ربطة عنقه الداكنة بخطوط فضية ووشاح حريري طفيف على جيب السترة، كل تفصيل فيه يصرخ بالنبل والهيبة نظرته كانت هادئة لكنها تحمل يقظة غامضة.
إلى جانبه، ظهرت والدته دوقة ألكسندرا بهيبة نبيلة لا تخفى.
ارتدت فستانا بلون الأخضر الزمردي الداكن، بتصميم كلاسيكي ضيق عند الخصر تتسع تنورته بانسياب راق كأنها قطعة من تاريخ ملكي حي.
قبة الفستان مربعة مزينة بكشكشة بيضاء، وارتدت قبعة عريضة بلون عاجي مرصعة بوردة حريرية على الجانب، تعكس جمالا تقليديا متناسقا مع عقد اللؤلؤ حول عنقها.
كانت تمشي كأنها لا تلامس الأرض، بعينين حادتين تراقبان كل شيء.
أما الجنرال ألفرد صاحب القصر، فقد استقبلهم ببدلته العسكرية الرمادية ذات الأزرار الذهبية البارزة.
وقفته المستقيمة وصوته العميق أعطيا انطباعا بالقوة والسيطرة، بينما اصطفت الخادمات في الخلف بلباس أسود كلاسيكي ذي مريلة بيضاء، رؤوسهن منخفضة احتراما أو خشية مما قد يحدث.
خطيبة الجنرال، السيدة إلينورا، كانت زهرة هذا الحضور.
فستانها الوردي الباهت بكتفين مكشوفين وقماش ناعم كالشيفون، أكملته قفازات من الدانتيل وسلسلة من الياقوت الوردي عند عنقها، ابتسامتها خفيفة لكن عينيها كانتا تتحركان بانتباه وسط الحضور، ترصد ما لا يقال.
وماري… ماري كانت واقفة في الخلف قرب الدوقة، بثوب بسيط للمساعدات.
لم تكن ملابسها هي ما جذب الأنظار، بل تعبير وجهها، كانت شاحبة بعض الشيء وعينيها تتنقلان بقلق مكتوم بدا أن قلبها يسبق الزمن، كأنها تشعر بأن شيئا على وشك الانفجار.
بين الحذر والذعر المكبوت، كانت تحمل سرا لا يعرفه أحد.
وفي لحظة هادئة بين العبارات المجاملة وقبل أن يرفع كأس الشاي الأول، دوى صوت خافت من جهة النافذة.
لحظة، مجرد لحظة ثم انكسر الزجاج وارتجف قلب المكان.
طلقة… واحدة.
ارتدّ رأس جورج قليلا وانحنى جسده بخفة كما لو أن الزمن قد توقف ليسمح له بتفاديها، ارتفعت صرخات متقطعة وسقط الكأس من يد الخادمة.
انقض سيباستيان، مساعده المخلص بجسده نحو جورج، يحميه بقوة كتفه، بينما ركض الجنرال نحو النافذة.
“هناك قناص!” صرخ أحد الحراس من الخارج.
لكن جورج، رغم اللحظة العنيفة وقف منتصبا، بوجه جامد وعيون تشع ذكاء لا يكسر.
نظراته التقت بنظرات ماري، التي كانت ترتجف شفتاها وهي تحاول كبت الدمعة.
“هل أنت بخير؟” سألت والدته، لكن صوتها كان مبحوحا.
“لم تصب الرصاصة هدفها… لكن الشخص الذي أطلقها، يعرفني جيدا.” قالها جورج بصوت منخفض وهدوء مرعب.
في الخلف، بين الحضور كان هناك من يراقب بصمت.
سادت القاعة لحظة من السكون الثقيل، كأن كل نفس فيها أصبح محسوبا.
ما بين صدى خافت للزجاج المتناثر و توتر يطوق أنفاس الحضور، بدأت ملامح القلق تظهر بوضوح… إلا على جورج.
وقف شامخا في مكانه، يزيح الغبار عن كم سترته بهدوء، وكأن ما حدث مجرد حادث بسيط لا يستحق الارتباك.
سيباستيان ظل ملاصقا له، يراقب الأركان بعين لا تغفل، وعينه الأخرى ترصد أدق تفاصيل وجوه الحاضرين.
فُتح باب القاعة بسرعة ودخل أحد الضباط يهمس للجنرال ألفرد بتفاصيل أولية، قبل أن يومئ له الأخير بإشارة سريعة تُغلق الباب مجددًا.
وبينما بدأ الجميع يستعيدون توازنهم، تقدم من الجهة المقابلة مساعد الجنرال جيمس، بخطوات هادئة متعمدة تخفي تحتها شيئا من السخرية اللا مبالية.
ابتسم بخفة وهو ينظر إلى جورج من الأعلى إلى الأسفل، ثم قال بصوت خفيض مسموع:
“عجيب… ما زال هناك من يحاول اغتيالك؟ ألا تظن أن الأمر بات مملا بعض الشيء؟”
توقفت الأنفاس.
تشنّجت يد سيباستيان تلقائيا وكاد يتقدم خطوة لولا أن جورج رفع يده، وكأنه يأمر بالصمت.
رفع جورج بصره نحو جيمس ببرود متناه، نظرته حادة كحدّ نصل، لم يرد فورا بل أدار عينيه ببطء في القاعة، ثم قال بنبرة عميقة:
“الملل… ياسيد جيمس، لا يأتي من الرصاص، بل ممن يظن أنه يستطيع أن يسخر من النار دون أن يحترق.”
صمت الحاضرين كان صارخا.
بعض الخدم انكمشوا في أماكنهم، فيما نظرت الدوقة ألكسندرا إلى ابنها بنظرة فخر مهيب، ممزوجة بقلق أمومي خفي.
لم تكن مرتاحة لجيمس، ولم تكن تلك المرة الأولى التي يتجاوز فيها حدوده.
أما الجنرال ألفرد، فاقترب بخطوات محسوبة، قاطعًا بين ولده جورج والمشهد.
“كفى جيمس. هذه ليست ساحة قتال .”
ثم نظر لجورج نظرة مباشرة وقال:
“لكن يا جورج، أنت تدرك أن هذه المحاولة لم تأت من شخص عابر، هناك من أراد إيصال رسالة في وقت كهذا، وبطريقة كهذه… عليك أن تسأل نفسك من المستفيد من موتك.”
كان سؤالا يحمل أكثر من معنى… وجورج التقطه على الفور.
لكن شيئا ما شد انتباهه.
في الزاوية، خلف الدوقة مباشرة، كانت ماري ما تزال جامدة في مكانها، لم تقل شيئا لكنها لم تكن بخوف الخادمات بل بشيء أعمق.
كانت عيناها الواسعتان تراقبان الجميع، وخصوصا… جيمس.
هدأ كل شيء فجأة.
وكأن الطلقة التي اخترقت زجاج النافذة لم تصب جسدًا، بل أصابت الزمن نفسه.
الجميع كان واقفا… لا أحد يجرؤ على التنفس بصوت عال.
الخدم جمدوا في أماكنهم، الدوقة ألكسندرا تحكم قبضتها على قفازها الأبيض، خطيبة الجنرال تتشبث بطرف كرسي مذهب والجنرال ألفرد يحدق في زجاج النافذة المهشّم كأنه يقرأ كتابا مفتوحا عن الخيانة.
وفي الخلف، صوت خطوات حارسٍ يرتفع ببطء.
صوت ناعم، لكنه يقطع الصمت مثل إبرة في قماش حرير.
اقترب من الجنرال، وانحنى هامسا في أذنه… ثم انسحب للخلف بسرعة.
الجنرال لم يرفع عينيه نحو الحضور، بل قال بهدوء دون أن يغير نبرة صوته:
“الستار الأيسر… تحرك قبل الطلقة.”
العيون اتجهت كلها نحوه، لم يكن يتحدث إلى أحد بعينه لكنه كان يتحدث للجميع وكأن الحقيقة ليست شيئا نبحث عنه، بل شيئا ينتظر أن نعترف بوجوده.
أحد الحراس تحرك. رفع الستار بعناية… لا شيء.
لكن جورج لم ينظر إلى الستار.
كان ينظر إلى الأرض.
خطا خطوة واحدة، فقط واحدة ثم جثا على ركبته، مرر أصابعه على الرخام البارد.
أثر حذاء.
خفيف… سريع… مائل للخروج.
رفع رأسه ببطء.
لم يقل شيئا.
فقط نظر نحو الباب الجانبي المغلق، ثم نظر إلى الجنرال… ثم إلى جيمس.
جيمس، الذي كان يقف ساكنا، ابتسم… وكأن شيئا لم يحدث.
ابتسامة صغيرة و باردة، لكنها تسبق العاصفة.
جورج وقف، يعدل ياقة سترته ثم قال بصوت منخفض ناعم، لكنه تردد في القاعة كحُكم:
“من يطلق النار من بعيد… يهرب، لكن من يخطئ الطلقة من مسافة قريبة… يبقى ليرى ما إذا كان الهدف مات أم لا.”
سكت لحظة، ثم أكمل وهو يحدق في عيون الحاضرين:
“القاتل… لم يهرب بعد.”
وبينما تهب نسمات خفيفة من النافذة المهشمة، تطايرت بعض حبات الزجاج فوق الأرض كأنها ترقص… قبل أن يسود الصمت مرة أخرى.
كان الحفل يضج بالهمسات المتقاطعة وكل وجه يختبئ خلف قناع من اللباقة والاحتيال. جو مشبع بالاحتمالات، بالخوف غير المعلن بالتربص.
وفي تلك اللحظة و دون سابق إنذار، مر طيف الذكرى في ذهن جورج كضربة سريعة من الضوء وسط عاصفة.
ذاكرته جرته بعنف إلى تلك الليلة الماضية… إلى مكتب ماكس في القصر.
الستائر كانت مغلقة، والجوّ ثقيل برائحة الورق القديم والتبغ.
“وصلت برقية، لا توقيع… فقط هذه.”
قالها ماكس وهو يمد يده نحو جورج.
كانت ورقة صغيرة، تحمل صورة باهتة لرجل مجهول، بلا سياق بلا اسم، لكن ما تحت الصورة هو ما جمد الدم في عروقه.
“سيتم الاغتيال.”
لا تفاصيل، لا موعد و لاحتى هوية.
فقط تذكير بأن الزمن ينفد.
عاد.
الأصوات من حوله باهتة والستائر تتحرك ببطء خادع، بينما العيون… تنتظر.
“إذا كان العدو بيننا…” قالها جورج وهو يستدير ببطء نحو الستائر، صوته بالكاد يسمع.
“…فالخطوط رسمت، ومن لم ينتبه… سيمحى.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 16"
اتمنى ان فصل عجبكم