لم يكن صباح ماري مثل أي صباح آخر، ارتدت الفستان الأزرق الطويل الذي اشتراه لها والدها في ليلة متعبة.
القماش لم يكن فاخرا، لكنه بدا كدرع صغير يمنحها شيئا من الثقة، ربطة شعرها المطرزة بخيوط فضية رقيقة كانت تفصيلة شخصية لا يملكها أحد سواها.
حين سارت نحو المدرسة، كانت تسمع وقع خطواتها فوق الحصى كأنها إيقاع إعلان دخولها إلى عالم جديد لا يرحم.
ترددت أمام البوابة الحديدية العالية. شعرت للحظة أنها تبتلعها.
ومع ذلك، مضت.
في الساحة الداخلية، اصطدمت بنظرات لم تكن بريئة.
اقتربت منها ثلاث فتيات ببطء، وكأنهن يعرفن مسبقا أنها ستكون فريستهن الجديدة.
جوزيفين كانت أقصرهن قامة، لكن نظراتها الحادة تجعلها تبدو أكبر من حجمها، عيناها تتابعان ماري من أعلى إلى أسفل بلا خجل، كأنها تفحص شيئا معروضا للبيع.
بجانبها وقفت كاثرين، ذات الشعر الأشقر المصقول بعناية، ابتسامة ثابتة على وجهها ابتسامة ليست ودودة بل محمّلة بالاستعلاء، ابتسامة تقول “أنا أفضل منك” دون أن تنطق بكلمة.
أما لورا، أطولهن قامة وأكثرهن ثقة، فقد وضعت يدها على خاصرتها ببرود ووقفت مائلة قليلا إلى الأمام، كأنها صاحبة السلطة هنا، لا تحتاج إلى رفع صوتها لتفهم من حولها أنها المتحكمة.
جوزيفين (بهمس ساخر):
أنظرن يا بنات، هذه هي المنحة الجديدة.
كاثرين (تضحك):
توقعت أن يكون لديها شيء مميز، لكنها ترتدي فستانا يشبه الزي القديم للخادمات.
لورا (ببرود):
لا تظلميها،ربما جاءتنا هدية من إدارة المدرسة لتذكيرنا بأن الرحمة موجودة… أحيانا.
ماري شعرت أن دمها يغلي، لكنها لم تتكلم.
الصمت بالنسبة لها لم يكن ضعفا، بل محاولة للبقاء ومع ذلك، كلماتهن انغرست في قلبها مثل مسامير صامتة.
حين أحاطتها ضحكات جوزيفين وكاثرين ولورا، كاد قلبها أن يذوب من الخوف.
لكنها فجأة لم تر وجوههن، بل رأت صورة أخرى محفورة في ذاكرتها: يد أمها الخشنة من كثرة العمل وهي تضعها برفق على كتفها في طفولتها.
يومها، كانت ماري تبكي لأنها خسرت لعبتها الوحيدة.
همست والدتها بصوت متهدج لكنه دافئ: “لا تدخلي وأنتِ منكسرة، يا صغيرتي عيناك أقوى مما تظنين.”
ارتجف قلب ماري وهي تستعيد اللمسة.
للحظة، شعرت أن تلك اليد لا تزال هناك تسندها، ترفعها من جديد.
رفعت رأسها ببطء، لتواجه نظرات السخرية.
كان في عينيها بريق أزرق يشبه البحر في يوم بارد، بحر لا يلين، لا يتراجع… لكنه لا يهدأ أبداً.
في الفصل، جلست في الصف الثاني كما وجدت المقعد خاليا.
لم يمض وقت طويل حتى فتح الباب بقوة ودخلت المعلمة مارتا.
قامتها المستقيمة وصوت كعب حذائها على الأرض أعلنا منذ اللحظة الأولى أنها ليست معلمة عادية.
مارتا (بصوت جاف):
صباح الخير يا آنسات.
اسمي السيدة مارتا، أملك قاعدة واحدة: من لا يثبت نفسه، يخرج من باب هذا الفصل ولن يعود.
ساد الصمت.
الطالبات انكمشن في مقاعدهن، وحدها مارتا كانت تتحرك كعاصفة من حديد.
توقفت فجأة عند ماري، حدقت فيها نظرة طويلة باردة.
مارتا (بصوت هادئ لكنه حاد في عمقه):
أنت… ما اسمك؟
ماري (بصوت متردد):
ماري.
مارتا (تبتسم ابتسامة رقيقة، بالكاد ترى):
ماري… اسم لطيف، أتمنى أن يكون حضورك في الفصل بلطف اسمك.
اجلسي الآن، سنرى مع الأيام ما تستطيعين فعله.
الهمسات انتشرت وبعض العيون التفتت نحوها، بينها نظرات جوزيفين وكاثرين ولورا اللواتي لم يكتفين بالسخرية في الساحة.
الآن وجدن لعبة جديدة وهي مراقبة المنحة التي اختارتها مارتا لتكون هدفاً سهلاً.
انتهت الحصة الأولى، لكن البداية الحقيقية لم تنته بعد.
ماري عرفت أن الفصل سيكون مسرحا؟ لصراع أكبر مما تخيلت.
لم تكن كلمات زميلاتها مجرد سخرية عابرة ولم تكن نظرات مارتا صدفة.
كل شيء يشي بمعركة قادمة، معركة لا سلاح لها فيها سوى ذلك الفستان الأزرق وصمتها الذي قد ينقلب يوما إلى صوت لا يتوقعه أحد.
حين دق جرس الاستراحة، بدا وكأن مبنى المدرسة العتيق يرتجّ من أعماقه. الرنين النحاسي الثقيل تردد عبر الممرات الحجرية متشابكا مع حفيف الفساتين الطويلة، وخشخشة الكتب وهي تغلق بعجلة وصرير المقاعد الخشبية وهي تُجرّ للخلف.
ماري نهضت ببطء، تحاول أن تتسلل إلى الخارج قبل أن تُحاصرها العيون.
غير أن وقع خطواتها على البلاط المصقول كان واضحا و جافا، يرن كأنها وحدها من تمشي في القاعة.
كل “طقة” من حذائها الصغير كانت تدفع بها نحو أنظار زميلاتها مثل سهم لا يخطئ.
خلفها، ارتفع صوت جوزيفين بحدة متعمدة، يقطّع الصمت مثل سكين:
هل سمعتم كيف نطقت اسمها؟ كأنها تخشى أن تتملك حروفه!
ضحكت كاثرين، ضحكة قصيرة متعجرفة، أشبه بانكسار زجاج:
ربما اسمها أبسط من أن يليق بجدران هذه المدرسة.
أما لورا، فصفقت براحة يدها ببطء، إيقاعا محسوبا يقطر استهزاء:
دعوها وشأنها، يا فتيات، سنرى كم يوما ستصمد المنحة الصغيرة قبل أن تذوب.
تصلبت ماري عند العتبة، أنفاسها مسموعة، متقطعة كأنها تصارع بين الرد والانسحاب.
في الداخل، جلست مارتا خلف مكتبها، يلمع إطار نظارتها تحت الضوء الخافت.
ابتسامة بالكاد ترى عبرت شفتيها ثم اختفت، كأنها لم تكن.
لم تتدخل، لكنها دونت شيئا سريعا في دفترها الأسود.
في الممر، كانت أصوات الطالبات تتلاحق: وقع أقدام متسارع، ضحكات متطايرة ونداءات متداخلة، كلها ترتطم بجدران الحجر فتعود مضاعفة.
وسط الضجيج، كان قلب ماري يخفق بقوة، يخبط في صدرها مثل طبل معركة.
مدت يدها إلى ربطة شعرها المطرزة، لمستها كما لو كانت حرزاً صغيراً يحميها من الانكسار.
حين التقطت أنفاسها، عادت إليها صورة بعيدة: يد أمها الخشنة وهي تربت على كتفها وصوتها الدافئ يقول: “عيناك أقوى مما تظنين.”
عندها فقط أبطأت خطوتها ورفعت رأسها، ونظرت من النافذة إلى الفناء حيث تعالت ضحكات الفتيات مثل هدير موج لا ينتهي.
كان واضحا أن هذا اليوم لن يمر بسلام.
كل صوت و كل همسة، كل نظرة، تحولت إلى جزء من معركة غير معلنة وماري أدركت أنها لم تدخل فصلا للعلم فحسب، بل حلبة اختبار، حيث حتى أضعف ارتعاشة قد تصبح جرس إنذار لبداية مواجهة لا مفر منها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 24"