8
الفصل الثامن.
تعرضت قلعة أوتكيركين للهجوم.
تردد صدى أصوات الأسلحة المعدنية، والصيحات، والصرخات الناتجة عنها في أرجاء القلعة.
‘الهجوم لم يبدأ من مكان واحد…….’.
بمجرد استماعها للأصوات الفوضوية التي تتردد هنا وهناك، استطاعت إيزابيل أن تدرك إلى حد ما الوضع في المعركة.
كان هجومًا متزامنًا ومنسقًا باستخدام عدد كبير من الجنود.
الدفاع خارج القلعة قد فشل بالفعل. لا تعرف كم بقي من القوات داخل القلعة، لكن في هذه الحالة…… ربما قد يكون من الصعب صدهم.
بينما كانت تفكر في ذلك، تأكدت إيزابيل من حالتها الآن، لم يكن هناك شيء بحوزتها سوى زي الراهبة الذي ترتديه، ولم يكن معها أي شيء.
‘أضعف شخص في هذه القلعة سأكون أنا على الأرجح.’
في تلك اللحظة، سمعت صراخًا عاجلًا من الخلف.
“اختي الراهبة! ها أنتِ هنا!”.
استدارت لترى يوليا تركض نحوها وهي تلهث. حتى عندما طلبت منها ألا تنادينها “راهبة” بعد الآن، لكن يوليا لم تصغِ إليها وما زالت تناديها بذلك اللقب.
“إن الوضع خطر! الغزاة يقتلون الحراس……!”.
”اهدئي وركزي، يوليا.”
“همم.”
“خذي نفسًا عميقًا واستجمعي قواكِ. لا يمكنكِ استخدام طاقتكِ الآن.”
استمعت يوليا لنصيحة إيزابيل وأومأت برأسها، ثم تحركت خلف العمود باتباع إشارة يدها.
بعد أن استعادت يوليا بعض هدوئها، قالت.
“يجب أن نهرب بسرعة. سأرشدك إلى الإسطبل.”
“لا. الإسطبل سيكون أول ما يسيطر عليه الغزاة.”
إذا كانت هناك خيول، فيمكن لأي شخص هرب أن يطلب تعزيزات، أو أن يطاردهم إذا هربوا أثناء الهجوم، لذلك، ضرب الإسطبل أولًا لتعطيل القدرة على التحرك كان من أساسيات شن أي هجوم.
شحب وجه يوليا مما دل على خوفها. احتضنت إيزابيل كتفها لتطمئنها وقالت.
“دعينا نجد مكانًا يمكننا الخروج منه بهدوء. هل هناك مكان يخطر على ذهنك ؟”
“إذا…… هناك طريق من المخزن المتصل بالمطبخ يؤدي للخارج.”
“يبدو جيدًا.”
كان المطبخ على أطراف القلعة، لذا كان من غير المرجح أن يفتشه المهاجمون.
بعد اتخاذ هذا القرار، شقّ الاثنان طريقهما بحذر عبر الممرّ الصاخب. كان الجانب الغربي من القلعة عادةً خاليًا نسبيًا، مما يسمح بالحركة بتخفي.
“لا أحد هنا؟”
في تلك اللحظة التي شعرت فيها يوليا ببعض الاسترخاء، سمعت ايزابيل صدى أصوات من الزاوية.
غطّت إيزابيل فم جوليا بسرعة وسحبتها إلى الخلف.
سمعت أصوات رجلين.
“مهلاً، ماذا تفعل هنا!”
“ماذا أفعل؟ كنت اللاحق الأمير.”
“ألم تسمع صافرة الإشارة؟ سمعتُ أنهم وجدوا الأمير في قاعة الاستقبال.”
“أوه… هل كان الأمر كذلك؟”
بدا أن المحادثة ستنتهي بشكل غامض.
ولكن فجأةً، سُمعت شهقة.
“أنت… فجأة… ماذا حل بك…؟”
“أيها الوغد، من يظن أن شخصًا مثلك يمكنه مقاومة الطمع ليستمتع بالسرقة بهدوء؟”.
“لم أفعل شيئًا….”
“كعادة مشرديّ الشوارع، لا يستطيع التخلي عن عاداته.”
صدر الحكم القاسي.
“لا مكان لطفيلي مثلك في مشروعنا العظيم.”
تبعه صوت انهيار شيء ثقيل صوت خطوات تتلاشى في الأفق.
بعد انتظار قصير، نظرت إيزابيل حول الزاوية فرأت رجلًا ساقطًا ميتًا على الأرض.
‘صافرة الإشارة… مشروع عظيم…’.
الكلمات التي انطلقت في الحوار لم تكن كلمات يستخف بها الهواة.
لكن بالنظر إلى عدم التنظيم الكامل، يبدو أن هؤلاء ليسوا نخبة، بل جنود تم تدريبهم مؤقتًا للتدريب والقتال.
اقتربت إيزابيل قليلًا لتتفقد الجثة، لكنها لم تجد أي عبارة أو رمز موشومٍ على الجثة يمكنه من خلاله معرفة انتمائه لأي جماعة.
بينما كانت تُقيّم الموقف، نظرت جوليا حولها بتوتر خلفها.
“اختي الراهبة….. توقفي عما تفعلينه ولنبدأ بالركض!…”.
نظرت إيزابيل إلى نهاية الرواق حيث تتواصل الصرخات بالصدور بلا توقف.
بعد أن أخذت بعين الاعتبار مستوى وهول الهجوم، وعدد المهاجمين، وسبب قرار ليونيل بالبقاء في غرفة الاستقبال، توصلت بسرعة إلى استنتاج واضح.
لقد أدرك أن احتمال موته اليوم كبير جدا.
” الراهبة؟”.
“إذا سلكتِ هذا الممر، فستصلين إلى المطبخ، أليس كذلك؟ يوليا، اذهبي أولًا.”
“ماذا؟و ماذا عنكِ يا أختي؟”.
”سأذهب للتحقق من غرفة الاستقبال.”
إذا كان اليوم هو اليوم الذي قد يموت فيه أمير الإمبراطورية، فكانت هذه فرصة على طبق من ذهب للهروب. في خضم الفوضى، لن يتمكن أحد من العثور على راهبة واحدة هاربة.
لو هربت إلى دير، آخذةً معها الجميع ولاذت بالفرار هاربةً إلى مكانٍ بعيد، لربما عاشت بسلامٍ لعقود.
لكن بالنسبة لإيزابيل، سيكون هذا السلام سلامًا زائفًا، لا تملؤه إلا الندوب والندم.
‘إذا كان هناك رفيق في طريق الجحيم، فلن أشعر بالوحدة، وسيكون هذا جيدًا.’
مجرد تخيل ما ستتحدث عنه معه على بوابات الجحيم، كان يثير فيها شعورًا منحرفًا من النشوة.
ابتسمت إيزابيل بخفوت ورفعت رأسها. عند مواجهة تلك الابتسامة الغريبة، صُدمت يوليا بشدة وأمسكت بكتف إيزابيل وهزَّته.
“هل جننت فجأة؟! لماذا؟”.
”لا أعلم إذا كان يمكنني قول هذا… لكن… بما أن صاحب السمو الأمير جلبني إلى هنا ليؤذيني ويعذبني مبقيني بجانبه، شعرت أنني أريد أن أُرشد سموه حتى النهاية.”
“ماذا؟”
”لا بأس إن لم تفهمي يوليا، ستذهبين إلى الفردوس، اعتبري أن ما قلته لم يُسمع.”
لكن يوليا بدت كأنها ستبكي وأخذت تتلوى.
“أنا لست شخصًا طيبًا كهذا، سيدة الراهبة…”
” ما الذي تقولينه؟ انظري الى ما فعلته فقط لكي تجبريني على وضع ملعقة حساء في فمي….”.
“هذا لأنني كنت أعرف أنني إذا قلت أنِ سأجوع نفسي معك، فسوف تتوقفين عن الصيام في النهاية، فاستخدمت ذلك!”
كانت يوليا تحاول الدفاع عن نفسها، متمسكة بذراع إيزابيل، ومواصلة الكلام.
“وتعرفين لماذا توليتُ رعايتك؟ لأنك هادئة ولا تطلبين شيئًا، فكان ذلك مريحًا!”
قالت ذلك بتلك الطريقة، لكن يوليا اهتمت بإيزابيل من جميع النواحي، ماديًا ومعنويًا. لم تكن هناك حاجة لخادمة قصر لرعاية راهبة إلى هذا الحد.
كانت يوليا في جوهرها إنسانة طيبة. كانت معاييرها لفعل الخير عالية جدًا لدرجة أنها لم تدرك حتى أنها طيبة فوق المدى المعتاد.
حاولت إيزابيل مواساتها، لكنها قررت أن تتحدث أولاً عما هو أهم.
“إن كنتِ ترين أنكِ استغللتِني……………… لديّ طلب.”
“طلب…؟”
“هذه المرة، من فضلك……………… لا تتبعيني.”
لو أصرت يوليا على اللحاق بها حتى صالة الاستقبال، حتى لو كان ذلك يعني موتها، فستضطر إيزابيل لإعادة النظر فيما ستفعله.
لذا، استخدمت كلمات يوليا نفسها كضربة استباقية.
تجمّد وجه يوليا. فقالت لها إيزابيل بنبرة متوسلة.
“أنا لن أجد في ما تبقّى لي من العمر، موضعًا أنسب للموت فيه من الآن. لكن أنتِ، يوليا… لستِ مثلي، أليس كذلك؟”
“لماذا تكررين كلامًا هكذا، يا راهبة……”
“اذهبي، يا يوليا.”
حين إدراكها النبرة الحازمة التي ظهرت في نهاية كلامها، حتى مع ترددها، لم تجد يوليا مهربًا سوى التوجه الى المطبخ.
بينما كانت تلتفت وراءها بين الفينة والأخرى لم تشح إيزابيل بناظريها عنها حتى اختفت عنها في الأفق البعيد، ثم انحنت ببطء.
“وللاحتياط فقط.”
استخرجت إيزابيل خنجرًا من جثة الرجل الميت، وخبّأته في صدرها، ثم تابعت سيرها نحو مركز القلعة.
كلما اقتربت من صالة الاستقبال، تزايد عدد الجثث وكمية الدماء التي كانت تظهر أمامها شيئًا فشيئًا، كان من بينهم جثث لجنود العدو وحراس القلعة، لكن الأكثر عددًا هم جثث الخدم المعزولين عن وسائل الدفاع عن النفس.
”ها أنا ذا سأخطو ناحية الجحيم”.
وهي تتمتم بمرارة، لم تتوقف إيزابيل عن السير.
وبينما واصلت السير حتى أمام قاعة الاستقبال، استطاعت أن ترى مشهد المعركة عبر فجوة من الباب الذي امتلاء بالفجوات التي كادت تمزقه إلى أشلاء.
‘عدد فرسان الحرس سبعة فقط……………… والمهاجمون، أكثر من أربعين.’
كان فارقًا يائسًا للقتال أثناء حماية شخص ما، حتى الفرسان، الذين وقعوا في فخ الهجوم المفاجئ، كانوا يرتدون ملابس مدنية وليس دروعهم، مسلحين بالسيوف فقط.
أما المهاجمون، فربما اعتقدوا أن المعركة انتهت، فلم يندفعوا على الفور، بل كانوا يسخرون من ليونيل.
قال الرجل الذي بدا كقائدهم بترويّ.
“ليونيل أورتيغا. لقد حان الوقت لتدفع ثمنًا باهظًا.”
ليرد ليونيل ببرود.
“من أرسلكم؟ هل انتم مبعوثون من مملكة كاليا؟ أم من أختي؟”.
“من يدري؟ قد نكون من ليبرد أو بريتليا، ففكّر مليًا”.
“نعم، لديّ أعداء كُثر. يبدو أن عليّ تنظيم الأمور بشكل كليّ عن قريب”.
عندها، انفجرت مجموعة الغزاة ضاحكين.
“ألا تستطيع إدراك الوضع؟ هل تظن أنك ستنجو؟”.
رفع قائد الغزاة يده وأشار، فتقدم الرجال المتفرقون على كلا الجانبين ببطء.
والآن،كانت المعركة الأخيرة على وشك ان تبدأ. رغبت إيزابيل في مشاهدتها عن قرب قدر الإمكان، فتقدمت أكثر حتى اقتربت من باب قاعة الاستقبال.
لكن الاكتفاء بمشاهدة القتال من بعيد لم يكن أمرًا سهلاً كما تظن.
لاحظ فرسان الحرس إيزابيل الواقفة عند المدخل، قادت نظراتهم المهاجمين إليها أيضًا.
“ما هذا؟ راهبة؟”.
“لو نجوتِ حتى الآن، لهربتِ. لماذا زحفتِ إلى هنا؟ هل تريدين الموت؟”.
كشر الرجال عن أنيابهم، ظانين أنها ستفر هاربة من منظرهم الدموي. حدقت بهم إيزابيل بنظرة لا مبالية.
استدار أحدهم واقترب وهو يلوح بسيفه.
“هل تنوين الصلاة من أجل الأمير؟ هيا اذن يا راهبة. إلا إذا كنتِ ترغبين في الاستلقاء بجانب تلك الجثث، فاذهبي بلطف قبل أن نضطر لإزالتك بالقوة.”
“……….”.
“قلت غادري! أهلًا؟ هل أنتِ صماء؟”.
تقدم الرجل الذي كان يصرخ عليها، غاضبًا من نظرة إيزابيل الثابتة، نحوها.
” الحقيقة أني أجد صعوبة في قتلك الآن……… لكننا مشغولون جدًا. إن لم نقتلك، قد يقتلنا قائدنا هذا اليوم. لقد حذرناك كفاية، فلا تندمي بعد قليل، اتفقنا؟”
لم ينتظر حتى انتهاء كلامه، فرفع السيف ثم لوّح به دون تردّد.
بالنسبة لرجلٍ ذبحَ عشرات الأبرياء داخل هذه القلعة، لم يكن قتل راهبةٍ واحدة إضافة تُذكر.
كَانغ—!.
لكن إيزابيل، بخطوة خفيفة ولفة للقدم، تفادت الضربة بسهولة السيف الذي أخطأها وارتطم بزخرفة الباب مُحدِثًا صريرًا معدنيًّا.
طعن الرجل مرة أخرى على الفور دون توقف، فتفادتها أيضًا بمرونة،
المرتبك لم يكن الرجل وحده. حتى إيزابيل لم تفهم نفسها.
‘لماذا……اتفاداه؟’
لأنها تريد أن تعيش؟ أم لأنها تريد أن ترى ليونيل يموت قبل أن تموت؟ أم فقط لأنها لا تريد أن تُقتل على يد هذا الحثالة؟.
أسباب كثيرة خطرت، لكن ولا واحد منها كان الجواب الحقيقي.
ومع أنها تفادت عدة هجمات متتالية بسهولة غير متعمدة، توقّف الرجل أخيرًا وسحب سيفه مجددًا إلى وضع قتالي كامل، ثم سأل.
“تلقيتِ تدريبًا بالمبارزة…..… أنتِ تابعة لنظام فرسان الهيكل؟”.
منظمة فرسان الهيكل، اللذين يعتبر فن مبارزتهم اصل جميع فنون المبارزة المتبقية.
ويعتبرون أشخاصًا ذي مهارات استثنائية.
هزّت إيزابيل رأسها نفيًا. فتجهم الرجل وهمّ يريد طرح سؤال آخر.
لكن عندها في تلك اللحظة.
” ايزابيل! امسكي السيف!”.
صرخ ليونيل بذلك ودوى صوته في أرجاء قاعة الاستقبال التفتت نحوه مذعورة فقابلتها نظرته التي تشتعل بحرارة الحماس الذي لم تعهده منه.
” امسكي بالسيف وموتي!”.
لم تستطع إيزابيل ان تفهم لماذا بدت كلمة “موتي” وكأنها أمر بالنجاة والحياة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 8"