استمتعوا
“لقد عدتُ.”
بعد أن أنهت احتجازها المدرسي، عادت بلير إلى المنزل بجسد مرهق ونفسية مثقلة، لكنها سرعان ما لاحظت أن الأجواء في المنزل لم تكن كما اعتادت.
كانت الأجواء التي لطالما اتسمت بالدفء والوئام أشبه الآن بجليد هشّ على وشك الانكسار.
“بلير، تعالي واجلسي هنا.”
نادتها والدتها بصوت بارد كالجليد.
توجهت بلير إلى غرفة الطعام، حيث كان والداها يجلسان.
“بلير، تلقينا اتصالًا من مكتب المدير بعد ظهر اليوم.
لقد استدعوك إلى مكتبه مرتين اليوم، صحيح؟“
بمجرد أن جلست بلير،
بادرتها والدتها بهذه الكلمات بوجه يملؤه القلق.
“ما الذي حدث بالضبط، بلير؟“
كان صوت والدها أكثر هدوءًا من صوت والدتها،
لكنه لم يكن أقل جدية.
أطلقت بلير تنهيدة صغيرة وبدأت تشرح ما حدث.
“الاستدعاء الأول كان بسبب حادث وقع أثناء أسبوع العودة.
كنا نخبز الكوكيز، واندلعت حريق في المطبخ، لكنني لم أكن صريحة تمامًا مع المدير بشأن ما حدث، مما جعله غاضبًا للغاية.”
“حريق؟ لقد صُدمنا حين سمعنا بذلك.
لكن، لماذا لم تخبرينا بما جرى؟“
“أنا آسفة لعدم إخباركما مسبقًا.”
“ليس عليكِ الاعتذار، ما يقلقنا هو ما إذا كنتِ قد تأذيتِ أم لا.
إذا كنتِ بخير، فلا داعي لأن تشعري بالذنب. لكن في المستقبل، كوني أكثر حرصًا، وأخبرينا فورًا إذا حدث شيء ما.
هل ذهبتِ إلى المستشفى؟“
سألها والدها بصوت يحمل في طياته قلقًا واضحًا.
كانت بلير قد توقعت أن تتعرض لتوبيخ شديد،
لكن ردّ فعل والديها كان أكثر دفئًا مما توقعت.
“نعم، ذهبت.”
“سمعنا أن بعض زملائكِ قد تأذوا.”
“استنشقوا بعض الدخان، لكنهم بخير الآن.”
علقت والدتها بنبرة عصبية بعد أن استمعت إلى شرح بلير.
“لم يُصب أحد بأذى، ولم تتضرر ممتلكات المدرسة، فلماذا كان المدير غاضبًا إلى هذا الحد؟ لم تكوني أنتِ من أشعل الحريق! وبصراحة، بالنظر إلى المبلغ الذي نتبرع به للمدرسة سنويًا، يجب أن يكونوا قادرين على صيانة مرافقهم بشكل أفضل. كيف يتركون معدات خطيرة عرضة للحوادث ثم يلقون اللوم عليكِ؟ لو رفعنا قضية ضدهم، لكان ذلك أقل ما يمكننا فعله! وماذا قلتِ له حينها؟“
“اعتذرت، وقلتُ له إن ذلك لن يتكرر.”
هزّت والدتها رأسها بعدم رضا وهي تخرج تنهيدة مستاءة.
“بالمناسبة، بلير، أنتِ على وشك أن تصبحي طالبة في السنة الأخيرة. ألا ترين أن الوقت قد حان للتوقف عن التشجيع؟ أعتقد أن الأنشطة اللامنهجية التي شاركتِ فيها حتى الآن كافية.
إنها تستهلك وقتكِ بلا فائدة، وانظري إلى ما جلبته لكِ اليوم!”
“عزيزتي، لا تحرميها من النشاط الذي تحبه بسبب شيء لم يكن خطأها.”
حاول والدها التدخل بلطف. شعرت بلير بالامتنان لدعمه،
لأنها لم تكن تريد التوقف عن التشجيع.
“وماذا عن الاستدعاء الثاني، بلير؟“
“الاستدعاء الثاني… كان بسبب ما حدث في الكافيتيريا خلال وقت الغداء.”
“سمعتُ أنكِ تشاجرتِ مع إيميلي.
تلك الفتاة الطيبة والهادئة؟ لماذا تشاجرتما؟“
“… في الحقيقة، لم يكن شجارًا بيني وبين إيميلي تحديدًا.”
“؟“
كانت بلير تحاول التفكير في طريقة لتخفيف وقع كلمة
‘شجار جماعي‘ عند شرح الأمر لوالديها.
“حدث سوء فهم بين أصدقائي وأصدقاء إيميلي، وأثناء محاولة توضيح الأمور، لجأنا إلى أسلوب أكثر حدة في الحوار.”
بدا أن والديها لم يفهما تمامًا ما قصدته.
“ماذا تعنين بذلك، بلير؟“
أطلقت بلير تنهيدة أخرى قبل أن تكمل.
“إحدى صديقات إيميلي غضبت وهاجمتني. لسوء الحظ، كانت فتاة ذات بنية قوية وكانت تتدرب لرمي الكرة الحديدية، فتدخل ليو لمحاولة تهدئتها، لكن هذا استفز صديقات إيميلي أكثر،
وانتهى الأمر بتحول الجميع إلى شجار جماعي.”
“يا إلهي!”
وضعت والدتها يديها على فمها بصدمة.
“عندما سمعتُ كلام المدير، ظننتُ أنه يبالغ،
لكن يبدو أن الأمر كان صحيحًا!”
أومأت بلير برأسها تأكيدًا.
“ما الذي كان يمكن أن يكون سوء الفهم هذا ليتطور إلى هذا الحد؟ أشعر بالعار حتى أنني لا أستطيع رفع رأسي بين الناس. في الكافيتيريا؟! هذا يعني أن المدرسة بأكملها رأت ما حدث!”
هزّت بلير رأسها بخفة.
“بلير، ألم يكن بإمكانكِ حل الأمر بطريقة أكثر لباقة؟
هل فكرتِ في أنني كنتُ اليوم في اجتماع أولياء الأمور؟
هل خطر ببالكِ كيف نظر الجميع إليّ كوني رئيسة الجمعية؟
لا بد أنهم كانوا يفكرون: ‘عليها أن تهتم بابنتها أولًا!'”
غطّت والدتها وجهها بيديها متأففة.
“هل تأذيتِ؟ هل تعرضتِ للضرب؟“
“ليو كان في المقدمة وحماني، لذا لم يحدث لي شيء.”
“ذلك الشاب الذي كان يلعب كرة القدم وأتيتِ به في عيد الشكر؟“
أومأت بلير برأسها.
“حسنًا، هذا مطمئن.”
بعد أن أنهت والدتها حديثها، التفت والدها إلى بلير قائلًا:
“بلير، لم يتم استدعاؤكِ إلى مكتب المدير من قبل، وهذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك. لا أعتقد أن كل ما حدث اليوم كان خطأكِ، لكن تلقي استدعائين في يوم واحد أمر مقلق.
هل هناك ما يزعجكِ مؤخرًا؟ هل هو بسبب ضغوط الدراسة؟“
“لا، ليس الأمر كذلك.”
“إذن، هل هناك شيء تريدين قوله لنا؟“
هزّت بلير رأسها نفيًا.
حاولت والدتها تهدئة زوجها قائلة:
“عزيزي، لقد قلتَ بنفسك إن الأمر ليس خطأ بلير،
فلماذا تحقق معها بهذا الشكل؟ من الواضح أنها كانت ضحية سوء فهم. من المؤكد أن من حولها هم من تسببوا في المشكلة،
متى كانت بلير تتسبب في المشاكل؟“
“أعلم ذلك، لكن علينا أن نفهم موقفها.”
“هذا يبدو وكأنه استجواب! كل هذا بسبب إرسالها إلى ويستكوت. ألم أقل لكَ إن أغلب الطلاب هناك يدخلون عبر برامج المساعدات الاجتماعية؟ لا بد أن ابنتي المسكينة وقعت وسط مجموعة من الفتيات القويات اللواتي جررنها إلى هذا.”
“عزيزتي، لم نتفق على عدم إرسالها إلى مدرسة داخلية لأننا أردنا رؤيتها في الإجازات؟“
عند هذه النقطة، لم يعد النقاش يدور حول بلير.
“لو كنتُ قد أرسلتها إلى المدرسة الداخلية التي تخرجتُ منها،
لما واجهت هذه المشكلات.”
“كفى حديثًا عن هذا الآن.”
أطلق والدها تنهيدة خفيفة ثم التفت إلى بلير قائلًا:
“بلير، أنتِ ممنوعة من الخروج لفترة.”
“حسنًا.”
“هل لديكِ أي شيء آخر تريدين قوله؟“
“لا.”
“إذن، يمكنكِ الذهاب إلى غرفتكِ.”
“حسنًا…”
استدارت بلير وصعدت إلى غرفتها، مثقلة بالحزن، ليس بسبب العقوبة، بل لأن التوتر الذي نشأ بين أفراد هذه العائلة الدافئة كان بسببها.
***
وفي المساء التالي، بينما كانت تحاول النوم،
سمعت صوتًا خفيفًا…
“بلير!”
نظرت من شرفتها لترى شخصًا لم تكن تتوقع رؤيته في هذا الوقت.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 59"