5
الفصل الخامس
قالت الخادمة يوليا مهدِّئةً إيزابيل
“لا تقلقي كثيرًا، يا أختي. طالما أنه البرج الشرقي وليس الغربي، فالأمر ما زال على ما يرام.”
“ما زال؟”
“نعم. اعتبري ذلك علامة على أن سموّ الأمير ما زال يضع فيك بعض الأمل.”
اليوم خاب ظنه فخفض تقييمه لكِ.
لكن يبدو أنه لم يصل بعد إلى حدّ اتخاذ قرار بالتخلص منك.
تنهدت إيزابيل بخفة، لا تدري إن كان عليها أن تفرح أم تقلق،لكن يوليا قالت مشجعة لها.
“لذلك، ابذلي جهدك غدًا.”
“جهدي…………… في ماذا؟”
“أليست تلك أمورًا يفترض أن تعرفيها بنفسكِ، أيتها الأخت؟”
كانت محقّة، لكن إيزابيل ما زالت تشعر بصداع كلّما فكّرت في ليونيل.
وبينما عبرتا ممرات القصر وصعدتا السلالم طويلة، وصَلتا أخيرًا إلى مكانٍ رث لا يُقارَن بالغرفة التي كانت فيها مسبقًا.
ومع ذلك، رأت إيزابيل أنّ هذا أفضل من أن تُرمى في زنزانة سجن ما في هذه القلعة، فشعرت بالرضا.
“ سأُحضِر أغراضكِ وأغطيتكِ أيضًا. أنا سعيدة لأن من حسن حظي استمراري بتولي خدمتكِ حتى صباح الغد”.
“……….شكرًا لكِ.”
“لا داعي للشكر. أراكِ غدً صباحًا، استريحي الآن.”
غادرت يوليا، وأخذت إيزابيل تتفقد الغرفة ثم جلست أرضًا عند أسفل السرير.
والآن فقط بدأت تشعر وكأنها بدأت تفهم شيئًا.
بلأمس، اعترف ليونيل بأنه خسر مرتين أمامها.
ولهذا حصلت إيزابيل على غرفةٍ جيدة كـجزية للفوز.
لكن اليوم، لم يتزعزع فقط دورها كواعظة،
بل حتى كراهبةٍ أيضًا.
قد يُعتبر هذا نهجًا شفافًا، لكن معاملة شخص ما بشكل مختلف تمامًا في يوم واحد لم يكن سوى شكل من أشكال الترهيب، مُصمم للتلاعب.
“هكذا إذًا، هذه هي معاملتك…….”
تمتمت إيزابيل بذلك ونظرت إلى السقف. تأملت الحديث الذي دار بينها وبين ليونيل في ذهنها.
كان الغيظ يأكلها لأنها لم تستطع حتى الردّ عليه كما ينبغي.
لكن لا جدوى من الندم المتأخر.
بقدر ما حاولت إيزابيل أن تفهم شخصًا يُدعى ليونيل، كان ليونيل أيضًا يخترقها ببصيرته. وكانت رؤيته أبلغ قليلاً منها فقط.
“ يجب علي فعلها غدًا، مرة أخرى؟………”.
كانت مستعدة للموت بالفعل.
لم تشعر إيزابيل بالاحباط أو تستسلم، بل غمرها شعورٌ بالرغبة في الانتقام وردّ الاعتبار.
لم تتخيل يومًا أن تُستغل هكذا بهذه الطريقة، لكن بعد أن عاشت ذلك لمرة، أصبحت لديها فكرة تقريبية عن ماهية الأمر.
على الأقل ليست حالة تُجلد فيها من طرف واحد بلا مخرج، لذا سيكون بمقدورها أن تجد طريقًا للخروج بطريقة ما.
“………همم.”
أغمضت إيزابيل عينيها مستذكرةً شعره الأسود الفاحم.
كان ليونيل رجلًا تليق به هيبة النُبل والأمراء، مهيبًا وحادًّا. لم يتردد في كشف مواضع ضُعف الناس والتَمَسّك بها بلا رحمة.
ومع ذلك، كان يَمنح من يُثير إهتمامه فُرصًا مُتعدِدة، وكونه لم يسحق إيزابيل بسلطته التي بحوزته بعد، بل عاملها باحترام، كان دليلًا على ذلك.
فكرت إيزابيل بكل الاحتمالات التي ينبغي ان يقودها إليها اهتمامه هذا.
‘إلقاء الموعظة ليس سوى جزء من الذي يخطط لحدوثه’.
صحيح أن ما طلبه ليونيل منها مباشرة هو الوعظ، لكن لم يكن من الضروري عليها أن تقتصر على هذه الإشكالية.
وضعت إيزابيل الكتاب المقدس الذي كانت تمسكه بجوار السرير. على ما يبدو، من المستبعد أن تحتاج لقراءته.
***
في صباح اليوم التالي، استُدعَت إيزابيل إلى غرفة الاستقبال مجددًا.
وكما حدث بالأمس، صَرَف ليونيل الجميع ووضع ريشته في المِحْبَرة جانبًا.
“هل واجهتِ أي إزعاج؟”
“لم أواجه شيئًا.”
كانت ترتجف قليلًا من البرد، لكنها لم ترغب في إظهار ذلك، فأجابت بهدوء.
ثم سألها ليونيل بنبرة جافة متابعًا للحديث.
“تبدو ملامح وجهك أكثر استرخاءًا من الامس، هل أنتِ على أتم الاستعداد لإكمال إلقاء الموعظة؟ “.
“يا صاحب السمو، أود أن أطلب شيئًا بخصوص القاء الموعظة.”
تحدثت إيزابيل فجأةً.
لقد أمضت الليل بأكمله تفكر في كيفية توجيه العظة التي يريد سماعها، وانتهى بها المطاف بالتوصل إلى نتيجة واحدة، أن تباشر بهجومٍ مباغتٍ جريء.
“إن تفضل جلالتك بأداء الموعظة، فأنا سأكون على أتم الاستعداد للاستماع إليك.”
“ماذا قلتِ؟”.
عند سماعه اقتراحها الجريء، أن تغفر له هي خطاياه كالأمير، ارتسمت على وجه ليونيل للمرة الأولى ملامح دهشة مخلوطة ببعض الحيرة.
“هل تَمنح الديانة المَيْنَسِية الحق للراهبات أيضًا في
اداء طقوس أكثر قُدَاسة كهذه؟ “.
“لا. لكن هل هذا ما يهم الآن؟”
“همم.”
كونها ليست الا مجرد كاهنة ومع ذلك تقوم بفعل أمور أكثر قداسةٍ مما يَعُول عليه منصبها من تلقاء نفسها يُعد تجاوزاً للسلطة ويستحق عقابًا تأديبيًا صارمًا من الكنيسة، لكن إيزابيل لم تكترث لذلك، لأنها أدركت أن ليونيل ليس من النوع الذي يهتم بمثل هذه الشكليات.
“افعلي ما تشائين”.
كما هو متوقع، قبل ليونيل عرض إيزابيل.
يمكن القول إنه يتحلى بهدوء رجل ذي نفوذ، لكن يبدو أن فضوله قد أثاره.
سحبت إيزابيل الحجاب الذي كانت ترتديه على رأسها لتغطي به وجهها. فالآن أصبحت الغرفة بمثابة غرفة اعتراف، وكانت تريد أن لا ترى وجه الطرف الآخر ولا هو يراها.
تمكنت من السيطرة على زمام الأمور، والآن حان الوقت لنبدأ فعليًا.
“هل قمت بممارسة أي طقوس قُدْسِية مؤخرًا؟”
“همم،يبدو أنه قد مضى أكثر من خمس سنوات منذ أخر مرة قمت فيها بطقس مُقَدس.”
“إذا كانت هنالك ذنوب كتمتها وتتمسك برفضك للاعتراف عنها طوال هذه الفترة، فلتخبرني بها.”
“ذنوب..… مؤخرًا هددت راهبة واحدة وامرتها بأن تنتحر.”
كان ردًا جريئًا جدًا.
أذهلت الوقاحة وترهيبه إيزابيل، لكنها سألته بهدوء.
“لماذا فعلتَ ذلك؟”
“أنا أبحث عن السبب بنفسي. قد لا أجده أبدًا في نهاية المطاف.”
لم تُعِد إيزابيل تكرار السؤال، لأنها فهمت بوضوح أن هذا يعني أنها يجب ألا تنسى أنها ما زالت تحت مجهر الاختبار في هذه اللحظة.
في جوٍ خانق من التوتر، رفعت إيزابيل عينيها لتنظر ناحية ليونيل. لكن مظهره لم يكن واضحًا جيدًا بسبب الحجاب الأسود، لكنها شعرت أنه يحدق بها مباشرة.
تشابكت نظراتهما عبر الحجاب الذي حجب شيئًا من حدة نظراتهما.
من كسر الصمت الثقيل كان ليونيل.
“هل تُغفر الخطايا التي أِرتُكِبَت بلا سبب؟”
إيزابيل، التي لم تتوقع أن ينطق بكلمة “مغفرة”، أخفت ارتباكها عنه.
“أتمنى أن تجد سببًا.”
“سألتك إن كنتِ ستسامحيني.”
“………لا توجد خطيئة لا تُغفر.”
إيزابيل لم يكن لديها خيار من قول ذلك كراهبة.
لم يكن من المفترض أن ينتهي الأمر هكذا.
شعرت وكأن ليونيل يتلاعب بها.
عدّلت ايزابيل حجابها ومضت إلى التالي.
“أُفَضِّل أن تخبرني عن ذنب آخر.”
“قَتْل إنسان يستحق الموت ليس ذنبًا، أليس كذلك؟”
“علينا أن ندرس الأمر بعمق.”
“لو راجعنا كل واحدة منها، لأستغرق الأمر يومًا كاملًا لكل واحدة منها.”
“يمكنك فعل ذلك على مدار عدة أيام.”
كانت إيزابيل تنوي جديًا سماع اعترافات الأمير.
لكن ليونيل لم يكن صبورًا لهذه الدرجة.
“الذنوب الماضية كُفي بها في طيّ صفحات النسيان، فماذا عن الذنوب المستقبلية؟”
فجأة، تغيّر الجو.
إذ بينما كان الأمر حتى الآن مجرد مسايرة تجاه الراهبة المتعجرفة، فقد ارتفعت هذه المرة الطبيعة القاسية الحقيقية.
مرعب، كان كما لو أنه مُصمّم على ارتكاب الخطايا إلى أقصى حد يمكنه طوال حياته.
أمام هذا الحقد الواضح، مواجهة شر بهذه الصراحة والشفافية جعلت إيزابيل تلقائيًا تشبك يديها ببعضهما. الذكريات الماضية اجتاحت جسدها من أطراف أصابعها إلى كامل جسدها.
وفي خضم ألمها سألته إيزابيل.
“وما الذنوب التي سترتكبها؟”
“أي شيء.”
“………………هل ستقتل الراهبة التي تحتجزها كأسيرة؟”
وعلى الرغم من أنها علمت أن طرح هذا السؤال في مثل تلك اللحظة سيقلِّل احتمال نجاتها إلى الحضيض، الا انها لم تستطع إيزابيل إلا أن تسأل.
وأجاب ليونيل بصوت بارد كنصل السيف
“نعم، سأقتلها. سأقتل الراهبة، سأقتل الدوق، سأقتل أختي. سأقتلكم جميعًا. سأقضي على كل شيء يظهر أمام عيناي”
كان ليونيل وهو يردّ عليها كمن يردّد عزمًا مرعبًا لذاته،بدى شخصًا مختلفًا تمامًا عَمّن طلب المغفرة قبل قليل.
كان هناك شيءٌ ما يدفع ليونيل لقول ذلك.لكن لم تستطع إيزابيل تحديده.
في اللحظة التي شعرت بها الى الحاجة الى رفع حجابها عن وجهها راغبةً في رؤية وجهه، تحدث ليونيل أخيرًا.
“إيزابيل.”
“………………نعم، سموك.”
“اليوم، أنتِ فزتِ. عودي.”
النصر أو الهزيمة ليسا بالشيء المهم جدًا الان. إيزابيل كانت تريد الآن مواصلة جلسة الاعتراف بينهما لتعرف عنه أكثر.
لكن الآن لم يكن وقتًا جيدًا للكلام أكثر. شعرت إيزابيل أنها إن أمسكت به، سيدوسها بلا رحمة، فتراجعت خطوة إلى الوراء.
دخلت الخادمة يوليا بعدما دُعيت، وأمر ليونيل بنقل ايزابيل الى المسكن الأول مرة أخرى.
وعند خروجها من صالة الاستقبال ونزعها للحجاب عن رأسها ، قالت لها يوليا.
“لقد فعلتِها. تهانينا لك، أيتها الأخت.”
“………………هل يحق لي أن أتلقى التهاني؟”
“بالطبع. إذا اعترف سموّه بذلك، فإلقاء التهاني واجبة. مثل هذه الحالات نادرة جدًا.”
تحدثت يوليا بمرح وهي تقود إيزابيل إلى غرفة الضيوف التي أقامت فيها في اليوم الأول.
“هل تودين تناول شيئ معين للغداء؟ سموّه سيوافق على ذلك، وسأحضر لكِ ما تريدين.”
“لا بأس، يكفيني الخبز.”
“كم أنتِ متواضعة.”
ابتسمت يوليا ببهجة وأغلقت الباب خلفها.
‘هذا صعب…………….’
ربما بسبب توترها الشديد، شعرت إيزابيل بأن كل توترها قد تلاشى حين أصبحت وحدها، واسترخى جسدها بالكامل.
مع ذلك، لم تستلقِ إيزابيل على السرير، بل جلست على الكرسي وهي تعبث بطرف حجابها.
تذكرت صوت ليونيل، الذي كان يبث الرعب في الارجاء حتى عبر الحجاب الذي فصل بين رؤيتهما لبعضهما، وهو يهدد بالقتل.
لقد قال بوضوح إنه سيقتل إيزابيل. لم يكن يمزح. لقد أمرها بالانتحار من قبل. لقد تركها على قيد الحياة لمجرد نزوة.
ولكن بدلًا من الشعور بالخوف أو الغضب، شعرت إيزابيل برغبة في مواساته.
‘انا أيضًا لست بكامل قواي العقلية………’.
دائمًا ما كانت إيزابيل تدرك أن عقلها ليس سليمًا بالكامل.
لكنها اليوم، وجدت نفسها تُفكّر بجدية أكثر من أي وقت مضى في ذاتها.
***
قايز سويت حساب بالانستا فلذلك اذا اي أحد منكم عنده كلام او استفسار أو شيء يتواصل معي عن طريقه لاني للأسف ماعندي وقت كافي عشان اشيك على تعليقات كل فصل لوحده ما بشوف غير التعليقات الي بصفحة العمل الخاصة بواجهته أو الرسائل الي بتصلني على الحساب [ bambi.707i]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"