“يجب أن أهرب من هذا القصر المجنون حالاً. حالاً الآن!”
لم تعد المشكلة الآن في العلاج. إنما بسبب إصرار أصلان المحموم على الحفاظ على سره، أصبحت رقبتها في خطر.
لم تكن تتوقع أن يكون أصلان صارمًا إلى هذه الدرجة.
“لدي نفقات السفر في الحساب البنكي باسم مستعار، لذا لن آخذ أي شيء، سأخرج بجسدي فقط. سأودّع هذا المكان بهدوء ، كما يهب نسيم الربيع!”
يكفي أن تفكر أنها أخّرت خطتها بسبب حادث بسيط.
وكانت تنوي كما في الخطة الأصلية، أن تغيّر هويتها وتختبئ في أحد أرقى المنتجعات في الجنوب، و تقضي ما تبقى من حياتها بهدوء.
مكان لا يوجد أحد يراقبها فيه، ولا تحتاج للقلق من نظرات أحد، ولا حتى تشعر فيه بتهديد على حياتها… أشبه بالجنة!
وبينما كانت فيفيان تخلع فستانها لتتحرك براحة، توقفت فجأة عن الحركة. شعور مريب زحف إلى عنقها.
‘لكن، ألن يشكّ أصلان بي أكثر إن اختفيت فجأة؟ سيظن أنني اكتشفت سره وهربت…’
فكرة الوداع النظيف و الناعم بدأت تتراجع ببطء. تأوّهت فيفيان بألم وهي تعبث بشعرها.
“لكن، حتى لو بقيت إلى جانبه، فالنهاية واحدة.”
إن هربت، ستؤكد شكوكه و ستموت. وإن بقيت، ستتم مراقبتها ، ثم تُمسك بذريعة ما، وستكون النهاية نفسها: الموت.
أياً كان الاتجاه، فالنهاية دائماً موت.
‘هل هذه هي النهاية حقًا؟ لا، لا بد من وجود طريقة.’
تذكرت فيفيان المهلة التي أُعطيت لها. سنة واحدة متبقية قبل الزواج.
‘إن تمكنت من التظاهر بالموت بسبب السل قبل نهاية السنة المتفق عليها…’
لم يكن هناك شك في أن الطريقة الأكثر فاعلية للهرب من مراقبة أصلان هي “الموت”.
لكن، بما أنه لا يمكنها أن تموت فعلاً، فعليها أن تمثل ذلك بطريقة مقنعة.
كانت هذه هي خطتها.
بعد الهرب من القصر، ستتلقى العلاج النهائي من أحد مساعدي أصلان الذين استمالتهم مسبقاً، ثم تتابع طريقها بنعومة و هدوء.
“تم الأمر! نعم!”
قفزت فيفيان بسعادة، ثم لمحت نفسها فجأة في المرآة.
كانت قد خلعت كل فساتينها، ولم تكن ترتدي سوى قميص نوم رقيق، و تقفز بجنون… بدت و كأنها مجنونة جميلة.
“أحم…”
وبينما كانت فيفيان تلمس عنقها بخجل ــــ
“فيفيان، لم أسمع جواباً منكِ لذا…”
“آه!”
فُتح الباب فجأة.
دخل أصلان بخطى واسعة، ثم استدار بسرعة و قد احمرّ وجهه. كان تحركه أسرع من صرخة فيفيان.
“مـ… مـ… ماذا تفعل! لماذا فجأة؟!”
“آسف، ظننتُ أنه أُغمي عليكِ.”
“لا يمكنكَ قول شيء كهذا!”
“على أي حال، ما رأيكِ أن ترتدي ملابسكِ أولاً؟”
صوته المتحشرج قليلاً صدر بينما كان يوليها ظهره. عندها فقط تذكرت فيفيان ما كانت ترتديه، وسرعان ما اختبأت خلف المرآة الكبيرة.
لكن، وفجأة، تذكّرت شيئاً خطيراً.
أصلان وصل لأعلى مستوى في فن السيف السحري، ويمتلك قدرة بصرية فائقة. مهما أدار رأسه بسرعة، فلا شك أنه رأى حالة الفوضى في غرفة النوم.
وكما توقعت، بدأت ملامح أصلان تصبح منزعجة.
“بالمناسبة، ما الذي حدث لهذه الغرفة؟”
“…”
“تبدين وكأنكِ كنت تحاولين الهرب.”
بدأ العرق البارد يتصبب من ظهر فيفيان.
كان يجب أن تنكر فوراً ، لكنها كانت مصدومة تماماً من دقته في ملاحظته، فدخل عقلها الضعيف في إضراب مجدداً.
يجب أن تزيل شكوكه حالاً. تمتمت فيفيان عفوياً
“الطقس جميل، فكنت أود التنزه مع سموّك….”
آه، لا. كان عليها أن تردّ بحزم و نضج، لكن لسانها انعقد، و انطلقت كلماتها بهذه الطريقة.
مسحت فيفيان كفيها المتعرقين في قميص النوم وأكملت
“أنا أبدو هزيلة و غير جميلة، و أردت أن أبدو جميلة في نظر صاحب السمو…”
“…”
“لذلك، لذلك…”
لقد زادت الطين بلّة. تنفّسها بدأ يضطرب، وصوتها ارتجف وكأنها على وشك البكاء.
لقد دمرت كل شيء. كل شيء.
‘ليته فقط يقل أي شيء…’
انتظرت و هي تضرب رأسها بالحائط، لكن لم يصدر من أصلان أي رد. فقط صمت ثقيل لا نهاية له.
وبينما كانت تحرّك أصابعها بقلق، لم تستطع في النهاية كبح فضولها، فألقت نظرة صغيرة من خلف المرآة.
هاه؟’
كان أصلان يدور في الغرفة الفوضوية بلا هدف. يمسح وجهه الجاف بيديه، و يمرر أصابعه في شعره، وأحياناً يعضّ شفتيه.
ثم، وكأنه شعر بنظرات فيفيان من خلف المرآة، رفع رأسه فجأة.
“فيفيان، أنتِ لستِ غير جميلة.”
“ماذا…؟”
“لذا، لا تفكري بهذه الطريقة الغريبة مجدداً. القلق الزائد لا يفيد صحتكِ.”
ثم، وكأنه لم يعد يحتمل، تقدّم بسرعة. وبأصابعه الطويلة العريضة، مسح بلطف غرة شعرها إلى الوراء.
“بالطبع، أنتِ جميلة جداً. بشكل لا يُحتمل. فكرة أن يراكِ رجال آخرون بهذه الطريقة تجعلني أفقد صوابي.”
“…”
“لكن سواء زينتِ نفسكِ أو لم تفعلي، فالأمر سيان بالنسبة لي. ما أريده فقط هو أن تكوني مرتاحة بجانبي.”
ثم أخذ رداءً من الكتان كان معلّقاً على كرسي قريب، و لفّـه بلطف حول كتفي فيفيان. بدا صغيراً كملابس دمية بين يديه ، لكنه كان واسعاً قليلاً على فيفيان.
في عينيه، التي نظر بها إلى خطيبته، تألق وهج دافئ غريب.
“إذا كنتِ ترغبين في شيء، فقولي. لا تترددي.”
“إذن…”
كانت ملامح أصلان دافئة و لطيفة، كما لو أنه مستعد لفعل أي شيء. لذا، كادت فيفيان أن تتمتم بلا وعي
هل يمكنكَ أن تفسخ خطوبتنا؟
لكن أصلان كان أسرع منها في مواصلة الحديث.
“كما ترغبين، فلنخرج في نزهة. الجو دافئ اليوم، لذا أظن أنه من الجيد أن ننزل إلى وسط المدينة أيضًا.”
“أه، أن، نعم؟”
“و مع ذلك، لا نعلم ما قد يحدث، لذا ارتدي ملابس دافئة، يا فيفيان.”
أومأ أصلان برضا، ثم طبع قبلة على ظهر يد فيفيان كأنه يطبع ختمًا، و غادر غرفة النوم.
وهكذا، حين بقيت فيفيان و حدها، فكرت في نفسها
‘آه، لقد تم تدمير كل شيء.’
* * *
“واو، انظر إلى هناك!”
عندما خرجت من القصر، كان وجه فيفيان يبدو و كأنها تُساق إلى مذبح، لكنها ما لبثت أن أشرقت ملامحها تمامًا.
كل ما تراه كان يبدو مدهشًا. كانت تتجول بحماسة من مكان لآخر، وكان أصلان يبتسم و كأن الأمر يُعجبه أكثر كلما نظرت حولها بانبهار.
ومع ذلك، لم ينسَ القلق على حالتها الصحية.
“هناك الكثير من الناس، فاحذري أن تندفعي وسط الزحام.”
“لكن ألن تكون أنتَ من يحميني؟”
“هذا صحيح. فأنا خطيبك، لذا افعلي ما يحلو لكِ.”
لقد سمح لها الشخص التي تعتبره الدليل الرسمي بذلك. فزادت حماستها أكثر، و راحت تنظر من حولها.
في الحقيقة، حين كانت فيفيان تقيم في قصر دوق إليونورا ، كانت محجوزة في جناح منفصل بسبب الخوف من انتقال عدوى السل.
رغم أنه في هذا العالم يُفترض أن مرض السل غير معدٍ، إلا أن ذلك أثار استغرابها بعض الشيء، لكنها تقبلت الأمر.
‘من في العالم يحب أن يصاب بمرض عضال؟ بالإضافة إلى أن الجناح، رغم أنه منفصل، كان كبيرًا و فخمًا مثل فندق، بل و كان له حديقة واسعة أيضًا، فلا شكاوى لدي.’
بعد أن كتبت وصيتها و هربت من القصر، عانت فعلًا من كل أنواع الشقاء.
خافت مسبقًا من أن يكون هناك من يتعقبها، فتنكرت كمواطنة عادية، و اتخذت طرقًا جانبية للهرب.
فكانت هذه المرة الأولى تقريبًا التي تواجه فيها فيفيان العالم الخارجي كما هو.
“واو، ما هذا؟”
رفعت حجرًا بحجم قبضة اليد. كان شكله خشنًا، لكن مركزه كان يلمع بضوء خافت.
“إنه حجر سحري. و كلما كانت جودته أعلى، زاد لمعانه قوة.”
“آه، إذن هذا هو الحجر السحري.”
تذكرت فيفيان ما قرأته في القصة الأصلية.
بسبب صلابته الشديدة، لم يكن بالإمكان نحت الحجر السحري لاستخدامه كجوهرة أو زينة. كما أنه لا يمكن استخدامه إلا من قِبل السحرة، لذا كان شيئًا غريبًا تمامًا لعامة الناس.
في تلك اللحظة، قاطعهم التاجر الذي كان يستمع إلى حديثهما.
“يا للروعة! زوجكِ يتمتع بذوق رفيع فعلًا!”
“زوجي؟”
“نعم نعم! بحق السماء، لم أرَ يومًا زوجين يبدوان بهذا الانسجام! أنتما كالنجوم المتلألئة!”
رفع التاجر إبهامه، و أبدى مهارة في المديح كأنه يربت على ظهر ذبابة.
أرخى أصلان عينيه قليلًا بابتسامة، لكن فيفيان التي لم تكن تعلم ذلك ، تجاهلت المديح و استمرت في تدوير الحجر السحري بين يديها.
كان يبدو كحجر عادي من الخارج، لكنه يضيء من الوسط، حتى ووإن لم تعرف كيف، فقد بدا لها مدهشًا.
“هل هناك طريقة أستطيع أنا، كشخص عادي، أن أستفيد منه؟”
“للأسف لا. فالحجر السحري أداة لتعزيز قوة السحرة فقط.”
“أفهم… إذًا لا خيار لديّ…”
“سآخذها كلها.”
في اللحظة التي أسقطت فيها فيفيان نظرها، قدّم أصلان عشرات القطع الذهبية للتاجر.
فتح التاجر عينيه على وسعه و انحنى لهما مرارًا.
ثم أخذ أصلان يد فيفيان التي كانت تمسك بالحجر السحري برفق، و بدا الحجر يومض بضوء متقطع كأنه يتجاوب مع طاقة أصلان السحرية.
“من الآن فصاعدًا، هذا ملكك.”
“هل هذا لا بأس بذلك؟ يقال ان العامة لا يستطيعون استخدامه، و إن جودته منخفضة بحيث يصعب عليكَ انتَ حتى استخدامه…”
كان أصلان أحد أعظم فرسان السيف السحري. فالحجارة السحرية العادية لا يمكنها تحمل طاقته، و كانت لتتحطم في يده.
و فوق كل ذلك، كان مالكًا لأحد منجمَي الحجارة السحرية الوحيدين في القارة. يستطيع الحصول على أعلى جودة منها في أي وقت.
رغم أن حقيقة امتلاكه للمنجم لم تكن معروفة بعد.
لكن رغم قلق فيفيان، هز أصلان كتفيه و كأن الأمر لا يستحق القلق.
“يكفي أن يكون الشيء سببًا في سعادتك. قبل كل شيء، نحن مخطوبان.”
شدد أصلان بشكل خاص على كلمة “مخطوبان”، ثم أخذ بعض الحجارة السحرية، و أمر بإرسال البقية إلى القصر.
تساءلت فيفيان في نفسها عن سبب تبذيره، لكنها قررت ألا تفكر كثيرًا.
‘على أية حال، إنها ليست أموالي.’
استمر الاثنان في التجول في المدينة.
وكان المكان التالي الذي أثار اهتمام فيفيان هو الحدادة. فقد فقدت سيفها الطويل و خنجرها أثناء مغامرتها في الغابة.
ولم يكن من المناسب استعارة سلاح أصلان، إذ لم يكن يناسب بنيتها.
فطول سيفه الكبير كان يقارب طول جسدها، ووزنه يكاد يساوي وزنها.
‘يجب أن أشتري سيفًا جيدًا أستخدمه لوقت طويل.’
وصادف أن المتجر الذي دخلته كان يديره أفضل حدّاد في الجنوب. حتى في نظر فيفيان، كان لمعان الشفرات مختلفًا تمامًا.
و بينما كانت تختار سيفًا طويلًا و أنيقًا تحت ضوء الشمس بتوصية من البائع…
“آآاه! لص! أرجوكم ساعدوني!”
سمعت صرخة امرأة ممزقة من مكان قريب.
وفي لمح البصر، سحبها أصلان إلى صدره ليتأكد من سلامتها.
“هل أنتِ بخير؟!”
“إنه فقط صراخ مزعج. أنا بخير.”
لم تعر فيفيان الأمر اهتمامًا كبيرًا. فهما يتنقلان بهوية سرية على أية حال، و ظنت أن الحراس سيتدخلون بسرعة في أمر اللصوص.
لكن…
“فيها تذكار من والدتي! أرجوكم ساعدوني!”
آه، لا يمكنني تجاهل تذكار من الأم.
استدارت فيفيان فورًا. ثم أطاحت باللص القادم بضربة واحدة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "10"