ركبت بلير سيارة إيان دون أن تسأله عن وجهتهما، ومرّت عبر شوارع الفندق المزدحمة والفاخرة، لتجد نفسها تدريجيًا تتجه نحو مكان أكثر هدوءًا وخصوصية.
‘إلى أين يا تُرى؟‘
وبعد قليل، ترجلت من السيارة، لتقع عيناها على مطعم صغير في شارع هادئ. لم يكن فاخرًا أو باهظ الثمن كبقية المطاعم التي اعتادت زيارتها، لكن أجواءه أوحت بأنه من الأماكن التي يحبها السكان المحليون، تلك التي لا تُعرف ببذخها، بل بمذاقها وروحها.
جلس إيان وبلير على طاولة صغيرة على الرصيف، وكانت شمعة خفيفة فوقها تتمايل مع نسيم لطيف يمر بين حين وآخر.
بينما كان إيان يطلب المشروبات، خطر على بال بلير.
‘لا أدري لماذا، لكن هذا اللحظة تبدو مثالية تمامًا. إيان أمامي، النسيم العليل، الموسيقى الهادئة المنبعثة من داخل المطعم، والعطر اللطيف في الجو… كل شيء.’
وبعد أن أنهى إيان الطلب، التفت نحوها بابتسامة دافئة، وأخرج مغلفًا صغيرًا وقدمه لها.
“ما هذا؟“
“اقرئيه.”
بدأت بلير تقرأ الأوراق داخله.
‘…!’
“استثمار؟ هذا عن علامتي التجارية؟“
“نعم.”
“هل حقًا ستستثمر هذا المبلغ الضخم؟ هل يعلم والداك بالأمر؟“
قالت بلير بدهشة وقد اتسعت عيناها.
“والداي تركا لي حرية التصرف في أموال الصندوق الاستئماني. وحتى إن عرفا، فسيوافقان. لأن هذا الاستثمار سيعود عليهم بأضعاف مضاعفة. فما رأيك؟ هل الشروط مرضية؟“
“…….”
ترددت بلير قليلًا.
“إيان، لدي سؤال واحد.”
“تفضلي.”
“كيف عرفت أنني كنت أفكر في إطلاق علامتي التجارية الخاصة؟“
“كنت أعتقد أن ذلك هو التطور الطبيعي لك. أنت موهوبة، بلير. ولم أظن يومًا أنك ستكتفين بالعمل داخل إطار مُحدد سلفًا. لذا وضعت الخطة مسبقًا، رغم أنني لم أكن أتوقع أن أُريك إياها بهذه السرعة.”
“همم…”
ما زالت بلير مترددة، لم تجب بعد.
“ما الذي يُقلقك؟ أليس العرض جيدًا؟ أم أنك وجدت مستثمرًا أفضل مني؟” سألها إيان ممازحًا.
“ليس كذلك…” قالت بلير وهي تحدق في الأوراق بتركيز شديد.
المبلغ المعروض في الوثيقة تجاوز بكثير ما كانت تظنه بلير ضروريًا لبدء مشروعها. رغم أنها لا تملك خطة دقيقة أو خبرة واسعة، إلا أنها أدركت أن هذا المبلغ يكفي لتجاوز أغلب الصعوبات في المراحل الأولى. فلماذا تشعر بالحيرة إذًا؟
انتظرها إيان بصبر دون أن يضغط عليها.
“أقدّر عرضك، إيان… لكنني سأكتفي بدعمك المعنوي.”
“لماذا؟“
سألها بجدية.
“أريد أن أبدأ كل شيء بيديّ.”
“لكني كنت سأسترد أموالي بالتدريج.”
“ومع ذلك، يبقى ما تقدمه لي بدافع المودة. أما أنا، فأريد أن أحصل على الاستثمار بقوتي الشخصية، لا كهبة.”
“أفهم ما ترمين إليه… هل تنوين ألا تطلبي المساعدة حتى من والديك؟“
“نعم.”
“بلير، تعلمين أن أي مشروع يحتاج لرأس مال أساسي، أليس كذلك؟“
“أعرف. لكن لا أحب الحصول على شيء بسهولة.”
رفع إيان حاجبه وقد بدا عليه الاهتمام بما تقول.
“وكيف ستجمعين المال إذًا؟“
“سأقبل فقط أموال من يقتنع بخطتي ويؤمن بها.”
“وماذا لو قلت الآن إنني أريد سماع خطتك؟ متأخر جدًا؟“
“نعم، متأخر.”
قالت بلير وهي تبتسم. لم تكن تمانع الحصول على بداية سهلة، لكن التنازل عنها لم يكن مؤلمًا كما كانت تظن.
“…….”
تنهد إيان بعد تفكير قصير.
“حسنًا، لن أسألك لماذا تُصرين على سلوك الطريق الأصعب. سأحترم قرارك.”
“شكرًا لك. على عرضك ودعمك.”
“وإن غيرت رأيك، قولي لي فورًا. اعتبريه تأمينًا جانبيًا.”
ابتسم وهو يتحدث.
“رفضت الاستثمار، لكن لا تترددي في طلب النصيحة أو المساعدة الإدارية. اتفقنا؟“
“اتفقنا.”
“هل لديك خطة أو رؤية واضحة حتى الآن؟“
هزت بلير رأسها نفيًا.
“لكن لا بد أنك لم تفكري فجأة في إطلاق علامة تجارية من دون سبب، صحيح؟ هل كان السبب أنك لم تتمكني من التعبير بحرية عن فكرتك في العلامة الحالية؟“
“رؤية الطلاب أمس جعلتني أرغب في إنشاء علامة بأسعار أكثر منطقية. معظم متابعيني من الطلاب الصغار، وعندما سمعت أنهم يشترون المنتجات التي أروّج لها فقط لأنني أوصي بها، شعرت بالمسؤولية.”
“منطقي.”
“حتى العلامات ذات الأسعار المعقولة يمكن أن تكون أنيقة وجذابة، أليس كذلك؟“
“بالتأكيد، طالما حددتِ جمهورك المستهدف.”
“ثم إنني لاحظت أن ما أحب ارتداءه وما أريد بيعه ليسا بالضرورة الشيء نفسه.”
“كيف يعني؟“
“لا أعلم تمامًا… لكن هناك فرق بين متعة اختيار ملابس تناسبني، وسعادتي حين أرى شخصًا آخر يبدو رائعًا بما اخترته له.”
“فكرة جميلة. ومع الوقت ستكتشفين كيف تحققينها. أنا متحمس لرؤية ما ستفعلينه.”
وبينما كانت تنظر إلى إيان وهو يُصغي ويشجّعها بجدية، شعرت بلير بأن الحماسة بدأت تطغى على القلق بداخلها.
“وهل ستختارين تخصصك الجامعي بناءً على هذا الهدف؟“
“نعم.”
ارتسمت ابتسامة على وجهها. كان مفرحًا أن يكون لها حلم جديد في عالم منحها كل شيء حتى بدا أنه لم يعد فيه ما يستحق الطموح.
“تصميم أزياء؟“
“أم… لا أعتقد أنني موهوبة في التصميم. ربما التسويق أو الإدارة. لذا أحتاج إلى معرفة بالإدارة أيضًا.”
وفجأة، خفض إيان رأسه قليلًا وابتسم.
“ما الذي يضحكك؟“
“لأنني أراك مختلفة. وهذه النسخة الجديدة منك… أحبها كثيرًا.”
“…….”
“لماذا لم ألاحظك من قبل؟“
‘لأنني لم أكن أنا وقتها.’
“هل نتابع الحديث عن خطتك ونحن نمشي قليلًا؟“
“نعم.”
لو كانت بالأمس، لرفضت المشي. لكن اليوم، شعرت بالطاقة. كما أن الحي الهادئ الجديد الذي زارته لأول مرة بدا لها جديرًا بالتجوال.
مدّ إيان يده نحوها، وقد بات من الطبيعي أن يمسكا أيديهما حين يسيران سويًا.
“ما رأيك في المطعم الذي تناولنا الطعام فيه اليوم؟“
“بسيط. لا يُشبه خياراتك المعتادة، لكنني أحببته كثيرًا.”
“بسيط؟! لو احتسبنا تكلفة حجز المطعم بأكمله، فقد يكون أغلى من ذاك الذي زرناه البارحة.”
“حقًا؟ وماذا عن الأشخاص الذين كانوا يتناولون الطعام في الطاولات المجاورة؟“
“أحضرتهم حتى لا تشعري بالإحراج.”
“حقًا؟“
اتسعت عينا بلير بدهشة.
“لا، كنت أمزح.”
ضحك إيان بعد أن قالها.
“توقف قلبي! ظننتك جادًا.”
“كنت قد مررت بالمكان مصادفة منذ زمن، وشعرت بشيء يجذبني. دخلته رغم مظهره البسيط، واكتشفت أن طعامه لذيذ جدًا. أردت بشدة أن أريك إياه. لكن… هناك سبب أهم جعلني آخذك إلى هنا.”
نظرت بلير إلى إيان بعينين مليئتين بالفضول.
وما إن انعطفا عند الزاوية، حتى انكشفت أمام عيني بلير لوحة بانورامية مذهلة لباريس.
“واو…”
برج إيفل الشامخ بدا أمامها بكل فخامته، وعلى جانبي نهر السين، امتدت المقاهي والمحلات بأناقتها الكلاسيكية. كانت المظلات في المقاهي وأكشاك الزهور الملونة تبث الحياة في الشوارع، والمباني ذات الأسقف الحمراء تتكئ على بعضها كما لو كانت مشهدًا مرسومًا من بطاقة بريدية.
“رائع جدًا.”
“أليس كذلك؟ هذا المكان هو المفضل لدي في باريس، وكنت أرغب بشدة أن أريك إياه. ما رأيك؟“
“أحببته كثيرًا.”
قالتها بلير وهي تنظر إليه بكل صدق في عينيها.
ضحك إيان حين سمع كلماتها.
“هل تعلمين كيف يبدو وقع كلامك عليّ حين تقولين هذا؟“
أذنا إيان كانتا قد احمرّتا، كما لو أنهما التقطتا حمرة وجنتيه. وقد يكون هذا ما أعطى بلير الجرأة لتقترب منه أكثر، وتقول.
“أنا أحبك، إيان.”
تلاشت ابتسامته، وبدت عليه الجدية فجأة.
“وأنا أيضًا، بلير.”
وحين نطق بهذه الكلمات، بدأ وجهاهما يقتربان شيئًا فشيئًا، حتى لامست شفتاه شفتيها أخيرًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات