3
الفصل الثالث
بعد أن تلقت إيزابيل أمراً بالاستعداد للمغادرة فوراً، عادت إلى غرفتها دون أن تنطق بكلمة، تبعتها الراهبات وبدأن يسألنها بقلق
“ما الذي حدث بالضبط؟”
ابتسمت إيزابيل قدر ما استطاعت وأجابت بابتسامة مشرقة
“افرحن جميعاً، فلن يضطر دير شاردونيه لدفع الضرائب للإمبراطورية في الوقت الحالي.”
تفاجأت الراهبات بشدة، كان ذلك إنجازاً يصعب تصديقه.
وليس ذلك فحسب، بل وعد أيضاً بتقديم الحماية والدعم…” لذا ستصبح حياتنا أسهل بكثير من ذي قبل. وبما أن هذا وعد من سمو الأمير نفسه، فأنا أعتقد أنه سيفي به جيداً”.
“انتظري، هذا ليس بالمهم الآن! إيزابيل، إلى أين تنوين الذهاب؟”
” سأذهب مع سمو الأمير. فقد وعدته أن ألقي عليه مواعظي
عوضا عن سداد الضرائب”.
كانت كلماتها صادقة تمامًا ، لكن الأخت هيلين أمسكت بذراعها وهي تبكي. كانت أقرب الراهبات إلى إيزابيل في الدير.
“لا تكذبي! قبل قليل أخذتِ الخنجر… ووضعتهِ على… على عنقك! ذلك الأمير المجنون، ماذا طلب منك بالضبط؟!”
“…..”
ابتسمت إيزابيل بمرارة وقالت بهدوء.
“لا تقلقي يا هيلين، الأمير قال لي بنفسه… إنه خسر أمامي مرتين.”
“ماذا؟”
“سأعود بعد أن أحقق فوزًا آخر، فهمتِ؟”
هيلين التي كانت تعرف مدى تفرّد إيزابيل الاستثنائي، لم تستطع إلا أن تهز رأسها بذهول.
بعد أن هدأت إيزابيل الراهبات، بدأت تجمع أمتعتها. الأشياء التي كان عليها أن تأخذها لم تتعدَّ الكتاب المقدس وزيّ الراهبات.
‘إلى أي مدى يمكنني الصمود؟’
قالت إنها ستفوز، لكنها لم تكن واثقة من نفسها على الإطلاق.
فارق المكانة بينهما لا يحتاج إلى توضيح، كما أن ليونيل لم يَكُن يُكِن أي مشاعر طيبة تجاهها.
كان من الواضح أنه يريد إبقاءها إلى جانبه فقط ليدوس عليها متى شاء.
أما إيزابيل، التي كانت تريد فقط حماية الدير، فلم يكن أمامها خيار آخر ولا ما يكفي من القوة للمقاومة.
جهّزت إيزابيل أمتعتها البسيطة وخرجت من الدير، فوجدت الفرسان وليونيل قد أنتهوا بالفعل من استعداداتهم للمغادرة.
“اصعدي.”
أشار لايونيل بيده نحو الحصان، كان هو نفسه الحصان الخاص بمارتن مما جعله ملكًا لها بعد موته..
وحين تأكد من أن إيزابيل قد اعتلت الحصان بخفة، امر مباشرة
“لنتوجه عائدين الى المعسكر.”
تحرك الفرسان فورًا في المقدمة، ولم يُكلّف أحد منهم نفسه عناء التأكد مما إذا كانت إيزابيل تتبعهم من الخلف، وكأنهم على يقين من أنها لن تحاول الهرب على أي حال.
ابتسمت إيزابيل بسخرية خافتة. لم تكن تتخيل يومًا أنها ستفهم شعور الماشية التي تسير بخطاها نحو المسلخ.
بعد نحو ساعتين من المسير، ظهر أمامهم معسكر حربي ضخم. ركض الجنود من ناحيته لملاقاة الأمير وحاشيته.
ترجل ليونيل عن حصانه ووجه التعليمات للجنود الذين اقتربوا منه
“سأعقد اجتماعًا. سنناقش ما رأيناه أثناء جولتنا في هذه المنطقة، لذا اجمعوا جميع المستشارين.”
“حاضر، سمو الأمير.”
“واخلوا ثكنة صغيرة لتستريح الراهبة هناك. من المرجح أن يستمر الاجتماع حوالي ثلاث ساعات.”
كانت الكلمات الأخيرة موجهة لإيزابيل، لكن ليونيل لم يلقِ عليها أي نظرة أبدًا.
بعد أن أنهى نطق أوامره، قاد الجنود بعيدًا معه إلى جهة مجهولة.
اقترب منها أحد الجنود وقال.
“أيتها الاخت، تعالي من هنا.”
أومأت إيزابيل برأسها وتبِعته.
وصلت إلى مكان كان عبارة عن ثكنة كبيرة إلى حد ما.
“يمكنك أن تستريحي هنا. هل ترغبين أن أحضر لك الطعام إذا كنت بحاجة إليه؟”
“لا، شكرًا، لا بأس.”
“حسنًا، والجو بارد، لذا سأحضر لك عدة بطانيات إضافية. آه، ستكون نظيفة ومغسولة حديثَا، فلا داعي للقلق، هاها.”
ابتسمت إيزابيل ابتسامة خفيفة للجندي الذي بدى ودودًا.
“……… شكرا لك”.
توقف الجندي للحظة، ثم أومأ برأسه وغادر خارج الثكنة.
مما ترك إيزابيل لوحدها، فأنحنت لتعدل مقدمة ردائها.
‘ لم أتصور يومًا أنني سأقابل جيش الإمبراطورية الاليبانية بهذه الطريقة’.
لو لم تكن يداي عاطلتين عن العمل، ربما كنت قد انظممت الى صفوف هذه الحرب لصنع مجدي. ربما كان لقائي مع ليونيل سيكون في ساحة المعركة، لا في فناء الدير.
“لقد أصبحت لا فارسة ولا راهبة، بل مجرد لعبة…………….”
ليونيل طلب منها أن تلقي المواعظ كالكهنة، لكن كان واضحًا أن وراء إلقاء الموعظة ستأتي موجة من الانتقام.
مدت إيزابيل أصابعها وحدقت بها للحظة وقالت لنفسها.
“هل ستقطع هنا اصابع اكثر؟”
الموت نفسه لا يخيفها، لكن ما يثير خوفها هو الألم والإذلال الذي قد تتعرض له في الطريق.
كان من الصعب أن تتوقع الرحمة من الأمير الذي أمر راهبة بالانتحار.
أرادت الصمود قدر الإمكان، لكن إذا جاءت ظروف قاسية، لم تكن واثقة من قدرتها على التحمل.
“يجب أن أتحمل…………….”
إذا بقيت مستيقظة، تتسلل إليها دائمًا أفظع الخيالات.
استلقت إيزابيل على جانبها، متقوِّسة، وأغمضت عينيها. بعد سهرها طوال الليل، اجتاحتها التعب بسرعة.
لم يكن وجودها في قلب معسكر العدو مهمًا جدًا.
حتى لو كان هناك شخص جريء بما يكفي للمساس بالراهبة التي أحضرها الأمير، فإن عدد الأرواح التي ستلوم إيزابيل وتذهب إلى الحياة الآخرة سيزداد من اثنين إلى ثلاثة.
مقتنعةً بأن الأمر ليس بذلك السوء، غطت إيزابيل في نوم عميق
***
استيقظت إيزابيل، وشعرت بدفء غريب. فتحت عينيها والتفتت،، رأت بطانيتين تغطيان جسدها.
حينها فقط تذكرت إيزابيل الجندي وهو يعرض عليها بطانية قبل أن تغفو، فشعرت بوخزة خجل.
“حتى لو كنت مشوشة وفي حيرة من امرك……………….”
“ماذا تقصد؟”
“…..؟!”
ارتفعت فجأة وأدارت رأسها، فرأت لايونيل هناك مستندًا على ذقنه بيده وينظر إليها.
سارعت إيزابيل لتجمع البطانيات حول جسدها
“م، م……………… ما الأمر؟”
“لقد مرّت ثلاث ساعات.”
“ماذا؟”
“قلتُ لكِ إني سأمنحكِ حوالي ثلاث ساعات لتنالي قسطًا من الراحة. ألم تفهمي؟ ظننتُ أنكِ ستفهمين كل هذا.”
كانت إيزابيل لا تزال شبه نائمة، ولم تستطع حتى اختلاق الأعذار، فتجنبت نظرة ليونيل واعتذرت.
“أنا آسفة لأن مظهري كان أشعثًا.”
“لا، لا بأس. كان الأمر مسليًا للغاية.”
رفعت إيزابيل رأسها في حيرة، فسخر ليونيل.
“كيف لا يكون من الممتع رؤيتكِ نائمة بسلام أمام الرجل الذي أمرك بالانتحار قبل ساعات؟”
“…….”
“تبدين عنيدة جدًا… أتمنى أن تكوني على قدر توقعاتي.”
ترك ليونيل وراءه تعليقًا لم يكن واضحًا ما إذا كان تهديدًا أم استفزازًا، وغادر الثكنة.
تركت إيزابيل خلفها، ومررت يدها في شعرها وتنهدت.
ها…
حاولت أن تفكر بإيجابية في الموقف. بدلًا من اليأس والبكاء، كان من الأفضل أن تُظهر لها أنها نائمة، وكأنّها ستتركها تفعل ما تشاء.
ربما بفضل النوم، هدأ حزنها، وبدلًا من ذلك، تسلل إليها شعور بالغضب.
‘هل كنت على قدر التوقعات؟’
هل تطلب مني أن أصبر واتحملك مدة اطول، فقط لتستمتع؟
وبينما كانت تفكر بكلمات لايونيل بوضوح أكثر، جاء أحد الجنود حاملاً الخبز والحليب.
“نظرًا لأنه قبل موعد الوجبة الرسمية، فكل ما أستطيع تقديمه لك هو هذا، أرجو تفهمك.”
“هذا يكفي تمامًا، شكرًا لك.”
“بعد أن تنهي وجبتك، حضّري نفسك للمغادرة وتوجهي للخارج.”
“التحضير للمغادرة؟”
“هذا أمر من صاحب السمو ليونيل.”
إلى أين سنذهب هذه المرة؟
أومأت إيزابيل برأسها بلا اعتراض. رغم عدم شهيتها، أكلت قطعة خبز على الأقل.
كان عليها أن تحافظ على قوتها لتتمكن من فعل أي شيء.
الانضباط الذي اكتسبته من حياتها في الدير ساعدها على التحرك بثبات.
“يا إلهي، احفظني من أن أفقد ذاتي……………….”
بعد الانتهاء من اداء صلواتها وتناول الطعام، خرجت إيزابيل من الخيمة.
لم يكن العثور على لايونيل أمرًا صعبًا.
رفعت رأسها ونظرت حولها قليلًا، فرأت على الفور شعار النسر الأسود
كانت رؤية راهبة تمر وسط الجيش أمرًا غريبًا، لكن لم يعترض أحد طريقها.
“هل وصلتِ؟”
“نعم، سموِّك.”
“اصعدي على الحصان. سنتجه مباشرةً إلى القلعة.”
لم تعرف إلى أي قلعة يتجهون، لكنها لم تسأل وامتطت الحصان.
مع زيادة عدد الفرسان والخدم المرافقين للأمير، غادر الوفد العسكري متجهًا شرقًا.
لم تكن الرحلة شاقة جدًا. كانت السرعة سريعة، لكنهم توقفوا على الأقل كل ساعتين في الطريق للراحة، وخلال كل توقف كان الخدم يعتنون بإيزابيل.
بعد أن أخذوا ثلاث استراحات تقريبًا، ومع غروب الشمس خلفهم، ظهر في الأفق قلعة ضخمة تتلألأ باللون الأحمر تحت أشعة الغروب.
تأثرت إيزابيل قليلًا بحجمها وتصميمها.
‘كنت قد سمعت عن هيبة القلاع الإمبراطورية……………….’
وبفضل معرفتها بتكتيكات الحروب، أدركت أن هذه القلعة بُنيت بالكامل كحصن قتالي.
قلعة يصعب الدخول إليها والخروج منها.
“اتمنى ان لا تتلاشى الوان روحي………….”
قامت إيزابيل بالتمتمة بصوت منخفض، محاولةً طرد شعور الخوف الذي يكاد يقبض على قلبها.
وبينما كانوا في طريقهم إلى القلعة، غربت الشمس بالكامل واضطر الوفد لإشعال المشاعل.
عند وصولهم إلى القلعة، خرج الناس منها وتحركوا ناحيتهم بنشاط.
“هل حدث أي شيء غير معتاد أثناء غيابي؟”
تلقى ليونيل التقرير وهو ما يزال يمتطي حصانه، وأصدر الأوامر على الفور. كان تعامله الدقيق مع الموقف مثيرًا للإعجاب حقًا.
بعد ذلك، حرص ليونيل على توجيه التعليمات بشأن إيزابيل.
“أعدوا لها غرفة. فهي معلمتي، واعتنوا بها جيدًا.”
“م-معلمتكم، سموِّك؟”
تفاجأ الرجل الذي كان يدون الأوامر التي يتلقاها من تلقي الأمر وسأل بدهشة، لكن ليونيل أومأ برأسه بلا مبالاة.
“نعم. من تكون إذاً، إن لم تكن واعظتي هي معلمتي؟”
بعد أن حدّد لايونيل موقع إيزابيل ببساطة، دخل القلعة، وتبعته إيزابيل المرتبكةً وهي تتبع الخادم نحو غرفتها. كانت الغرفة فاخرة، مزوَّدة بسرير وطاولة أنيقة.
‘لماذا اعترف بي حقًا كواعظة؟’
كانت تتوقع أن يُعاملها كشيء يُلعب به ثم يُقتل فور وصولهم، لكنها لم تتوقع هذا النوع من المعاملة.
رغم أنها حاولت البقاء في حالة تأهب، إلا أن الاستلقاء على السرير جعل كل الأفكار تختفي.
وكأنها تهرب من الواقع، غطت إيزابيل في نوم عميق.
***
تبدد أملها في أن تتمكن ولو من التواصل قليلًا في اليوم التالي.
“هل تظنين أنني سأضيع وقتي الثمين لأستمع إلى ما لقن في كتب دينية ؟”
“لكن جلالتك……”
“كفى تظاهرًا بأنك راهبة عادية، وابدئي بموعظك الخفية. حياتك كلها على المحك هنا من الرهان”
لقد بدأت المحنة للتو.
إيزابيل لم تكن تعرف ماذا يجب أن تفعل لتُرضي هذا الأمير المجنون لإرضائه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"