وضعت الوعاء أمامها، فخفضت رأسها وشمّته مرات قليلة، ثم فتحت فمها الصغير وبدأت تتناول طعامها. نظرت ماديسون إلى مؤخرة رأسها الوقورة والأنيقة، وقالت بصوت لطيف:
“لقد جاءت طيور كثيرة خلال الأيام الماضية، ومع ذلك لم تحاولي صيد أيًّا منها. أحسنتِ، يا ذكية.”
“مياااوو.”
“حسنًا، حسنًا، كُلي أولًا.”
آه، ما أروعها!
مدّت ماديسون يدها لتربّت على رأس القطة المستدير، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة. فقد كانت قطتها لا تحب أن تُلمس أثناء تناول طعامها.
“آسفة، لابد أنّكِ كنتِ منزعجة خلال الأيام الماضية.”
تشب تشب تشب.
“لكن أعتقد أنه سيتوقف عن إطعام الطيور من الآن فصاعدًا. كان يفعل ذلك بسبب الملل فقط. لا تقلق، طلبت مزيدًا من الكتب حتى لا يمل. ذلك الإنسان يقضي يومه كله في القراءة على أي حال.”
وبينما كانت ماديسون تثرثر، تابعت القطة طعامها بصمتٍ تام. وما إن فرغ الوعاء حتى قامت هي وجمعت الإناء الفارغ.
كان تصرفها في وضع الطبق عند الباب ثم رفعه يبدو مألوفًا عليها، كما لو كانت قد فعلت ذلك مرارًا. في تلك الأثناء، انتقلت القطة إلى الأريكة وبدأت بلعق نفسها بهدوء، وكل شيء بينهما بدا متناسقًا ومعتادًا.
جلست ماديسون بجوارها، وبدأت بترتيب الصحف والنشرات المختلفة. أنهت القطة تنظيف نفسها، وجلست تلفّ ذيلها حول قدميها، ثم فتحت فمها الصغير ونظرت نحوها.
“مياو.”
“انتظري قليلًا، دعيني أنتهي من هذا.”
“مياااوو!”
“آسفة، لن أطيل أبدًا.”
“مياووو!”
وبعد أن رفضت ثلاث مرات، صرخت القطة غاضبة. رفعت كفّها وضربت يدها، لكن مخالبها كانت مخفية، لذا لم تشعر بشيء.
لم تفتح فمها مجددًا إلا عندما وضعت ماديسون الصحيفة التي أنهتها جانبًا وأمسكت بأخرى.
[مادي!]
خرج نداء طفوليٌّ بريء من مكان مجهول.
“…هاه؟”
تأخّرت ماديسون لحظة في الاستجابة لصوت يناديها. التفتت، فالتقت نظراتها مباشرة بعيني القطة الزرقاوتين الرماديتين.
ميااو.
[مادي، أنا لا أحب ذلك الإنسان.]
“لماذا؟”
[غريب.]
“ما الغريب فيه؟”
[يحب الطيور.]
ضحكت ماديسون بصوت خافت عند إجابتها الجافة، ومدّت يدها لتدلّكها تحت ذقنها، فأصدرت صوت خريرٍ راضٍ.
قالت ماديسون مهدئةً لها:
“تحملي سنة واحدة فقط. بعد عامٍ سيرحل من هنا.”
[لكن يا مادي، سنة واحدة طويلة بالنسبة لقط.]
“صحيح… آسفة.”
وبينما كانت تستمتع بمداعبتها وقد أرخت أذنيها، تمدّدت القطة فجأة ونهضت، وقفزت برشاقة إلى الطاولة.
[ثم إن هناك شيئًا مريبًا!]
“ما هو؟”
[ذلك الإنسان يطعم الطيور حتى في الليل!]
لكن ماديسون اكتفت بالضحك.
“وأنا أيضًا أطعمك في الليل.”
[هذا مختلف!]
كان تمديد نهايات كلماتها لطيفًا جدًا.
راحت القطة تضرب الطاولة بذيلها انزعاجًا، لأنها لم تجد من يأخذ حديثها بجدية، لكن ماديسون رأت في ذلك المشهد مزيدًا من الجمال.
ضربت بمخالبها الحادة الصحيفة التي كانت في يدها فتمزقت إلى أشلاء تناثرت على الأرض والأريكة والطاولة. نظرت ماديسون بدهشة إلى القصاصات المتطايرة وقالت:
“فيري! هذا تصرّف سيّئ!”
[اللوم ليس عليّ! أنتِ لم تنظري إليّ!]
قالت وهي ترفع ذيلها عاليًا بعناد.
[أنا جئت بالمعلومات التي طلبتِها، لكنك تجاهلتِني!]
تجمدت ماديسون.
“حسنًا، آسفة. آسفة حقًا.”
كانت قد نسيت أصلاً أنها كلفتها بمهمة، لانشغالها بالصحف. لكنها لم تقل ذلك، بل تركت قصاصات الورق جانبًا وعدّلت جلستها.
“أنا جاهزة للاستماع الآن، تفضلي.”
رفعت القطة رأسها تتظاهر بالأنفة، رغم سرورها بأن نالت اهتمامها. لَفَّت ذيلها حول قدميها، مستعدة للتقرير.
وانطلق صوتها المتأنّق تقول:
[أولًا، لا يوجد أي سجلٍّ يُثبت أن شخصًا باسم سيد، وهو من العامة، قد أُصدر له بطاقة هوية.]
“لا بأس، تأكدت من ذلك عندما ذهبنا معًا إلى البلدية واستخرج واحدة جديدة.”
لوّحت ماديسون بيدها.
“تجاوزي هذه النقطة.”
تابعت فيري:
[ليس لذلك الشخص سجلّ جرائم أيضًا.]
“جيد، وماذا بعد؟”
[يُقال إنه رأى إعلانك وهو يقلب صحيفة صفراء على المقعد تحت برج الساعة المركزي، ثم جاء إلى هنا مباشرة. وقبلها بقليل، تناول في الحانة شطيرة لحم بالجبن مع قهوة.]
“ثم؟”
[أقام ثلاثة أيام في نُزل ضوء القمر بأحد الأزقّة القريبة من المركز. ويُرجّح أنه وصل بالعربة… لكن ليس مؤكدًا.]
“ليس مؤكدًا؟”
[يقولون إن الأثر انقطع. يبدو أن السبب العربة. يُحتمل أنه جاء بالعربة من منطقة أخرى مباشرة إلى العاصمة.]
“هل أنتِ واثقة؟ من الصعب أن تختفي الرائحة تمامًا هكذا.”
اعترضت ماديسون بشك، فاحتجّت فيري بصوتٍ حاد:
[المعلومة من زينتا! إنها دقيقة!]
“حسنًا، حسنًا، فهمت، آسفة.”
[أنتِ دائمًا قاسية!]
رفعت أذنيها إلى الخلف وشدّت ذيلها. كان واضحًا أنها غاضبة جدًا.
[لو كنتِ اخترتِ من البداية شخصًا لا يحب الطيور، لانتهى الأمر!]
التعليقات لهذا الفصل " 5"