كانت نبرتها لطيفةً بشكلٍ لا يُصدّق، لا تشبه تلكَ المرأة الشريرة.
داعبت فيلاكشينا ظهر أفالكين بحركاتٍ مألوفة وقالت:
“لا سرج و لا لجام. يبدو أنّك حصانٌ بريّ، أليس كذلك؟ حسنًا، من الطبيعيّ أنّ يونيكورن لن يُروّض بِـيَد إنسان.”
ثم أضافت بنبرةٍ تحمل شيئًا من الأسف:
“في الحقيقة، أصبتُ في ساقي. كنتُ أتمنى لو تأخذني إلى قريةٍ قريبة.”
“……”
لم يعرف أفالكين ماذا يفعل.
لا يمكنه ترك فيلاكشينا في غابة بلاكوود هكذا. ستموت.
لكن، إذا حملها إلى يشكين بهذا الشكل، سيتعرّف عليه جميع سكان الإقليم و يبدأون بالتذمّر.
بينما كان أفالكين يفكّر، أدركت فيلاكشينا أنّ أمنيتها غير واقعية وضحكت بهدوء.
“ماذا أقول؟ على أيّ حال، شكرًا. لولاك، لكنتُ قد مـتّ.”
إذن، لم تعد تريد الموت؟
حدّقت عينا أفالكين الزرقاوان في فيلاكشينا وكأنّهما تخترقانها.
‘إنّها النظرة التي رأيتها في سوق العبيد.’
عيونٌ حمراء عنيدة لا تتراجع حتى في معركةٍ لا يمكن الفوز بها.
كانت مغطاةً بالتراب من رأسها إلى أخمص قدميها، وملابسها ممزّقة، و لا مكانٍ سليم فيها، لكن، بشكلٍ غريب، كانت تبدو ذات هيبة.
ما كان مؤكدًا هو أنّ فكرة الموت قد زالت من ذهن فيلاكشينا.
فررر.
هزّ أفالكين رأسه كما لو كان حصانًا حقيقيًا، ثم مـدّ قرنه الشفاف، الذي ينبت بين جبهته و تاجه، نحو فيلاكشينا فجأةً.
“ماذا؟ هل تريدني أن ألمسه؟”
فررر.
بدا صوت هزّ رأسه وكأنّه موافقة، فمدّت فيلاكشينا أطراف أصابعها بحذرٍ إلى قرن أفالكين.
فجأةً، بدأت جزيئاتٌ بيضاء تتلألأ داخل القرن الشفاف كالزجاج، ثم لمعَ ضوءٌ أبيض ساطع.
“آه!”
في لحظة، امتلأت رؤية فيلاكشينا بالبياض، ثم أغلقت عيناها كما لو أنّها شمعةً أُطفئت، و انهار جسدها كما لو كانت تنزلق.
ألغى أفالكين تحوّله على الفور و أمسكَ بيلاكشينا قبل أن يلامس جسدها الأرض.
“عبدةٌ تتطلّبُ الكثير من الجهد.”
على الرّغمِ من تذمّره المتذمر، كان هناك شعورٌ معقّد أكثر من مجرّد الانزعاج في تعبير أفالكين، لكن حتى هو لم يعرف ما هو.
لكن، شفاء ساق فيلاكشينا بالسحر،
وتغطية ملابسها الممزّقة و المتّسخة بمعطف،
ونقلها إلى الغابة القريبة من بوابة يشكين الخارجية،
لم يكن أمرًا مزعجًا بالنّسبةِ له.
* * *
بريقٌ يتدفّق كأشعة الشمس الصباحيّة المنعكسة على أمواجٍ متكسّرة.
مع شعورٍ و كأنّ هذا البريق يدغدغ جفونها، فتحت فيلاكشينا عينيها ببطء.
لم تعرف منذُ متى لم تستيقظ صباحًا بهذا الشعور المريح.
“……”
مرّة، مرّتان. مع كلّ رمشة، اتّسعت رؤيتها تدريجيًا، وعندما نهضت، شعرت بجسدها خفيفًا بشكلٍ غريب.
“منعش جدًا؟”
حرّكت فيلاكشينا جسدها يمنةً و يسرة، ثم حرّكت كاحلها المصاب. لم يؤلمها على الإطلاق.
“ظننتُ أنّه مكسور.”
كيف يمكن أن تنتهي الأمور بهذا الشّكل بعد القفز من عربةٍ متحرّكة؟
فكّرت فيلاكشينا بدهشة، ثم نهضت و داست بقوّة على الأرض حتى تحطّم كعب حذائها الخزفيّ.
تناثرت شظايا الكعب المتشقّق، لكن كاحلها لم يعد يحمل أيّ ألم.
“لقد شفي حقًا!”
ربّما كان مجرّد التواءٍ طفيف، و ربّما كانت قلقةً أكثر من اللازم.
مع هذه الفكرة، شعرت بارتياحٍ كبير. على الأقل، ستوفّر تكاليف العلاج.
“آه!”
في تلكَ اللحظة، سمعت صرخة ألمٍ من رجلٍ ما.
كان رجلًا ذا مظهرٍ طيّب، بشعرٍ بنيّ محمرٍ مشذّب بعناية و عيونٍ بلون البندق، يفرك جبهته.
“عليكِ الحذر!”
و عند قدميه، كانت هناك شظيةٌ من كعب حذاء غيلاكشينا.
لو كانت امرأةً عادية، لقالت في مثل هذا الموقف:
“آه، أنا آسفة! لم أعلم أنّ هناك أحدًا. هل أنتَ بخير؟”
“جئتَ في الوقت المناسب. أرشدني إلى القرية القريبة.”
لكن فيلاكشينا لم تكن امرأةً عادية، بل كانت ابنة نبيلٍ كبير، لم تلتقِ في حياتها سوى بضعة أشخاصٍ أعلى منها مقامًا.
“ماذا؟”
“إذا لم تكن مصابًا بالصّمم، فلا تجعلني أكرّر كلامي. أنا متعبة جدًا.”
لم يكتفِ الرّجل بتلقّي ضربة من شظية كعب الحذاء، بل تلقّى أيضًا أمرًا متعاليًا بسلاسة.
تساءلَ ريديك بِحيرةٍ عن كيفيّة التّعامل مع هذا الموقف.
‘هذه المرأة، عبدة لكنّها تتصرّف بغطرسة.’
من الناحية الفنيّة، هي في مرتبةٍ لا تسمح لها حتى بالتحدّث إلى عامّة الناس.
كيف تجرؤ على التحدّث بتعالٍ إلى فيكونت مثلي؟ إنّه أمرٌ سخيف.
ومع ذلك، كان من الصعب على ريديك الإشارة إلى ذلك، لأنّه إذا سارت الأمور كما هو مخطّط، ستصبح فيلاكشينا زوجة سيّده في المستقبل.
و لو بشكلٍ رمزيّ فقط.
“لـمَ تقف مصدوما؟”
حثّته فيلاكشينا بنظرةٍ حادة.
“ألم أقل لكَ أن ترشدني إلى القرية القريبة على الفور؟”
كانت نبرتها متعجرفةً لدرجة أنّ ريديك كاد أن يقول دونَ وعي: “بالطبع، سيدتي!”
لولا وجود مهمّةٍ يجبُ حلّها على الفور.
“هذا أمرٌ محرج، لكنني هنا في مهمّةٍ أخرى.”
“هل تقول أنّ هناك مهمّةً تتقدّم على أمري؟”
أنتِ عبدة من الأساس، فلمَ تأمرين؟
كبحَ ريديك رغبته في الإشارة إلى ذلكَ و أومأ برأسه.
“تمّ العثور على جثة حطّابٍ داخلَ غابة بلاكوود، و جئتُ للتعامل مع الأمر…”
عندما وصلَ ريديك إلى هذه النقطة، شحبَ وجه فيلاكشينا.
‘لماذا مات؟ أنا لم أقتله!’
حاولت فيلاكشينا يائسةً إخفاء اضطرابها وقالت:
“هذا، هذا أمرٌ خطير. إذن، لا خيار لديّ. فقط أخبرني باتجاه القرية. سأذهب بنفسي.”
كانت تأمل أن تبدو نبرتها كفتاةٍ نبيلةٍ خجولة تفاجأت بخبر موت شخص، و ليس كقاتلةٍ مذنبة.
‘يبدو أنّها هي مَنٔ قتلته.’
للأسف، كان وجه فيلاكشينا الآن يبدو كوجه مذنب لأيّ شخصٍ يراها.
كان الأمر يبدو غريبًا.
قال أفالكين إنّه أعدمَ الحطّاب بسبب الصيد غير المرخص، لكن لم يسبق ليشكين أن شهدت قتلًا دونَ محاكمة لهذا السّبب.
علاوةً على ذلك، كان الحطّابون الذين يجمعون خشب الحديد الأسود المشبع بالسحر يُسمح لهم بالصيد إلى حدٍ ما كجزءٍ من بدل المخاطر.
ومع ذلك، ظـنَّ ريديك أنّ لدى أفالكين أسبابه.
‘أسوأ شريرة في الإمبراطوريّة، لم تكن مبالغة!’
شعرَ ريديك بالخوف فجأةً و ابتلع ريقه.
على الرّغمِ من أنّها تبدو مجرّد امرأةٍ ضعيفة، قد تخفي مهارةً قاتلةً قادرةً على تحويل حطّابٍ قويّ إلى جثة.
هل من الجيّد أن تصبح مثل هذه المرأة زوجة لورد الحدود؟
“أخبرني بالاتجاه؟”
“ألا يمكنكِ فعل ذلك؟”
“لا، ليس هذا ما قصدته.”
خدش ريديك رأسه و تابع:
“أنتِ بالفعل أمام القرية. إذا مشيتِ قليلاً في تلك الجهة، ستجدين الطريق.”
“ماذا؟”
تأكّدت فيلاكشينا من الاتجاه الذي أشارَ إليه ريديك.
لم يكن الطريق مرئيًا مباشرةً، لكن شعورًا بالإضاءة جعلها تعتقد أنّ الأشجار ستكون أقل كثافةً هناك.
‘كيف حدثَ هذا؟ حتى أمس، كنتُ في وسط بلاكوود.’
بالطبع، لم تكن تعرف ما إذا كان ذلكَ وسط الغابة بالضّبط.
لكن، بالنّظر إلى جذور الأشجار التي كان من السهل التعثّر بها، و الكهف الذي بدا أنّه حُفر بواسطة حيوان، كانت متأكدةً أنّها كانت في عمق الغابة بعيدًا عن أيّ أثرٍ بشريّ.
‘و الأهم من ذلك، وحوش اليتي.’
منطقيًا، لا يُبنى طريقٌ أو قريةٌ بالقرب من منطقة تظهر فيها وحوش اليتي.
هذا يعني أنّ المكان الذي تقف فيه الآن بعيدٌ جدًا عن المكان الأخير الذي تتذكّره بالأمس.
فجأةً، تذكّرت فيلاكشينا شيئًا.
“في الحقيقة، أصبتُ في ساقي. كنتُ أتمنى لو تأخذني إلى قريةٍ قريبة.”
“هل يمكن أن يكون اليونيكورن…؟”
كانت فكرةً غير واقعيّة.
مهما كان اليونيكورن كائنًا سحريًا، فهو مجرّد حيوان.
كان إنقاذ حياتها مصادفةً محضة، فهل من المعقول أن يكون قد فهم كلامها و استجاب لطلبها؟ هذا يبدو كحكايةٍ خرافيّة.
‘ و في الحكايات الخرافيّة، عادةً لا تكون الشريرة هي مَنٔ يتلقّى مساعدة الحيوانات.’
نعم.
في الحكايات الخرافيّة، عادةً ما تكون العلاقة بين الشريرة و الحيوانات كعلاقة المذنب و منفّذ العقاب السماويّ.
مثل الغربان التي نقرت أعين زوجة الأب و أختيها في حكاية الحذاء الزجاجيّ الشهيرة.
“ماذا؟ يونيكورن؟”
ربّما لهذا السّبب، تخلّت فيلاكشينا عن فرضيّة “اليونيكورن المساعد” التي بدت و كأنّها من قصةٍ خياليّة للغاية.
“لا شيء. حسنًا، اعمل بجد. سأذهب إلى القرية.”
“آه، انتظري لحظة.”
عبست فيلاكشينا بحدّة و رفعت حاجبيها.
“هل توقفني الآن؟”
“نعم. حتى لو كانت القرية قريبة، لا تفكّري في الذهاب وحدكِ. في الشمال، هناك العديد من الوحوش في هيئة البشر، و لن يُسمح لأيّ شخصٍ لم تُثبت هويّته بدخول الأسوار. لن يستغرق الأمر وقتًا طويلاً، فتعالي معي.”
كان ذلكَ عرضًا لطيفًا.
شعرت فيلاكشينا ببعض الحرج لردّها الحاد قبل سماع التفاصيل، فتنحنحت و قالت:
“شابٌ جدير بالثناء. ما اسمك؟”
“مهلاً، قضينا شهرًا معًا و لا تعرفين اسمي؟”
“…شهر؟”
“يبدو أنّكِ لا تعرفين وجهي أيضًا.”
هـزَّ ريديك رأسه و كأنّه مصدوم.
بالتأكيد، الشريرة هي شريرة. لا تعتبر الخدم أشخاصًا حتّى.
‘ربّما أخطأتُ عندما طلبتُ إعادتها.’
شعرَ ريديك فجأةً بالقلق على مستقبل إقليم يشكين.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"