الليل قد بسط عباءته على قصر آل ألدرايث، والهواء محمل برائحة الورد الذابل والماء الراكد في أحواض النوافير.

جلست ماري في طرف الحديقة الخلفية، حيث لا يسمع أحد سوى خرير الماء ونعاس القمر بين الأغصان.

أطلقت قطط القصر الصغيرة في العشب، فأخذت تلهو حولها، تتقافز وتتعثر في ظلها، فيما كانت تبتسم بخفة كأن العالم كله اختصر في هذه الرقصة الصامتة بين ضوء ومخلب.

مدت يدها تلامس صفحة الماء، فارتجف الضوء تحت أصابعها وتساقطت دوائر صغيرة على وجه القمر المنعكس، كأنها تمحو ملامحه ببطء.

ــ تدركين أنهم لا يلعبون معك، بل بك؟

انقبضت ماري فجأة، ثم استدارت ببطء نحو الصوت.

كان جورج يقف عند مدخل الممر الحجري، متكئا بظهره إلى الجدار وذراعاه معقودتان أمام صدره في لا مبالاة متقنة.

انعكست على وجهه ملامح ثقة تقترب من الغطرسة، عاكسًا نصفه في الضوء ونصفه في العتمة.

ابتسامته لم تكن ابتسامة… كانت شيئا بين السخرية والتأمل، كأنه يزن الكلمات قبل أن يُلقيها لتصيب دون أن تجرح.

قالت بنبرة فيها بعض الخجل وبعض الدفاع:

ــ القطط لا تعرف الخداع سيدي ، إنها فقط… بريئة.

تقدم خطوة واحدة، ثم قال بصوت منخفض وهادئ حد الإزعاج:

ــ البريء يا آنسة… لا يدرك أنه في ميدان صيد.

ظلت تنظر إليه لحظة، ثم هزت رأسها بابتسامة قصيرة تخفي ارتباكها:

ــ أتراقبون الطريدة يا دوق؟ أم تكتفون بمتعة المشاهدة من بعيد؟»

ضحك ضحكة قصيرة أقرب إلى الزفير، وقال:

ــ حذار يا آنسة ماري… الذكاء سلاح جميل، لكنه كثيرا ما ينقلب على صاحبه إن لم يحسن حمله.

قالها بسخرية ناعمة، كأنها نغمة موسيقية تسقط على أعصابها لا على سمعها.

رفعت بصرها نحوه وقالت بنبرة ثابتة و هادئة، كمن لا يريد النزال لكنه لا يهرب منه:

ــ لا أخشى العثرات سيدي الدوق ، ما دمت لا أرتدي تاجا يثقل رأسي.

تأملها للحظة، كمن يرى ما لا يقال، ثم قال بخفة غريبة:

ــ مثيرة أنت يا آنسة، لا بسبب كلماتك بل لأنك تحاولين أن تقنعي نفسك أنك لا تُفكرين.

لم تجبه.

فقط رمقت الماء مجددا، كأنها تبحث فيه عن انعكاس آخر لا يشبهه.

ثم قامت ببطء، نفضت الغبار عن ثوبها و قالت بابتسامة رقيقة تخفي ضيقا واضحا:

ــ وإن انتهى العرض، يا حضرت الدوق فليغلق الستار.

مر بجانبها وهو يقول بنغمة لا تدرك إن كانت جادة أم هازئة:

ــ الستار لا يغلق يا انسة، هو فقط يبدل المشهد.

ولما ابتعد صوته بين العشب، تنفست ماري بعمق واضح كمن يخرج من معركة صامتة، ضحكت ضحكة خفيفة غير مصدقة تغطي بها اضطرابها.

ظلت القطط تتابعها بعيون لامعة، كأنها هي من فهمت اللعبة كلها.