لكن بدون كريمات مخلوطة بأفخر الزيوت العطرية، أو خل الفواكه لتنعيم الشعر، أو حوض مليء ببتلات الزهور، كان مجرّد ماء دافئ فقط.
ومع ذلك، كانت فيلاكشينا سعيدة للغاية.
“منذُ متى لم أستحم هكذا!”
سخرت فيلاكشينا من نفسها وهي تتأمل حالتها، ممتنة حتى لحرارة الماء الشفاف الخالي من الروائح.
من النادر أن تمرّ حياة شخصٍ ما بمثل هذه التقلبات الحادة في فترةٍ قصيرة.
من خطيبة الإمبراطور و وريثة عائلة دوقية مؤسّسة للإمبراطورية،
إلى متّهمة في محاكمةٍ جنائية، هاربة بلا مال،
و أخيرًا، سلعة في سوق العبيد.
كل هذا حدثَ في غضونِ نصفِ عام فقط.
“…و الآن، زوجة رمزية لسيّدٍ في إقليمٍ قاحل.”
مع هذه التغيرات المتلاحقة في مركزها، أصبحت مرتبكة بشأن هويتها الحقيقية.
بينما كانت فيلاكشينا على وشكِ الغوص في تأملات عميقة حول هويتها، سمعت:
“سيدتي، إنغريد هنا. هل يمكنني إحضار الوجبة الخفيفة؟”
فكرت فيلاكشينا للحظة عـمَّن تكون إنغريد، ثم استنتجت أن ذلكَ لا يهم و قالت: “ادخلي.”
“كما أمرتِ، جهّزتُ بسكويتًا خاليًا من النعناع.”
عندما نظرت فيلاكشينا، لم يكن البسكويت خاليًا من النعناع فقط، بل كان مجرد كتلة دقيق بلا أي إضافات.
عندما وضعته في فمها، كان قاسيًا وجافًا، و يبدو أنه لم يُستخدم فيه زبدة، ناهيك عن الحليب بكميةٍ كافية.
“بسكويت الشوفان الذي يعطى للخيول أفضل من هذا.”
“يبدو أنه لم يعجبكِ.”
“حتى لو كان كذلك، لا أعتقد أن ذلكَ سيغير شيئًا.”
توقّفت إنغريد للحظة عند نبرة فيلاكشينا الباردة.
“رأيتُ كل شيء أثناء قدومي. إقليمٌ فقيـر. شعب ليس لديه تعليم، بل لا يوجد حتى انضباط. الخادمات يرتدين زيًا باليًا و يتعثرن في استقبال الضيوف. لا أتوقع شيئًا أكثر من هذا.”
تنهّدت فيلاكشينا بقوّة وهي تتذكر المشهد المزري، ثم التفتت إلى إنغريد و تابعت:
“لذا، سأتغاضى عن ذلك. ماء الحمام بدون قطرة عطر، و هذا البسكويت البائس، لا يبدو أنهم أعدّوهما بِـنيّة إهانتي. كما ترين ، أنا حسّاسة جدًا تجاه النوايا السيئة.”
استمعت إنغريد بهدوء لكلام فيلاكشينا ثم سألت بحذر:
“هل يمكنني طرح سؤال؟”
“اسألي. لكنني سأقرر ما إذا كنتُ سأجيب أم لا.”
“من أيّ عائلة كنتِ سيدةً في الأصل؟”
ارتجفت أصابع فيلاكشينا قليلاً.
سؤالها عن عائلتها الأصلية لم يكن يهمها.
المشكلة الحقيقية كانت في كلمة “في الأصل”.
‘إنّها تعلم أنني سقطت.’
حسنًا، لم يقل أفالكين أبدًا إنه سيبقي الأمر سرًا.
لكن، بشكلٍ عام، من المنطقي أن يُعتبر الزواج من امرأة اشتراها من سوق العبيد إهانةً لسمعة أفالكين، لذا توقعت أن يصمت بنفسه.
السّؤال هو ما الذي دفع رئيسة الخادمات لإثارة هذا الموضوع؟
“إذا أخبرتكِ…”
اتكأت فيلاكشينا على حافّة الحوض بتعبيرٍ هادئ وقالت:
“هل يمكنكِ تحسين حياتي إلى مستوى أوديفيرتي؟”
“..…!”
أوديفيرتي.
تصلّب وجه إنغريد عند سماع اسم الإقليم الأكثر ثراءً من العاصمة ليكريسا.
يبدو أنها لم تكن تعرف مركزها الدقيق.
مضغت فيلاكشينا البسكويت بصوتٍ عالٍ و قالت:
“اسمعي، يا رئيسة الخادمات.”
“نعم، سيدتي.”
“كما قلتُ سابقًا، أنا حسّاسة جدًا تجاه النوايا السيئة. و مَنٔ يُغضبني مرةً واحدة، لن أسامحه مهما حدث. لذا، أخبري الآخرين جيدًا. إذا حاولوا خداعي، سينتهي بهم الأمر في حالةٍ مروعة.”
كرنش!
فهمت إنغريد أن كلام فيلاكشينا تحذيرٌ موجّهٌ إليها.
و أنه إذا أرادت التحدي، فعليها أن تكون مستعدة لإنهاء المعركة.
“سأتذكّر ذلك، سيدتي.”
ابتسمت إنغريد بارتياحٍ غريب.
“أرحّب بكِ بصدق في يشكين. كنا نريد سيّدةً مثلكِ تمامًا.”
في العاصمة، كان يمكنُ أن تُعتبر هذه الكلمات دعوةً للمبارزة.
بينما كان أفالكين يميل برأسه بناءً على معرفته السّطحية بالمجتمع الراقي، تابعت إنغريد بحماس:
“هل تتذكر الآنسة التي خدمتُها من قبل؟ منذُ بضع سنوات. تلكَ التي أخذت قضمة من البسكويت فشحب وجهها، ولم تستطع التظاهر بأنها بخير، ولم تتمكن حتى من الشكوى من المذاق، فشربت الشاي فقط.”
مَنٔ كانت تلك؟
حاولَ أفالكين استرجاع ذكرياته للحظة، لكنه استسلم سريعًا عندما لم يتذكر.
بدلاً من استعادة امرأة من الماضي تعيش الآن في مكانٍ ما، كان من الأكثر إنتاجية التركيز على المرأة الحالية.
“هل قالت فيلاكشينا أوتيفان أنّه لذيذ؟”
“قالت إنه سيّئ المذاق لكنها أكلته كلّه.”
كان ذلكَ متوقعًا تمامًا.
بالطبع، لو كانت فيلاكشينا لا تزال سيّدة نبيلة، لكانت أثارت ضجّةً حول تقديم مثل هذا الطعام، لكن بعد أكثر من شهر من مضغ اللحم المجفف، يبدو أي شيء كمأدبةٍ فاخرة.
“أسنانها قوية جدًا. كانت تمضغ ذلك البسكويت الجاف بصوتٍ عالٍ.”
“و ما أهمية ذلك؟”
“عندما تلـد المرأة، يجب أن تعضّ على أسنانها. إذا كانت تعاني من تسوّس، ستعاني كثيرًا.”
طفل.
تذكّر أفالكين فجأةً أنه يجب أن ينجب طفلاً مع فيلاكشينا، و شعرَ بالضياع.
‘أنـا و تلكَ المرأة…’
لم يكن لديه نموذجٌ مثاليّ محدد.
كونه من عائلة نبيلة كبرى و في سن الواحدة والثلاثين، كان ينظر إلى الواقع بعقلانية.
لكن فيلاكشينا كانت مختلفة تمامًا عن الشريكة التي تخيّلها بشكلٍ غامض.
كان يأمل في امرأةٍ قوية، حكيمة، و طيّبة.
لكن أن تكون أسوأ شريرة في الإمبراطورية، و قامَ بشراءها بالمال؟
‘لحسنِ الحظ أنها عبدة.’
يجبُ أن يتزوجها، و ينجبَ وريثًا، لكن لا يجب أن يحبها.
“هل انتهت تحضيرات العشاء؟”
“إذا لم يكن الطّاهي كسولًا، فمن المفترض أن تكون جاهزة الآن. ربّما لا تزال السّيدة تتزين، لكن الذهاب والانتظار مسبقًا سيبدو جيّدًا في عيون الآخرين. ليس كل الخدم في القلعة يعرفون أصلها.”
أومأَ أفالكين برأسه.
كان موعد العشاء غير مرغوب فيه، لكن لم يكن لديه خيار.
بالنّسبة له، المهم هو أداء واجبه بصفته سيّد يشكين.
في نفسِ الوقت،
كانت فيلاكشينا تقف أمام المرآة، تنظر بامتعاض إلى نفسها وهي ترتدي فستانًا مستعملًا آخر.
“فستان فيروزي غامق بياقة عالية؟”
كان فستانًا مملًا يرتديه النساء اللواتي لا يخرجن إلا إلى الكنيسة.
لكن في الوقت الحالي، كان عليها أن تكون ممتنة حتى لهذا.
قالت أليسيا، الخادمة التي تساعدها في ارتداء الملابس:
“قد يكون صدر الفستان ضيقًا قليلاً، لكن تحمليه ليومٍ واحد فقط. غدًا، سأجهز فستانًا تم تهيئته حسب مقاسكِ.”
“ليس فستانًا جديدًا؟”
“آه…! أنا، أنا آسفة.”
بدت أليسيا مرتبكة، فاتسعت عيناها، و عدّلت وقفتها كما لو أنها لا تعرف ماذا تفعل.
نعم، عندما لا تعرفين ماذا تفعلين، هكذا تتصرفين.
“لـمَ الاعتذار؟”
“لأنني لم أجهّز فستانًا جديدًا للسّيدة.”
“هل تعنين أنكِ مَنٔ يدير فساتيني؟”
“ماذا؟ لا، ليس هذا ما قصدته.”
تنهّدت فيلاكشينا قليلاً و قالت:
“أنا نبيلة قاسية و مخيفة للغاية، لذا من الحكمة أن تحاولي استرضائي. لكن، حتى أنا لا يمكنني محاسبة شخصٍ على أمرٍ ليس من صلاحياته، و أنتِ أيضًا لا يجب أن تعتذري نيابةً عن أمرٍ ليس مسؤوليتكِ.”
“تجاوز للصلاحيات؟”
“أعني أن الشّخص المسؤول عن الفساتين قد يكون لديه ظروفٌ أخرى، أو ربّما لم يخصص السّيد ميزانيةً لفساتيني عن قصد. هذا ليس شيئًا يمكن حلّه بإحناء رأسكِ.”
استمعت أليسيا بهدوء لكلام فيلاكشينا و أومأت برأسها.
كانت خائفةً و تتوسل العفو بانحنائها، لكنها فهمت أن ذلكَ كان خطأً.
“سأسأل مرّةً أخرى. فكري جيّدًا و أجيبي. ليس فستانًا جديدًا؟”
“آه، حسنًا… سأسأل رئيسة الخادمات؟”
عندما رأت فيلاكشينا أليسيا تفكر بطريقتها الخاّصة، شعرت أن هناك أملًا و ابتسمت بخفة.
“هذا هو الجواب الصحيح.”
“شكرًا على تعليمي، سيّدتي.”
كادت فيلاكشينا أن تهدّدها قائلةً إنها إذا كرّرت الخطأ ستواجه السوط، لكنها توقفت.
لم يكن هناك سببٌ كبير لتوقّفها ، فقط لأنها لم تملك سوطًا.
“اصطحبيني إلى غرفة الطعام. أنا جائعة.”
“نعم، سيدتي!”
ردّت أليسيا بحماس، بعيونٍ تلمع بشكلٍ غريب يعكس نوعًا من الولاء، كما لو كانت جنديةً جديدةً منضبطة.
‘الناس هنا غريبون نوعًا ما.’
أدركت فيلاكشينا بشكلٍ غامض أن شخصيتها الصارمة و المتعجرفة، التي كانت غالبًا مادةً للنميمة في العاصمة، تُقابل بشكلٍ مختلف تمامًا في يشكين.
وأنها كلّما كانت قاسية مع شخصٍ ما، زاد عدد من يتبعونها بشكلٍ خفي.
‘هل هذه طباع الشمال؟’
على أيّ حال، هذا لا يهم.
“لقد تأخرتِ.”
حاكم الشمال.
لن يكون ذلكَ مهمًا إذا لم ينجح مع أفالكين إيشتفان سيغسموند فون يشكين.
“لقد جئتَ مبكرًا. يبدو أنّكَ كنتَ متفرغًا.”
ردّت فيلاكشينا بسلاسة على توبيخ أفالكين بالتأخير، قائلةً: “لا، أنت مَنٔ جاء مبكرًا”، وجلست على الطرف المقابل من الطاولة.
“لم أكن أتحدّث عن العشاء.”
قال أفالكين ذلك، ثم رفعَ ملعقة من على الطاولة وأخذ ملعقة من الحساء البرتقالي و تناوله.
وضع شيءٍ في فمه كان إشارةً لرفضِ الحديث.
أدركت فيلاكشينا أن أفالكين أعطاها عن قصد مساحةً للتفكير.
‘لم يكن يتحدث عن العشاء؟’
آه.
لمـعَ بريقٌ في عيون فيلاكشينا الحمراء.
كان أفالكين يتحدّث الآن عن تأخّر وصولها إلى قلعة يشكين.
بعبارةٍ أخرى، قبل حتى أن تبدأ الوجبة رسميًا، أثارَ موضوع مصيرها.
“هل يمكنني أن أفترضَ أنكِ قبلتِ الهدف منكِ؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"