على الرّغمِ من أنّه الآن في هيئة سائق عربة، إلا أنّ الفيكونت ريديك ريبودوكان، الذي يعمل عادةً كمساعد لأفالكين، طرحَ السؤال بعفويّة.
“هل يجبُ عليّ أن أقنعك؟”
“أنت تعلم أنّ هذا ليس ما قصدته.”
نظرَ ريديك بعيونٍ قلقة إلى العربة التي يجلس فيها أفالكين، ثم عادَ لينظر إلى الأمام.
“آه، لا أعرف. عشرة آلاف ذهبيّة أُنفقت دونَ تفسير، ولم تُحضر عروسًا حتى. دعنا نرى إذا كانت الجدّة إنغريد ستقع مريضةً أم لا.”
“…كانت ظروفًا لا مفرّ منها.”
“هل هذا صحيح حقًّا؟”
التفتَ ريديك مرّةً أخرى.
كان ذلكَ تصرفًا جريئًا ممكنًا لأنّ الطريق كان واحدًا ولم تكن هناك عربات قادمة.
“لو كنتُ مكانكَ، لربطتُ تلكَ المرأة وأخذتها إلى يشكين.”
“لمَ أفعل ذلكَ بامرأةٍ تريد الموت؟”
“قد تشعر هكذا الآن. لكن، من بين أولئك الذين يقولون إنّهم يريدون الموت، كم منهم يختار الموت حقًّا؟”
أغلق أفالكين فمه، كأنّه لم يفكّر في الأمر من هذه الزاوية.
استغلَّ.ريديك الفرصة، ظنًّـا منه أنّ عليه تغيير رأي أفالكين، فرفعَ صوته أكثر:
“بما أنّنا تطرّقنا إلى الموضوع، ألم تفكّر في وجهة نظر تلكَ المرأة؟ مَنٔ كانت نبيلةً ذات مكانةٍ عالية أصبحت عبدةً بين عشيّة وضحاها من الطبيعيّ أن تشعر بالضياع. من خبرتي، في مثل هذه الحالات، كلّ ما تحتاجه هو طبقٌ من الحساء الساخن و كأسٌ من البيرة لتدفئة المعدة. عندها سيبدأ عقلها بالتفكير، ‘حسنًا، ماذا سأفعل الآن؟’ ”
“إذا كنتَ تعرف هذا جيدًا، فلمَ كنتَ تقدّم لنا لحمًا مجففًا صلبًا في كلّ وجبة؟”
“ذلكَ لأنّ… ههه.”
كان واضحًا أنّه فعلَ ذلكَ لأنّه كان يشعر بالكسل.
هـزّ أفالكين رأسه قليلاً، مفكّرًا أنّه كان خطأه لعدم تأديب أتباعه مسبقًا.
‘هل يجبُ أن أعيد فيلاكشينا أوتفيان؟’
لن يكون كاذبًا لو قال إنّه لا يريد ذلك.
كانت فيلاكشينا الإنجاز الوحيد الذي حقّقه أفالكين في الموسم الاجتماعي هذا.
بعد أن صفعته السّيدة كاستيليوني حتى، لم يكن لديه خياراتٌ أخرى.
إذا أصرّت على الموت في النهاية، فلن يكون هناك خيار، لكن إذا كان هناك احتمالٌ لتغيير رأيها…..
“هل أدير العربة؟”
“لا، هذا مزعج.”
نزلَ أفالكين من العربة، و رمى حقيبةً جلديّة كان يربطها إلى سرج الحصان إلى ريديك. أمسكَ ريديك الحقيبة بمهارة، ثم نزلَ من مقعد السائق و بدأ بخدمة أفالكين وقال:
“لا تقل شيئًا عندما تقابلها مرّةً أخرى. فمكَ هو مصدر المشاكل، سيدي.”
“……”
كانت تلكَ نصيحةً وقحةً و متجاوزةً للحدود، لكنّها صحيحة.
* * *
في نفس الوقت، في بلاكوود.
كانت فيلاكشينا، بعد أن طاردها الحطّابٌ الذي تغيّرَ فجأةً، قد تسلّلت إلى كهفٍ عثرت عليه بالصدفة، و هي تحاول استعادة أنفاسها.
“كم تأخذين مقابل ليلةٍ واحدة، يا آنسة؟”
بدأ الحطّاب، الذي كشف عن نواياه الحقيقيّة بهذا السؤال الذي يُطرح على العاهرات، بسرعة.
في البداية، أمسكَ بمعصم بيلاكشينا، ثم بدأ يمزّق طرف فستانها.
صرخت بأعلى صوتها، لكن لم يكن هناك مَنٔ يسمع، و
ضحكَ الحطّاب بخبثٍ كأنّه يقول إنّ ذلكَ لا فائدة منه.
“لا.”
أصبحَ ذهن فيلاكشينا فارغًا، و حاولت الهروب فورًا، لكن إصابة ساقها منعتها من الركض جيّدًا.
“لا!”
بينما كانت تزحف و تتدحرجُ على الأرض الموحلة، نزفت و تمزّق ثوبها.
كان الحطّاب يطاردها ببطء، كأنّه يستمتع بلعبة الغميضة. كانت فيلاكشينا هي الوحيدة اليائسة.
خشخشة.
“…..!”
شعرت بحركةٍ في الأشجار التي بالقرب من الكهف.
كان قلبها ينبض بجنون.
“يا آنسة! لمَ لا تخرجين بهدوء؟ إلى أينَ يمكنكِ الهروب بساقيكِ هاتين؟”
يبدو أنّ الحطّاب فقَـدَ أثرها، فرفعَ صوته عمدًا لإغرائها بالخروج. حتّى لو لم يكتشف الكهف الآن، فلن يمرّ وقتٌ طويل حتّى يجده.
‘اللّعنة.’
لم يكن يجب أن آكل ذلكَ الحساء.
حتّى لو كنتُ سأموت، لم يكن يجب أن أموت هكذا.
بينما كانت تتدفّق عليها آلاف من التأنيب و الدّموع التي كانت على وشكِ السقوط، عضّت فيلاكشينا شفتها السفلى بقسوة.
‘كيف يجرؤ، هل يعرف من أنا…؟’
بأيدٍ مرتجفة، تلمّست فيلاكشينا داخل الكهف و أمسكت بقطعة خشبٍ لمستها أصابعها. ربّما كانت جذر شجرة مكسورة من تلّـةٍ فوق الكهف، لكن ذلك لم يكن مهمًا.
“سأقتله.”
عندما عزمت على القتل من أجل حماية نفسها، توقّف ارتجاف يديها.
اختبأت فيلاكشينا داخل الكهف و نظرت إلى الحطّاب عبر الأشجار.
“لم أقصد دفع تكلفة ليلةٍ بطبق حساء! دعيني أرى.”
بدأ الحطّاب يفتّش جيوبه.
يبدو أنّه كان يتحقّق من مقدار المال الذي يمكنه دفعه.
“واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة…”
اقتربت فيلاكشينا ببطء من ظهر الحطّاب المنشغل بِـعَدّ النقود.
كبحت أنفاسها لتقليل أيّ صوت، و رفعت يدها التي تمسكُ قطعة الخشب عاليًا.
“عشرون ذهبية! ماذا عن ذلك؟ بما أنّكِ جميلة، سأكون كريمًا…”
بام!
مع صوتٍ مكتوم، انهارَ جسد الحطّاب.
أسقطت فيلاكشينا قطعة الخشب و تنفّست بسرعة و ابتلعت ريقها.
“هو لم يمـت، أليس كذلك؟”
وضعت فيلاكشينا إصبعها تحت أنفه، و بعد أن تأكّدت من أنفاسه الدافئة، تنهّدت براحة.
على الرّغمِ من أنّها عزمت على قتله، إلا أنّها لم تكن تريد موته حقًا.
“هه، هه. هذا ما تستحقه. أيّها الحطّاب الوضيع، كيف تجرؤ على التطلّع إليّ؟”
تمتمت فيلاكشينا بنبرةٍ شرسة مبالغ فيها.
على الرّغمِ من أنّه لا أحد يراها، شعرت أنّها بحاجة إلى الظهور بمظهر قويّ لتحافظ على نفسها.
في تلك اللحظة، لاحظت كيسَ النقود الذي أسقطه الحطّاب.
كان يحتوي على 24 ذهبية.
ليسَ مبلغًا كبيرًا، لكنّه ليسَ قليلًا أيضًا.
“سأحتاج إلى المال لشراء ملابس جديدة و استئجار غرفة في نزل.”
إذا أُنفقت بحكمة، قد تتمكّن من زيارة طبيب.
قد يتساءل البعض لـمَ يحتاج شخصٌ على وشكِ الموت إلى طبيب، لكن…
“سأعتبر هذا المال تعويضًا عن الأذى النفسي.”
ربّما بسببِ طبق الحساء الدافئ، كان ذهن فيلاكشينا صافيًا نسبيًا، و قد استعادت ما يكفي من الهدوء لتنظر إلى وضعها دونَ يأس.
* * *
“لم تكن هناك حاجة لمساعدتها.”
ابتسمَ أفالكين بصمت وهو يرى فيلاكشينا تنتصر بشكلٍ رائع على الحطّاب الذي كان ضعف حجمها.
كما شعر في سوق العبيد، كانت تملك شجاعةً مذهلة.
كان يفكّر أنّه لو وُلدت رجلاً، لكانت بطلة حرب.
عندما تغيّرت نظرته فجأةً—
“هممم.”
خلفَ فيلاكشينا، التي كانت تعرج بعيدًا عن الحطّاب، تحرّكَ جسد الحطّاب الملقى على الأرض قليلاً.
“سيكون مزعجًا إذا استيقظ الآن.”
نجاحها في الهجوم المفاجئ كان بسببِ استغلال لحظة غفلته.
لكن، مع الفارق الكبير في الحجم، كانت فرصها في الفوز في مواجهةٍ مباشرةً ضئيلة جدًا.
“يبدو أنّ دوري قد حـان.”
تمتم أفالكين بصوتٍ منخفض، و فـكّ أزرار سترته، ثم كشف عن الخنجر المعلّق داخلها و وضع يده عليه.
في اللّحظة التي حاولَ فيها الحطّاب النهوض.
هوووش!
“آه!”
طارَ الخنجر كالضوء و أصابَ بين حاجبي الحطّاب بدقّة.
كان من الواضح أنّ الحطّاب، الذي كان قد نهض نصف نهوض، قد انهار مجددًا.
“يجبُ أن أطلب من ريديك التخلّص من الجثة.”
سبب الإعدام…
جال بصر أغالكين بسرعة في المناطق المحيطة، و لاحظ قدر الحساء الخاص بالحطّاب و جلد أرنب بدا أنّه استخدم فيه.
“الصيد غير المرخص كافٍ.”
كان ذلكَ تهمةً أكثر شرفًا بكثير من محاولة التّعدي على امرأة.
اعتقدَ أفالكين أنّ هذا حكمٌ يصبّ في مصلحة الجميع، و وجّـهَ انتباهه بهدوء إلى فيلاكشينا.
“يبدو أنّها تريد العيش، لقد أخذت المال.”
للحصول على مزيدٍ من اليقين، قرّرَ أفالكين تتبّع فيلاكشينا.
كرّرَ في ذهنه أنّه إذا اختارت الموت حقًا، فسوف يتركها حينها.
في تلكَ الليلة، كانت فيلاكشينا تمشي و تتوقّف عدّة مرّات، حتّى جلست تحت شجرةٍ كبيرة.
عندما خلعت حذاءها، رأت أنّ كعبها الخزفيّ كان متشققًا و شبه محطّم.
“لن أتمكّن من ارتدائه غدًا.”
لو كنتُ أعلم، لكنتُ أخذت حذاء ذلكَ الحطّاب.
تنهّدت فيلاكشينا وهي تفكّر في ذلك.
حتّى في هذا الوضع، كان إحساسها بالواقع لا يزال عند مستوى نبيلة.
“إذا استمرّ الأمر هكذا، سأموت في هذه الغابة السوداء.”
فجأة، تذكّرت كلمات أفالكين:
“إنّها موطن اليتي الملوّثين بالسّحر. غزالة ذو ساق مكسورة لن تصمد أسبوعًا.”
أسبوع.
ربّما كان ذلكَ مدّة حياتها المتبقيّة.
إذا كانت محظوظةً بما يكفي لتجنّب اليتي، قد تعيش أطول قليلاً، لكن…
هدير!
لم تكن فيلاكشينا محظوظةً إلى هذا الحدّ.
“الـيتي!”
أُصيبَ جسدها بالقشعريرة.
وحشٌ على شكل قردٍ ضخم، بضعف حجم رجلٍ بالغ، مغطّى بالفراء الأبيض المتجمّد، الـيتي.
كان عددٌ كبير من اليتي يركضون من جبلٍ ثلجيّ بعيد، يزأرون كالعاصفة.
بينما كانت أشجار الغابة تنكسر و تسقط تحت ضربات أطرافهم، و تنهار كموجةٍ عاتية، شعرت فيلاكشينا أنّ كلّ أملٍ قد تبخّر.
“هل يمكنني الهروب؟”
مستحيل.
كان السؤال و الجواب قد جاءا معًا.
كان الـيتي يركضون بسرعةٍ تفوق سرعة الإنسان العادي بثلاث أو أربع مرات، و فيلاكشينا كانت مصابة. لن يستغرق الأمر أكثر من دقيقة حتّى تصل تلكَ المجموعة المرعبة إلى مكانها.
“هل سأموت هكذا؟”
شعرت و كأنّ قلبها مغمورٌ بحديدٍ ثقيل.
الموت يندفع نحوها بقوّةٍ مخيفة.
بينما كانت تدرك هذا الموت الأبيض، سالت دموعها.
موت الإنسان لم يكن كما تخيّلته.
الموت بأنياب وحشٍ يمضغ عظامها و يمزّق لحمها لم يكن مشرفًا، بل كان مهينًا لا يحفظ أدنى قدرٍ من الكرامة.
لا. ليس هكذا.
“لا أريد الموت…!”
في تلكَ اللّحظة بالذات.
بدأت موجةٌ من الضوء الملوّن تنير سماء الليل من خلفَ فيلاكشينا.
عندما غمر الضوء المقدّس اللامع العالم بألوانٍ زاهية، حدثَ شيءٌ لا يُصدّق.
هربت وحوش الـيتي، التي كانت على وشكِ تحويل جسد فيلاكشينا إلى قطعٍ من اللحم، كأنّها تواجه ملك السماء.
التفتت فيلاكشينا، التي نجت دونَ قصد، بتعبيرٍ مذهول ببطء لتنظر إلى مصدر الضوء.
فراءٌ أبيض كالثلج، و عُرفٌ يتلألأ بألوانٍ مختلفة حسب زاوية الضوء.
و قرنٌ لولبيّ شفاف كالزجاج.
“يوني… كورن؟”
كانَ أجمل مخلوق في العالم يقف هناك.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"