5
كان كينغر جالسا على طرف السرير ، ظهره مائل قليلا ، ظلمة الغرفة تعود إليه ثقل ذكريات ، ذكريات أشخاص لم يعودوا موجودين بعد الان في سيرك
امتدّت أنامله تتحسّس إطار الصورة الموضوع على الطاولة أمامه حمل تلك صورة ، و توقّفت عينيه عند ملامحها
انعكست في عينيه لمحة ضوءٍ من المصباح القابع في زاوية الغرفة
لم يتحرّك طويلاً ، سوى عندما زفر ببطءٍ ورفع رأسه قليلًا نحو السقف ، عيناه نصف مغلقتين يحاول من خلالها رؤية أطياف هؤلاء الذين اعتاد أن يكون معهم قبل الآن
لم يكن في وجهه حزنٌ معلن بل صمت غامض يحي في داخله فكرة انتظارًا بلا موعد
وفي اللحظة التي همَّ فيها بإبعاد الصورة ،
تسلّل تيارٌ بارد من النافذة المفتوحة ، جاعلا اللهب في المصباح ينطفئ فجأة تاركًا الغرفة تغرق في ظلامٍ
سُمع صوت طرق خافت على الباب ليرفع
كينغر رأسه ببطء إليه ، عينيه تلتقطان مصدر الصوت قبل أن يتلفّظ بهدوء غير معتاد منه : « تفضل ….»
ما إن فُتح الباب حتى ظهرت رقاثا ، مسندة يدها على المقبض وتنظر نحوه عضلات يديها متوترة و عينها التي أبرزت القلق فعلا : «كينغر… هل أنت بخير؟»
لم يُجب كينغر عليها فورا و لم تصتدم عيناها معه ، أعاد الصورة إلى مكانها فوق الطاولة ، ثم وقف و سار نحو تلك لوحة معلقة في الجدار
قال كينغر أخيرًا بصوت هادئ و هو يتأمل تلك لوحة : «نعم… أنا بخير، لكن… يساورني القلق بشأن هذه المغامرة الجديدة »
اقتربت رقاثا بخطواتٍ خافة و بطيئة ، تمسك أطراف ثوبها كي لا تُصدر صوتًا قد يضايق كينغر
«لماذا؟» سألت وقد غمر صوتها فضول و حيرة
«أليست من أفضل مغامرات كين حتى الآن؟»
لف كينغر رأسه إليها و نظر إليها بصمت ، انعكاس الضوء في عينيه بدى كما لو أنه يعكس ملكته في عينه
تنهد كينغر ، و صوته امتزج بصمت الغرفة رفع نظره إلى اللوحة العملاقة المعلّقة على الجدار رسمٌ أثيريّ ساحر يصوّر كين راكعًا ، يقبض كفّه كمن يُصلّي في معبدٍ يكفر فيه عن ذنوبه وعيناه مغمضتان بسلامٍ
ظلّ كينغر يحدّق في تلك الملامح المرسومة طويلاً، حتى خُيّل إليه أن عيون كين قد فتحت في اتجاه
قال بصوتٍ متعبٍ منخفض ، دون أن ينظر إلي رقاثا: «أحيانًا ينجرف كين في إبداعه لدرجةٍ قد تؤذي الآخرين…»
ثم انحنى قليلًا للأمام ، عاد أدراجه الي سرير عيونه المرهقة لم تعد تريد رؤية اللوحة بعد الان
طيات ذكرياتٍ يودّ لو تُمحى من نفسه بقدر مايعتز بتلك الذكريات إلا أنها تؤذيه
نبست رقاثا بصوتٍ خافت ، تتردد صداه في الغرفة المظلمة: «أنا… لم أشهد هذا في فترة وجودي في سيرك …. هل كان ذلك قبل أن أكون هنا؟»
تأخر كينغر في الرد ، عيناه عالقتان على صورة زوجته
«يصعب تذكّر من كان هناك في ذلك الوقت…» تمتم بشرود مكملا كلامه : «الوقت يمضي ، والناس تتغيّر أيضًا…»
انزل صورة و غطها لضعفه في رؤية وجهها أكثر من هذا قائلا : «أتمنى فقط… ألا يبالغ في مغامراته هذه المرة»
✦••┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈••✦
نظرة بومني بتردد إلى جاكس الذي كان يجلس على حافة النافورة وقد غمس قديمه في الماء البارد قائلة له و هي تلعب بأصابعه يدها بتوتر :«هل… هل يُسمح لنا بفعل هذا؟»
أمال جاكس رأسه نحوها بابتسامة خبيثة معتادة ، بينما كان الضوء المنعكس من سطح الماء ينعكس على وجهه:«ولمَ لا؟ من سيعلم على أية حال ؟»
رفع كفه ورش قليلًا من الماء أمامها في حركة يمكن اعتبارها دعوة صريحة ، قائلا بمرح :«هيا ! لا تدعي الفرصة تفوتك … الماء أدفأ مما يبدو عليه ! »
ترددت بومني لوهلة ، و نظرت إلى النافورة المزينة بزهور حجرية و إلى قطرات الماء التي تتناثر، ثم تنهدت بخفة… و ابتسمت
نزعت بومني حذاءها بروية ، ثم تلك الجوارب المخططة التي التصقت بقدميها ، ما إن لامست أصابع قديمها ماء النافورة حتى شهقت بخفوت ؛ كان بارداً ، لكنه منعش أيضا
قالت براحة و تتمدد مغمضت عينيها للحظة :«الأمر يشبه… أن تشعر بأنك على قيد حياة من جديد»
ضحك جاكس بخفة ، تلك الضحكة التي تخرج منه بلا نية السخرية أو الاستهزاء ، قائلا وهو يمد قدميه أكثر في الماء: «أرأيتِ؟ أخبرتكِ أنه شعور رائع»
راقبته بومني لدقيقة من زمن متذكرة حقيقية أنه في الأيام الثلاثة الماضية منذ وصولها إلى القلعة ، لم يتركها لحظة واحدة
كان قريباً منها بشكل غريب و ملازماً و الأغرب من كل ذلك أنه لم يسخر منها إطلاقا ، لم يعلّق بتلك النبرة اللاذعة المعتادة، بل بدا… هادئاً و مرتاحا فقط
قالت بخفوتٍ بعد تلك دقيقة، وةعيناها معلقتان بانعكاس وجهها المتموّج في النافورة:«جاكس… هل فكرت يومًا كيف سيكون حالنا لو عدنا؟»
رفع جاكس حاجبه مستغربًا لكلماتها : «عدنا؟»
«إلى الواقع…» هسمت بهدوء ، ثم ضحكت بإرتياك ، نادمتً على طرح السؤال
«أقصد… لو انتهت كل هذه المغامرات فجأة ، وعدنا كما كنا في العالم الحقيقي»
ظل جاكس صامتًا للحظة، يحدّق في الماء ثم قال بصوتٍ منخفضٍ جاد لأول مرة «الواقع… يبدو بعيدًا الآن ، مكان مثل ذلك هل يمكن حتى عودة إليه ؟ »
التفتت إليه بسرعة غير متوقعة رد فعله مجيبة:
«لكن لا يمكننا البقاء هنا إلى الأبد ، أليس كذلك؟»
لم يقل شيئا و ارتحت كتفاه شيئا ما هدأ في عينه التي توسعت كالقطط
«أأنتما تمزحان معي؟! أنا أشرب من ماء هذه النافورة أغلب الوقت!»دوّى صوت زوبل الغاضب عبر الساحة
التفتت بومني على الفور لترى الفارس الشجاع قادمًا إليهم احمر وجه و غاضبا بكل تأكيد
كان يرتدي درعًا لامعًا يحمل زخرفة لوجه كين على صدره ، وسيفه يتدلّى على خصره
تبادل جاكس وبومني نظرة خافتة قبل أن تنفجر على شفتي جاكس ابتسامة جانحة نحو السخرية مهيئا بعض كلمات لاذعة لأجله ، بينما رفعت بومني كفّيها محاولة الدفاع عن نفسها دون جدوى
قابلت بومني زوبل و كانغل يوم دخولها للقصر ؛ لوحات كانغل تملأ الممرات بلمسة جعلت قصر ينبض بالحياة و زوبل احيانا هنا و هناك في قصر يراقب أوضاع و مراقبا علاقة بين هذين الإثنين
لقد أصبح هذان [جاكس و بومني] أقرب من أي وقتٍ مضى، وهذا بحدّ ذاته مقلقٌ من ناحية…
لكن من ناحية أخرى ، ربما كان أمرًا جيّدًا
ربما فقط ربما إن انشغل جاكس ببومني و كفَّ عن مضايقة كانغل فسوف يكون وضع أفضل
غير أنه ربما يمكن لبومني أن تُصلح شيئًا من طباع جاكس المسيئة و الساخرة التي أرهقتهم جميعًا
اقترب زوبل أكثر ، وصوت خطواته يتردد في أرجاء الساحة، بينما رفع حاجبًا غاضبًا قائلا و هو يحاول حفاظ على هدوئه «هل يمكن لأحدكما أن يشرح لي ماذا تفعلان بالضبط؟…. هذه نافورة للشرب لا للاستجمام!»
أجاب جاكس دون أن يكلّف نفسه عناء النظر إليه:
«في الحقيقة يا حضرة الفارس، نحن نعيد اتصالنا بعنصر الماء هذه تجربة روحية راقية جدًا »
رمقته بومني بنظرة جانبية لم تستطع كتمان ضحكة التي خرجت منها بينما تابع جاكس بثقة كما لو أنه لا يكذب حتى : «إنه علاج للتوتر ربما عليك تجربته أنت أيضًا ، تبدو مشدود الأعصاب زوبي»
قطّب جبين زوبل أكثر مكملا بغيض « نعم مضحك جدا يا جاكس »
أشار زوبل برأسه نحو بومني ، نظرة واحدة كانت كافية لتفهم أنه يريدها أن تتبعه
أخرجت قدميها من الماء ، قطرات باردة انزلقت على بشرتها ، لكنّها لم تتح لها فرصة لتجففهما ؛ إذ حرك جاكس عصاه بخفة لتهبّت نسمة قصيرة من الهواء مرت أمامها مجففت قدميها كأنها لم تبتلّ أبدًا
تبادل الثلاثة نظرات صامتة قبل أن يكسر جاكس السكون قائلاً بحيرة تولدت توى في وجهه « مهلا لماذا عليها أن تذهب معك؟»
أجاب زوبل دون أن يلتفت ، بهدوء
«أخيرًا، قرر كين أن يجعل القصة تستمر… وأرسل نبوءة أو شيئ من هذا قبيل و ذكر فيها اسم بومني»
ارتفع حاجبا جاكس بدهشة طفيفة ، ثم وضع يده على خصره مستعيدا ابتسامته متعجرفة قائلا:
«نبوءات؟ لا أحد يتلقّى نبوءات إلا السحرة»
التزم زويل صمت هو لن ذيل نفسه بطلب من جاكس قدوم معهم لكنه يو أن مايرده واضح
«يا للعار يا زوبل أين آدابك؟» قال جاكس بنبرة ساخرة وهو يعتدل في وقفته «لا يمكنك أن تطلب قدومي بهذه الطريقة الفظة ساحر الملكي لا يُستدعى هكذا ببساطة!»
رمقه زوبل بنظرة باردة وأجاب: «أنا لا أريد استنفاد مخزون الشتائم الذي لديّ لشخص مثلك»
ابتسم جاكس ابتسامة واسعة تفيض بالخباثة
«لا عليك، لا حاجة لأن تهدرها الآن… وفّرها للأيام القادمة….أوه…. بل يبدو أنّ تلك الأيام قد أتت أسرع مما توقعت!»
رفع يده بخفة ، و هو يشير لذلك سحاب في سماء
فجأة تجمعت السحب فوقهم في أشكالٍ غريبة سحابة ضخمة تشبه وجه زوبل ، وبجانبها أخرى مائلة تماثل ملامح كانغل ، و أعلاهما قلب كبير يطفو
ساد صمت قصير، لم يكن أحد يعلم إن كانت تلك الأنماط المحرجة نتيجة سحر جاكس … أم مجرد نكتة ثقيلة أخرى من كين
عبس زوبل دون تعليق ، بينما حاولت بومني كتمان ضحكتها ، تغطي فمها بيدها كي لا يلاحظها أحد
أما جاكس، فبدا في غاية الرضا عن مايراه الان
قال زوبل بعد أن صفع كفّه على جبينه بإستسلامٍ واضح: «أنا لن أعلّق بعد الآن» ثم مضى بخطواتٍ الي أمام
تبعته بومني و جاكس وهما يسيران جنبًا إلى جنب، لم يلتفت جاكس نحوها ولو لمرةٍ واحدة ، فيما كانت هي تسرق إليه نظراتٍ سريعة
فجأة، كسر الصمت بصوتٍ خافتٍ و سريع :«خذيها نصيحةً مني… لا تثقي بكين كثيرًا»
قبض على يده وهو يقولها ، ثم تقدّم بخطواتٍ أسرع، تاركًا إياها خلفه مع جملته المربكة
توقفت للحظة تنظر إلى ظهره البعيد ، تشعر بشيءٍ غامض يلتف حول قلبها ضيقٌ وارتباك، لا تعرف إن كان سببه كلماته أم طريقته الباردة في إلقائه
لماذا دائمًا يقول شيئًا يمكن أن يُغيّر كلّ شيء بينهما… ثم يمضي كأن شيئًا لم يحدث؟
✦••┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈••✦
دخلت بومني إلى القاعة بخطواتٍ مرتعشة ، الهواء في الغرفة كان ساكنًا و مريبا بالنسبة لها
كان هناك طاولة خشبية في منتصف القاعة ، يتوسّطها وسادة حمراء تعلوها كرة بلورية كبيرة تنبض بضوءٍ خافت
اقترب جاكس بخطواتٍ سريعة إليها و ألقى نظرة جانبية نحوها قبل أن يضع راحته فوق البلورة
انبعث منها ضوءٌ بنفسجي ناعم ، سرى كشرارةٍ في الهواء ، وتوسّع ليشكّل أمامهما صورةً متجسّدة من الضوء نموذجًا ثلاثي الأبعاد يتحرّك ببطء
حدّقت بومني بعيون تلمع بإنبهار حيث فقد لسانها القدرة على النطق
كانت هي … تحمل سيفًا و تقف وسط ساحة رمادٍ تحارب تنينًا أسود يلتف حولها أعلى تلة الصخرية
لكن لم يكن ذلك ما أخافها بقدر ما اخافتها تلك الملامح على وجهها ، النسخة الشريرة التي رأتها ذات مرة في إحدى مغامرات كين ، موجودة في هذه المغامرة أيضا
ظلت بومني تحدّق في نموذج المعلق في الهواء، و عيناها تتسعان كلّما تمت إعادة عرض احداث نموذج
كادت تسأل ، لكن جاكس سبقها وهو يضع يده خلف ظهره «هاه….عجبا ! … كم هو مشهد درامي أليس كذلك؟ لو كنتُ أنا مكانها لكنت طالبتُ مكافأة من كين »
تمتم جاكس و هو يلخص لبومني دورها الان في هذه مغامرة و هو يشير إليها : «باختصار يا بومني… انت ستقاتلين نفسك الشريرة و تسقطين قليلًا على أغلب ثم تنتصرين في النهاية و الجميع يصفق وستحصلين على تمثال في الحديقة القصة المعتادة مثالية ، أليس كذلك؟ »
خمسُ ثوانٍ فقط كانت كافية حتى يتبدّد ذلك البريق السحري في الهواء
نظر جاكس إلى كفّه بنظرة عابرة و نظر إلي تلك البلورة التي تلاشى نورها فجأة دون سابق إنذار
راقبه زوبل بصمتٍ متمعّن و مدرك تمامًا أن جاكس حاز على أفضل دورٍ بينهم هذه المرة
لكنه كبح نفسه عن التعليق ، آخر ما يريده هو أن يمنح جاكس ذريعةً جديدة للسخرية منهم
قطع زوبل الصمت قائلاً بروية: «يبدو أنّ الأحداث بدأت تُحاكي فيلم أليس الان… سأتحدّث مع كانغل حول هذا فهي تعرف القصة أفضل منّا على ما أظن ماذا عنكما؟»
ضحك جاكس بخفةٍ و هو يمرر أصابعه على رأيه معاملا أذنيه كشعر قائلا: «أما أنا فسأُبلغ الأميرة رقي والملك كينغر بما جرى للتو… وماذا عنكِ ، عزيزتي؟»
تبادلت بومني نظراتٍ حائرة بينهما قبل أن تهمس بتردّد:«أظنّ أنني… سأبحث عن ذلك السيف الذي ظهر قبل قليل»
قبل أن تبدأ بومني كلماتها التالية ، بدأت أخطاءٌ برمجية غريبة و شرارات من سوادٍ و كلمات برمجية غريبة متقطّع تلتف حولها
حدّقت في يديها المرتجفتين و الهلع يتصاعد في صدرها مع كلّ ومضةٍ من ذاك التشوّه الذي يتولد حولها
رفعت بصرها نحو جاكس وزوبل ، وكانت عيناها تعكس صدمة قد شلّت كليهما
استعاد زوبل صوابه خطا خطوة سريعة إليها ، مدّ يده نحوها ك… لكن ما إن لامست أطراف أصابعه كتفها اختفى جسدها فجأة
اختفت بومني ….كما لو أن النظام اللعبة ذاته قام بحذفها من الوجود
«ما الــ…؟!» لم يُكمل زوبل عبارته ، إذ تجمد مكانه وهو يرى ملامح جاكس تتبدل تدريجيًا
تلك النظرة لم تكن واحدة من تعابيره المعتادة الساخرة أو مزعجة
صوت جاكس خرج خافتًا لا يمكن أن يسمعه الا نفسه«يستحيل ذلك … »
ثم خيّم الصمت مريبة في قاعة مياه النافورة مازالت تتدفق في الخارج و فراشات مازلت ترفرف أيضا
نظر إليه جاكس بعصبيةٍ مفاجِئة ، وملامحه تقلبت الي غضب برز في عروق وجهه و خوف برز في صوته قبل أن يصرخ بصوتٍ حادّ:«اذهب وأخبر البقية بما حدث الآن! وأعلِم كين بالأمر فورًا! سأتحقق بنفسي إن كانت لا تزال هنا ! »
لم يُتح لزوبل أن يرد أو يستوضح ، إذ كان جاكس قد اندفع بالفعل و هو يركض نحو الممر الطويل بخطواتٍ سريعة تُحدث صدى قويًا في أرجاء القصر
ظلّ زوبل واقفًا في مكانه، يراقب الباب الذي اختفى خلفه جاكس و عيناه تمر بلحظة تشوش
✦••┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈••✦
فتحت بومني عينيها لتجد نفسها في فراغٍ أبيض لا نهائي، واقفة في قلب العدم ذاته
لا جدران ، لا أرض حقيقية، فقط مساحةٍ بيضاء مفتوحة و واسعة تمتمد الي مالا نهاية
رفعت بصرها إلى الأعلى ، فشدّ انتباهها خيوط زرقاء لامعة تتشابك في فضاء المكان تمتد وتلتف حول مجموعات من الأوراق التي كانت تتحرك ببطء كما لو كانت تسبح في هواء
سقطت إحدى تلك الأوراق برفق أمامها، تمايلت في الهواء قبل أن تحطّ على يديها ، نظرت إليها لتبهر بها ؛ كانت صورة متحركة ، نابضة كأنها شريط ذكريات
رأت فيها نفسها في أول مغامرة خاضتها ، تلك مغامرة رحيث رمها جاكس الي باب مرعب ليلحق بها كينغر لإنقاذها آنذاك
تقدمت بومني الأمام في هذا مكانٍ غريب و بدأت تتجول ببطء وهي تتابع مشاهد لمغامراتها السابقة في السيرك الرقمي ، ورأت مغامرات لم تكن قد شهدتها من قبل
توقفت فجأة عند ورقة تطفو أمامها ، تعرض مغامرة لم تكن حاضرة فيها ، على الورقة، ظهر ضفدع أخضر قصير يقف بجانب جاكس ، الذي كان يحمل في يده حشرة ، وكأنه يتهيأ لرميها نحو رقاثا
للمرة الأولى، سمعت بومني صوتًا ينبعث من الورقة نفسها ؛ كان صوت جاكس عفويًا و مرحًا مختلفًا تمامًا عن صوته المعتاد ، وهو ينادي باسم لم تسمعه من قبل في هذا العالم: «ريبت…!»
✦••┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈••✦
التقط جاكس أنفاسه بعد جولة الركض المجهدة التي خاضها لخمسة عشر دقيقة سابقة ، شعور الفراغ ينهش عقله ؛ بومني اختفت
لم يكن الاختفاء كما اعتاد رؤيته في مغامرات كين ، بل بدا وكأنه خلل برمجي… ماذا لو تم حذف بومني بالكامل؟
التفت جاكس نحو الحديقة التي كانت مزعجة في عينه المرة السابقة، حيث التقى بالإصدار الزهري المزعج منه في سابق
إيجاد بومني هناك أصبح الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يوقف شعور الضياع الذي احتل قلبه بالكامل الان
توقفت أقدام جاكس بلا حراك في لحظة تالية ، عيناه سقطت على مشهد ضفدع أخضر قصير يقف بثبات لا يرى منه إلا ظهره
جعل هذا مشهد قلبه يتوقف لوهلة قبل أن يتحول دقه إلى قرع متسارع لا يتوقف و عرق بارد ينساب على ظهره بينما يفقد توازنه و تعابيره تتبدد
القناع الذي بنى عليه شخصيته طوال فترة وجوده في السيرك انهار ؛ كل تلك الصورة النمطية التي أوهم نفسه بمحاكاتها تبددت في لحظة
لمسة باردة مرت على كتفه جعلته يقشعر كين كان يطفو بجواره مرددًا بمرح:«لقد عملت بجد من أجل هذا!… أظن أن هناك فرصة لإصلاح زملاء السابقين في السيرك !»
لفّ الضفدع الأخضر نفسه ، و تقابلت عيناه مع عيني جاكس ، كانت الابتسامة على وجهه خاطئة تمامًا…. لقد كانت طبيعية و حقيقية …. هذا شيء غير طبيعي
همس جاكس بخفوت متراجعًا خطوة إلى الخلف: «مستحيل… هذا لا يمكن أن يكون حقيقيًا…»
انخفضت أذناه، وانزل كلتا يديه إلى جانبيه.
عين الضفدع أصبحت سوداء ، و تقطر منها سائل أسود على أرضية الحديقة ، الكلمات التي خرجت من حلقه كانت متقطعة وغير مفهومة بحد ذاتها ، مجرد أصوات مزعجة تحمل إحساسًا بالخلل البرمجي لا غير
تنهد كين قال بخيبة امل اثر أن جهد شاق الذي لم يفلح هذه مرة أيضا : «أوه… يبدو أن هذه المحاولة أيضًا قد فشلت…آسف جاكس … ظننت أن الأمر سينجح هذه المرة… لكن لا تقلق انا لا استسلم ابدا ! »
فرقع كين بأصابعه ليظهر ثقب أسفل الشيء الذي صنعه مهما كان مما قد صنعه ، ليسقط مباشرة في تلك الفوهة
صاح كين : «هاه… أوه إلهي! لقد وصلت رسالة مهمة جدًا!» نظرت عيناه إلى ساعته للحظة ، ثم اختفى هو أيضًا تاركًا خلفه أثرًا متناثرًا من قصاصات الورق
✦••┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈••✦
توقفت بومني عن الركض أخيرًا و هي تلهث من شدة التعب، كان من حسن حظها أنها وجدت باب أتاح لها الخروج من تلك مساحة بيضاء الغريبة والعودة إلى رواق القصر
لم تمضِ لحظات حتى لمحّت ظهر جاكس أمامها بعد أن ركضت الي حديقة لامحة لذلك ظهره فقط ، واقفًا بطريقة غير معتاد منه ، لم يكن يقف باستقامة معتادة بل بدى كما لو أنه يقبض على صدره و هو ينحني ببطئ
«جاكس!» صرخت بومني من بعيد ، وهي تلوح له بيدها
جثا جاكس فجأة على ركبتيه و هو يشد على معدته بإحكام ، و اقشعر جسده قبل أن يتقيأ شيئًا يشبه الحبر و هو يسعل
فورًا اندفعت بومني نحوه ، قلبها ينهشها بالقلق، ووقف جسدها عاجزًا أمام المشهد الذي لم تراه من قبل
كان وجه جاكس شاحبا و عيونه محمرة و ملأها الألم ، ابتسامته اختفت كليًا ، وأذناه متدليتان الي خلف ، كل حيويته قد تلاشت في لحظة
ترددت بومني للحظة ، لم تعرف ما يجب أن تفعله رفعت يدها لتربت على ظهره ، تهمست بكلمات مهدئة و هي ترتجف من شدة الخوف
لكن بدا أن كلماتها لا تجد صدى في جسده الملتوي من الألم، بينما يسعل و يحاول قبض يده على التراب في محاولة يائسة للتمسك بأي شيء
المغامرة التي كانت تبدو أعظم مغامرات كين انتهت في تلك اللحظة
(يتبع)
✦••┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈••✦
اخير انهيت فصل !
مع اعتراف صريح مني كان من مفترض أن تأخذ مغامرة بومني في بلاد عجائب مسار مختلف تماما عن هذا ، كان مفترض الغوص في شخصية بومني أكثر الا اني قررت تغير مسار قطار في لحظة أخيرة
لو تعلمون كم مشهد تم حذفه من هذه مغامرة و كيف تم تغير هذه مغامرة تماما من أجل مغامرات القادمة
اشكر فعلا كل متابعين الذين قضوا وقتا في قراءة رواية و مشاركتي بالتعليقات و تصويت الذي حرفيا كان دائما دافعا لي للكتابة اكثر و اكثر
سوف استمر بتحديث ر
واية و ترويج لها في منصات
اشكر فعلا رفيقة دربي و واحدة من اعز صديقاتي ناريمان لكونها من اقترحت هذه مغامرة ، فهذه مغامرة لم تكن مغامرة من مغامرات التي كتبتها في رواية
و مرة أخرى اشكر كل من صوت و علق و حتى شاركوني في رسومات للقصة انا فعلا ممتنة لكن
دمت في حفظ الله و الي لقاء للفصل قادم
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 5 - بومني في بلاد العجائب (3) منذ 9 ساعات
- 4 - بومني في بلاد عجائب ( 2 ) 2025-10-09
- 3 - بومني في بلاد العجائب 2025-10-09
- 2 - معجزات السيرك الرقمي 2025-10-09
- 1 - الحمى الرقمية 2025-10-09
التعليقات لهذا الفصل " 5"