استمتعوا
“كم تبقى لنا حتى نصل؟“
أدرك لوكاس أن بلير تحاول تغيير الموضوع عمدًا،
لكنه أجاب على سؤالها بلطف:
“لم أكن أنوي السؤال عن ذلك الآن. لذا لا داعي لأن ترتسم على وجهكِ تلك التعابير القلقة. سيتطلب الأمر بعض الوقت.
يمكنكِ أن تغفي قليلًا إن شئتِ، وسأوقظكِ حين نصل.”
اطمأنت بلير وأغمضت عينيها للحظات. كم مر من الوقت؟ استيقظت بلير لتجد نفسها مرتبكة من المشهد الذي رأته خارج النافذة. كان المكان يبدو كأنه حي فقير مهجور ومتهالك.
“أيـ… أين نحن الآن، لوكاس؟“
“نحن على بعد حوالي ثلاثين دقيقة من وسط المدينة،
في إحدى الضواحي. هل أنتِ خائفة، بلير؟“
أومأت بلير برأسها موافقة على كلام لوكاس. كانت هذه المرة الأولى التي ترى فيها حيًا فقيرًا بهذا الشكل مباشرة. كان المشهد يوحي بأن ظهور لص في أي لحظة لن يكون أمرًا مستغربًا.
كانت الشوارع مليئة بالمباني والمتاجر المهدده للسقوط، وعلى الرغم من أن الوقت كان لا يزال في بداية المساء، كانت الشوارع شبه خالية من المارة. وأما القليلون الموجودون، فكانوا يبعثون على شعور بعدم الرغبة في الاقتراب منهم بأي شكل.
“لا تقلقي، بلير. ثقي بي وحدي.”
قال لوكاس ذلك وهو يرمش بعينه.
“هل أعددت شيئًا خاصًا لهذا الموقف؟“
رد لوكاس على سؤال بلير وهو يطرق على عجلة القيادة بخفة:
“توقعتُ أن يحدث هذا، لذا أحضرتُ هذه السيارة القديمة المتهالكة. لن يعرف أحد أننا لسنا من سكان هذه المنطقة.”
‘هل يعتقد ذلك بجدية؟‘
كانت السيارات التي تظهر خارج النافذة تبدو وكأنها ستنهار إذا أغلقت أبوابها بقوة قليلة، وبعضها كان ينقصه أبواب أو أجزاء أخرى تمامًا.
فكرت بلير أن عليها حماية نفسها بنفسها،
فأمسكت هاتفها وكتبت 911 على الشاشة، محتفظة به في يدها.
“قاربنا على الوصول.
هل ترين ذلك المطعم الصغير هناك؟ هناك وجهتنا.”
في شارع خالٍ لا شيء فيه تقريبًا، كان يبرز مطعم صغير مضاء بمفرده. كان ذلك المطعم من النوع الذي يُشبّه بـ“جنة الكيمباب الأمريكية“، حيث يقدم تشكيلة متنوعة من الأطباق بأسعار زهيدة. وغالبًا ما تكون هذه المطاعم مفتوحة على مدار الساعة أو حتى ساعات متأخرة، وتتميز بديكور داخلي على الطراز القديم.
“هل حضر إيميلي وغرايسون اليوم أيضًا؟“
أومأ لوكاس برأسه رداً على سؤال بلير:
“منذ بداية الفصل الدراسي، لم يتغيبا عن لقاءاتهما هنا ولو مرة. لا شك أنهما حضرا اليوم أيضًا. قد يكون الجو باردًا بالخارج،
هناك معطف في المقعد الخلفي، سأحضره لكِ.”
ارتدت بلير المعطف الذي أحضره لها لوكاس وسألته:
“لكن لماذا يلتقيان في مكان بعيد كهذا؟“
“لأن منزل غرايسون قريب من هنا.”
“أتعني أنه يتنقل من هنا إلى المدرسة يوميًا؟“
لم يبدُ المكان مناسبًا ليكون موطنًا لطلاب وستكوت، المدرسة التي تشتهر بأعلى الرسوم الدراسية في المنطقة. أمالت بلير رأسها متعجبة، ثم سرعان ما تخلت عن اهتمامها بمكان إقامة غرايسون. كانت أمامها مهام أكثر أهمية تنتظرها.
“عادةً ما يصلان حوالي الثامنة أو بعدها بقليل،
لذا لم يكونا قد وصلا بعد. لندخل أولاً ونحجز مكانًا.”
قادها لوكاس إلى داخل المطعم. كانت بلير تخشى الشوارع المحيطة، وتشعر بالتوتر من أول تجربة تتبع تقوم بها، لكنها كانت متحمسة بعض الشيء. كانت هذه المرة الأولى التي تزور فيها مطعمًا صغيرًا من هذا النوع، والذي كثيرًا ما رأته في الأفلام والمسلسلات.
كانت تعلم أنها لو قالت إنها تريد زيارة مثل هذا المطعم، لنظروا إليها جميعًا باستغراب، لذا لم تُبدِ رغبتها تلك يومًا بصوت عالٍ.
بينما كانت بلير تتفحص المكان بقلب يخفق من الحماس، سأل لوكاس النادل إن كان بإمكانهما الجلوس في أكثر المقاعد انعزالًا بجانب البار، مضيفًا بقشيشًا، فقادهما النادل إلى طاولة مظلمة ومنعزلة بجانب البار.
“هل تريدين تناول شيء، بلير؟“
“أمم، أريد ميلك شيك وبرغر.”
استمع لوكاس لطلب بلير، ثم طلب طعامها وطعامه من النادل، وبينما كانت بلير تتطلع حولها بفضول، وضع لوكاس غطاء المعطف الذي أعطاها إياه على رأسها بعمق وقال:
“تحملي الضيق قليلًا، قد يصل غرايسون وإيميلي مبكرًا عما توقعنا. سيرتادان مقاعد البار.”
“حسنًا. وأنت؟“
ردًا على سؤال بلير، أخرج لوكاس من جيبه قبعة ونظارات ووضعهما على وجهه كما لو كان ينتظر هذا السؤال.
نظرت بلير إليه وفكرت أن أي شخص يراه سيدرك فورًا أنه لوكاس يرتدي قبعة ونظارات. لكنها لم تقل شيئًا، إذ كان لوكاس يجلس معطيًا ظهره لمن يجلسون عند البار، لذا طالما لم تُلاحَظ هي، فلن تكون هناك مشكلة.
بعد قليل، وصل البرغر والميلك شيك، وكانا لذيذين للغاية. كانا من النوع الذي قد يزيد وزنها كيلوغرامين في اليوم التالي، لكنها فكرت أنها تريد العودة إلى هنا من حين لآخر.
لم يلمس لوكاس طبقه تقريبًا، مكتفيًا بمراقبة بلير وهي تأكل بنظرات ملؤها الرضا.
بينما كانت بلير، المشبعة والملفوفة بمعطف دافئ،
تبدأ بالشعور بالملل من الانتظار، رن جرس الباب:
دالانغ–
فتح الباب وصدر صوت الجرس. نظرت بلير إلى الباب معتقدة أنه ليس من ينتظرانهما هذه المرة أيضًا، لكنها سرعان ما شدّت ظهرها الذي كان مسترخيًا. لقد دخل إيميلي وغرايسون معًا.
يبدو أن لوكاس لاحظ من رد فعلها أن المنتظرين قد وصلا.
حرّك شفتيه صامتًا ليقول لها “لا بأس-“،
مدركًا أن ظهرها المتشنج بشكل مفرط كان نتيجة التوتر.
لم يلتفت إيميلي وغرايسون إلى طاولة بلير على الإطلاق،
بل توجهَا مباشرة إلى مقاعد البار فور دخولهما.
دالغراك–
ما إن جلس غرايسون وإيميلي حتى سمع صوت شيء ثقيل يسقط على طاولة البار.
تساءلت بلير عما قد يكون ذلك الشيء الذي سقط،
فنظرت خلسة نحو إيميلي وغرايسون دون أن تثير الانتباه.
“ما هذا؟“
اندهشت بلير كثيرًا من نبرة إيميلي العصبية.
حتى بعد أن كشفت إيميلي عن وجهها الحقيقي،
لم تتحدث بمثل هذا الصوت المتهيج والحاد.
‘هل هذا صوتها الحقيقي وطباعها الأصلية؟‘
“تذكار.”
لكن غرايسون رد بنبرة هادئة كأن هذا الأسلوب مألوف له.
“وما هذا التذكار تحديدًا؟“
“ما رأيكِ أنه يكون؟“
“ألا تكون قد…؟“
كان صوت إيميلي يرتجف من الغضب والذهول.
“أصبتِ.”
“أنت مجنون.”
“هل هذا أمر يستحق كل هذا الذهول؟
مقارنة بحجم ما اقترفتِه، ما زلتِ تفتقرين إلى الجرأة.”
“لماذا تحتفظ بهذا الشيء حتى الآن؟!”
قالت إيميلي ذلك بنبرة متشنجة.
“لماذا؟ هل تخشين أن يُكتشف؟ اهدئي، إيميلي. لا أحد يعلم أنني عبثت بالهيكل. أعدت كل شيء إلى أصله قبل وصول الشركة. باستثناء هذا الجزء الصغير. لقد تم تفكيك الهيكل وإعادته إلى الشركة، ولن تلاحظ الشركة اختفاء هذا الجزء الصغير.
وإن لاحظت، ستفترض أنه ضاع أثناء التفكيك أو النقل.”
“إذن لماذا تترك دليلاً كهذا؟ كان يجب أن تعيد كل شيء بإتقان. خذه من هنا، خذه وأحرقه أو ارمِه حيث لا يراه أحد.”
“هل أنتِ قلقة إلى هذا الحد؟ حتى في هذه الضاحية البعيدة عن المدرسة بعشرين كيلومترًا، تخشين أن يراها أحد؟ انسات وأسياد وستكوت الراقون لن يضعوا قدمًا واحدة في هذا الحي.”
عند سماع ذلك، ابتسم لوكاس لبلير ابتسامة خفيفة.
“لا تتحدث بمثل هذا الاطمئنان. أنت من لا يثير الشبهات. هل تعلم كم أصبح وضعي صعبًا في فرقة التشجيع؟ الجميع يشتبه بي.”
“لذلك قلتُ لكِ أن نهدأ قليلًا. أنتِ من أصرتِ على تنفيذ هذا الأمر. كنتِ تعلمين أنكِ ستثيرين الشكوك، أليس هذا ما أردتِه؟ أن يخافكِ الجميع، لكنهم لا يستطيعون فعل شيء لعدم وجود دليل.”
“…”
“أردتِ أن تجعلي من نفسكِ عبرة.
أن تُظهري مصير من يدافعون عن بلير.
لذا جعلتِ تلك الطالبة الجديدة المسكينة كبش فداء، أليس كذلك؟“
“لم أكن أعلم أن الأمور ستصل إلى هذا الحد، غرايسون.”
“لا، أنتِ كنتِ تعلمين.
تقولين ذلك الآن لأنكِ تخشين أن يُمسك بـذيلك.”
“إذن كيف يفترض بي أن أتصرف في هذا الموقف؟
أنا لست مثلك، غرايسون. لدي الكثير لأخسره.”
“وهل أبدو لكِ مطمئنًا لأنني لا أملك ما أخسره؟ أنتِ لا تشعرين بأي ذنب تجاه إصابة أوبري. كل ما يقلقكِ هو أن يكتشف أحد.
أنا من يشعر بالذنب نيابة عنكِ. كلما استلقيت لأنام،
أرى كابوسًا أن أوبري في غيبوبة لن تستيقظ منها أبدًا!”
“لماذا تلقي اللوم عليّ دائمًا؟ أنت شريك في هذا أيضًا. هل تحاول الآن الانسحاب؟ إن كنتَ ستقول كلامًا فارغًا متأخرًا كهذا، فاصمت، غرايسون.”
“ها… لقد سئمت من سماعكِ تأمرينني بالصمت والطاعة.
لقد وثقتُ بكِ ونفذتُ ما قلتِ، وها نحن الآن. ألم تؤكدي أن الأذى لن يكون كبيرًا، وأنها ستتعرض لكدمات طفيفة على الأكثر؟“
“…”
تبادلت بلير ولوكاس النظرات. يبدو أن علاقة إيميلي وغرايسون ليست ودية كما توقعا، والجو بدا متوترًا بشكل غير عادي.
“لقد تخليتُ عن حياتي في ميزوري بسببكِ، إيميلي.
من أجل حمايتكِ. ألا تشعرين بأي أسف تجاهي؟“
اتسعت عينا بلير من الفضول والدهشة عند سماع كلمات غرايسون المثيرة للتساؤلات.
‘تخلى عن حياته في ميزوري؟ ما الذي يعنيه ذلك؟
ألم يلتقيا لأول مرة في وستكوت؟‘
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 70"