الفصل الأول: ليس كل شيء يسير وفق الخطة
“آنستي، هل تنوين حقًا الذهاب لرؤية ذلك الفتى؟”
تحدث الحارس بقلق وهو ينظر إلى الفتاة الصغيرة الواقفة أمامه.
“أجل، أجل~”
كينيميا ليون، الدوقة الصغيرة التي بلغت الآن الحادية عشرة من عمرها، أومأت برأسها بابتسامة ملائكية.
تراقص شعرها الحريري الأشقر الفاتح مع حركتها، مما جعل الحارس يشعر بوخزة حادة في صدره، وكأن قلبه قد أصيب بسهم مفاجئ.
‘يا إلهي… إنها لطيفة للغاية!’
لطالما تمنى الجميع في القلعة الكبرى أن ينجبوا ابنة تشبه كينيميا.
بشعرها الذهبي الناعم، وعينيها الكبيرة المستديرة، وخديها الممتلئين المتوردين اللذين يبعثان على الرغبة في عضهما بلطف، كانت تجسد الفتاة المثالية.
ومع ذلك، كانت الآن على وشك اتخاذ قرار صادم—رغبتها في لقاء سجينٍ شخصيًا!
نظر الحارس إلى مربيتها الواقفة خلفها وكأنه يطلب المساعدة، ثم قال بصوت حذر.
“لكن هذا الفتى ليس شخصًا يجب أن تلتقي به يا آنستي…”
زفرت المربية فانيسا بهدوء. حتى هي، التي ربت كينيميا منذ ولادتها، لم تستطع ثنيها عن قراراتها.
“إنه خطر، يا آنستي.”
قبل نصف شهر، تسلل صبي إلى أرض الصيد الخاصة بالدوقية دون إذن.
كان جسده مغطى بالدماء، ووقف مائلًا برأسه إلى جانب واحد كما لو كان يراقب شيئًا مثيرًا للاهتمام.
وعندما التقى بأعين عشرات الفرسان المذعورين، ابتسم وتمتم لنفسه قائلاً.
“ظننت أنني قضيتُ عليهم جميعًا… لم أكن أعلم أن هناك من نجا.”
لم يُظهر الصبي أي ذرة خوف رغم مواجهته للفرسان المسلحين. بل على العكس، كان يبدو مرتاحًا وكأنه في نزهة.
أمام هذا الموقف غير المتوقع، كان التوتر في الواقع على وجوه الفرسان، وليس على وجهه!
لكن بعد لحظات، انهار الصبي فجأة وفقد وعيه.
‘لولا ذلك، لما تمكنا من القبض عليه.’
فكر الحارس في سره.
وبسبب حقيقة أنه كان مغطى بدماء الآخرين، تم احتجازه في الزنزانة، حيث كان من الواضح أنه متورط في أمر مريب.
ومع ذلك، ورغم كل هذه التحذيرات، لم تتردد كيليميا وقالت بنبرة حازمة.
“أعلم ذلك، لذا أرشدني إليه.”
نظرتها الواثقة لم تترك مجالًا للمناقشة.
رغم صغر سنها، كانت هذه الفتاة هي الوريثة الشرعية لدوقية ليون، والحاكمة المستقبلية لهذه القلعة.
وبالنسبة لحارس بسيط، لم يكن لديه الحق في معارضة أمرها بحجة القلق عليها.
“…حاضر.”
استدار الحارس وبدأ بالسير أمامها، محذرًا إياها أثناء نزولهم الدرج الحجري المظلم.
“آنستي، احذري من خطواتكِ.”
“أنا بخير.”
“قد تظهر الفئران هنا أحيانًا، ليس كثيرًا، ولكن…”
رغم ثقتها المعلنة، أمسكت كينيميا بيد مربيتها فانيسا على الفور.
ضغطت فانيسا على يدها برفق، لكنها كانت تنظر إليها بنظرة تقول بوضوح.
“هل ترين؟ لقد قلتُ لك ألا تنزلي إلى هنا!”
كينيميا، مدعية الجهل، أدارت رأسها بعيدًا.
“آسفة، مربيتي العزيزة… لكنني مضطرة لذلك.”
بصراحة، لم تكن زيارة السجن الرطب والمظلم والمليء بالفئران، ناهيك عن مقابلة صبي مرعب يبلغ من العمر اثني عشر عامًا، أمرًا ترغب فيه حقًا.
لكن، على عكس ما قد تفكر فيه مربيتها، لم تكن تبحث عن مغامرة مشوقة بسبب الملل أو حياة الدوقات الرتيبة.
‘لم أفعل هذا من أجل المتعة، بل من أجل سلامتي ومستقبل عائلتي!’
بالطبع، لم يكن من السهل شرح هذا للآخرين بطريقة منطقية.
لأن كينيميا كانت تخفي سرًا كبيرًا لا يمكنها البوح به لأحد.
أولاً، لم تكن كينيميا ليون سوى فتاة مُتجسدة، شخصٌ وُلد من جديد بذكريات حياته السابقة.
ثانيًا، هذا العالم لم يكن سوى عالم رواية خيالية كانت تقرؤها بشغف في حياتها السابقة، بعنوان “سجلات ألديوم”.
ثالثًا، إذا لم تتصرف بحذر، فإن مصيرها المحتوم هو الموت القريب!
‘…كيف يمكنني حتى شرح ذلك لأحد؟’
عضّت كينيميا على شفتيها بتوتر بينما كانت تفكر في الأمر.
‘لا أستطيع حتى نطق ‘أ’ من ‘ألديوم سجلات’ أو ‘إ’ من ‘إعادة الولادة’ دون أن أشعر بالحرج الشديد.’
استعادت كينيميا ذكرياتها عن حياتها السابقة في ربيعها العاشر، بعد فترة قصيرة من وفاة والدها.
لم يكن يومًا مميزًا، ولم يحدث شيء درامي مثل اصطدام رأسها بشيء ما، أو كادت أن تغرق وتختنق، أو أي حدث مأساوي مماثل.
كل ما حدث أنها نامت، كما تفعل دائمًا، وهي تغرق وسادتها بالدموع.
‘آه، هذا الحلم… إنه حياتي السابقة.’
وحين استيقظت في اليوم التالي، أدركت فجأة أن حلمها في الليلة الماضية لم يكن سوى ذكرياتها من حياتها السابقة.
‘…بهذه البساطة؟!’
لو كان الأمر وحيًا إلهيًا مصحوبًا بعاصفة رعدية وضوء مبهر، لكان أكثر منطقية!
كيف يمكنها إقناع أي شخص بأنها استيقظت ذات يوم لتجد أن كل أحلامها ليست إلا ذكريات من حياتها الماضية؟
لكن المشكلة الأكبر لم تكن في كيفية تفسير ذلك.
المشكلة الحقيقية كانت أنها وُلدت داخل عالم رواية الويب التي قرأتها في حياتها السابقة، “سجلات ألديوم”.
رواية من نوع الفانتازيا التقليدية، تحمل عنوانًا مبتذلًا: “عابر العوالم يسقط في عالم جديد، ليعيش مغامرة غير محدودة!”
‘…كانت رواية فاشلة.’
بدأت القصة مثيرة للاهتمام، لكن في مرحلة ما، انحرفت عن حبكتها الأصلية. بدلاً من التقدم في القصة الرئيسية، انشغل البطل بجمع الأعشاب وصيد الوحوش في الأبراج المحصنة، لتتحول الرواية إلى مجرد “فانتازيا كدحٍ بحتة.”
أما كينيميا ليون؟ فقد كانت إحدى الشخصيات الثانوية في القصة، بشخصية شريرة… ومصير مأساوي.
‘لماذا… لماذا كان عليّ أن أولد في هذه الشخصية بالذات؟!’
لفهم مدى سوء حظ كينيميا، لا بد أولًا من معرفة خلفية عائلتها.
كان جدها، كينيث ليون، بمثابة الوصي على العرش أثناء مرض الإمبراطور السابق، وعُرف بلقب “الكلب المسعور العادل.”
في ذلك الوقت، ومع تدهور صحة الإمبراطور، غرق البلاط الإمبراطوري في الفساد والفوضى.
لكن كينيث، الذي كان يؤمن بالعدالة كقيمة مطلقة، لم يستطع تحمل ذلك…
“كيف تجرؤ على مخاطبتي بذلك الفم القذر؟!”
كان رجلًا فظًا، سريع الغضب، لا يتردد في استخدام العنف لحل الأمور.
“أنا الإمبراطور! وقوتي هي قوة الإمبراطورية!”
بهذه العقلية الاستبدادية، بدأ في تطهير النبلاء دون تمييز، مضيقًا الخناق على الجميع، حتى حاشيته المخلصة.
وكيف كانت نهايته؟
تسمم حتى الموت.
لم يُعرف القاتل مطلقًا، لكن لم يكن هناك شك في أن الجريمة كانت “انتقامًا من أحد الحاقدين عليه.”
بعد وفاته المفاجئة، دخلت دوقية ليون في حالة من الفوضى العارمة، حيث تصارع الجميع للسيطرة على إرثه.
وفي خضم هذا الاضطراب، برزت إيريليا ليون، والدة كينيميا، وزوجة الدوق السابق، كقائدة للدوقية.
“لم أحصل على موهبة السحر، لكن السيف هو قدري.”
ورغم أنها لم تكن تمتلك قوة سحرية، فإن مهاراتها في المبارزة كانت أسطورية، لدرجة أنها غزت ممالك بأكملها وساهمت في توسيع نفوذ الإمبراطورية.
عاد مجد ليون ليزدهر من جديد.
ولكن كما أن هناك نورًا، لا بد أن يوجد ظل.
فبطلة الإمبراطورية كانت في نظر الممالك المهزومة عدوةً لا تُغتفر.
في ذروة انتصاراتها، وأثناء احتفالها بموكب النصر، أصيبت إيريليا ليون بسهم موجه إلى قلبها، ليسقط جسدها وسط الأهازيج التي تحولت إلى صرخات ذعر.
المتهم الرئيسي في اغتيالها كان الأمير الثالث لإحدى الممالك التي قضت عليها.
وعلى منصة الإعدام، هتف بصوت مرتجف لكنه مفعم بالحقد:
“إيريليا ليون، شيطانة الإمبراطورية، قطعت رأس والدي، وبترت ساقيّ إخوتي! لا أشعر بأي ندم على كوني من وضع حدًا لشرها!”
لم يكن هناك مجال للشك… كان هذا انتقامًا دمويًا خالصًا.
وهكذا، وجدت عائلة ليون نفسها مجددًا وسط عاصفة من الأزمات.
أما والد كينيميا، تروي ليون، الذي لم يكن يملك أي مؤهلات سوى وجهه الوسيم الذي يُعد الأجمل في الإمبراطورية، فقد وجد نفسه في موقف لا يُحسد عليه.
في الأساس، لم يكن زواجه من إيريليا إلا بسبب نسبه النبيل بنسبة 20%… وجماله الأخّاذ بنسبة 80%.
بعد وفاة زوجته، غرق تروي في الحزن واليأس، غير قادر على مواجهة الواقع.
لكن حين رأى ابنته الصغيرة، قرر أن يقف مجددًا من أجلها.
“أبي، لا تبكِ.”
لكن القرار شيء، وتنفيذه شيء آخر…
“اهئ… اهئ… أبيكِ بخير… أعدكِ أني بخير… اهئ اهئ!!”
ظل يبكي لدرجة أنه كاد يغرق القصر بدموعه.
ومع ذلك، استجمع قواه أخيرًا كرجل، كوالد، وكربّ لعائلة نبيلة، وقرر أن يعيد بناء مجد عائلة ليون…
بطريقته الخاصة.
“أيتها السيدة ذات الأيدي الناعمة الرقيقة! لدي فكرة تجارية رائعة، هل تودين سماعها؟”
وبطريقة ما، سواء بسبب براعته في اقتناص الفرص أو مجرد حسن الحظ، نجح تروي ليون في استخدام وسامته لجذب المستثمرين، وجمع رأس المال، وإطلاق سلسلة من المشاريع التجارية التي عززت من مكانة عائلته مجددًا.
“صغيرتي! لقد جنيت الكثير من المال اليوم! أرأيتِ؟ قلت لكِ إنني بخير!”
“أبي رائع!”
لكن هذا النجاح لم يدم طويلًا…
فبعد فترة قصيرة، تعرض تروي ليون للاغتيال…
والقاتلة؟
كانت كونتيسة تورط معها في شبكة معقدة من العلاقات العاطفية المتشابكة!
أثناء اقتيادها إلى الزنزانة في السجن السفلي، صرخت بغضب:
“والآن فقط؟! تقول إنه لم يكن هذا قصدك؟! ألم يكن كافيًا أنك جنيت ثروة بفضلي؟! تروي ليون سرق قلبي بالكامل… ثم ألقى بي في الجحيم!”
لم يكن هناك أدنى شك… كان هذا انتقامًا خالصًا.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 1"