لم تتواصل بلير مع ليو منذ تخرّجهما من الثانوية. لكنها، في لحظات معينة، كانت تشتاق إلى تلك الأيام التي جمعتهما الصداقة، وتشعر برغبة في مراسلته.
لكنها كانت ترى في ذلك قلة احترام لكل من إيان وليو، فكانت تكتم رغبتها. وليو من ناحيته لم يتواصل معها قط.
ومع ذلك، ها هو بعد أربع سنوات يرسل لها رسالة.
ترددت بلير للحظة ثم فتحت الظرف. كان ما أرسله ليو دعوة كبار الشخصيات إلى المباراة الافتتاحية لدوري الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية.
“ليو، أخيرًا!”
لطالما كان ليو من أكثر اللاعبين جذبًا للأنظار في دوري الجامعات على مدار السنوات الماضية. كانت وسائل الإعلام تتحدث يوميًا تقريبًا عن إنجازاته البارزة، وعندما اقترب موعد تخرّجه، احتدم الجدل حول الفريق الذي سينضم إليه.
وكما يحدث غالبًا مع النجوم الصاعدين، انضم ليو إلى أضعف فريق. حتى تعبير وجهه البارد والهادئ في يوم اختياره من قبل الفريق نال اهتمامًا إعلاميًا واسعًا.
كانت بلير تتابع كل ذلك من بعيد، وتدعوا دومًا له بالتوفيق.
وها هو اليوم، يوم ظهوره الأول في دوري المحترفين، قد أتى أخيرًا. بلير شعرت بعاطفة غامرة حين فكرت في حجم المعاناة التي اجتازها، وكم انتظر هذا اليوم.
كان مع الدعوة رسالة قصيرة:
[بلير، كيف حالك؟ حضورك في مباراتي الأولى سيكون دعمًا كبيرًا لي.]
بلير كانت تحضر جميع مباريات ليو في المرحلة الثانوية، لم تكن فقط قائدة فريق التشجيع، بل كانت تؤمن بشدة بأن وجودها في المدرجات كان يمنحه طاقة خاصة. حتى في الأيام التي كانت مريضة فيها، كانت تحضر للحظات فقط، لأن تلك الطقوس الصغيرة بينهما كانت لها معنى خاص.
***
“بلير، هل قرأتِ الرسالة؟ هل يعقل أن ليو دعاكِ للمباراة؟“
“إيان! ألست مشغولًا؟ هل وقتك يسمح؟“
عندما أرسلت بلير له الرسالة، كان إيان في خضم اجتماع شديد الأهمية. كان قد نجح للتو في إنعاش مبيعات متجر لوفيت، وكان تركيزه الآن على التوسّع في الأسواق العالمية.
وبالرغم من انشغاله، اتصل بها فورًا.
“أنا بخير، تفضّلي قولي ما عندك. لم أكن أعلم أنكِ على تواصل مع ليو.”
“في الحقيقة، لم أُراسله منذ تخرجنا. هذه أول مرة، الرسالة وصلت أمس عندما عدت إلى السكن.”
“هممم…”
“الدعوة فيها تذكرتان، فكرت أن نذهب معًا، لكن إن كنت مشغولًا—”
“لا، سنذهب سويًّا.”
“حقًا؟“
سألته بلير بنبرة مشككة.
“بكل تأكيد. المباراة في الخامس من سبتمبر، أليس كذلك؟“
“نعم!”
“سآتي لأصطحبك. لكنني الآن خارج من الاجتماع، سأتواصل لاحقًا.”
“اتفقنا.”
***
في يوم المباراة، كانت بلير تجلس بجانب إيان في مقاعد كبار الشخصيات. لم تطأ قدماها ملعبًا بهذا الحجم منذ سنوات. لم يكن الأمر مجرد مباراة ثانوية، بل كان حدثًا وطنيًا ضخمًا.
ضجت المدرجات بالحماس والضوضاء حتى أن بلير شعرت بالرهبة. وإيان بدوره كان متوترًا بشكل غريب.
أعلنت مكبرات الصوت عن دخول اللاعبين. ظهر ليو على أرض الملعب وسط عاصفة من التصفيق. بدا هادئًا وثابتًا رغم الضجيج.
“ليو…”
همست بلير باسمه، تمنت له من قلبها أن يؤدي بشكل رائع.
في تلك اللحظة، التقت عيناهما. ابتسمت له بلير، لكنه لم يرد الابتسامة. ربما لأنه كان متوترًا جدًا. ثم تحول نظره إلى إيان الجالس بجوارها، قبل أن يعيد تركيزه إلى الأمام دون تعبير.
“تصوّر؟ ليو يلعب أول مباراة له في أول ظهور، هذا إنجاز نادر، أليس كذلك؟“
“نادر، لكنه ليس مستحيلًا.”
مع صفارة الحكم، بدأت المباراة.
من اللحظة الأولى، انطلق ليو كالسهم، تخطّى الدفاعات برشاقة، وشق طريقه إلى قلب الملعب. كانت سرعته لا تُضاهى، ومهاراته لا تُصدّق.
توالت صيحات الجمهور باسمه، وبلير تتابعه وأنفاسها محبوسة.
لم يكن يتردد أو يتعثر، بل كأنه يتقن هذا المشهد عن ظهر قلب.
ثم، وصل إلى منطقة النهاية، وحقق أول “تاتش داون” له.*
* مصطلح “تاتش داون” (Touchdown) في كرة القدم الأمريكية يعني
تسجيل هدف كامل عندما ينجح الفريق في إيصال الكرة إلى منطقة النهاية (End Zone).
التفسير الكامل هو عندما يتمكن لاعب من حمل الكرة أو تلقي تمريرة ثم يدخل بها إلى منطقة نهاية ملعب الفريق الخصم، يُحسب لفريقه تاتش داون، وهو يعادل 6 نقاط
“واااااه!”
“ليو!”
امتلأ الملعب بهتافات النصر.
بلير لم تصدّق ما تراه عيناها، فقد بدا نجوم الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية أمامه وكأنهم لاعبو مدرسة ثانوية.
إنه ليو نفسه، لكنها الآن فقط تدرك مدى تطوره.
لاحقًا، استمر ليو في أداء مذهل طوال المباراة. بدا كأن المباراة بأكملها تدور حوله.
وعندما انتهت، كانت النتيجة لصالح فريقه، الذي لم يذق طعم الفوز منذ زمن. وصدى اسمه ظلّ يتردد في أرجاء الملعب طويلًا.
“لقد أبدع ليو، أليس كذلك؟“
قالت بلير، وإيان يقرّ برأسه.
“مثل هذا اللاعب لا يولد إلا كل عدة عقود.”
“لهذه الدرجة؟“
“نعم. لاعب مبتدئ يأخذ مركز قائد الهجوم، ثم يحقق هذا الأداء في مباراته الأولى؟ أراهن أن قيمته السوقية ستنفجر في العقد القادم.”
نظرت بلير إلى ليو بانبهار.
الفريق يحتفل من حوله، وقد حملوه عاليًا فرحًا به.
“هل نذهب؟“
سألها إيان.
أومأت بلير، ووقفت. حينها، التقت عيناها بعيني ليو مجددًا، بعد أن أنزلوه من على الأكتاف.
تبادلوا نظرة طويلة، مليئة بمشاعر يصعب التعبير عنها.
‘أنا فخورة بك، ليو. أعلم كم تعبت لتصل إلى هنا.’
أخيرًا، ابتسم ليو لها ابتسامة صغيرة. كانت الأولى له منذ دخوله الملعب.
“هل ستذهبين لتحيته؟“
سألها إيان وهي تغادر المدرجات.
“لا، لا حاجة لذلك.”
ردّت بهدوء.
وقد بدا الارتياح واضحًا على وجه إيان، رغم أنه هو من اقترح السؤال.
‘أنا سعيدة لأجلك، ليو. لطالما دعوت لك بالخير.’
ورغم أن بلير لم تكن سبب تعاسته، إلا أن قلبها كان يؤنبها على مشاعره التي لم تُبادل.
لكنها شعرت الآن، ولأول مرة، أنها لن تتذكره بحزن بعد اليوم، بل بذلك الوجه السعيد الذي رأته اليوم.
‘ومن أكون أنا لأقلق عليه؟ إنه الآن على قمة النجاح، بينما أنا… لا أزال أبحث عن نفسي.’
نظرت إلى إيان بجوارها.
‘إيان، لوكاس، ليو… جميعهم يتقدّمون في طريقهم، أما أنا، فما زلت كما كنت في الثانوية.’
“بلير، بماذا تفكرين؟“
سألها إيان وهو يحدّق فيها بنظرة فضول.
“لا شيء.”
“هل كنتِ تفكرين في العمل؟“
“…”
“لقد اتفقنا ألا تفكّري فيه عندما نكون معًا.”
“لم أقصد، لكنها أفكار تأتي فجأة. لكن كيف عرفت؟“
ابتسم إيان.
“لأنك كلما فكّرتِ في العمل، يتجعد جبينك.”
ثم لمس جبهتها بخفة. وضعت إصبعها على نفس المكان، فنظر إليها إيان بنظرة محبّة.
“ما الذي يشغلك حتى في وسط كل هذا الحماس؟“
“لاأدري…”
نظر إليها ينتظر جوابًا.
“أشعر أنكم جميعًا تتقدمون، وأنا الوحيدة التي ما زالت ثابتة.”
“بلير… فكّري بما حققته، بما تملكينه. لقد حققتِ مبيعات تجاوزت نصف مليون في أول عام!”
“لكن الأرباح كانت سالبة.”
“ليس المهم الرقم فقط. أنا فخور لأنك تبنين طريقك وحدك، وتحققين أحلامك واحدة تلو الأخرى.”
بدأت كلماته تهدّئ من روعها.
“…”
“كل شيء يسير على ما يرام. حصلتِ على الاستثمار، لماذا هذا الشعور الآن؟“
“لأنني عندما رأيت ليو على أرض الملعب، شعرت كم اجتهد ليصل إلى هناك.”
“بالطبع اجتهد. لكن لا تنسي مجهودك أيضًا.”
“سأحاول ألا أنسى. أحيانًا التحفيز الإيجابي يقودني إلى جلد الذات.”
“الطموح شيء جيد، لكن لا تضغطي على نفسك كثيرًا.”
كما هو دائمًا، كلمات إيان كانت البلسم لقلقها.
“شكرًا، إيان.”
نظر إليها بنظرة دافئة وكأنه يقول. “لِمَ الشكر؟“
شدّت بلير على يده بقوة أكبر. كلمات إيان عن ما تملكه لم تعد تعني فقط الإستر، بل باتت تدرك أن أعظم ما تملكه هو نفسه. إيان.
شدّ هو أيضًا على يدها، بحرارة وصدق.
‘أشعر وكأن حياتي بدأت تكتمل. كل ما كان يبدو وكأنه سراب سيختفي إن اقتربت منه، بات الآن يُشعرني وكأنه أصبح لي حقًّا. وأظنني أصبحت مستعدة لأمضي إلى الأمام.’
كان الملعب يعجُّ بجماهير تهتف وتحتفل، لكن بلير وإيان لم يسمعا شيئًا من ذلك الصخب، إذ لم يكن في العالم سواهما. تشابكت أيديهما بقوة أكبر، وشقّا طريقهما معًا بين الحشود.
–النهاية–
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 119"