استمتعوا
بعد انتهاء اليوم الدراسي، في غرفة مجلس الطلاب، عادت بلير إلى الواقع عند سماع صوت إيان يناديها مرة أخرى. لابد أنها شردت في أفكارها مجددًا.
“بلير، أنتِ حقاً مشتّتة اليوم. أعتقد أنه من الأفضل أن ننهي الدرس هنا. يمكننا استكمال المادة في المرة القادمة.”
“حسناً…”
قلّب إيان في مخططه مدوناً ملاحظاته للدرس القادم. شعرت بلير بالذنب لإضاعة وقت إيان لأنه كان مشغولاً للغاية.
لاحظ إيان مزاجها، فتحدث معها.
“سمعت عمّا حدث مع إيميلي في فريق التشجيع.
شيء ما عن تحطيم خزانتها؟“
اندهشت بلير. لم يكن إيان عادةً يهتم كثيراً بالشائعات، لذا لم تتوقع أن يعرف بالأمر.
‘ربما يعتقد أنني فعلت ذلك.’
تمتمت بلير مطأطئة رأسها.
“أنا لم أفعلها…”
“أعلم أنكِ لم تفعليها“
كان رد إيان حازماً.
“حقاً؟ هل تصدق أنني لم أفعلها؟“
التقت عيناهما، وشعرت بلير بذلك في تلك اللحظة الوجيزة – إيان آمن بها حقاً.
“أنا أُصدقكِ“
كانت قناعته قوية جداً، كما لو أنه رأى ذلك بأم عينيه.
انهارت الجدران التي بنتها بلير بعناية لإخفاء مشاعرها الحقيقية في مواجهة ثقة إيان الثابتة.
“… كيف يمكنك أن تكون متأكداً هكذا؟“
“أنا أصدق فقط ما أراه. وأنا أثق بما أراه عندما أنظر إليكِ.”
لم يكن هناك شك في نظرات إيان. وجدت بلير ثقته بها التي لا أساس لها مطمئنة بشكل غريب. حقيقة أن شخصاً ما يثق بها أعطاها شعوراً غريباً بالهدوء.
شعرت بلير بالإحراج، فغيَّرت المحادثة.
“أنا قلقة بشأن إيميلي. إنها لا تجيب على مكالماتي، وهي تتغيب عن المدرسة، والمدير يريدها أن تبقى في فريق التشجيع“
“ستكون إيميلي بخير. ستبقى في الفريق أيضاً.”
“كيف تعرفُ ذلك؟ هل رأيتها بعينيك؟“
مازحت بلير إيان، وشعرت بتحسن قليلاً.
“يبدو أنها تستمتع حقاً بالتشجيع. حتى أنني رأيتها تتدرب بمفردها.”
“إيميلي كانت تتدرب بمفردها؟ متى؟“
أومأت بلير برأسها، متفاجئة أن إيان، الذي عادةً ما كان لا يولي اهتماماً كبيراً للآخرين، كان يعرف شيئاً عن مكان وجود إيميلي – شيء لم تكن تعرفه حتى هي.
‘ما الذي يمكن أن تكون تتدرب عليه؟ لم تتعلم أي شيء بعد.
لماذا لم تطلب مني أن أتدرب معها؟ وكيف يعرف إيان هذا؟‘
بينما كان إيان على وشك الإجابة، جاءت طرقات من خارج غرفة مجلس الطلبة.
“بلير! هل أنتِ هنا؟“
كان صوت ليو.
“نعم، ليو، أنا هنا تفضل بالدخول ما الأمر؟“
لم يدخل ليو، لكنه اختلس النظر إلى داخل الغرفة بنظرة استياء.
“تعطلت سيارتي فتركتها في المحل.”
حدّق ليو مباشرة في بلير.
“و؟“
“عندما انتهى الحجز، كان الجميع قد رحلوا.
هل يمكنك توصيليني للمنزل، بلير؟“
رمشت بلير بعينيها، عاجزة عن الكلام للحظات من جرأة ليو،
كما لو كان ذنبها أن سيارته كانت في الورشة.
‘أليس لديه أي أصدقاء؟ أم أنه يتعرض للتنمر؟‘
“انتظرني إذًا. كنت على وشك المغادرة على أي حال.
دعني فقط أحزم أمتعتي.”
جمعت بلير أغراضها وودعت إيان.
“أراك الأسبوع المقبل يا إيان“
وبينما كانت على وشك المغادرة، عادت بلير وتحدثت إلى إيان.
“شكراً على ما قلته اليوم….”
لم يرد إيان على شكر بلير. عادت تعابيره الباردة المعتادة، كما لو أنه لم يقدم لها كلمات الدفء للتو. كانت نظراته، خاصة تجاه ليو، أكثر حدة من المعتاد.
وبينما كانت بلير على وشك الخروج، ناداها إيان.
“أول أمس.”
“هاه؟“
“رأيت إيميلي تتدرب بمفردها أول أمس، في وقت متأخر جداً“
كانت هذه إجابة على سؤال طرحته بلير في وقت سابق ولكن لم تنتبه إليه بسبب مقاطعة ليو لها.
أنهى إيان حديثه وحدق في بلير بشدة، كما لو كان يحاول أن ينقل لها شيئاً مهماً. ولكن مع استعجال ليو لها، لم يكن لدى بلير الوقت الكافي لمواصلة حديثهما وغادرت غرفة مجلس الطلاب.
***
وبينما كانا يسيران إلى موقف السيارات، سألت بلير ليو:
“كيف عرفت أنني في غرفة مجلس الطلاب؟”
“لقد كنتِ تدرسين مع إيان هناك مؤخراً، أليس كذلك؟ لذا اعتقدتُ أنكِ قد تكونين هناك.”
كانت نبرة ليو لا تزال غير مبالية.
وجدت بلير سلوكه الغاضب مربكاً لكنها واصلت المحادثة.
“ماذا كنت ستفعلُ لو لم أكن هناك؟ كيف كنت تخطط للعودة إلى المنزل؟“
لم يجب ليو.
بدلاً من ذلك، أخذ مقعد السائق بشكل عرضي وتوجه ليس إلى منزل بلير، بل إلى روزهيل.
أدركت بلير أنهما لم يكونا ذاهبين إلى المنزل، لكنها تغاضت عن ذلك، على أمل أن يخبرها ليو بما لم يقله لها في وقت سابق عندما التقيا في مكتب المدير.
***
في روزهيل، جلس ليو وبلير تحت شجرة في أعلى التل.
“هل أنت مستعد للتحدث الآن؟” سألت بلير.
“لم أستطع تحمل الاستماع إلى هراء غرايسون بعد الآن.”
قالت بلير وهي تتذكر وجه غرايسون المليء بالكدمات:
“لم يبدو أنك كتمت الكثير“
“أريد فقط توضيح شيء واحد. لم أضرب غرايسون.”
“إذن من فعل ذلك؟“
هز ليو كتفيه وكأنه لا يعرف.
“أنتِ لا تعرفين مع من تشاجر؟ كان من الواضح أن شخصًا ما تشاجر معه.”
“أنا لا أقول أنني لا أعرف. أنا أقول أنّ أحدًا لم يضربه.”
“وهل من المفترض أن أصدق ذلك؟“
“كل ما فعلته هو أنني أخبرته أن يتوقف عن قول أشياء غريبة.
لم يستطع السيطرة على أعصابه وهاجمني. لقد تعثر، وعندما نهض ليهجم مرة أخرى، أوقفه الناس، وتم إرسالنا جميعاً إلى مكتب المدير.”
تخيلت بلير أن غرتيسون يغضب ويتعثر، ولم يسعها إلا أن تضحك.
“لا عجب أن غرايسون كان غاضباً. يا له من أمر محرج.
ولكن هل كان الشيء الغريب الذي قاله عني؟“
“……”
“إذاً كان عني.”
لم يُجب ليو، لكن بلير عرفت من ردة فعله أن شكوكها كانت في محلها.
كانت عينا ليو الواضحة والبريئة مثل عيون طفل لا يستطيع الكذب. عندما ضغطت عليه بلير في وقت سابق بشأن شجاره مع غرايسون، كانت عيناه مليئتين بالسخط. أما الآن، فقد تجنبتا نظراتها، مرتجفتين، كما لو أنه وجد صعوبة في الرد.
“لقد قال غرايسون أشياء غريبة من قبل. لم يكن عليك أن تتورطَ بسببي.”
“أخبرتكِ، لم أتشاجر معه.”
تذمر ليو مرة أخرى. وجدت بلير سلوكه غير المتناسق وحجمه الكبير لطيفاً بشكل غريب، وكان عليها أن تكبت ابتسامة.
“هل تشعرين بتحسن؟”
لاحظ ليو محاولتها للابتسام وسألها بحذر.
أدركت بلير بعد ذلك أن ليو أحضرها إلى روزهيل عن قصد لإسعادها. لم يكن يودّ صنع محادثة، بل عن تحسين مزاجها.
التقت عينا بلير وليو. حدّق ليو في عينيها لبضع ثوانٍ قبل أن يشيح بنظره عنها فجأة.
‘لم أكن أدرك أبداً كم هو رصين….’
حدقت بلير في أطراف أذني ليو المحمرتين قبل أن تتكلم.
“ليو… هل تعطلت سيارتك حقاً؟“
“لا، لقد تركتها في المدرسة عمداً حتى نتمكن من الركوب معاً.
لذا عليكِ أن تقلّيني صباح الغد أيضاً. لقد كنت متوترًا جداً من أن يمسك بي أحد ألم تلاحظي كم كنت أمشي بسرعة؟“
أمسك ليو بصدره بشكل هزلي كما لو كان قد نجا بالكاد من أن يُقبض عليه، مما جعل بلير تضحك. عند رؤية ضحكتها، بدا ليو راضياً.
وبينما كان ليو يراقب بلير وهي تضحك، دس بلطف خصلة من شعرها خلف أذنها.
“بلير، هل تذهبين معي إلى الحفل؟“
اختفت الابتسامة من وجه بلير.
لطالما شعرت أن علاقتها مع ليو كانت تبدو كلغز لم يُحل في قلبها.
عندما كانت تنظر إلى عينيه البريئتين الطفوليتين، كانت فكرة إيذائه تبدو غير محتملة. ولكن في الوقت نفسه، لم تكن متأكدة من أنها لم تكن تريد أن ترفضه لمجرد أنها لا تريد أن تجرحه.
وفي أعماقها، تساءلت عمّا إذا كان قضاء الوقت مع ليو يمنعه من أن يكون سعيداً مع إيميلي.
‘ألن يكون من الأفضل أن يذهب ليو إلى الحفل مع إيميلي بدلاً من ذلك؟ ولكن بعد ما حدث بالأمس، من المحتمل ألا تفكر إيميلي حتى في حفل الهوم كومينغ… انتظر لحظة!’
تجمد وجه بلير فجأة عندما فكرت في إيميلي.
بتعبير جاد، التفتت إلى ليو.
“ليو، يجب أن أذهب. الآن.”
“الآن؟“
لم يسأل ليو أي أسئلة أخرى، بعد أن رأى تعبير بلير الجاد.
أسرعوا عائدين إلى السيارة، وقاد ليو السيارة مرة أخرى، متجهين مباشرة إلى منزل بلير.
عندما وصلا إلى منزلها، تردد ليو لفترة وجيزة قبل أن يتحدث بصوت مليء بالأسف.
“أراكِ غداً يا بلير. لنلتقي عندما تعودين إلى طبيعتك المعتادة.”
“اعتني بنفسك يا ليو. أراك غداً.”
لوّحت بلير بسرعة مودعةً ليو وانطلقت نحو منزل إيميلي.
كانت بحاجة لرؤية إيميلي على الفور.
***
طرقت بلير باب منزل إيميلي.
“من هناك؟“
أجابها صوت مألوف مزعج من الداخل.
“مرحباً؟ أنا بلير إيستر، صديقة إيميلي. هل إيميلي في المنزل؟”
قبل أن تنهي بلير حديثها، فُتح الباب.
“إيميلي! صديقتك هنا!”
لم يكن هناك رد من الطابق العلوي.
“مرحباً؟”
حيّت بلير والدة إيميلي.
أشارت والدتها برأسها إلى الطابق الثاني.
“إيميلي في الطابق العلوي في الغرفة الأولى على اليمين. اصعدي إلى الأعلى. إنها محبوسة هناك منذ يومين حتى الآن، عابسة لا أحد يعلم ما هو السبب“
“شكراً لكِ.”
شكرتها بلير بأدب وتوجهت إلى غرفة إيميلي.
طق طق طق– دقت بلير على باب غرفة إميلي.
“إميلي، هل أنتِ بالداخل؟ أنا بلير. هل يمكنني الدخول؟“
لم يصدر أي صوت من الغرفة. لكن بعد انتظار بضع ثوانٍ، انفتح الباب، وبرزت إيميلي بمظهر متعب ومرهق.
“ما الذي أتى بكِ، بلير؟“
“شعرتُ أننا بحاجة إلى الحديث. لم تأتِ إلى المدرسة، ولم تردي على اتصالاتي… أعتذر لقدومي إلى منزلك دون إخطار.”
تحدثت إيميلي بصوت خافت مملوء بالإرهاق.
“أعتذر لعدم ردي على اتصالاتك. أما عدم ذهابي إلى الدروس، فلأنني لم أعد أرغب في العودة إلى مدرسة تعاملني كفتاة ريفية متخلفة. والأمر نفسه ينطبق على نشاط التشجيع.”
كانت نظرة بلير إلى إيميلي تحمل مزيجًا من المشاعر المعقدة.
وبعد لحظات من الصمت، قالت بلير:
“لكن يا إميلي… هذا ما فعلتِه بنفسك، أليس كذلك؟“
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: ساتورا.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 25"