“فيفيان، لم تكوني في غرفة النوم، فبحثت عنكِ طويلاً. ماذا تفعلين في مكان كهذا؟”
“ذلك…”
كانت الظهيرة دافئة تحت أشعة الشمس.
رفعت فيفيان رأسها ببطء وهي تتسلل بين شجيرات الحديقة و تنظر حولها بحذر.
خطيبها، أصلان ريجيف أستاروت، الذي ستتزوجه الشهر القادم، كان يحدّق بها بذراعيه المتشابكتين.
طوله يقارب المترين، كتفاه العريضتان وصدره القوي، وعضلات ساعديه البارزة بعروق نافرة، جعلت منه جسدًا يبعث على الخوف كما لو كان وحشًا مفترسًا.
لكن، عندما يلتقي بخطيبته عيناه تميلان بشكل جميل كالهلال.
“لو كنتِ ترغبين في التنزه، كان يمكنكِ مناداتي. لكان من الجميل أن نخرج معًا.”
“حسنًا، لأنكَ تبدو مشغولاً للغاية…”
“ألن أجد وقتًا لشيء ترغبين به؟”
كان صوت خطوات أصلان وهو يقترب يُسمع وهو يطأ الحصى. لم يكن ذلك سوى صوت خطوات، لكن العرق البارد بدأ يتصبب من ظهر فيفيان.
نعم. في الحقيقة، لقد تم الإمساك بها وهي تحاول الهروب سرًا.
“أنتِ لا تبدين بحالة جيدة. لا ينبغي أن تجهدي نفسكِ و أنتِ مريضة. هيا نعد الآن.”
“هذا… هذا صعب عليّ.”
“صعب؟”
“وصلتني رسالة عاجلة، وأعتقد أنني بحاجة للخروج. هنا هذه هي الرسالة…”
لكنها توقعت مثل هذا الموقف مسبقًا.
فأخرجت فيفيان الخطة البديلة التي أعدتها سلفًا. كانت رسالة من أختها غير الشقيقة، التي لا تستطيع العيش من دونها.
وبين أصابعها المرتفعة بثقة، تلألأ الظرف الذهبي الفاخر تحت ضوء الشمس.
ولسبب ما، كانت هناك رسالة من ولي العهد…
“لِـ، لماذا هذه هنا؟! كنت قد رميتها!”
“آه، فهمت.”
تصلب تعبير أصلان عند ظهور هذه الرسالة غير المتوقعة.
لم تعرف لماذا يوجد هذا الشيء المشؤوم هنا، لكنها أيقنت أن أصلان لا يشعر بشعور جيد.
“هاها، رؤيتي أصبحت ضبابية مؤخرًا.”
ابتسمت فيفيان بشكل محرج و أخفت رسالة ولي العهد خلف ظهرها بهدوء.
لكن الوقت قد فات بالفعل.
دار أصلان خلفها و مـزّق رسالة ولي العهد إربًا.
تحول الظرف الذهبي البراق إلى مسحوق و تلاشى.
“الآن لا يوجد ما يمنعكِ من العودة إلى غرفة النوم.”
“كان مجرد خطأ. هذه، هذه رسالة حقيقية من الأخت إيريس، صحيح؟”
على أي حال، لقد اختفت رسالة ولي العهد. و بما أن الدليل قد اختفى، فلن يستطيع أصلان فعل شيء بعد الآن.
ابتسمت فيفيان بفخر و هي تخرج رسالة أختها غير الشقيقة.
لكن ما لم تكن تتوقعه هو أن إيريس، بالنسبة لأصلان، لم تكن سوى شوكة في حلقه تعيق قضاءه وقته مع خطيبته.
“أنتِ لا تفكرين بالمغادرة، أليس كذلك؟”
“لماذا، لماذا تظن ذلك؟”
“لقد وعدتِ بالبقاء معي اليوم. كنت أنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر.”
كما قيل سابقًا، كانت فترة الظهيرة جميلة تحت أشعة الشمس. العصافير تغرد، و القطط تسترخي في نوم عميق.
لكن فيفيان كانت ترتجف من البرد ، لدرجة أنها لم تعد تحتمل.
نظرات أصلان كانت شديدة البرودة لدرجة أنها لم تحتمل!
“كح كح، كح!”
“فيفيان…!”
“أوه، لا شيء. فقط شعرت ببعض البرودة.”
وفي اللحظة التي تعثرت فيها بفعل السعال وسقطت بين ذراعي أصلان، هدأ البرد القارس في لمح البصر.
شعرت فيفيان بنسيم الربيع الدافئ من جديد، فبدأت تبكي في قلبها بحرقة.
‘كيف سأهرب الآن؟!’
أحاط أصلان خصرها النحيل، و خرج صوته أجشًا كوحش متحمس.
“لم يتبقَ الكثير على يوم زفافنا الحقيقي. عندما أفكر في ذلك اليوم، لا أستطيع النوم من شدة الترقب. لا بد أنكِ تشعرين بالمثل، فيفيان.”
لا!
لكن فيفيان، التي لم تستطع أن تصرخ بذلك بصوت عال، فواصلت البكاء في قلبها بمرارة.
عندما تفكر في كيف وصلت إلى هذا الوضع ، فإن كل هذه الكارثة بدأت بوصية واحدة كُتبت بشكل سيء.
* * *
[حين يتم العثور على هذه الرسالة، سأكون قد غادرت هذا العالم. رحيلي هو الطريق الأفضل للجميع، لذا لا تبحثوا عني و لا تنتظروني . جميع حقوقي في الممتلكات والأراضي التي أملكها تؤول إلى خطيبي ، سمو الأمير أصلان.]
الأمير الثاني للإمبراطورية و الدوق الأكبر، أصلان ريجيف أستاروت ، حدق في الورقة المقدمة إليه بوجه عابس.
لم يقرأ محتوى الوصية، بل بدأ بمطالعة التوقيع في الأسفل.
فيفيان إليونورا.
كان اسم خطيبته التي اختارها لأسباب سياسية، لكنه انتهى بكرهه لها بشدة. وذلك لأنها ارتكبت شتى الأفعال القذرة و الشريرة فقط لأنها تدعي حبه.
خرج صوت الدوق الأكبر بسخرية تلقائية.
“هل قاطعتَ وقت عملي لمجرد ورقة واحدة فقط؟”
“إنها ليست مجرد ورقة فقط…”
“صحيح، وصية. ها! تحاول لفت انتباهي مجددًا بإحدى حيلها. يا لها من امرأة مدهشة حقًا. تختبر حدود صبري في كل مرة.”
بمجرد أن يتذكر نظرات خطيبته السامة كالأفعى، يشعر بصداع في رأسه.
لكن هذه التصرفات العبثية أوشكت على النهاية.
حتى الآن، التزم الصمت حيال أفعالها بسبب علاقاتهما السياسية، لكن الآن لديه سبب مشروع لفسخ الخطوبة.
“لدى دوق إليونورا ابنة غير شرعية سرية. لقد ارتكب ما يُعد عارًا على النبلاء.”
أما الدوق، فقد اعتدى على خادمة بريئة في صغره، وعندما حملت ، عذّبها حتى الموت تقريبًا خوفًا من انكشاف الأمر من طرف سيد العائلة في ذلك الوقت، ثم رماها في الجبال.
الخادمة توفيت بعد ولادتها لابنتها مباشرة. لكن الابنة، التي تجهل كل هذه التفاصيل، في طريقها الآن إلى العاصمة للبحث عن والدها.
لا وجود لأسرار تدوم إلى الأبد في هذا العالم.
“إذا تدخلتُ قليلًا من خلف الكواليس، ستنحدر سمعة عائلة إليونورا الاجتماعية إلى الحضيض. و سيصبح فسخ الخطوبة أسهل بكثير.”
فيفيان كانت على علم بهذا أيضًا. فقد أخبرها بنفسه مباشرة.
لذا لم يكن هناك شك في أن حادثة الانتحار هذه ما هي إلا محاولة أخيرة منها للتشبث به قبل أن يتركها.
لكن تعابير وجه كبير الخدم الذي كان ينظر إلى أصلان كانت لا تزال قاتمة.
“سيدي، يبدو أن الأمر هذه المرة… حقيقي.”
“ماذا تقصد؟”
“يُقال إن الأميرة أصيبت بمرض السل.”
توقفت حركة أصلان، الذي كان يقلب الوثائق بعصبية. و استأنف كبير الخدم الحديث بسرعة تحت نظرات سيده.
“لقد كنا نجنّد سرًا بعض خدم عائلة إليونورا، أليس كذلك؟ الطبيب الخاص قال انه حين اكتشف أعراض السل لديها، كانت حالة الأميرة قد بلغت مرحلة متقدمة ولا علاج لها.”
“أتعني سعالها للدماء في الحفلة الماضية؟”
“نعم، و يقال ان سلوك الأميرة تغيّر بعد سماعها من الطبيب أنه لا يوجد أمل. كأنها أصبحت شخصًا آخر تمامًا.”
“السل مرض عضال لا يستطيع حتى أطباء البلاط الإمبراطوري علاجه.”
استحضر أصلان صورتها في ذهنه.
أو بالأحرى، عينيها الخاليتين من الحياة كعيني سمكة ميتة، المخفيتين خلف قناع فاخر.
‘كيف يمكن لرجل أن يصدق همسات الحب من تلك العيون؟ كانت تطمع فقط في السلطة الزائفة، ونهايتها جاءت عبثية أيضًا.’
شعر بالأسف، لكن لم يتعد الأمر ذلك.
لكن المشاعر الشخصية و الوضع السياسي أمران مختلفان. فولي العهد، يوهانس، الأخ غير الشقيق الذي كان ينتظر الفرصة للإيقاع به، لن يدع هذه الفرصة تفلت منه.
لو ماتت خطيبته فعلًا ، فسيُلقى اللوم عليه بأي وسيلة.
مثلًا، بأنه لم يؤدِ واجبه كخطيب، أو أنه تجاهل حالتها الصحية، وغيرها من الترهات.
“هل جاء رد من الإمبراطور؟”
“بما أن خطيبة سموك تُعتبر كأنها زوجة الأمير المستقبلية، فقد أمر جلالته بإجراء تحقيق دقيق في أسباب هذه المأساة.”
“اللعنة، ابحثوا عنها فورًا! اعثروا عليها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة!”
لم يستطع إخفاء الغضب في صوته وهو يضرب المكتب.
كانت امرأة لئيمة تجره إلى الوراء حتى في لحظاتها الأخيرة. لكن بما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد، فلا يمكنه السماح لها بالموت بهذه البساطة.
عليه إزالة كل ما قد يستخدمه الإمبراطور ذريعة ضده.
“اعثروا عليها… و أحضروها إليّ. وإن كانت قد ماتت، فأحضروا جثتها. يجب أن أفعل شيئًا حتى و لو كانت مسرحية فوضوية.”
“نعم، سيدي.”
سيتوجب عليهم تزيين غرفة الدوقة بأبهة، و الاستعداد للزفاف و الجنازة في آنٍ واحد.
كبير الخدم انحنى بعمق، وهو يشعر أن الأيام القادمة ستكون مزدحمة للغاية.
* * *
مرّت عدة أيام منذ أن كتبت فيفيان وصيتها و هربت سرًا من قصر الدوق.
أدركت فيفيان أن وضعها ليس على ما يرام.
حسنًا، ومتى كان جيدًا؟ لكنها الآن تشعر فعلًا أنها في أسوأ حالاتها على الإطلاق.
‘أنا فقط انسحبت قليلًا قبل موتي الحقيقي… هل أمنيتي بقضاء ما تبقى من حياتي بسلام تُعد جريمة تستحق الموت؟!’
ندمت فيفيان على تغيير مجرى الرواية الأصلية كيفما شاءت، لكن الأوان قد فات. إذ إن أسدًا أسودًا بحجم منزل كان واقفًا أمامها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "1"