استمتعوا
توقفت إيميلي فجأة عن الحركة وهي تواجه الضوء الساطع المفاجئ، ضيّقت عينيها بشدة. بعد أن ظلت تظلل عينيها بيدها لفترة طويلة، أنزلتها أخيرًا لتواجه الواقع الماثل أمامها.
بلير تنظر إليها بعينين مليئتين بالشفقة والازدراء، ولوكاس يبتسم بمرح وكأنه يستمتع بالمشهد وهو يوجه عدسة هاتفه نحوها، ورئيس مجلس الطلاب يرمقها بنظرة احتقار كما لو كانت كائنًا دقيقًا لا قيمة له.
هرعت إيميلي بسرعة نحو جدار غرفة البث الزجاجي. كانت القاعة الكبرى تمتلئ بالطلاب تدريجيًا. كل من دخل القاعة كان ينظر إلى غرفة البث المضاءة وإلى إيميلي بداخلها كما ينظرون إلى قرد في حديقة حيوانات، بعيون مليئة بالفضول حول ما يحدث.
“هذا… هذا ليس صحيحًا… لم يكن يجب أن يكون هكذا…”
بدأت إيميلي تنكر الواقع وتهذي وهي تتحدث بكلمات متلعثمة كمن فقد صوابه.
“هذا… بلير هي من… أوقعتني في الفخ… أنا لست شخصًا سيئًا، بلير هي السيئة.”
حين حاولت إيميلي تقليد دور الضحية المسكينة كما اعتادت، تذكرت فجأة شيئًا، فبدأت تبحث عن عكازها والجبيرة التي كانت ترتديها.
كان إيان على وشك التقاط العكاز الملقى بعشوائية في تلك اللحظة.
اقتربت إيميلي من إيان وهي تلهث غضبًا.
“هذا ملكي، لا تلمسه!”
في الحقيقة، كان إيان ينوي إعادة العكاز والجبيرة إليها.
مدّ إيان يده بهدوء، دون كلمة، نحو إيميلي التي اقتربت منه بعينين متسعتين غضبًا، وناولها العكاز والجبيرة.
انتزعتهما إيميلي من يده وهي تلهث، ثم رمقته بنظرة شرسة.
بعد أن حدّقت في إيان للحظة، اندفعت نحو لوكاس وهي تلهث غضبًا، ثم انتزعت الهاتف من يده وألقته على الأرض بقوة.
أمام هذا السلوك العنيف من إيميلي، وقفت بلير مذهولة،
تنظر إليها بذهول دون حراك.
لم يهدأ غضب إيميلي بعد، فأخذت تدوس بقدميها بقوة على بقايا الهاتف المحطم، ثم اندفعت كالسهم خارج غرفة البث.
حتى بعد مغادرة إيميلي، ظلت بلير في حالة ذهول.
بينما انفجر لوكاس ضاحكًا كما لو كان قد شاهد عرضًا مسليًا.
“ما الذي يضحكك يا لوكاس؟”
استعادت بلير رباطة جأشها عند سماع ضحكات لوكاس وسألته.
“أليس الأمر كذلك؟ عندما أفكر في إيميلي التي كانت تخفي هذا الجانب الشرس وتتظاهر بأنها طالبة لطيفة وبريئة، ألا تشعرين أنها مثيرة للشفقة؟”
لكن بلير لم تكن في مزاج يسمح لها بالموافقة على كلام لوكاس.
كانت تفهم ما يعنيه، لكنها لم تستطع أن تشعر بالشفقة تجاهها،
لا سيما مع ذكرى ما كادت تتسبب به من تدمير مسيرة ليو،
والمشهد الذي رأته للتو لا يزال عالقًا في ذهنها.
“لن تستسلم بسهولة.”
قال إيان.
“أعتقد ذلك أيضًا. إيميلي وعائلتها ليسوا من النوع العادي في شراستهم.”
قال لوكاس وهو يرتجف كمن أصابه القشعريرة.
“ما الذي سيحدث الآن؟”
أدركت بلير أن مواجهة إيميلي أصبحت أمرًا لا مفر منه.
كما في الأفلام، إما أن تفقد كل شيء لصالح إيميلي،
أو أن تحافظ على ما تملكه.
“سنقاتل. لا يمكن أن تكون هناك ملكتان للنحل.”
قال لوكاس مبتسمًا.
بدأ إيان ولوكاس في إعادة الأضواء إلى أماكنها الأصلية،
وأخذا يرتبان غرفة البث المبعثرة.
***
كانت دموع الغضب والإحباط تتساقط من عيني إيميلي وهي تضع قبعتها بسرعة على رأسها.
كالعادة، بدا العالم وكأنه يقف إلى جانبها قبل أن يمنحها محنة جديدة. ها هي مرة أخرى، المسكينة المغلوبة على أمرها، تتلقى ضربة قاسية من القدر.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تتورط فيها مع شخص مثل بلير وتصبح ضحية. لكن هذه المرة، كانت إيميلي تعتقد أن الأمور ستسير كما تريد.
كانت واثقة من قدرتها على انتزاع كل شيء من بلير. استندت إلى ما تعلمته سابقًا، ولعبت دور الطالبة البسيطة اللطيفة التي يحبها الجميع، ونجحت في جعل الجميع يميلون إليها.
لم تصل إيميلي من قبل إلى مكانة قريبة من كونها الشخصية المحبوبة في المدرسة كما حدث هنا. ولم تجد مكانًا مليئًا بالأشخاص الذين تود الارتباط بهم، وتشعر أنه مناسب لها، كما شعرت في هذه المدرسة. لذا، لم تكن تنوي الاستسلام بهذه السهولة.
‘لن أعيش كفأر ميت، بل سأموت قبل ذلك. سأبقى هنا بأي وسيلة وأنتزع ما أريد. سأنتزع التاج من فوق رأس بلير.’
تخيلت إيميلي نفسها في ذهنها وهي ترتدي تاجًا رائعًا، تبتسم بسعادة. الأصدقاء الذين يقفون الآن إلى جانب بلير، والشباب الذين يعجبون بها، سينتهي بهم الأمر يحيطون بها ويهتفون لها في النهاية.
أخرجت إيميلي هاتفها. كانت أليسيا في صدارة قائمة مكالماتها، لأن إيميلي تعمدت الاتصال بها كثيرًا في الأيام الأخيرة.
“إيميلي، ما الذي حدث؟ كيف حالكِ؟”
سألتها أليسيا بصوت مرح عن أحوالها.
يبدو أن بلير لم تشارك خطتها مع أتباعها.
تنفست إيميلي الصعداء.
“أليسيا، اسمعي. لقد حدث شيء منذ قليل.”
لم تنسَ إيميلي أن تضيف نبرة البكاء إلى صوتها.
“أنا أستمع. ما الذي حدث يا إيميلي؟!”
كان إقناع أليسيا بالنسبة لإيميلي أسهل من تناول قطعة دونات.
***
قبل أسابيع، في يوم إعلان المرشحين لحفل العودة، استدعت إيميلي أليسيا، التي بدت مكتئبة بشكل واضح، إلى مطعم صغير قرب المدرسة.
“مهما فكرت، أعتقد أنكِ أجمل من بلير يا أليسيا. لماذا لم تترشحي لحفل العودة؟ بلير ليست جميلة جدًا في الحقيقة، لكن خلفيتها القوية تجعل الجميع يمجدونها. لم أكن أعرف ذلك، لذا افترضت أنكِ أنتِ مركز المجموعة.”
“…لا تتحدثي هكذا. بلير كانت دائمًا ملكة الحفل دون انقطاع، وكانت مركزنا.”
“كان ذلك في الماضي، لكن هل سيظل الأمر كذلك في المستقبل؟ أعتقد أن بلير تعلم أنكِ تهددينها، لذا تحاول قمعكِ.
هذا مجرد رأيي، لكنني أراه كذلك.”
أنهت إيميلي كلامها، ولاحظت تعبير أليسيا التي بدت وكأنها أُغرمت بكلماتها رغم نفيها الظاهري، فشعرت بالانتصار داخليًا.
بعد إعلان المرشحين مباشرة، كانت أليسيا تعاني من شعور بالنقص لأن إيميلي ترشحت بينما لم تنجح هي في ذلك.
لكن إيميلي، ببراعتها، نجحت في تهدئة المشاعر السلبية لأليسيا تجاهها، وتحويل غضبها نحو هدف آخر. بينما كانت تطمئنها بكلمات ترضيها، بدأت أليسيا، التي كانت في حالة ضعف عاطفي، تقبل تدريجيًا الأفكار التي أرادت إيميلي زرعها في ذهنها.
“بلير مقربة من ذلك الشخص، من كان؟ إيان، رئيس مجلس الطلاب، رأيتهما معًا في غرفة المجلس خلال استراحة الغداء دون أن يعلم أحد. ولماذا؟ حسب ما قالت ناتاشا، التي تدرس الأدب معي، عندما كانوا يرتبون نتائج تصويت ملك وملكة الحفل، طلب إيان من الجميع المغادرة وعمل بمفرده. قالت إن عدد الأصوات لملكة الحفل كان أقل بكثير مقارنة بعدد الطلاب. من يدري إن كان قد تخلص من أصواتكِ أو زوّرها في غرفة المجلس المغلقة؟”
“……”
لم تجب أليسيا هذه المرة.
ظلت صامتة، فاغرة فمها، غارقة في التفكير.
بالطبع، كل ما قالته إيميلي كان محض تخمين.
سمعت أن إيان كثيرًا ما يعمل بمفرده بعد إخراج أعضاء المجلس الآخرين، وأضافت بعض الخيال من عندها.
لكن أليسيا بدت وكأنها صدقت حقًا.
‘يا لها من ساذجة.’
لم تشعر إيميلي بأي ذنب تجاه تصرفاتها.
فالأحمق هو من يُخدع.
***
أمسكت إيميلي هاتفها وبدأت تشكو لأليسيا.
“لقد ذهبت إلى القاعة الكبرى منذ قليل.”
-كنتِ في حفل العودة؟ هل تستطيعين الحركة يا إيميلي؟
“لا، ما زلت أشعر ببعض الصعوبة، لكنني أردت حضور الحفل. كما تعلمين، لم أذهب إلى حفل العودة في مدرستي السابقة.”
-لماذا لم تخبرينا؟ كان يمكنكِ المجيء للاستمتاع، كنا سنذهب معًا.
“التقيت بلير هناك بالصدفة. وتخيلي، قالت لي إنها تعلم أنني سقطت عمدًا، وسألتني إلى متى أعتقد أن الناس سيظلون ينخدعون.”
-يا إلهي، هذا خطأ من بلير. يبدو أنها لم تتجاوز تلك الفكرة بعد.
رغم أنكِ قلتِ بلطف إنها ليست المذنبة.
“نعم، تحدثت بلير وكأنني تعمدت السقوط بقصد.
لكن من في العالم سيخاطر بجسده ليفعل شيئًا كهذا؟”
قالت إيميلي بصوت مختلط بالبكاء.
-لا تبكي يا إيميلي. ربما هذه المرة كانت بلير متأثرة عاطفيًا بعض الشيء. بعد قليل من الوقت، ستعود إليكِ وكأن شيئًا لم يكن.
“لا أعرف الآن. هل سأتمكن من البقاء صديقة لبلير في المستقبل؟ لا، لا أريد ذلك.”
-……
“لذا، أليسيا، هل سمعتِ شيئًا عن حديث الطلاب حول ما حدث في الحفل؟ قالت بلير تلك الكلمات أمام الجميع، وأخشى أن يسيء الجميع فهمي.”
انتظرت إيميلي بقلب يرتجف الكلمات التالية التي ستقولها أليسيا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 44"