4
استيقظت إيزابيل، التي كانت نائمة كأنها على وشك الإغماء، بعد أن طرقت الخادمة الباب لتبلغها بالجدول الزمني وانزاحت عن سريرها وقتها.
“لقد أذن لي جلالته برؤيتكِ قبل اجتماع الصباح. عليكِ الاستعداد الآن.”
“………………حسنًا.”
“لا وقت لدينا، سنحضر لكِ ماء الغسل فورًا.”
ما أن أنهت الخادمة كلامها، دخلت خادمات أخريات من الخارج يحملن الماء المغلي و حوضًا كبيرًا لتستحم فيه.
كانت هذه المعاملة أكثر توقعًا لسيدة نبيلة، لا لراهبة. ولم يكن ليصبح ذلك ممكنًا إلا بفضل مكانتها الحالية كواعظة للأمير.
لكن في هذا الاستدعاء المفاجئ، بدا واضحًا أنه يحمل نية للضغط عليها.
لم تكن تعرف ما هي خطته الحقيقية، وأي محاولة للتفكير بمفردها لن تؤدي بها للوصول للحل.
فغسلت إيزابيل وجهها بالماء الدافئ.
وعندما رفعت رأسها، مدّت الخادمة منشفة إليها وقالت.
“سأمشّط شعرك.”
إلى جانبها، كان هناك مشط فاخر وزيوت عطرية مُعدة.
عرفت إيزابيل نظرة الخادمة تجاهها. كانت شبيهة بالنظرات التي كانت تراها في أيامها الخوالي كابنة نبيلة، من الأشخاص المتلهفين لتزيين الفتاة بأي طريقة.
لو تركت الأمر لها، ربما كانت ستقوم بتجديل شعرها أو ربطه، لكن إيزابيل رفضت بلطف.
“أنا راهبة، لا أحتاج لمثل هذا. وسأرتدي حجابًا عليه على أية حال.”
“لكنك جئتِ الى هنا كواعظة ولست راهبة، فلتقبلي مساعدتي رجاءً حفاظًا على هيبة صاحب السمو.”
في حيرة من امرها، لم تجد إيزابيل خيارًا سوى تسليم شعرها للخادمة.
تدفقت أسنان المشط بسلاسة في شعرها، وعقب ذلك فاح منه عبير عطري لطيف.
بعد لحظة صمت، ابتسمت الخادمة وهي لاتزال تمشط شعرها.
“لا أعلم إن كان من المناسب أن أقول هذا لراهبة… لكنِ اشعر بالاسف”
“ماذا تقصدين بشعورك بالندم علي؟”
“كونك تملكين جمالًا فتاكًا يكاد يكون سلاحًا، ولا يمكنك الانتفاع به لكونكِ راهبة… هل هذه مشيئة الالهة لقَدَرك؟”
إيزابيل، التي كانت قادرة على التعامل مع الأسلحة الحقيقية المصنوعة من الحديد والفولاذ، شعرت بألم في قلبها عند سماع تلك الكلمات لكنها لم تُظهر ذلك.
بعد أن أنهت ترتيب شعرها وارتدت ثوبًا نظيفًا للراهبات، حملت إيزابيل الكتب المقدسة وتبعت الخادمة.
بعد المشي في الرواق لمسافة طويلة، وصلت إلى غرفة الاستقبال. لم يكن المكان قاعة ضخمة ومرعبة كما في قاعات العرش، بل تم استدعاؤها إلى غرفة الاستقبال قصدًا لإجراء حديث فعلي.
‘ما الموضوع الذي يريد سماعه مني حقًا؟’
رغم أنها جاءت كواعظة، لم تكن لدى إيزابيل أي خطة في الواقع.
في اليوم السابق، كانت مستعدة للموت، إيزابيل لم تكن قد قامت بإلقاء موعظة من الأصل على أحد من قبل، بل كانت قد قرأت بعض النصوص الدينية فقط للآخرين.
منح راهبة فرصة أو صلاحية لإلقاء موعظة كان أمرًا نادرًا جدًا، لذا لم يكن قلقها مستغربًا.
بل إن الموقف الأكثر غرابة كان أن يكون أول من تُلقي له الموعظة هو الأمير.
وفي هذا الوضع، لم يكن بإمكان إيزابيل الاعتماد إلا على الكتب المقدسة.
“جلالتك، هل تسمح للأخت إيزابيل بالدخول؟”.
“ادخلي.”
دخلت قاعة الاستقبال، وهي تحمل الكتاب المقدس بإحكام، حيث رأت طاولة طويلة في المنتصف. كان ليونيل جالسًا في نهايتها في الطرف المقابل.
“ليغادر الجميع، ما عدا الراهبة.”
غادر الأشخاص القليلون الواقفون بالجوار.
غادروا الغرفة دون أن يطرحوا أي سؤال أو يبادروا ابداء اية اعتراض .
عندما جلست إيزابيل، بدأ هو يكتب شيئًا على الأوراق ثم سألها بطريقة رسمية.
“هل شعرتِ بأي انزعاج؟”
“لا، شكرًا على اهتمامك.”
عندما أعربت عن امتنانها بصراحة، وضع ليونيل القلم في المحبرة ورفع رأسه ناحيتها.
“حسنًا إذًا، أعتقد أن هناك العديد من الإزعاجات الأخرى غير إزعاج الليلة الماضية. أرجو أن تخبريني بصراحة.”
بدأت تشعر بالعجز منذ السؤال الأول.
كانت هناك الكثير من الأمور التي أرادت أن تذكرها، لكنها لم تعرف من أين تبدأ أو إلى أي حد يمكنها الكلام.
بعد لحظة من التردد، شعرت إيزابيل بثقل الكتاب المقدس في يدها وفتحت فمها بحذر.
“هل سموك حقًا يريد تلقي العظة مني؟”
“نعم.”
“إذاً، هل يمكنني البدء الآن؟”
“أَأْذِن لك.”
أخذت إيزابيل نفسًا عميقًا صغيرًا وفتحت الكتاب المقدس بهدوء.
ما خطر في ذهنها بشكل مرتجل كان مقطعًا عن القديس الشهيد مارتيريس.
“في قديم الزمن، كان هنالك فترة حل فيها جفاف طويل الامد في أرض إيريميس، وتصاعد استياء الناس وجزعهم. حين اذن قام مارتير…”
“توقفي”.
عندما رفعت إيزابيل رأسها، رأت ليونيل، وفي عينيه مزيج من اللامبالاة والانزعاج.
“هل تعتقدين حقًا أنني سأضيع وقتي الثمين في الاستماع إلى الكتب المقدسة؟”
“صاحب الجلالة، ان سموك..………….”
“الآن، توقفي عن التظاهر بأنكِ راهبة عادية و وَعِظي. حياتك الآن تحت قيد الرهان بالكامل.”
لقد امتلأ وجه ليونيل، الذي كان دائمًا يحمل ملامحًا متململة وجازعة، لأول مرة بحماسة.
شعرت إيزابيل بقشعريرة خوف.
‘هذا الرجل جاد في ما يقوله.’
استنتجت فورًا أن ما يفعله ليس مجرد مزاح لإزعاجها فقط، فشعرت بحيرة شديدة.
لم تستطع إيزابيل أن تفهم ما الذي يريده ليونيل منها بالضبط.
“سموّك، أنا مجرد راهبة عادية…………….”.
“هل كنت راهبة منذ ولادتك؟”.
“ليس كذلك.”
“إذن كانت لكِ حياتك الخاصة قبل أن تصبحي راهبة، وأصبحت حياتك مستنيرة بعد أدائك لنذور الرهبنة، لو أخبرتني بالجزء الذي اكتسبته مِن مَن الالهة على ذاتك خلال هذه الرحلة، الن تكون بمثابة إلقاء الموعظة لي؟”.
حتى الآن، لم يكن أحدٌ مهتم حقًا بحياة إيزابيل. كانت هناك قاعدةً غير مُعلنة بين الراهبات ألا تسأل احداهن الأخرى عن أصولها أو ظروفها.
لكن ليونيل كان شخصًا يستطيع تجاهل مثل هذه الظروف بسهولة، وكان يتمتع بإرادةٍ وحماس غريبين بشكل قوي.
إيزابيل التي لم تقابل شخصًا مثله الا الان لأول مرة اشاحت بنظرها بعيدًا عن ناظريه في حيرة وخجل، فميل ليونيل برأسه بشكل مائل مما يمكنه من سماع كلماتها.
“متى أصبحتِ راهبة؟”
“………………منذ ثلاث سنوات.”
“وقبل ذلك لا بد أنكِ كنتِ نبيلة.”
“نعم.”
“من أي عائلة؟”
“………..”.
ليونيل كان قد استنبط إلى حد ما عن ماضي إيزابيل وهويتها السابقة من حيث النسب.
عندما شعرت إيزابيل بشيء من التهديد الغريب،ارتعشت وأغلقت فمها، هزّ ليونيل رأسه.
“تبدين ذكية، لكنك ما تزالين لا تتصرفين بحكمة. إن سكوتك ضانة إنك ستحمين عائلتك، سيدفعني إلى استخدام أشخاص وتوظيفهم للتحرّي عن الأمر.”
أمام هذا التهديد الغير مباشر، لم يكن لدى إيزابيل خيار سوى أن تفتح فمها.
“من عائلة بارونية فيين.”
“فيين، هاه………………. همم، لا أعرفهم إطلاقًا.”
كان ذلك طبيعيًا، فكيف لأمير إمبراطورية أليبان أن يعرف عائلة بارونية متواضعة من مملكة كاليا؟
“حسنًا. إذًا، كيف كان الأمر بعد أن أصبحتِ راهبة؟ هل كان أفضل من أيامك كنبيلة؟”
حسنًا. كان سؤال ليونيل متسرعًا ووقحًا.
كان واضحًا أنه يفعل ذلك عن قصد، لذا فإن الانجرار وراءه سيكون خسارة. حاولت إيزابيل أن تبقى هادئة وبدأت بالتحدث.
“هناك عدد لا يحصى من أمثالي ممن ينحدرون من أصول نبيلة وسلكوا درب الرهبنة والكهانة. الأمر ليس بمسألة خير أو شر.”
“الكثير؟ وأين هم؟ ليس هنالك احد أمامي الآن سوى راهبة واحدة فقط قد خاطرت بحياتها بسبب تهرب ضريبي لدير. ما”
“…إذا كنت تتحدث على الصعيد المادي، فبطبيعة الحال كان الوضع صعبًا بسبب الفقر. لكنك بالأصل تعيش لتكرس حياتك لخدمة الآلهة هكذا هي حياة العبادة.”
“يبدو عليكِ الفخر بذلك.”
“هذا صحيح.”
ما زالت إيزابيل تجهل ما الذي يريده ليونيل بالضبط.
لكنها شعرت أنها قادرة على الصمود طالما حافظت على موقفها كراهبة بطريقة ما،واستمرت في الحديث بهدوء.
غير أن ليونيل لم يسمح لها حتى بتلك اللحظة القصيرة من الارتياح.
“إذًا، هل أصبحتِ خادمةً للآلهة بمحض إرادتك؟”
كان السؤال الحاد كطعنةٍ تخترق القلب.
وبينما تجمدت إيزابيل غير قادرةٍ حتى على التنفس، واصل ليونيل كلامه.
“أم أنكِ أصبحتِ خادمةً للآلهة مُكرهَة، لا باختيارك، بل بسبب شخصٍ آخر؟”
كانت إيزابيل قد تلقت تعليمًا كراهبة مثل بقية الراهبات، واعتادت أن تنادي نفسها بخادمة الآلهة كما لو كان ذلك أمرًا مفروغًا منه.
لكنها رفعت رأسها من جديد مع تنوير ليونيل لها كالصحوة.
الكلمات التي ظلت تتجاهلها داخل قلبها طوال الوقت.
ضغطت إيزابيل على يديها المرتجفتين، بينما كانت نظرات ليونيل، التي بدت وكأنها تخترق الأرواح، تحدق فيها مباشرة.
“إن كان هذا الطريق الذي رغبتِ فيه، فأود أن أسمع ما التنوير الذي نلتِه منه. أما إن لم يكن كذلك… فهناك سؤال آخر أود طرحه.”
“………….”
“هل تكنين الضغينة في قلبك تجاه الآلهة؟ أم تجاه البشر؟”.
كان السؤال عنيفًا، ولكنه لطيف في الوقت نفسه. تقدّم ليونيل ليدير الحديث، ليحل محل إيزابيل التي ترددت في حيرة.
الآن جاءت الفرصة لإيزابيل.
كان عليها أن ترد بغطرسة على الأمير الذي سألها وهي راهبة إن كانت تكن ضغينة تجاه الآلهة، وتُثبت إيمانها من خلال الوعظ عن الغفران والرحمة.
“……… .”
لكن إيزابيل لم تستطع فتح فمها وبقيت صامتة
رآها ليونيل على تلك الحال فقال مكمّلًا.
” ليتكِ كنتِ تكرهين كليهِما”.
تلك الكلمات دفعت إيزابيل إلى أقصى حدودها، وعندما اعتقدت أنه لم يعد هناك مفر، استعادت وعيها.
كان ذلك بفضل طبيعتها التي تجعلها أكثر هدوءًا كلما ساء الموقف.
‘انه ليس ذو صاحب عقل سليم من الأصل ‘.
كان هذا الأمير مجنونًا بعض الشيء.بعد أن توصلت إلى ذلك الاستنتاج، أصبحت الكلمات التي كانت تخز قلبها أقل حدّة.
تماسكت إيزابيل وهي تشد قبضتها وقالت بنبرة باردة وحاسمة
”لقد مرت ثلاث سنوات منذ أن تحررت من كل ما يتعلّق بكلمات سموّك.ومعذرةً ومع كل احترامي، لكن من حطّم حياتي السلمية ليس سوى سموّك، يا مولاي.”
“هذا كلام صحيح على أية حال، وماذا في ذلك؟”
”………………ومع ذلك، لا أكنّ لسموّك أي ضغينة.
لذا أرجو ألا تُهينني. أتوسل إليك بصدق.”
ليرد ليونيل بابتسامة ساخرة وكأن الأمر يثير شفقتَه.
“لو كنتُ حقًا أنوي إهانتك،أتظنين أنني كنتُ سأجلس هكذا خلف طاولة وأحادثك بهدوء؟”
لو خطى خطوة واحدة إضافية، لربما تحوّلت تلك التصوّرات المروّعة التي راودت إيزابيل بالأمس في أحلامها وذهنها إلى حقيقة.
حين أطبقت شفتيها مجددًا، نظر إليها ليونيل بصمت، ثم نقر على الطاولة بخفة.
“كفى لهذا اليوم.كان الأمر مسليًا إلى حدٍّ ما،لكن يبدو أنك لم تتهيئي وتستعدي بعد.”
انتهت المحادثة بسرعة. بدا أنهما أخذا ظروف إيزابيل في الاعتبار، إذ كان يومهما الأول.
وبينما أطلقت تنهيدة وقد بدأ توترها يخفّ قليلًا،
استدعى ليونيل الخادمة التي كانت تنتظر في الخارج وأصدر أمره
“انتهى الحديث فيما بيننا. خذي الراهبة إلى غرفة الضيوف في البرج الشرقي.”
“مفهوم يا جلالة سموك. هل لي أن أعود إلى واجباتي الأخرى؟”
“سأصدر أوامري بذلك غدًا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"