“هل حدثَ انهيارٌ أرضيّ آخر؟ يبدو أنّها تتكرّر كثيرًا مؤخرًا.”
أشارتْ فيفيان إلى ديلان والفرسان المحيطين بها بأنّها بخير.
سُمع صوتُ حوافر عاجلة من الخارج. بينما كانتْ تتساءل عمّا يحدث، فُتح الباب فجأة وانحنى فارس.
“سيّدتي، كارثة!”
“ما الأمر؟”
“عليكِ الهروب الآن. ظهرت وحوش!”
تركَ أصلان معظم الفرسان في بلاكفورد عندما غادرَ إلى إقليم الكونت. وكانَ الفرسان يحرسون فيفيان بحراسة مضاعفة عن المعتاد.
لكن الوحوش لم تكن واحدة أو اثنتين، بل نزلت بأعدادٍ كبيرة سوداء من الجبل.
وعلاوةً على ذلك، كانتْ الآن في القرية، وليستْ في القلعة. لم يكن هناكَ ضمان لتأمين فيفيان حتّى وصول الدّعم من القلعة.
انحنى الفرسان بوجوهٍ حازمة.
“سنحميكِ ولو كلّفنا ذلك حياتنا. مِن هنا…!”
“انتظروا!”
أوقفت فيفيان الفرسان الذين كانوا يحاولون أخذها بسرعة.
قلبتْ الوحوش الجبل بسببِ هجرتها الكبرى. لم يكن أصلان ولا هيسيوس في بلاكفورد الآن، وحتّى أليكس كانَ يلعب مع النّعامة في الفناء لحمايتها.
“إذًا، ماذا عن أختي الكبرى وريجينا؟”
“…..”
“إذا كانَ الجبل في حالة فوضى، أين أختي إذًا؟”
شعرتْ بشعورٍ سيّء.
اندفعت فيفيان للخارجِ دون انتظار إجابة، لكن ديلان أوقفها.
“لا يمكن، سيّدتي!”
“لا يوجد أحد لإنقاذ أختي الآن. لا أحد!”
صرخت فيفيان، لكن ديلان ظلّ يمنعها. شعرتْ من تعبيره الحازم بإرادةٍ صلبة لا تتراجع.
لم تصدّق ذلك. ففتحت فيفيان فمها بدهشة.
“ديلان، لا يمكنكَ فعل هذا. أنتَ الذي تحبّ أختي…”
“لقد تحدّثتُ مع إيريس بالفعل. سيّدي و سيّدتي هما الأولويّة قبلَ كلّ شيء.”
تقلّص وجه ديلان للحظة، لكنّه عادَ إلى هيئة الفارس الباردة.
“أعرف مهاراتكِ الرّائعة في السّيف. لكن في حالتكِ الحاليّة، مستحيل. الشيء المهم الآن هو أنّني لا يمكنني تعريضكِ للخطر!”
“ديلان!”
“سأوصلكِ إلى الملجأ بأمان. سأستمع إلى لومكِ لاحقًا.”
كانَ ديلان مستعدًا لموتِ إيريس.
لذلك قال هذا. أنّه سيستمع إلى اللّوم…
ضغطتْ فيفيان على جبهتها النّابضة وهي تتجادل، ثم اهتزّت الأرض مجدّدًا. كانَ مركز الاهتزاز أقرب من السّابق.
“آه، آه!”
“أمّي!”
بدأ الأطفال، الذين كانوا خائفين و يبكون منذ قليل، بالنّحيب. كانوا يجلسون متجمّعين، يغطّون آذانهم ويبكون بصوتٍ عالٍ.
كانَ الحال نفسه مع رئيس القرية والأهالي. كان الخوف واضحًا في عيونهم وهم يتعانقون، متمنّين اللّقاء مجدّدًا.
‘لم أفكّر أبدًا في أن أكون سيّدة جيّدة. رعاية الشّعب وما شابه…’
لو ذهبتْ لإنقاذ أختها الآن، سيتبعها جميع الفرسان.
شعرت بثقلِ الغطاء في يدها أكثر من أيّ وقت مضى. كان وزن المسؤوليّة التي يحملها أصلان لا يُقارن بهذا.
تنفّست فيفيان بهدوء ونظرت إلى ديلان.
“حسنًا، سأقود الأهالي إلى الملجأ تحت الأرض. لكن اذهب أنتَ لإنقاذ أختي.”
“لا يمكن.”
“هذا أمر. اذهب الآن!”
“لا أستطيع!”
الأحمق اللعين؟
إذا حدثَ شيء لأختها، كيف سيتحمّل وطأة الذّنب؟ هل يظنّ أنّ تحمّل كلّ المسؤوليّة كشرّير سيجعل أحدًا يبكي شاكرًا؟
وضعت فيفيان يدها على كتف ديلان. في الوقت نفسه، اتّسعت عيناه بدهشة.
“سيّدتي، ماذا تفعلين…!”
“هل تؤمن بي الآن؟”
لم تكنْ تحاول إنقاذ أختها عبثًا.
عبثت هالة ذهبيّة بشعرِ ديلان بلطف. كانت فيفيان تسيطر على الهالة بحرّيّة، وأدركَ ديلان ذو الحواس الحادّة ذلكَ فورًا.
“سحرٌ عالي المستوى…”
“أخي هنا أيضًا. لا بأس، اذهب.”
نظرتْ فيفيان إلى أليكس في الفناء، ثم حوّلت بصرها إلى الجبال الضّخمة التي تحيط ببلاكفورد.
نظرَ ديلان إلى الخارج، قلقًا داخليًا. كانت إيريس محاصرة هناك.
عضّ ديلان أسنانه متردّدًا، ثم انحنى.
“أمركِ.”
“ريجينا مع أختي أيضًا. إذا أمكن، أرجو منكَ حمايتها أيضًا.”
“بالتّأكيد سأفعل.”
في القصّة الأصليّة، كانت ريجينا أوّل تلميذة لهيسيوس، ورفيقته الوحيدة التي يثق بها.
قد يبدو الأمر قاسيًا، لكن إذا حدثَ شيء لريجينا الآن، لا يمكن توقّع كيف سيتغيّر هيسيوس. مِن الأفضل منعُ ذلكَ قدر الإمكان.
‘ولا أريد مواجهة هيسيوس…’
أومأ ديلان برأسه وانطلق مع اثنين من رجاله. تطايرت هالة سيوفهم بقوّة تحت سماء الغروب الحمراء.
ربتت فيفيان على الأطفال الخائفين وخرجت من بيت رئيس القرية. اقتربَ أليكس، الذي كان يراقب الوضع.
“هيّا بنا. حدسي يقول إنّ الوضع ليس جيّدًا.”
“حسنًا.”
بما أنّ العربة الفاخرة قد تجذب انتباه الوحوش، قرّروا السّير على الأقدام.
باستثناء أصوات الهدير العرضيّة، كانت القرية هادئة كالمقبرة. يبدو أنّ الجميع لجأوا إلى الملاجئ تحت الأرض.
ربّما بسبب الجوّ المرعب، تشبّث الأطفال المجتمعون بحافة عباءة فيفيان.
“سيّدتي، أنا خائف…”
“أريد أمّي.”
“والداكما بأمان. هيّا بنا بسرعة.”
كلّما ظهرَ وحشٌ طائر صغير، أطلقَ أليكس سهمًا مشحونًا بالهالة لطرده. تجنّب قتلهم لمنعِ الوحوش من الهيجان بعد رؤية الدّم.
وصلوا إلى مفترق طرق. كانت الملاجئ موزّعة في أنحاء بلاكفورد، ولم يكن أيّ منها يتّسع لأعداد كبيرة.
أبلغَ فارسٌ فيفيان وأليكس.
“يجب تقسيم النّاس هنا.”
“سنذهب إلى الملجأ الخارجيّ. سيّدتي، و الدّوق، والفرسان، اذهبوا مباشرةً إلى هناك. إنّه على بُعد خطوات.”
عبستْ فيفيان قلقةً على اقتراح رئيس القرية.
“لكن المنطقة الخارجيّة أكثر خطورة…”
“لا تقلقي. عشنا في بلاكفورد طوال حياتنا و واجهنا أخطارًا أسوأ.”
“رئيس القرية محقّ.”
نظرت فيفيان إلى الأهالي بصمت. لم يكن أحد يجيد استخدام الأسلحة، و معظمهم من المسنّين والأطفال، ممّا جعلَ التّحرّك بسرعة صعبًا.
حتّى لو أرسلت بعض الفرسان معهم، لن يكون ذلك كافيًا.
“سيّدتي، هل سنفترق؟”
نظرت فيفيان إلى الأسفل عندما شعرت بسحبة على عباءتها. بدأ الأطفال، الذين هدأوا قليلًا، بالبكاء مجدّدًا خوفًا من الانفصال عنها.
حملت أصغر طفل في المجموعة وتابعت.
“حسنًا، كما اقترح رئيس القرية. لكن سآخذ الأطفال معي.”
“هل أنتِ متأكّدة؟ سيكون الأمر مزعجًا…”
“أصعب بكثير أن تأخذ الأطفال إلى الخارج. ودفء الأطفال يواسيني، و هذا دور كبير.”
مرّتْ صورة والدتها الأخيرة في ذهنها.
لم تتمكّن من فعل شيء. جلست بجانبها المنهارة، تبكي وتتذمّر فقط. كانت عاجزة. غبيّة وحمقاء.
‘شكرًا لكِ، فيفيان…’
‘لا تذهبي، أرجوكِ. لقد أخطأتُ. سأكون أفضل. سأدرس بجدّ، ولن أتذمّر!’
‘لم أحبّكِ لأنّكِ تدرسين جيّدًا، أو لأنّكِ سيّدة مهذّبة…’
‘إذًا لمَ؟’
‘وجودكِ وحده… يجعلكِ طفلةً محبوبة جدًا. لقد ملأ قلبي…’
لم تصدّق كلام والدتها القائل إنّ وجودها وحده يستحقّ الحبّ.
حاولتْ أن تكونَ نموذج النّبيلة المثاليّة التي يحترمها الجميع. دفعت نفسها إلى الحدود .
ومع ذلك، في اللّيالي التي شعرتْ فيها بالإرهاق والضّعف، كانت كلمات والدتها الأخيرة تدور في رأسها.
في ذلكَ الوقت، كرهتها لأنّها بدت دليلًا على ضعفها، لكنّها في قرارة نفسها وجدت فيها عزاءً. تمنّت لو كانت حقيقيّة.
ألا تكون متألّمة، و لا وحيدة، ولا حزينة…
أن يكونَ هناك شخصٌ ما في مكان ما يحبّها فقط لوجودها.
“سيّدتي، هل أنتِ خائفة؟”
“بالطّبع. هذه أوّل مرّة أواجه فيها شيئًا كهذا.”
“فهمتُ.”
تشبّث طفل في الرّابعة برقبتها، كما لو كان يريد مشاركة دفئه. ربّما لأنّها قالت إنّ وجوده مواساة، بدا وجهه فخورًا جدًا.
أدركَ رئيس القرية أنّ قوله “مزعج” كان خطأً، فبدت عليه الحرج.
“أتمنّى أن تكون نعمة الحاكم معكِ.”
“كونوا حذرين.”
في مفترق الطّرق، انقسمت المجموعة إلى اثنتين. مرّت فيفيان عبر ممرّ ضيّق ونظرت حولها.
عمّ صمت غريب. اختفى النّاس، وحتّى الوحوش الصّغيرة التي كانت تظهر بين الحين والآخر.
“هممم…”
عبسَ أليكس فجأةً وهو في الصّدارة. سأل أحد الفرسان القريبين.
“قلتَ إنّ الملجأ قريب من هنا؟”
“نعم، سموّك. فقط التفّ حول هذا الزّقاق.”
“لكن لمَ رائحة الدّم قويّة هكذا؟ ألا يشمّها أحد غيري؟”
“ما الذي…”
أغلقَ الفارس المرتبك فمه فجأةً.
‘قدرة الدّوق أليكس على مقاومة الوحوش كانت معروفة منذ زمن. لم يكن يستشعر الهالة تقريبًا، لكن مقاومته لهجمات السّحر كانت عالية.’
إذا افترضنا أنّ كائنًا ما يمنع رائحة الدّم عن قصد.
وإذا كانوا، بسبب حواسهم الحادّة، قد وقعوا في وهم سحريّ؟
‘ما يشعر به سموّه هو الحقيقة.’
لقدْ تمّ اختراق الملجأ.
التعليقات لهذا الفصل " 103"