كان الممر طويلا، تكسوه بلاطات لامعة تعكس الأضواء الخافتة المتسللة من النوافذ العالية، كأنها لوحات مرسومة بعناية على أرضية المكان.
تعالت خطوات الطالبات المتسارعة نحو الخارج بعد انتهاء الجولة، وضحكاتهن المتشابكة ارتدت صدى عتيقا، يلامس الجدران كما لو كان صخبًا دخيلًا على صرامة المكان.
أما ماري، فقد خرجت ببطء تضم كتبها إلى صدرها وكأنها درع هش رأسها مثقل بتلك الجملة التي ألقاها الدوق، جملة غامضة لكنها تسللت إليها بوقع شخصي جعلها تنبض في أذنيها كأنها قيلت لها وحدها.
كانت تمشي بخطى مشتتة، تحدق إلى الأرض أكثر مما تنظر أمامها.
لم تنتبه أن الممر لم يفرغ بعد ولم تلحظ أن الدوق الشاب يسير في الاتجاه المقابل، خطواته الواثقة تقطع الصمت بخفة محسوبة، كأن البلاط نفسه يتهيأ ليستقبل وقع حذائه.
وفجأة، ارتطمت به.
اصطدام صغير، لكنه ارتج في قلبها كزلزال.
تساقطت الكتب أرضا متناثرة وارتدت هي للخلف خطوة كادت تفقد معها توازنها.
وجنتاها اشتعلتا حمرة، بينما ارتسمت على وجوه الطالبات في آخر الممر ابتسامات مباغتة، كادت تفضحهن ضحكاتهن المكتومة.
مدّت يدها لتلملم كتبها على عجل، لكن حقيبتها تعلقت بسلسلة جيب الدوق المعدنية، تلك التي تتدلى من سترته الرمادية الداكنة.
حاولت أن تسحبها بخفة، فإذا بها تزيد العقدة تعقيدًا، حتى تعلّق طرف كتاب بربطته السوداء الأنيقة.
المشهد بدا كأنه لوحة هزلية وسط صرامة المكان.
وبينما تحاول ماري أن تخلص الحقيبة من السلسلة، فقدت توازنها قليلًا، فانحنت فجأة بسرعة شديدة، لتصطدم جبهتها بصدره قبل أن تستقيم بسرعة وتتمتم في ارتباك شديد بصوت مسموع:
– “يا ويلي…”
ارتفعت ضحكات مكتومة من بعض الطالبات وبعضهن غطين أفواههن بأيديهن كي لا ينفجرن علنا.
جورج، ببروده المعتاد، اكتفى بالنظر إليها مطولا عيناه تلمعان بخيط رفيع من السخرية، ثم قال:
– “أظن أن حربك مع الكتب بدأت تتوسع… حتى على حساب ملابسي.”
رفعت رأسها بسرعة، عيناها تلمعان بخجل، والكلمات تختنق في حلقها:
– “أ.. أعتذر سيدي، لم أقصد—”
قاطعها بابتسامة باهتة، غامضة لا يعرف إن كانت رحمة أم سخرية:
– “اعتذارك لا يفك العقدة يا آنسة.”
مد يده بخفة، وأمسك بالسلسلة بلمسة محسوبة، ثم حررها من حقيبتها بحركة دقيقة.
التقط كتبها المتناثرة واحدًا تلو الآخر وناولها لها ببطء، متعمدا أن يطيل زمن الموقف وكأن في تأخيره هذا درسا لا يعرف أحد معناه بعد.
ارتبكت ماري أكثر حين التفتت لتجد العيون كلها مسمرة عليها، بعض الطالبات يعضضن شفاههن كي لا ينفجرن ضحكا وبعضهن يراقبن المشهد بدهشة والبعض الآخر بدا كأنه يغار من ذلك الاصطدام غير المتوقع.
وحين التقطت آخر كتاب من يده، قال جورج بصوت أعمق هذه المرة، ناظرا إلى الطالبات أكثر مما ناظر إليها:
– “حين يغض البصر عنك، يكفي أن يُصطدم ليكتشف وجودك يا انسة “
جملة ثقيلة انغرست في جو الممر، أربكت الضحكات التي كانت على وشك الانفجار وحولتها إلى صمت متوتر. صدى كلماته ارتد في عقول الفتيات أكثر مما ارتد على الجدران.
ماري وقد ضاعفت الحُمرة على وجنتيها، جمعت كتبها بسرعة وانسحبت بخطوات مضطربة، كأنها تهرب من نظرات زميلاتها أكثر من هروبها من الدوق نفسه.
أما جورج، فقد وقف مكانه للحظة أطول مما يلزم ينظر إلى ظهرها الصغير المبتعد، قبل أن يتابع سيره بخطوات باردة.
ومع كل خطوة، ظل الصمت عالقا في الممر، صمت لم يشبه أي صمت قبله.
لم يكن الاصطدام في نظر الطالبات سوى حادثة عابرة، لكن في أعماق ماري بقي أثره كجرس خافت لا يتوقف عن الرنين كأنما نقشت لحظة لا تفسير لها، لحظة ستعود لتفرض حضورها مهما أنكرها العقل أو جهلها الآخرون.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات