وصلت بلير إلى العنوان المكتوب على البطاقة، وأخذت تحدق في المبنى الذي أمامها بوجه يملؤه الذهول والشك، ثم عادت تُقلّب البطاقة بين يديها عدة مرات لتتأكد أنها لم تخطئ في المكان.
لكن لم يكن في البطاقة خطأ. فالعنوان 231 شارع كنسينغتون لم يكن سوى مبنى مهجور متهالك، لا يمتّ بصلة لكلمة بنتهاوس التي زُيّنت بها البطاقة.
[ما هذا، لوكاس…]
أرسلت له رسالة، لكنها لم تتلقَّ أي رد.
ترددت في العودة إلى المنزل، لكن فكرة أن لوكاس قد يضعها عمدًا في موقف خطير بدت مستبعدة تمامًا. فجمعت شجاعتها، وخطت إلى الداخل بحذر.
“هل من أحد هنا؟“
ترددت أصداء صوتها في المكان الخاوي. ترددت مرة أخرى في التقدم، لكن مشقة قدومها إلى هنا جعلتها تُكمل طريقها إلى داخل المبنى.
وفي منتصف الطابق الأول المهجور، كان يقف مصعد فخم بديع، يبدو كأنه ينتمي إلى عالم آخر مختلف عن حال المبنى البائس. وكأنه كان يلوّح لها بلطف، يدعوها للدخول.
صعدت بلير ببطء، وضغطت على زر PH*.
*الزر هذا للبنتهاوس الي هو للشقة بالطابق الاخير
“لا يعمل؟ هل هو معطل؟“
اكتشفت أن المصعد لا يعمل دون مفتاح خاص.
“ما الذي يفكر فيه لوكاس؟ لماذا أتى بي إلى مكان كهذا؟“
كانت على وشك الاتصال به، لكن خطر ببالها أن تجرب البطاقة التي حصلت عليها منه، فقرّبتها إلى جهاز قراءة المفاتيح في المصعد.
دينغ دونغ—
بدأ المصعد في التحرك فورًا، كما لو كان ينتظرها.
“ما هذا بحق السماء؟“
وصل المصعد إلى الطابق الأخير، وما إن فُتح الباب حتى تجمدت بلير في مكانها، مندهشة بما تراه.
ما كان يبدو من الخارج مبنًى مهجورًا، تحوّل داخله إلى عالمٍ من الفخامة والرقي لا يُصدَّق. عندها فقط أدركت بلير أنها دخلت إلى نادٍ سري راقٍ خاص بالطبقة المخملية.
كؤوس ذهبية منقوشة بدقة مصطفّة فوق بار من الغرانيت الأسود اللامع. السقاة يرتدون بدلات سوداء وقفازات بيضاء، يمزجون الكوكتيلات بخفة ولباقة. زجاجات نادرة من أفخم أنواع المشروبات تحتل رفوف البار المتلألئة.
كراسي جلدية فاخرة ومقاعد من المخمل الوثير منتشرة هنا وهناك، وعلى أحد الجوانب، كان موسيقي محترف يعزف مقطوعة جاز على بيانو فاخر.
بجوار المصعد، وقف خادم أنيق بزيّ أشبه بخدم القصور.
“أهلًا بقدومك، آنسة. أنتِ ضيفة السيد لينوكس، أليس كذلك؟ سأرافقك.”
قادها الخادم بكل احترام، وقد بدأت الدهشة تزداد في قلبها.
‘لطالما سمعت عن مثل هذه الأماكن، لكن لم أتخيل أنني سأدخلها فعليًا.’
ما إن غادرها الخادم، ووجدت نفسها وحدها، حتى خرج لوكاس فجأة من أحد الأركان.
“بلير! أحسنتِ، وصلتِ بأمان.”
لقد اختفت عنه هيئة رجل الأعمال الجاد الذي رأته في الاجتماع، وعاد ليبدو كطالب الثانوية المفعم بالمرح الذي كانت تعرفه.
“لوكاس، ما هذا بحقك؟! كيف خرجتَ من هناك؟!”
“أليس أنتِ من أتيت إليّ اليوم؟“
“وماذا عن دراستك؟ ألم تتخرج بعد؟ وكنت ستتولى شركة والدك، أليس كذلك؟ كيف تدير شركة كبيرة دون أن أعرف شيئًا عنها؟!”
عندما رتّبت بلير لقاءها مع شركة نوكس، لم تربط بينها وبين لوكاس، ظنًا منها أنه سيخلف والده في شركته.
“كنت فقط أجرّب تأسيس شركة قبل أن أستلم شركة والدي. لم أتوقع أن تنجح بهذا الشكل. كنت فقط أريد اختبار قدراتي برأس المال الذي ادخرته.”
فتحت بلير فمها ذهولًا.
“أنشأت شركة بهذا الحجم كنوع من التسلية؟!”
هزّ كتفيه بخفة.
“ولمَ لم تُسجّل اسمك ضمن الإدارة؟ ولم تخبرني ولا أي أحد من أصدقائنا؟“
“لأني لا أريد أن يُقال إن نجاحي كله بفضل والدي. توقعت أن يُعرف الأمر مع الوقت. والآن وقد علمتِ، فلا شك أن الجميع سيعلم.”
ابتسم وهو يقولها.
“لو لم ترغب أن يُعرف، فلن أخبر أحدًا.”
“لا بأس، قولي ما شئتِ. كنت أريد إبقاء الأمر سرًا حتى أحقق هدفي. وقد فعلت.”
“وما هو هدفك؟“
“سر.”
“حقًا، لمَ بدأتَ هذه الشركة؟ لا تقل لي إنك أردت فقط اختبار قدراتك.”
“بصراحة؟ أنتِ ألهمتِني.”
“أنا؟“
قالت متفاجئة.
“أعني الإستر، إنها تحقق نتائج طيبة.”
“لكنها لا تزال صغيرة. لا شيء مقارنة بشركتك.”
قالت بخجل.
“والداكِ يفتخران بك كثيرًا.”
“……”
“ليس لحجم الشركة، بل لأنكِ بنيتِ كل شيء بمفردك. لذا ظننتُ أنك الوحيدة التي ستفهم قراري بعدم استلام شركة والدي وإطلاق شركتي الخاصة.”
“أفهمك. والآن أفهم سبب قرارك. رغم أن رؤيتك كانت مفاجئة لي.”
ابتسم لوكاس ابتسامة مرحة.
“ولهذا أنا ممتن لكِ، بلير. لقد بدأتُ بفضل الحافز الذي منحتِني إياه. ولحسن الحظ، المشاريع التي استثمرتُ بها في البداية نجحت، فكانت الانطلاقة قوية.”
راقبته بلير بصمت، لا تزال غير مصدقة.
“هل ما زلتِ مصدومة؟“
“أنت فعلاً مالك نوكس، ولم تتلقَّ أي دعم من والديك؟“
“لم أتلقَّ شيئًا. رأسمال البداية جمعته بنفسي. صحيح أنني تعلمت أصول المال من والديّ، لكن هذا كل شيء.”
اندهشت بلير حقًا. أن ينطلق لوكاس من دون الاستفادة من نفوذ عائلته، ويصل إلى هذا النجاح، أمر لا يُستهان به.
ثم سألت السؤال الذي كان يراودها منذ لحظة لقائهما في غرفة الاجتماع.
“لوكاس.”
“نعم؟ اسألي.”
“حين استلمت خطة العمل، كنت تعرف أن الشركة لي، أليس كذلك؟“
أومأ برأسه.
“وهل أثر ذلك على قرارك بالاستثمار؟“
“بالطبع.”
فجأة، خفت وجه بلير.
‘رفضتُ مساعدة والديّ وإيان، ووصلتُ إلى هنا بجهدي. أن أنال دعمًا من لوكاس الآن… لا أريده. لكن من الصعب التخلي عن فرصة الاستثمار مع نوكس. ليتني لم أعلم أنه هو المالك.’
لكن لوكاس قال ما أزال تلك الغصة من قلبها تمامًا.
“بصراحة، ما إن علمت أنكِ المديرة التنفيذية، حتى فكرت ألّا أستثمر. آسف.”
“ماذا؟!”
قطّبت حاجبيها بانزعاج.
ضحك لوكاس ضحكة خفيفة.
“أمزح فقط، بلير. ردة فعلك كما توقعت، تمامًا مثل أيام الثانوية.”
تجمدت ملامحها من الغضب، لكنها عرفت أنها وقعت مجددًا في فخه.
“لم تتغير إطلاقًا، لوكاس. ظننتُ أنني أرى رجلًا ناضجًا في قاعة الاجتماعات، لكن ها أنت كما كنت.”
“حاولت التصرف بنضج لأنك تحبين الرجال الناضجين. لكن يبدو أن ذلك لا يناسبني.”
“لكن حقًا، كيف تدير شركة بهذا الحجم، ولا تزال تتصرف كأنك طالب في المدرسة؟ هل أنت متأكد أنك المدير؟ أشك في الأمر.”
“بلير، أعرف ما الذي يشغلك. لقد رفضتِ دعم الجميع، فلا ترغبين أن يكون نجاحك نتيجة معروف منّي. لا تقلقي. موقفي لم يتأثر بشخصك. شركتنا ليست هواة. قرارات الاستثمار تُبنى على تحليلات وخطط، وليست آراء فردية. في الحقيقة، قرارنا كان شبه محسوم قبل العرض.”
“حقًا؟“
“نعم. بنسبة 90%، كنا قد قررنا.”
“وماذا كانت النتيجة؟“
سألته بتوتر.
فأخرج لوكاس مغلفًا سميكًا ومدّه لها وهو يبتسم.
نظرت إليه مذهولة، ثم أسرعت بفتحه.
“لحظة، بلير.”
أوقفها.
“لماذا؟“
“لأنني لا أريد الحديث عن العمل الآن. اليوم أنا لوكاس، لا مدير نوكس. خذي الأوراق واقرئيها في المنزل. أما التفاصيل، فنتحدث عنها لاحقًا. الآن، أريد أن أعرف كيف حالك.”
“أنا؟“
“نعم. مر وقت طويل، أليس كذلك؟ أخبريني، كيف كنتِ؟“
تحدثا عن ما جرى في حياتها منذ دخولهما الجامعة. كيف قررت إطلاق علامتها، وكيف كانت الحياة الجامعية.
“لكن لمَ لم تأتِ في عيد الميلاد أو عيد الشكر؟“
“قررت ألا أعود إلى منزل العائلة حتى أنجح.”
أجاب بجدية، ما جعل بلير تشك أنها ستحصل على إجابة حقيقية.
“يبدو أنك بخير، بلير. وماذا عن إيان؟“
أحمر وجهها. رغم مرور الوقت، ما زال الاعتراف بعلاقتهما صعبًا.
“إنه بخير.”
نظر إليها لوكاس مبتسمًا وكأن كل شيء بات واضحًا.
“سيكون سعيدًا عندما يسمع بالأمر.”
أومأت بصمت.
“هل جئتِ برفقته؟“
“لا. جئتُ بالطائرة وحدي.”
“متى موعد رحلتك؟“
“لو غادرتُ الآن، ربما أصل في الوقت المناسب.”
“إذن، هيا بنا. سأوصلكِ.”
“لا داعي، ستكون مشغولًا.”
“لقد التقينا أخيرًا، لا يمكنني أن أدعكِ تذهبين هكذا.”
فركبت معه، وتوجها إلى المطار. وعلى الطريق، شعرت بلير وكأنهما عادا إلى أيام الثانوية، وكأن الزمن لم يمضِ.
عندما وصلا، ساعدها في إنزال حقائبها، وقال.
“ستُفوتين رحلتك. أدخلي بسرعة. و… مبارك، بلير.”
“شكرًا على توصيلي، لوكاس.”
اكتفى بالابتسام، لكن بلير نادته قبل أن يذهب.
“لوكاس.”
“نعم؟“
استدار مبتسمًا، وكأنه كان ينتظر ذلك.
“قلت إنك حققت هدفك.”
“صحيح.”
“فهل ستعود إلى المنزل في العطل الآن؟“
“…نعم، سأفعل.”
ابتسم.
“إذن، نراك في عيد الشكر.”
وبينما نظرت إليه، شعرت بلير فجأة بشيء من الأسى في ملامحه، فاقتربت وعانقته. توقف لحظة، ثم ردّ لها العناق بخفة.
“سُعدتُ بلقائك، لوكاس. سأدخل الآن.”
“حسنًا.”
لوّح لها حتى ابتعدت تمامًا عن ناظريه.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 117"