استمتعوا
انتهى الحفل الراقص الذي سيظل محفورًا في ذاكرة الكثيرين كلحظة لا تُنسى.
بدأت الجموع، التي لم تهدأ بعدُ هيجانها،
تخرج من قاعة الحفل متفرقة في مجموعات صغيرة،
تتبادل أحاديث حول حفل ما بعد الاحتفال.
كانت بلير أيضًا ضمن تلك الجموع، تنسحب بهدوء خارج القاعة.
عند الباب، كانت مجموعة من المشجعات ولاعبي كرة القدم ينتظرون خروجها بفارغ الصبر.
“بلير!”
صاحت كيمبرلي بصوت عالٍ حين رأتها.
ابتسمت بلير وهي تتقدم نحوها، لكن عينيها التقطتا فجأة أليسيا التي كانت تقف خلف كيمبرلي.
كانت أليسيا تنظر إلى بلير بعينين مملوءتين بالخوف.
اختلطت في نظراتها مشاعر معقدة: الرعب، والضغينة، والحسد، بل وحتى لمحة من الأسف والخجل.
عندما اقتربت بلير، بدا الارتباك واضحًا على وجه أليسيا، فاستدارت بسرعة واختلطت بالحشد المتجه نحو موقف السيارات.
كيمبرلي، التي لم تلحظ شيئًا مما حدث خلفها،
التفتت إلى بلير بابتسامة مشرقة وقالت:
“بلير، ستذهبين إلى حفلة ما بعد حفلة التخرج، أليس كذلك؟
الجميع يتساءل عما حدث بالضبط بينك وبين إيميلي.”
أومأت سيدار وإيفلين برأسيهما بحماس،
ينظران إلى بلير بعيون مليئة بالفضول.
لكن بلير لم تستطع أن تنسى ظهر أليسيا الحزين الذي اختفى بين الجموع.
تذكر فجأة كيف بدت أليسيا مرتبكة في حفل إيميلي عندما رأتها ترتدي فستانًا بلون مختلف عن الجميع.
لم تكن أليسيا تعلم أن إيميلي أعطت بلير تعليمات خاطئة عن قواعد الزي عمدًا.
‘إلى أي مدى كانت أليسيا على دراية بخطة إيميلي؟”‘
تساءلت بلير في نفسها.
أدارت بلير عينيها بعيدًا عن أصدقائها بحثًا عن أليسيا.
رغم أنها غرقت في الحشد، كان من السهل تمييزها وهي تسير وحيدة، بعيدة عن ضجيج الآخرين.
قالت بلير:
“نعم، سأذهب إلى الحفل. انتظروني لحظة فقط.”
نظروا إليه جميعًا بتعجب، متسائلين إلى أين هي ذاهبة.
تقدمت بلير عبر مجموعة المشجعات متجهه نحو أليسيا.
لم يمض وقت طويل حتى لحقت بها.
“أليسيا.”
انتفضت أليسيا مفزوعة حين سمعت صوتها،
والتفتت إليها وقالت:
“بـ… بلير، ما الأمر؟”
“أليسيا، ألن تذهبي إلى حفل ما بعد حفل التخرج؟”
سألتها بلير بهدوء متعمد، رغم أنه شعر بتوترها وحذرها.
“…أتمزحين؟ كيف لي أن أذهب إلى هناك؟ الجميع سيكرهون وجودي. سيقولون إنني كنت أتمسك بإيميلي طوال الوقت، والآن أتظاهر بالود!”
‘ما تقوليه صحيح نوعًا ما. لكنني أود أن أتحدث إليها ولو مرة واحدة قبل أن تصبح علاقتنا لا رجعة فيها.’
فكرت بلير في نفسها.
“إذن، هل تمانعين أن نتحدث قليلًا؟”
أومأت أليسيا برأسها بتردد، واضحة القلق على وجهها.
جلسا معًا على مقعد خلف الصالة الرياضية.
بدأت أليسيا الحديث بتوتر واضح:
“ماذا تريدين مني؟ هل لأنني خنتك تريد مني أن أدفع الثمن؟”
عبست بلير وقالت:
“ليس الأمر كذلك.”
بدا أن أليسيا كانت تأمل أن يكون لدى بلير سؤال محدد،
لأنها لم تستطع تصديق أنها اقتربت منها دون مقابل أو غرض.
“بلير، ألا يزعجك الأمر؟
أنني قضيت الأشهر الماضية ملتصقة بإيميلي؟”
“لا يمكنني القول إنني غير متأثرة.”
“إذن لماذا تتحدثين إليّ الآن؟”
“أنكِ كنتِ مع إيميلي لبضعة أشهر لا يعني أن كل الوقت الذي قضيناه معًا قبل ذلك أصبح بلا معنى.”
“…”
ترددت بلير لحظة ثم قالت:
“…هل كنتِ تعلمين أن إيميلي كانت تخطط لإيذائي؟”
أجابت أليسيا بيأس:
“نعم… كنت أعلم.”
“وهل كنتِ تعرفين تفاصيل ما كانت تنوي فعله؟”
“لا، لم أكن أعرف التفاصيل.
لكنني كنت أدرك بالطبع أنها ليست شيئًا جيدًا.”
أطرقت أليسيا رأسها كمن ينتظر حكمًا، وقالت:
“لكن لماذا فعلتِ ذلك؟ هل أردتِ إيذائي؟”
“لا أعرف. أعتقد أنني فقدت صوابي للحظات. كانت إيميلي وكأنها ترى داخل قلبي، تعرفني أكثر مما أعرف نفسي. كانت تعلم ما أتوق إليه، ومدى حسدي لكِ. استسلمت لهمساتها.”
كانت أليسيا على وشك البكاء.
“…”
نظرت بلير إليها في صمت.
“قد يكون من الصعب تصديق ذلك، لكن صدقيني في هذا على الأقل، لم أكن أعلم أن إيميلي ستتسبب في حريق أو ستؤذي أوبري. ولم أكن أريد أن تتأذي أنتِ أيضًا.”
“إذن، هل كانت تلك الخطط من تدبير إيميلي وحدها؟”
“نعم. أعلم أن ذلك يبدو غير قابل للتصديق.”
“أصدقكِ.”
“حقًا؟ تثقين بكلامي؟”
أومأت بلير برأسها، فبدت أليسيا مطمئنة قليلًا.
“كانت إيميلي تحتفظ بكل الخطط لنفسها.
ربما شاركت غرايسون ببعضها، لكن ليس كل شيء.”
قالت أليسيا بمرارة، وفكرت بلير:
‘على الأقل في هذا الجانب، كان حكم إيميلي صائبًا. لم تكن كل المشجعات أو الفتيات اللواتي وقفن إلى جانبها يملكن نوايا شريرة مثلها. سواء بسبب بقايا المودة تجاهي أو بسبب إنسانيتهن،
كن مختلفات عن إيميلي، وترددهن كان عائقًا أمام خططها.’
“في الحقيقة، لو أردتُ معرفة المزيد لاستطعتُ، لكنني لم أرغب في ذلك. كنت خائفة من أن أصبح شريكة في الجريمة،
فتجاهلت الأمر. ولهذا لم أنقذكِ ولا أوبري.”
“…”
“لو حدث لكِ أو لأوبري مكروه، لما استطعتُ مسامحة نفسي… أعتقد أنني كنت مجنونة. الآن أرى أن افتراءات إيميلي عنكِ كانت سخيفة.”
“بالتأكيد كانت كذلك…”
ساد الصمت بينهما للحظات.
كانا يعلمان أن هذا التفسير لم يكن كافيًا،
لكن بلير لم ترد استجوابها أكثر.
عادت أليسيا للحديث:
“لكن الحقيقة أنني كنت أغار منكِ حتى قبل أن تدفعني إيميلي لذلك. وكنت أتضايق لأنكِ لم تفهمي مشاعري.”
“…متى بالأخص؟”
“كلما تجاهلتِ نصيحتي التي كانت لمصلحتكِ، أو عندما بدا أنكِ تهتمين بإيميلي أكثر مني رغم أنني كنت دائمًا إلى جانبكِ.”
‘يبدو أنني أذيتُ مشاعر أليسيا أيضًا.’، فكرت بلير.
“…أنا آسفة لأنني جعلتكِ تشعرين بالضيق.”
“ماذا؟”
بدت أليسيا مصدومة.
“أفهم شعوركِ بالضيق.
أعلم أنني تصرفت بأنانية أحيانًا ولم أراعِ مشاعركِ.”
كان اعتذار بلير صادقًا.
بدت أليسيا مرتبكة، تفتح فمها وتغلقه دون أن تجد الكلمات.
“…ظننت أنكِ ستكرهينني.”
“لا أستطيع القول إنه ليس لي دور فيما حدث بينكِ وبين إيميلي.”
انهمرت دموع أليسيا وقالت:
“أنا آسفة، بلير. مهما كانت إيميلي قد أغرتني بكلماتها الحلوة،
لم يكن يجب أن أخونكِ. أنتِ من يمد يده إليّ أولًا وتعتذر،
وأنا لم أدرك ذلك.”
ربت بلير على ظهرها بحرج.
“لم أخبركِ لأنني خشيت ألا تصدقيني، لكنني بدأت أندم فور قراري بالانضمام إلى إيميلي. كنت تعيسة، بلير.
أردت فقط من يفهم قلبي، لم أقصد إيذاءكِ.”
بينما كانت أليسيا تبكي بحرقة، ظلت بلير تربت على ظهرها.
“لا تبكي، أليسيا.”
لكنها لم تتوقف عن البكاء لوقت طويل.
وهي تراقبها، فكرت بلير.
‘لو كنتُ أكثر تفهمًا لمشاعر أليسيا، لربما لم تنحاز إلى إيميلي.
لقد كنت منشغلة بالتأقلم بعد استحواذي وبالتعامل مع إيميلي،
فأهملتها والباقين.’
“…بلير، ألن تذهبي إلى الحفل؟”
قالت أليسيا وهي تشهق.
“لا بأس، أخبرت كيمبرلي ألا تنتظرني.”
“لن يضايقك تفويت الحفل؟”
“ستتكرر فرص الحفلات مستقبلًا…”
‘أشعر أنني سأندم إن تركت أليسيا الآن.
لن نعود كما كنا، لكن أتمنى أن نصل إلى مرحلة نتبادل فيها التحية دون حرج عندما نلتقي في الممر.’
ترددت أليسيا طويلًا ثم قالت بهمس:
“بلير، هل تودين القدوم إلى منزلي؟”
“إلى منزلكِ؟”
“نعم. لدي آيس كريم بالشوكولاتة والموكا في الفريزر،
نكهتكِ المفضلة.”
مسحت أليسيا دموعها وجمعت شجاعتها.
“حسنًا، لم لا؟”
توجهت أليسيا وبلير معًا نحو موقف السيارات.
وكلتاهما تدرك جيدًا أن عودة الأمور بينهما إلى سابق عهدها باتت مستحيلة.
لكن تجربة حادثة إيميلي قد كشفت لهما قيمة كل منهما في حياة الأخرى، فاستمدتا من ذلك عزمًا جديدًا على بذل الجهد لحماية بعضهما البعض من الآن فصاعدًا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل "107- التشابتر الجانبي الاول"