1
في غرفة استقبال صغيرة ولكن ذات طابع قديم وفخم، كان التوتر يعمّ المكان.
أما صاحبة الغرفة، ماديسون روزبوند، فقد أعادت طرح السؤال الذي كرّرته أكثر من عشرين مرة على الشخص الجالس أمامها.
“هل تحب الأطفال، صدفةً؟”
“لا. لا أحبّهم كثيرًا.”
جيد. ابتسمت ماديسون ابتسامة انتصار في داخلها.
الرجل الجالس أمامها كان قد اجتاز لتوّه الأسئلة الخمسة الصارمة التي طرحَتها عليه.
والآن، إن تجاوز السؤال الأخير، فسيكون مؤهلاً رسميًا ليصبح زوج ماديسون.
ابتلعت ريقها ببطء، ثم أخرجت آخر سؤال من فمها.
“برأيك، ما واجبات الزوجين تجاه بعضهما البعض؟”
***
هااااااه…
تردّد صوت تنهيدة امرأة في أرجاء الغرفة.
“لقد فشلت.”
رمت ماديسون الورقة التي كانت تمسك بها، واستلقت على الأريكة بإهمال، والخيبة تملأ وجهها.
فالرجل الذي خرج منذ لحظات كان آخر المتقدمين للمقابلة.
ومن بين جميع من سبقوه، كان ذلك الرجل الأقرب إلى معاييرها.
لا عائلة، لا أصدقاء، لا ماضٍ خفي، ولا يحب الأطفال.
لكن للأسف، عندما طرحَت عليه السؤال الأخير حول واجبات الزوجين، أجاب قائلًا:
― واجبات الزوجين؟ أن يعتنيا ببعضهما البعض، ويحبا بعضهما حتى الشيخوخة، ويتجاوزا الصعاب سويًا مهما حدث…
― مرفوض!
ذلك لم يكن الجواب الذي أرادته ماديسون.
ما أرادته كان إجابة أكثر تحرّرًا من الأخلاق… شخصًا أقرب إلى اللامبالي الفاسد.
في تلك اللحظة، طُرق باب الغرفة، وأطلت الخادمة بيتي برأسها بحذر.
“آنستي، لقد وصل أحد المتقدمين للمقابلة.”
“متقدّم؟ لكن لم يعد هناك أحد مسجَّل اليوم.”
نهضت ماديسون من مكانها.
وقبل أن تنطق بكلمة، فُتح الباب، ووقف إلى جانب بيتي رجل يبدو أنه المتقدّم الجديد.
توجّه نظر ماديسون نحوه على الفور،
وفي اللحظة القصيرة التي تلاقت فيها أعينهما، فحصَته من رأسه حتى قدميه.
كان ذا شعرٍ بني ويرتدي نظارات.
من حيث المظهر، كان مطابقًا تمامًا لمعايير ماديسون — بل يكاد يكون مثاليًا.
رجل ذو شعرٍ بني ونظارات — ذلك تحديدًا كان الشرط الذي تبحث عنه.
مال قلب ماديسون فورًا لفكرة إجراء المقابلة معه.
‘لا بأس، سأعتبرها مغامرة. على أي حال، لن يأتي شخص آخر اليوم.’
غيّرت فكرتها عن طرده، وارتسمت على وجهها ابتسامة لطيفة مخصّصة للمناسبات الرسمية.
“أتيتَ للمقابلة؟ حسنًا، مرحبًا بك. أنا ماديسون روزبوند.”
نهضت ومدّت يدها نحوه، فمدّ الرجل يده طبيعيًا وصافحها.
“اسمي سيد.”
“ونسبك؟”
“ليس لدي.”
‘رجل بلا نسب. مقبول.’
بمجرد هذا التعريف المقتضب، اجتاز سيد أول اختبار.
“حسنًا، سأبدأ بالأسئلة.”
جمعت ماديسون الأوراق المبعثرة أمامها ورتّبتها.
كان عليها أولاً التحقق من بعض الأمور الشخصية البسيطة.
“سأطرح سؤالًا قد يكون خاصًا، لكن… ما وضعك العائلي؟”
“لا عائلة لي.”
“هل نشأت في ميتم؟ أم أنك قطعت صلتك بعائلتك؟”
‘علمًا أن أيًّا من الخيارين لم يكن الجواب الذي تتمناه ماديسون.’
لحسن الحظ، أجاب سيد إجابة آمنة.
“توفي والدَيّ حين كنت صغيرًا. ومنذ ذلك الحين، عشت بمفردي.”
“وماذا عن أقاربك؟”
“حسنًا، كلا والديّ كانا وحيدين، لذا أظن أنه لا أحد منهم على قيد الحياة الآن.”
“إذن لا أبناء أخ أو أبناء عم أيضًا؟”
“صحيح.”
لم يكن لدى سيد أيّ أقارب أو عائلة من أي نوع — وهذا أيضًا يناسب الشروط.
لكن معظم المتقدّمين السابقين أجابوا بسهولة على هذا السؤال كذلك.
فمن الطبيعي أن لا يتقدم للإعلان إلا أشخاص بهذه الصفات أصلاً.
المرحلة الحقيقية من المقابلة تبدأ من هنا.
كانت ماديسون تبحث عن رجل يطابق شروط محددة، وإن كان هذا الرجل أمامها يطابقها، فهي مستعدة لعقد الزواج فورًا.
فتحت فمها وسألت بنبرة تحمل بعض الغموض:
“هل لديك ماضٍ تخفيه؟”
“… ماذا تعنين؟”
“لا تقلق، أنا فقط أسأل للاطمئنان. لا يمكن أن يكون زوجي المستقبلي مجرمًا، أليس كذلك؟”
“آه، طبعًا.”
ابتسم سيد ابتسامة خفيفة وهو يجيب.
“ليس لديّ ماضٍ أخفيه. لا سجلّ جنائيّ أيضًا. والناس العاديون لا يعيشون أحداثًا كبرى ليخفوها أساسًا، أليس كذلك؟”
“كلامك صحيح.”
هزّت ماديسون رأسها برضا عن الإجابة المناسبة.
واستمر سيد في الإجابة بهدوء على بقية أسئلتها.
قال إنه لا يعمل، ولا يملك مكانًا يذهب إليه، ولا طموحًا محددًا — تمامًا كما أرادت ماديسون.
ثم طرحت آخر سؤال:
“برأيك، ما واجبات الزوجين؟”
“واجبات الزوجين؟ هممم…”
فكر قليلًا، ثم ابتسم وقال:
“أليس من واجبهم فقط ألّا يُنجب أحدهما طفلاً غير شرعي؟”
“هذا…!”
فتحت ماديسون فمها مندهشة، ثم وقفت فجأة من مقعدها دون وعي.
“مقبول!”
الرجل الذي أمامها كان هو الشريك المثالي الذي حلمت به.
“لقد نجحت في مقابلة الزوج!”
قالت ماديسون بفرح غامر، وأمسكت يد سيد بحماس.
“لنتزوج حالاً!”
“آه، هل نفعل ذلك الآن؟”
وهكذا، قدّمت ماديسون روزبوند أوراق زواجها مع رجل لم يمضِ على لقائهما أكثر من عشر دقائق.
كان ذلك حين كانت تبلغ من العمر 19 عامًا — أي قبل عامٍ من بلوغها سنّ الرشد.
***
لفهم ما حدث، علينا العودة إلى شهر مضى.
قبل شهر، فقدت ماديسون والدتها. لكنها لم تبكِ — فقد كانت مستعدة لذلك منذ زمن.
بعد أن فقدت والدها قبل بضع سنوات، ثم والدتها الآن، أصبحت ماديسون الوريثة الشرعية الوحيدة لعائلة روزبوند.
لو كانت ذكرًا، أو على الأقل بالغة، لكانت أصبحت البارونة روزبوند بسهولة، وإن كان عبر بعض الإجراءات المرهقة.
لكن للأسف، لم تكن كذلك.
فبصفتها قاصر وأنثى، لم يكن بإمكانها وراثة اللقب أو الثروة.
وإن تخلّت عن حقها في الوراثة، فسينتقل اللقب تلقائيًا إلى قريبٍ بعيد لم تلتقه قط — ولم يتبقَّ سوى عام واحد لتبلغ السنّ الذي يسمح لها بالوراثة.
ورغم أن اللقب ليس رفيعًا -مجرد بارونية-، فإن الثروة التي بنتها عائلة روزبوند كانت ضخمة — وهذا ما جعل الأمر أكثر تعقيدًا.
لم يكن بوسع ماديسون التخلي عن أيٍّ من ذلك، فهي الوريثة الشرعية أصلًا.
لكن لم يكن الأمر بلا حلول.
الطريقة الوحيدة أمام فتاةٍ قاصر مثل ماديسون لترث اللقب والثروة فورًا،
هي أن تحصل على زوج.
فبمجرد أن يتواجد رجل في العائلة، يمكنها وراثة اللقب قانونيًا وبشكلٍ تام.
وهكذا جاءت الفكرة…
“إذن، إعلان لتوظيف زوج، أليس كذلك؟”
“نعم، بالضبط.”
أومأت ماديسون برأسها ردًّا على كلام سيد.
فقد أنهى لتوّه مقابلة الزوج بنجاح.
― لقد نجحت في مقابلة الزوج!
― آه، هل نجحت حقًا؟ إنه لشرف كبير.
― فلنذهب الآن لتسجيل الزواج!
تبع سيد ماديسون بهدوء وهي تمسك بيده وتسحبه دون نقاش.
وفي العربة المتجهة إلى دار البلدية لتسجيل الزواج، شرحت له ماديسون بإيجاز خلفية إعلان توظيف الزوج.
رغم أن الوقت كان متأخرًا بعض الشيء لذلك التوضيح.
“كل ما عليك فعله هو أن تكون زوجي في الأوراق لمدة عام واحد فقط. وبعدها سننفصل. بحلول ذلك الوقت سأكون قد بلغت سنّ الرشد.”
“حقًا؟”
“نعم. وستُمنح عشرة ذهبيات أسبوعيًا كمصروف للوجاهة، إضافةً إلى 500 ألف قطعة ذهبية كمقدم عقد.
وإذا مرّ العام بسلام، ستحصل على 500 ألف أخرى كمكافأة طلاق.”
كانت ماديسون تشرح الشروط بجدية وهي تنظر إليه.
سيسكن كلٌّ منهما في غرفة منفصلة،
وله الحق في إقامة علاقة خارجية إن أراد،
لكن لا يُسمح له بإحضار عشيقته إلى قصر روزبوند، كما يُمنع من افتعال أي فضيحة أو ارتكاب جريمة، وإلا فسيُلغى العقد فورًا.
في المقابل، تتعهد ماديسون بأن توفر له المسكن والمأكل والراحة طوال العام.
ثم أضافت بابتسامة خفيفة متوترة…
“فكِّر في الأمر كأننا مجرد شريكين في السكن لمدة عام واحد. لكلٍّ منّا عمله الخاص، وإذا صادف أن التقينا، نُسلِّم على بعضنا فقط.”
“مفهوم.”
“وأيضًا، في حال احتاج أحدنا إلى أن يلعب دور الزوج أو الزوجة، يمكنه طلب ذلك من الآخر، وبعد الاتفاق المتبادل، يلبِّي الطرف الآخر الطلب.”
“سأتعاون قدر الإمكان.”
كان هذا أيضًا جوابًا يُرضيها.
“ماذا أيضًا… آه، هل لديك أمتعة ستحضرها معك؟”
“لا، ليس لديّ.”
لا أمتعة؟ ماذا كان يفعل من قبل حتى لا يملك شيئًا؟
وقبل أن تبدأ شكوك ماديسون بالتحرّك، أضاف سيد:
“لقد بعتُ كلّ ما أملكه في المنزل السابق وجئت. الحقيبة التي أحملها الآن هي كل شيء.”
عند سماع ذلك، تلاشى الشك من قلبها، وشرحت ماديسون بصوت أكثر لطفًا:
“إذًا ستحتاج إلى شراء الكثير من الأشياء. سأعرّفك لاحقًا على السيدة روسو، يمكنك أن تخبرها بما تحتاج إليه.”
على الأرجح، كان سيد قد جاء إلى العاصمة حديثًا بحثًا عن مكان يقيم فيه بعد أن رأى إعلان ماديسون. يبدو أنه لا يملك أقارب هنا. خطرت لماديسون فكرة متأخرة: لو كانت قد علمت بذلك أثناء المقابلة، لكانت منحتْه نقاطًا إضافية.
وبينما كانت تشرح له تفاصيل الحياة المقبلة، توقّفت العربة.
“آه، لقد وصلنا. يمكنك النزول الآن.”
ولأنها لم تتوقّع أن يقدّم لها سيد يده، نزلت ماديسون أولاً من العربة، ثم تبعها هو.
لم تكن إجراءات تسجيل الزواج معقّدة. كان كل ما على ماديسون روزبوند فعله هو إظهار بطاقة هويتها والتوقيع.
أما بالنسبة إلى سيد، بصفته من العامة، فالإجراءات كانت أكثر تعقيدًا.
نادراً ما يُقدِم العامة على تسجيل الزواج رسميًا. فهم نادرًا ما يحتاجون إلى بطاقة هوية في حياتهم، لذا كان معظمهم لا يملكها.
وبما أن سيد كان من هؤلاء، وجب أن تُصدر له بطاقة هوية أولاً بماديسون كضامنة له، ثم يملأ استمارة تسجيل الزواج.
ابتسمت ماديسون بخفّة وهي تراه يكتب اسمه في خانة الاسم: سيد روزبوند. وفكّرت في نفسها أنها اختارت الشخص المناسب فعلًا.
لكن لم يمرّ وقت طويل حتى تحطّم هذا الاعتقاد تمامًا.
بعد ثلاثة أسابيع بالضبط—
“اللعنة… يبدو أن الحظ السيّئ قد بلغ ذروته…”
“أتفق تمامًا.”
كان ماديسون وسيد يقفان جنبًا إلى جنب، ينظران إلى الدم الذي ينتشر على الأرض.
وفي اللحظة نفسها، خطرت في بالهما الفكرة ذاتها:
‘من أين بدأ الخطأ بالضبط…؟’
–
تابعو حسابي على الانستقرام @beecatchuu لمعرفة اخبار الروايات ومزيد من المحتوى 🩷
Chapters
Comments
- 1 - الفصل الأول منذ 9 ساعات
التعليقات لهذا الفصل " 1"