استمتعوا
كانت بلير هي من فتحت الباب وخرجت.
اختفت آثار المكياج الثقيل والملابس البهية التي كانت ترتديها بالأمس، وظهرت بمظهر مريح يوحي بأنها استراحت بعمق.
“أنتِ… أنتِ… لمَ خرجتِ من هناك؟ ما الذي تفعلينه هنا؟”
ما إن رأت ايميلي بلير حتى فتحت باب السيارة وخرجت،
وأخذت تطأ الأرض بقدميها بقلق وتصيح كأنما سُلب منزلها منها وسُلم إلى بلير.
“لمَ أتيتِ إلى هنا؟ لتسخري مني بعد أن هبطت إلى القاع؟
أم لتهدديني؟”
في تلك اللحظة، أطلت أليسيا برأسها من خلف بلير.
وعندما رأت ايميلي أليسيا، اشتعلت فيها نار الغضب أكثر مما كانت عليه حين رأت بلير أول مرة.
“كنت أعلم ذلك. أنتما متآمرتين معًا، أليس كذلك؟”
كانت بلير تنظر إلى ايميلي وهي تصرخ وتتخبط، وشفتاها ترتسمان ابتسامة ساخرة دون أن تنبس بكلمة.
“أصبح كل شيء الآن كما أردتِ.
ما الذي تريدينه مني بعد؟ ما الذي دفعكِ للمجيء إليّ؟”
“ايميلي، يبدو أنكِ مخطئة.
هذا ليس منزلكِ، بل منزل أليسيا. أنا هنا بدعوة من أليسيا،
والتي جاءت لتبحث عني هي أنتِ، أليس كذلك؟”
ردت بلير بصوت هادئ وحجة واضحة،
مما زاد من غيظ ايميلي التي كانت على وشك الرد بقوة.
“وبالنسبة لما أريده منكِ، هناك شيء واحد بالفعل.”
ما إن سمعت ايميلي نبرة بلير الباردة حتى شعرت بقشعريرة تجتاح جسدها. لم تعلم ما ستقوله بلير، لكنها كانت متأكدة أنه لن يكون في صالحها. شعرت ايميلي بغريزة خوف عميقة، وكأن الكلمات التي ستنطق بها بلير ستكون أشد وطأة من المحنة التي عاشتها ليلة أمس في السجن.
تقدمت بلير خطوة بخطوة نحو ايميلي ببطء.
“ما… ما… ما الذي تريدين قوله؟ قوليه من هناك ولا تقتربي.”
قفزت ايميلي مذعورة وتراجعت خطوة بخطوة إلى الوراء.
ابتسمت بلير وأخرجت من جيبها كيسًا بلاستيكيًا صغيرًا مزودًا بسحاب، ثم هزته أمام ايميلي.
عندما أدركت ايميلي ماهية الشيء، اصفر وجهها كالجثة.
“أنتِ… لمَ هذا معكِ؟ أنا متأكدة أنني… أنا…”
“هل أصابكِ الذعر؟ يبدو أنكِ تعرفين هذا الشيء جيدًا؟”
قالت بلير بثقة وهدوء.
كان الشيء في يد بلير عبارة عن برغي أخرجه غرايسون من الهيكل الحديدي الذي كانت أوبري تستخدمه.
كانت بلير قد تتبعت ايميلي وغرايسون سرًا وحصلت على البرغي الذي يحمل بصماتهما.
كانت ايميلي تظن بالطبع أن البرغي لا يزال في حوزتها،
فلم تستطع النطق بكلمة وأخذت تتلعثم.
“ايميلي، هل ظننتِ حقًا أنني سأترك دليلاً بهذه الأهمية بين يديكِ؟”
“لمَ تُرينني هذا الآن؟”
“سألتِني منذ قليل عما أريده، أليس كذلك؟”
“…”
“لا تفكري حتى في إنكار شيء واحد. ولا تتوقعي أنكِ قادرة على الفرار. هذا البرغي ليس سوى واحد من بين العديد من الأدلة التي جمعتها. كلما حاولتِ التملص، سأثبت كذبكِ دليلاً دليلاً.”
“أنتِ… أنتِ… هل تظنين أنني سأخاف من تهديداتكِ؟”
لكن على عكس كلماتها، كانت ايميلي ترتجف خوفًا.
“حقًا؟ إذن حاولي الفرار إن استطعتِ.”
لم تستطع ايميلي الرد، وظلت ترتعد ثم استدارت متجهة نحو السيارة. سألتها والدتها التي كانت تشاهدهما من داخل السيارة.
“هل تشاجرتِ مع بلير، ايميلي؟”
“ليس مجرد شجار.”
“لمَ فعلتِ ذلك؟ كنتم صديقتين. لو طلبتِ مساعدة بلير لساعدتكِ. ماذا ستفعلين إن لم تدعمكِ بمحامٍ؟”
نظرت ايميلي إلى بلير من النافذة بنظرة نارية وقالت:
“أفضل الموت على قبول مساعدة بلير.”
بعد أيام، في مكتب مدير مدرسة ويستكوت، اجتمع الجميع.
ايميلي ووالداها، المدير، والمستشار التربوي.
كان والدا ايميلي يصعقان بكل كلمة ينطق بها المدير.
لم يشرح المحامي الأمور بهذا التفصيل، وكانت ايميلي تتجنب الإجابة على أسئلة والدتها كلما سألتها.
“معذرةً ايها المدير، لكن هذا يبدو غير منطقي. ابنتنا لا يمكن أن تكون متورطة في مثل هذه الأمور! الحريق العمد، الإصابات الخطيرة، المخدرات غير القانونية، والخطف؟
أنتم تعلمون أن ايميلي طالبة في المرحلة الثانوية، أليس كذلك؟
لا أدري إن كان هذا مزحة سخيفة، لكن إن واصلتم اتهام ابنتي دون أدلة، فسنضطر لمقاضاتكم.”
قال والد ايميلي بنبرة غاضبة لا تكاد تُخفي استياءه.
“من يجب أن يُقاضى لست أنا، بل ابنتكم ايميلي جونسون.”
“يا للسخافة، لا أصدق هذا!”
انتزع والد ايميلي الأوراق التي قدمها المدير وألقاها بعصبية وقال.
“وهل تتوقع مني الآن أن أصدق كل هذا؟”
“تصدقون أم لا، هذا اختياركم سيد جونسون. دعوتكما اليوم لأخبركما أنه لم يعد هناك مكان لايميلي في ويستكوت.”
“ما معنى هذا؟”
تنهد المدير تنهيدة خفيفة،
ثم ختم أوراق ايميلي بختم كبير وقدمها لهما.
“معناه الطرد.”
“الطرد؟ من يقرر طرد ابنتي هكذا؟”
“لقد أوضحت لكم أسباب الطرد،
وليس عليّ تقديم المزيد من التفسيرات.
لقد أكملنا كل الإجراءات اللازمة ووافق المجلس على ذلك.”
“وهل تظنون أنني سأصمت إذا طُردت ايميلي هكذا؟”
“إن تركنا ايميلي في المدرسة، لن يصمت الآباء الآخرون.”
بينما كان المدير ووالدها يتبادلان الحجج،
ظلت ايميلي صامتة مذهولة.
“ما معنى هذا؟ أنا استثمرت الكثير في هذه المدرسة!”
“ليس استثمارًا، بل رسوم دراسية بالأحرى.”
“استثمار أو رسوم، هل بعد كل تلك الأموال التي دفعتها،
وايميلي الآن في الصف الثاني عشر، تطردونها؟
إلى أي مدرسة سأرسلها؟ وكيف ستستعد للجامعة؟”
“لو كنت مكانكما، لما جعلت هذا أولويتي الآن.”
“ما الذي تعنيه؟”
“سمعت أن ايميلي جونسون خرجت بكفالة من الحجز.
ألا يجب أن تقلقا أكثر بشأن نتيجة المحاكمة؟”
تجمدت ملامح والد ايميلي فجأة.
“ابنتي متهمة ظلمًا، وفي مثل هذه الظروف يجب على المدرسة حماية طلابها وضمان حقهم في التعليم. هل يمكنكم التخلي عنها بسبب خطأ بسيط؟”
“خطأ بسيط، تقول؟”
تغيرت ملامح المدير الذي كان يحاول الحفاظ على لباقته،
وأصبحت قاسية.
ما إن تبدلت نبرة المدير حتى خفت حدة والد ايميلي.
“وماذا عن الرسوم المتبقية؟”
“في العادة لا نفعل ذلك، لكننا سنعيدها لكم.”
قال المدير بنبرة توحي بأنه لا يريد التعامل معهم أكثر.
“وماذا عن رسوم الفصل الدراسي الماضي؟”
“سيد جونسون، أنا أقوم بواجبي بمجرد أنني لا أطالب ايميلي بتعويض الأضرار. يجب أن تكونا ممتنين لأنني لا أطالب بتعويض عن غرفة الطهي التي احترقت، أو الطلاب المصابين،
أو الشكاوى والدعاوى التي قد تأتي من أولياء الأمور.”
أمام نظرة المدير المرعبة، سارع عائلة جونسون للتوقيع على جميع الأوراق وجمعها ثم غادروا المكتب.
عند خروجهم من مكتب المدير، كانت بلير في انتظارهم.
“السيد جونسون، السيدة جونسون.”
حيتهما بلير بأدب.
كان السيد جونسون غاضبًا بالفعل من اللقاء في المكتب،
فلما رأى بلير حاول تهدئة ملامحه المكدومة وقال:
“آنسة بلير، كنت أعلم أنكِ ستخرجين لمساندة ايميلي.
المدرسة تريد طردها.”
“نعم، سمعت بذلك، سيد جونسون.”
“أليس كذلك؟ أنتِ أيضًا تعتقدين أن المدير مخطئ، أليس كذلك؟ ألا يمكنكِ مساعدتنا؟ إن طُردت ايميلي هكذا، كيف ستذهب إلى الجامعة؟ كيف ستعيش بدون شهادة ثانوية؟ أنتِ تعرفين أشخاصًا ذوي نفوذ، أليس كذلك؟ الصحافة أو الادعاء مثلاً. لن تتركي صديقتكِ تواجه هذا الظلم دون مساعدة، أليس كذلك؟”
تشبث السيد جونسون ببلير بنظرة متوسلة.
“سيد جونسون، ألم تسمع؟
لقد دفعت كفالة ايميلي ووفرت لها محاميًا.”
انتقلت عينا بلير من السيد جونسون إلى ايميلي التي كانت تتنفس بغضب واضح.
كما توقعت بلير، شعرت ايميلي بمزيد من الإذلال لأن بلير دفعت كفالتها وساعدتها في تعيين محامٍ.
“سمعت بذلك، لكن ألا يمكنكِ بذل المزيد من الجهد؟
لو بقيت في المدرسة حتى تحصل على قبول جامعي فقط.”
“أبي، كفى! لا تقل ذلك لبلير!”
صرخت ايميلي بوجه محمر من الغضب.
“ما بالها؟ أمام منقذتكِ!
من يستطيع مساعدتكِ الآن غير الآنسة بلير؟”
نظرت بلير إلى جدال ايميلي ووالدها بابتسامة عريضة وقالت:
“لا تقلق، سيد جونسون. أنا على صلة بالقاضي الذي سيتولى قضية ايميلي. سأتحدث إليه جيدًا.”
اصفر وجه ايميلي عند سماع كلمات بلير.
“شكرًا جزيلًا، آنسة بلير. شكرًا حقًا.”
“على الرحب. سأبذل جهدي من أجل العدالة لصالح ايميلي.
ولا تعاملاها بقسوة، فهي مرتبكة ومتعبة من الوضع الحالي،
وأنا أتفهم ذلك تمامًا.”
ابتسمت بلير لوالدي ايميلي،
ثم حدقت في ايميلي بنظرة مليئة بالسخرية والازدراء.
“لا تيأسي، ايميلي. ما مررتِ به حتى الآن ليس سوى قمة جبل الجليد مما سيأتي لاحقًا.”
“سأذهب الآن. ايميلي، تماسكي!”
“آنسة بلير، أرجوكِ تحدثي إلى القاضي جيدًا.”
“بالطبع.”
ودعت بلير والدي ايميلي وخرجت من المبنى.
كان الجو منعشًا يدعو للغناء بصوت خافت.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل "109- التشابتر الجانبي الثالث "