فيفيان المرهف بأنامله المرتجفة.
“افتحي عينيكِ، فيفيان. كلّ هذا خطئي، أرجوكِ، أرجوكِ…”
اهتزّت يده التي كانتْ تسند جسدها المتراخي بشكلٍ مزرٍ.
همسَ أصلان كمن يُصلّي، ثم لم يعد يحتمل، فاحتضنها فجأة بشدة. ضمّ جسدها النحيل دون أنْ يسمح لأي فراغ بينهما.
لو لم يفعل ذلك، لو لم يقيّدها بجسده، لشَعرَ بالجنون من الخوف. شعرَ وكأنها ستختفي إلى مكانٍ لا يمكن الوصول إليه أبدًا.
“جسدكِ بارد جدًا. ستُصابين بالزّكام هكذا، أليس كذلك؟ أنتِ هشّة لدرجة أن لمسة واحدة قد تكسركِ كحلوى السكر.”
“……”
“كان هناكَ شيء أردتُ قوله عندما تعودين. كان عليّ أن أقوله منذ ثلاث سنوات… لكنني تأخرت، ويبدو أنني أدفعُ الثمن الآن.”
كانَ شعور اليأس يخنقه.
“من المستحيل أن تحبّي وحشًا مثلي… لقد انتهى كلّ شيءٍ الآن…”
تكلّمَ بكلامٍ غير مرتب، وكأنه لا يدري ما يقول، ثم تجمّد فجأةً.
دائرة السّحر التي كانت تدور، بدأت تذوب ببطء في الهواء.
نظر أصلان إلى عنق فيفيان. لقد اختفى الجرح، لكن بقي أثر عميق على بشرتها التي كانت ناعمة كالخزف.
كانَ ذلك ثمناً لإنقاذه، فقد ضحّت بنفسها لأجله.
“لماذا فعلتِ هذا؟”
“أَصلان…”
“لماذا لم تقولي شيئًا؟ لقد رأيتِ وجهي الحقيقي. رأيتِ الوحشَ القذر الذي خدعكِ طوال هذا الوقت.”
“……”
“أليس الأمر مقززًا؟ أليس من الطبيعيّ أن تصرخي وتهربي؟! كفى تصنّعًا للطيبة! اصرخي، اشتمي، واشيري إليّ !!”
لكن هذا لم يكنْ ما أراد قوله.
“ألا تنوين التّظاهر بأنكِ لم تري ذلك؟ لا، لقد رأيتِ. رأيتِ بأمّ عينيكِ كيف تحوّلت. نعم، أنا هو الشيطان أستاروت. خطيبكِ لم يكنْ سوى وحشٍ ملعون قذر.”
ارتسمت على شفتي أَصلان ابتسامةٌ ساخرة ملتوية. لكن صوته كانَ يرتجف بخوفٍ حقيقيّ من النهاية.
“لكن لا تعتقدي أنني سأدعكِ تذهبين. ستعيشين بجانبي حتّى آخر يومٍ من حياتكِ. حتى لو كان الأمر بشعًا و مثيرًا للاشمئزاز، تحمّليه. لا يمكنني أن أترككِ أبدًا.”
“أَصلان، أنا…”
“كم هو بشع، أليس كذلك؟ أن يرغب وحشٌ مثلي فيكِ، أن يريدكِ. أن يرغب بكِ، أنتِ الأجمل و الأثمن في هذا العالم… و أنا الحقير، تجرأتُ أن أرغب بكِ…”
تحوّلَ صراخه المؤلم الذي يكاد يقطع الأنفاس إلى همساتٍ خافتة بالكاد تُسمع.
دفنَ أصلان وجهه في عنق فيفيان كعبدٍ يتوسّل للحياة.
كانَ غارقًا في الذّعر لدرجةِ أنه لم يعِ ما يقول. ما إن فتحت عينيها، حتى أدركَ الحقيقة القادمة. لقد كُشف أمره، لم يعد إنسانًا في نظرها. كُشف أنه وحش قذر.
الآن، انتهَى كلّ شيء. لقد انتهى.
نظرات فيفيان نحوه ستمتلئ بالكراهيّة. ستصرخ و تبكي طالبةً النجدة لمجرّد لمسةٍ منه. كما كانت دائمًا.
ومع ذلك، هناكَ شيءٌ واحدٌ كان متأكدًا منه.
“لن أدعكِ تذهبين أبدًا.”
“أَصلان.”
“لذلك، من الأفضلِ أن تعتادي على هذا الشكل المقزز مني بأسرع وقت. حتى لو توسلتِ و بكيتِ، لن… أبدًا…!”
“أنتَ لست مقززًا. لستَ قذرًا، و لا بشعًا. أنتَ خطيبي الوحيد.”
“كذب.”
“كنتُ أحبّ الطريقة التي تعاملني بها بلطف… رغم أنني مجرّد مريضةٍ لا فائدة منها، كنتُ أمامك أشعر وكأنني أغلى إنسانة في العالم.”
“كذب.”
“حتى لو كان لطفكَ نابعًا من الواجب فقط… لقد هرعتَ إليّ من ألبارو لإنقاذي، و تصدّيتَ للصخور المتساقطة بجسدك… لم أشعر بهذه المشاعر الدافئة من قبل…”
اهتزت عينا أَصلان وهما تحدّقان فيها. لقد كره نفسه، لكونه بدأ يأمل دون وعي.
لا يمكن ألاّ يكون مقزّزًا في نظرها. لا يمكن ألا يكون بشعًا. إنه كذب، و هو يعلم ذلك.
“لماذا كنتَ لطيفًا معي؟ هل لأنني جميلة؟ لأنكَ لا تخجل من الظهور بي بجانبكَ؟ وإذا لم أعد جميلة، هل ستتخلى عني حينها؟”
“مستحيل. كيف لي أن… لماذا، لماذا أريدكِ…؟!”
اتّسعت عينا أَصلان في صدمة. أخذ يهزُّ رأسه بجنون، فسألته فيفيان:
“ولماذا لا تفكّر أنني أيضًا مثلكَ؟ لمجرّدِ أن شكلكَ تغير، هل أنتَ لم تعد أَصلان بنظري؟ بالنّسبة لي، أنتَ دائمًا أنت.”
“لكنني، أنا…”
“حتى لو تغيّرَ شكلك، مشاعري نحوكَ… لم تتغير. حتى لو كنتَ تتحول إلى وحش، ما زلتُ أحب أَصلان الذي أعرفه.”
“……”
“أعتقد… أنني قد وقعتُ في حبكَ.”
كانت عينا فيفيان الزرقاوان مليئتين بالصّدق. حبٌّ خالص، و دفءٌ لا خداع فيه.
في تلكَ اللّحظة، انتفض شيء ما في أعماقه، شعورٌ لا يمكن وصفه بالكلمات.
هل هذا فرح دنيء، أم يأس من أنّ شيطانًا جرّ فتاة بريئة إلى قاع الجحيم؟
“لا… لا يجب أن تحبّيني، شخصٌ مثلي…”
“أَصلان…”
“آه، أرجوكِ…”
جثا أَصلان على ركبتيه وهو يحتضن فيفيان بشدّة.
لقد كانَ رجلًا دنيئًا. مجرّد جملةٍ واحدة منها كانت كافية لتملأ صدره بالفرح، و لتخترقه رعشة النشوة.
لو كانَ إنسانًا عاديًا، لما شعرَ بالسّرور لمجّد أن شخصًا عزيزًا عليه قال انّه مستعدٌّ للنزول معه إلى قاع الجحيم.
كلما أدركَ الواقع، كلما أدركَ بشاعة حقيقته كوحش قذر.
ومع ذلك، لم يستطع كتمَ.كلماته.
“قلتُ إن لديّ شيئًا أريد قوله عندما تعودين.”
بهذه الهيئة البائسة، و بدون أيّ هدية ثمينة، أراد أن يقول لها.
أرادَ أن يجرؤ.
“فيفيان، هل… تتزوّجينني؟”
اللّحظة التي فُتحت فيها شفتيها بدت وكأنها أبدية.
“نعم.”
و ما إن أومأت برأسها بخجل، لم يستطع أَصلان كبح نفسه أكثر، فالتهم شفتيها. أصدرتْ فيفيان أنينًا خافتًا ولفّت ذراعيها حول عنقه.
انهارَ جسداهما معًا على أرضية الكهف الباردة.
وكانَ اللّيل قد بدأ يسدلُ ستاره.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 107"
هاي يا بوي البنت عندها ربو و انتو بين الحياة و الموت و قاعدين
يع اتخزوا