استمتعوا
في صباح اليوم التالي.
ما إن دخلت بلير مبنى المدرسة الرئيسي حتى لاحظت تجمعًا من الطلاب حول خزانتها يثرثرون بصخب. كان محيط خزانتها عادةً هادئًا للغاية، ويتجنبه الجميع.
رأت بلير إيميلي في قلب هذا التجمع، فارتسمت على وجهها تعبير يقول “حسنًا، كما توقعت“.
‘كنتُ على وشك البحث عنها،
لكنها تظهر أمام عيني بهذا الوضوح، مما يوفر عليّ العناء.’
اقتربت بلير بتعبير هادئ وواثق من مجموعة إيميلي التي بدت مستمتعة بالثرثرة.
“بلير.”
نادتها إيميلي بتعبيرها المعتاد المفعم بالبراءة المزيفة والحنين الزائف. أخرجت بلير كتبها الدراسية، ثم أغلقت خزانتها بعنف حتى رنّ صوت الارتطام.
بانغ–
“نعم، إيميلي. ما الأمر؟“
“لماذا لم تأتِ مع لوكاس؟“
سألت إيميلي بصوت مرتفع بشكل مبالغ فيه بالنسبة لمسافة بضعة أمتار تفصلها عن بلير، كادت أن تصرخ.
“ولماذا يجب أن آتي مع لوكاس؟“
“أوه، ألستِ تعيشين مع لوكاس؟ ظننتُ أنكما ستأتيان معًا،
لكن يبدو أنكما لا تصلان سويًا إلى المدرسة.”
أكدت إيميلي على كل مقطع في كلماتها بقوة ووضوح،
كأنها تخشى ألا يسمعها أحد.
أدركت بلير نوايا إيميلي على الفور، لكنها لم ترَ أي داعٍ لإخفاء حقيقة إقامتها المؤقتة في منزل لوكاس، ولا شعرت بأي حرج من ذلك، فبدت استفزازات إيميلي بالنسبة لها مجرد هراء مضحك. سألتها بلير بنبرة هادئة:
“ولماذا يهمك ذلك؟“
“أوه، هل كان من المفترض ألا أتساءل؟“
أنهت إيميلي كلامها وضحكت بصوت عالٍ،
فانضم إليها أتباعها في الضحك بنفس النمط الصاخب.
تجاهلت بلير استفزاز إيميلي، فاستمرت الأخيرة في الحديث:
“لكن الأمر مضحك بعض الشيء، بلير.”
“وما الذي يضحكك؟“
ردت بلير بوجه خالٍ من أي ابتسامة.
“أليس الأمر غريبًا؟ حتى وقت قريب، بدا أنكِ على علاقة مشبوهة مع شخص آخر، والآن تعيشين مع لوكاس.”
كتفت بلير ذراعيها، متابعة ما ستقوله إيميلي لترى إلى أي مدى ستصل.
“أوه، ربما لا يعنيكِ ذلك، لكن من يراقبونكِ من الخارج يجدون الأمر محيرًا. يفكرون: ‘أوه، يمكن للمرء أن يكون منفتحًا وواثقًا لهذه الدرجة.’ “
أنهت إيميلي كلامها وضحكت مرة أخرى،
وتبعها أتباعها في موجة ضحك جديدة.
لم تستطع بلير أن تجد في تصرفات إيميلي الصبيانية ما يثير ضحكها.
‘بما أنها لم تعد قادرة على استخدام لوحة إعلانات المدرسة أو المجتمعات الافتراضية، تلجأ إلى نشر الإشاعات والتشهير بهذه الطريقة. أنا لا أعيش مع لوكاس وحدنا، وهي تعلم جيدًا حجم قصر لوكاس وأن والديه يعيشان معنا، فلماذا تتصرف بهذا الشكل الصبياني؟‘
في تلك اللحظة، لاحظت بلير أن نظرات إيميلي تتجاوزها نحو الخزائن المقابلة. التفتت بلير خلسة فرأت ليو يُخرج أغراضه من خزانته.
‘تريد من ليو أن يسمع وينزعج، على ما يبدو.’
كانت إيميلي تتعمد جذب انتباه ليو بوضوح.
كانت تنظر إليه بعيون مليئة بالتوقع والإعجاب.
أمام هذا السلوك الشفاف،
كادت بلير أن تنفجر ضاحكة من داخلها.
‘كان من حسن حظي أن صادفت ليو أمس في موقف السيارات وأخبرته مسبقًا أنني أقيم في منزل لوكاس.’
أدخلت بلير يدها في جيبها، تلمس جسمًا ثقيلًا بداخله وتلاعبه بأصابعها، ثم اقتربت من إيميلي بابتسامة واثقة.
كانت إيميلي ترمقها بنظرات استفزازية مبالغ فيها.
“إيميلي.”
همست بلير في أذن إيميلي بهدوء.
تفاجأت إيميلي وارتجفت لحظيًا، إذ لم تتوقع أن تهمس لها بلير.
“إيميلي، ألا تعتقدين أن تخيل أن سبب عدم اهتمام ليو بكِ هو أنا قد يكون أقل إذلالًا لكِ؟ إذا تخلصتِ مني ومع ذلك لم يهتم بكِ ليو، ألن يكون ذلك أكثر إيلامًا؟“
احمرّ وجه إيميلي من الغضب.
“ما… ماذا تقولين؟ هل قلتُ شيئًا خاطئًا؟ هل قلتُ ما لا يجب؟“
رفعت إيميلي صوتها، لكنها أدركت وجود من حولها فأغلقت فمها وهي تلهث بنزق.
“ليو يعلم بكل شيء بالفعل. يعلم أنني أقيم في منزل لوكاس.”
التقت عينا إيميلي وبلير.
ارتسمت على وجه إيميلي نظرة عدم تصديق.
“لا شك أنها تشعرين بالخيبة لأن الضربه الحاسمة التي أعدتها أصبحت بلا جدوى.”
أخرجت بلير الجسم من جيبها ودسّته في جيب معطف إيميلي.
“ما هذا؟ ماذا تفعلين؟“
حاولت إيميلي رفع صوتها مجددًا، لكن بلير قالت بهدوء:
“حقًا؟ هل أنتِ متأكدة أنكِ لا تمانعين أن يرى الناس ما في جيب معطفك الآن؟“
مدّت إيميلي يدها إلى جيب معطفها الداخلي،
وما إن شعرت بوزن وشكل مألوف حتى اصفرّ وجهها رعبًا.
“أنتِ… أنتِ… كيف حصلتِ على هذا…؟ مستحيل. كيف…؟“
“حسنًا، ربما يجب أن تسألي غرايسون إن كان هذا صحيحًا.”
رأى من حولها تعبير إيميلي المصدوم،
فبدأوا ينظرون إليها بقلق وسألوها:
“إيميلي، ما بكِ؟ ما الذي حدث؟ ماذا قالت لكِ بلير؟“
بعضهم ألقى نظرات حذرة نحو بلير.
“إيميلي، أتباعكِ الصغار يتساءلون.
لم لا تخبرينهم بما أعطيتكِ إياه وما يعنيه؟“
تجاهلت إيميلي كلام بلير وقالت لأصدقائها:
“لا شيء.”
“إيميلي، يمكنكِ أن تخبرينا، لا بأس-“
“دعوني وشأني فقط!”
قالت إيميلي بنبرة متوترة. راقبتها بلير، ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة واستدارت بخطوات واثقة.
كان ليو ينتظر بلير عند نهاية الرواق.
“ليو.”
“تبدين سعيدة منذ الصباح، بلير.”
“نعم، نعم.”
“يبدو أنكِ نمتِ جيدًا الليلة.”
“أمس؟ لأول مرة منذ زمن، نمتُ نومًا عميقًا.”
“يبدو أن منزل لوكاس مريح إلى حد ما.”
“والدا لوكاس يعاملانني جيدًا، لكنني أتمنى عودة والديّ بسرعة لأعود إلى منزلي. لا شيء يضاهي راحة غرفتي.”
أنهت بلير كلامها بتنهيدة خفيفة. تبسم ليو وهو ينظر إليها.
لم يكن ليو يهتم بإيميلي على الإطلاق،
ولم يسمع صراخها العالي الذي أرادته أن يسمعه.
كل ما فعله ليو هو النظر إلى بلير من الجهة المقابلة،
متوقعًا أن يذهبا معًا إلى الفصل بعد أن تنهي حديثها مع إيميلي.
لم تكن بلير تعلم، لكن إيميلي كانت تراقبها وهي تتجه مع ليو إلى الفصل بمودة، بنظرات مليئة بالغضب والحقد من الخلف.
***
بعد انتهاء الدوام، في غرفة إيميلي.
كانت غرفة إيميلي تشبه مكب نفايات.
بدت كما لو كانت المطبخ بعد شجار عنيف بين والديها.
كانت إيميلي تتحول تدريجيًا إلى نسخة من والديها اللذين كرهتهما. بدأت تصرخ وتكسر الأشياء كلما غضبت.
لكن وسط الفوضى والأغراض المبعثرة والمحطمة،
كان هناك شيء واحد يقبع على المكتب دون أي خدش.
حدّقت إيميلي بغضب قاتل في القطعة التي تلقتها من بلير،
ثم اتصلت بغرايسون.
– “لقد أعطيتكِ القطعة بوضوح، إيميلي.
ما حدث بعد ذلك هو شأنكِ.”
“إذن كيف حصلت بلير عليها؟!”
– “كيف لي أن أعرف؟ هل أنتِ متأكدة أنها تلك القطعة؟
ربما كانت بلير تختبركِ فحسب، ووقعتِ في الفخ.”
“لا، أنا متأكدة. بلير كانت تعرف ما هي بالضبط.”
– “حسنًا. اهدئي قليلاً، إيميلي. قلتِ إن بلير أعطتكِ إياها،
أليس كذلك؟ إذن انتهى الأمر، فما المشكلة؟ لا أفهم.”
“ألا تسمعني؟ ألم تفهم ما أقوله منذ البداية؟
بلير كانت تملك القطعة، وهذا يعني أنها تعرف ما فعلناه!”
– “ثم ماذا؟“
“ماذا؟“
– “القطعة عادت إليكِ على أي حال.
حتى لو كانت مع بلير، ما الذي يمكنها فعله بها؟“
“هل أنت بكامل عقلك؟“
– “بلير لا تستطيع إثبات شيء بها وحدها.”
“لكننا لا نعلم ماذا تملك أيضًا أو ماذا تعرف!”
صرخت إيميلي بغضب.
تنهد غرايسون بعمق وقال:
– “ظننت أنكِ اتصلتِ لتعتذري. إن كنتِ ستثورين وتصرخين لأسباب تافهة، فلا تعاودي الاتصال بي.”
أنهى غرايسون المكالمة بتلك الكلمات.
نظرت إيميلي إلى الهاتف بذهول، ثم ألقته بعنف وهي تصرخ:
“آآآآآآه! لا أطيق ذلك! لم أعد أحتمل!”
كانت تلهث من الغضب، ووجهها مشوه من الانفعال.
‘انتظري وسترين. سأجعلكِ تندمين على إذلالي اليوم،
وعلى مغازلتكِ لليو أمام عيني. سأجعلكِ تندمين بشدة.’
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 72"