لم يقف جورج.

نظر إلى الداخل كما لو أن الباب لم يفتح بل أساء الأدب، يده ما زالت على الورق لكن أصابعه توقفت كأن شيئا ما قد تغير.

في عينيه ولد سؤال لم يطرح.

من أنت؟

لكنه بقي مطويا في صمت الجبين.

ماكس وقف بثبات و يداه خلف ظهره، كمن اعتاد الانتظار دون أن يستدعى.

كان حضوره مربكا، لا لأنه متجاوز بل لأنه لا يطلب الإذن.

قال جورج دون أن ينظر إليه مباشرة:

لا أذكر أنني طلبت أحدا.

أجابه ماكس:

لم تطلب، جئت دون دعوة.

رفع جورج حاجبه ببطء، علامة استياء لا يتعجل الإعلان.

إذا أنت من ذلك النوع.

ماكس لم يرد الإهانة، اكتفى:

النوع الذي يفضل المواجهة على التسلل، نعم.

ساد الصمت و الغرفة تخلت عن أنفاسها.

نهض جورج ببطء، كأنه يرفض أن تفرض عليه حركة.

أنت ابن من؟ خادم؟

أنا ابن سيدة ليلين.

أين تضع نفسك إذا؟

على الحافة، حيث لا يشترط أن أشبه أحدا كي أُسمع.

ابتسم جورج، لا دفء في تلك الابتسامة نظراته حادة لكنها لا تعلن شيئا.

ضحك ضحكة قصيرة.

هذا القصر لا يسمع.

ينتقي فقط ما يليق به أن يقال.

تقدم ماكس خطوة و قال بصوت واضح:

أعرف أنك لا تعرفني.

لكن لا أحد يبقى آمنا حين يجهل من يعيش تحت سقفه.

لمعت عينا جورج، لا تهديد ولا إعجاب بل شيء بينهما.

نظر إليه طويلا:

تتحدث وكأنك تحمل شيئا، لكن لا أراك تحمل شيئا.

رد ماكس بهدوء:

أملك عينين وهذا أكثر مما يملكه كثيرون هنا سيدي .

اقترب جورج.

المسافة بينهما لم تعد مريحة.

أنا لا أعبأ بالعيون، العيون تنطفئ.

ما يهمني هو من يشعلها ومن يطفئها أيضا.

تراجع جورج خطوة.

جلس.

ظهره مستقيم، نبرة صوته أقل حدة:

سأمنحك خمس دقائق. لا أكثر.

ماكس: لا أطلب أكثر من دقيقة.

أخرج ظرفا صغيرا، وضعه على المكتب.

لم يتكلم بعدها.

نظر جورج إلى الظرف ثم إليه، الصمت ثقيل كأن الزمن يحبس أنفاسه.

قال جورج:

اخرج.

ماكس:

سأفعل، لكني أنصحك أن تفتح الظرف فالدقائق الخمس بعدها لن تعود كما كانت.

خرج.

ظل جورج في مكانه و لم يمس الظرف.

بسيط في مظهره، لكنه ثقيل بطريقة لا تفسر.

جلس كما يجلس من ينتظر حريقا لا صوت له.

أخيرا، مد يده.

فتح الظرف، ورقة مطوية صورة التقطت من زاوية عالية.

هو واقف في شرفة القصر.

أسفل الصورة، بخط رفيع:

الهدف: جورج ،التنفيذ: عند أول فرصة، الفاعل: من الداخل

لم يتغير شيء في ملامحه، لكن شيئا ما في داخله انكسر.

بصمت.

لا توقيع و لا جهة،فقط الحقيقة.

أعاد الورقة إلى الظرف، ضغط على الجرس.

دخل الحارس.

قال جورج دون أن يرفع صوته:

أعده فورا.

غادر الحارس.

جورج بقي جالسا.

ملامحه ليست خائفة ولا غاضبة، بل مشدودة كما تشد الستائر قبل اندلاع الحريق.

ولأول مرة منذ زمن شعر بأن الزمن يتحرك، لا في الساعة بل داخله.

في تلك اللحظة، أدرك جورج أن اللعبة قد بدأت وأن أول من سيسقط.

لن يكون الأضعف.