ما إن بزغ الفجر، حتى بدأ الأطباء بالتوجّه نحو خيمة سيّد دينكارت الصغير.
كانوا يسيرون بخطى واثقة، كما هو متوقّع ممن قدموا من العاصمة.
وكانت عيونهم تلمع بالحماسة. لقد أرادوا استغلال هذه الفرصة ليتم اختيارهم كأطباء خاصين لعائلة الدوق.
لكن أحد الأطباء الذين كانوا في المقدّمة كان يحمل تعبيرًا قاتمًا على وجهه.
لماذا لماذا لم يُصب بعد بنوبة؟
لقد تجوّل قرب خيمة السيّد الصغير عند الفجر، لكنه لم يرَ أي اضطراب.
لم يكن هناك سوى بعض الخدم الأكبر سنًا يحملون الأمتعة ويحاولون تنظيم الأغراض.
(هل من الممكن أن يكون أحدهم قد استبدل الأشياء داخل الخيمة؟ أم أن الأثر تأخّر في الظهور؟)
كيف سيُبلغ السيدة الآن؟
لكن بريقًا قاسيًا لمع في عينيه.
أو قد يكون هناك طريقة لاستخدام دواء أقوى عليه.
في تلك الأثناء، بدأ الطاقم الطبي بفحص السيّد الصغير الواحد تلو الآخر، وسرعان ما جاء دوره.
فحص الطبيب حالة إيدريك بدقة.
ولم يجد أي شيء مميز سوى أنه بدا أكثر تعبًا من المعتاد، وربما كان ذلك بسبب الفراش غير المريح.
لم تظهر عليه أي علامات للنوبة، أو طفح جلدي، أو تصرّف مزاجي حاد كما كان متوقّعًا.
لماذا يبدو أنه في حالة أفضل؟
فكّر الطبيب في حيرة، ثم سمع أحدهم يحاول كتم التثاؤب.
وعندما رفع بصره، رأى أنه كان الخادم الذي رآه مع السيّد الصغير البارحة.
عادةً لا يولي اهتمامًا بأحد سوى مريضه، لكن ذلك الوجه بقي في ذاكرته.
لأن ذلك الخادم كان دائمًا ملتصقًا بالسيّد الصغير.
وكان الأمر نفسه هذا الصباح.
ذلك الخادم كان ملازمًا له. ولم يُبدِ أيّ اكتراث حتى عندما رمقه السيّد الصغير بنظرة حادّة.
في تلك اللحظة، رمش الخادم مرتين، وبدّد النعاس عن عينيه، ثم نظر إليه.
“يا دكتور، هل هناك مشكلة في حالة السيّد الصغير؟”
كان الطبيب يفحص نبضه دون أن يتكلم، لذا من الطبيعي أن يكون الخادم قلقًا.
وكان على وشك إخباره بأن كل شيء على ما يرام، وأن الفحص انتهى. لكن الخادم قاطعه.
“أم أن السبب هو أنه لا توجد مشكلة في حالة السيّد الصغير؟”
“…”
ارتبك الطبيب ولم يجد ما يقوله.
لم تكن في صوت الخادم أي نبرة عدائية، لكن سؤاله أصابه في الصميم.
لا، هذا ليس جيدًا.
وضع الطبيب يد السيّد الصغير بلطف، وأظهر ابتسامة ودودة.
فالطرف الآخر ليس سوى خادم شاب، لا داعي للارتباك أمامه.
“لا، ليس الأمر كذلك. كنت أفحصه بدقة تحسّبًا لأي تعب في مواضع غير ظاهرة للعين.”
تلك النظرة الجادة والنبرة الهادئة عادةً ما تثير احترام المرضى وذويهم.
وفوق ذلك، هو طبيب بارع لديه سنوات من الخبرة في التعامل مع الناس بقدر مهارته الطبية.
حاول أن يتصرّف كعادته.
وكان يتوقّع أن الخادم سيتقبّل كلامه بسهولة. بل هو مجرد خادم بسيط في نهاية الأمر.
لكن الطبيب لم يصدق عينيه عندما رأى أن وجه الخادم لا يحمل أيّ من مظاهر الاحترام التي اعتاد عليها.
بل كان هناك في عينيه لمحة تهكّم، وكأنه كان يعرف الجواب مسبقًا.
لكن عندما رمش، اختفى ذلك التعبير، وظهرت على وجهه فقط ابتسامة مشرقة.
“أوه، نعم، يبدو كذلك.”
كل ذلك حدث في طرفة عين.
على مدار الأيام الماضية من الرحلة، قضى إيدريك دينكارت أيّامه ملتصقًا بروفيل.
ولو سُئل إن كانت الحال نفسها في القصر، لأجاب بالنفي التام.
في القصر، كان يستطيع على الأقل أن يختبئ تحت البطانية، أما هنا، فلم يكن ذلك ممكنًا.
وقد أدرك أثناء الرحلة أنه يُعاني من دوار العربات. لذا كان الاختباء تحت البطانية أمرًا مستحيلًا أيضًا.
لقد أصبح فريسة مكشوفة لذلك الخادم الباحث عن الفرص.
وروفيل لم يكن أبدًا من النوع الذي يفوّت الفرص.
“سيّدي الصغير، هل ترى ما خلف النافذة؟ إنها لا تمطر كما بالأمس.”
“…”
“سيّدي الصغير، سيّدي الصغير”
ومن يريد أن يكون سيّدك أصلًا؟
ربما استأجرته الدوقة فقط ليتسبّب بموته من الغيظ.
أخيرًا، أمره بغضب، “أغلق فمك.”، فصمت روفيل.
لكن عينيه ظلّتا تلمعان بذلك البريق الغريب، وكأن نجوماً تسكن فيهما وكان من المدهش ألا تسقط تلك العينان البنفسجيتان من وجهه بعد.
كان الأمر مزعجًا للغاية.
وعندما طلب منه إغماض عينيه فقط، أومأ روفيل بطاعة مبالغ فيها.
وبعدها، عمّ العربة صوت شخير عالٍ، أعلى من صوتها وهي تهبط المنحدرات، حتى اضطر إيدريك إلى تغطية أذنيه.
وفوق ذلك، إن حاول استبداله بخادم آخر، ستظهر مشاكل أكثر.
لأنه لم يكن هناك سوى عدد قليل جدًا من الخدم الذين لا تنبعث منهم رائحة كريهة.
ورغم أنه لا يحب الاعتراف بذلك، إلا أنها حقيقة.
لو أحضر خادمًا آخر، سيكون عليه تحمّل الرائحة المقرفة.
وأخيرًا، المشكلة الأهم:
حتى لو طرد روفيل، كان يملك شعورًا قويًا أن ذلك الفتى سيعود إليه زحفًا مهما كلف الأمر—.
ولأسباب مؤسفة كهذه، اضطر إلى تحمّله طَوال الرحلة.
لكن الخادم، روفيل، كان أكثر تصميمًا مما ظنّه.
وبابتسامة، رمى بالدواء الذي حضّره الطبيب بعناية. ومع ذلك، كان إيدريك يظنّ أن روفيل فقط يبالغ في ردّة فعله تجاه الطبيب العجوز.
لم يقل شيئًا لأنه لم يكن ينوي تناول تلك الأدوية على أيّ حال.
وفي تلك اللحظة، بدا وجه روفيل تمامًا كالشيطان المرسوم على غلاف أحد كتب والدته القديمة.
أين هو من البراءة؟ وأيّ طِيب هو؟
سخر في نفسه عندما تذكّر كلام الخدم وهم يثنون عليه بين الخيام.
ثم سمع روفيل يقول بصوت مرح:
“هل هناك ما يُضحكك، سيدي الصغير؟”
فكّر أن يتجاهله، لكنه غيّر رأيه.
لأنه أراد فقط أن يرى ذلك الفتى مرتبكًا ولو لمرّة.
“كنت أضحك عليك.”
“ماذا؟ كنت تفكر بي؟”
هذا ليس ما أعنيه.
لقد نسي أن خادمه هذا ليس شخصًا طبيعيًا.
ارتبك إيدريك من تعبير روفيل المشرق، لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه وصحّح له.
“لا تخلط الأمور. لم أكن أفكّر بك، بل كنت أضحك عليك.”
“لا، أعني… إن كنت تضحك عليّ، فأنت تفكر بي.”
هذا… ليس خطأ تمامًا، لكن…
طريقة روفيل العجيبة في تفسير الأمور أخرسته تمامًا.
وبعكس ما أراد، بدا روفيل أكثر سعادة.
“ما الأمر؟ لماذا؟ ماذا كنت تفكر؟”
“أنا—”
توقّف، محاولًا أن يجد كلمات مناسبة.
لم يستطع أن يقول إنه كان يستمع لمَن يثنون عليه.
لو قال ذلك، فسيجيبه ذاك الخادم قائلًا: “هاها، لا تتنصّت من الآن فصاعدًا، بل اجلس واستمع أمامي!” ومن بعدها سيبدأ بسرد حكايات موجعة.
رأى روفيل ينتظر إجابته بفضول، فاستعان بما اعتاد سماعه في القرية.
“ملابسك رثة وسيئة. تبدو كأنها قمامة.”
هذا خطأ.
أدرك إيدريك غباء ما قاله وشعر بالخزي، لكن روفيل لم يُبدِ أي انزعاج.
بل سأله بمرح كعادته:
“أنا هكذا فعلًا. هل سيكون السيّد الصغير كريمًا بما يكفي ليعيرني ملابسه؟”
“افعل ما تشاء!”
لقد ارتكب خطأً بمجرد التفكير في الحديث معه.
لم يُرد الاستمرار، فتوقّف.
“شكرًا لك، سيدي الصغير.”
قالها عرضًا فقط.
لكن ذلك الوقح روفيل ارتدى ملابسه في اليوم التالي فعلًا.
وتباهى بها بكل جرأة.
كان لدى إيدريك الكثير من الملابس التي لم يسبق له أن ارتداها. وكانت أفخم من تلك الحمراء المطرّزة التي يرتديها الآن.
ورغم أن روفيل نحيف، فبعض تلك الملابس كانت قصيرة عليه، لكنها دخلت عليه بصعوبة.
ومع ذلك، لم يُمانع إيدريك. فبالأصل، تلك الملابس كانت تعود للدوقة، وليست ملكه هو، لذا لم يكن له قول في الأمر.
وعندما جاء بليڤان إلى الخيمة ليُبلغه بأنه تخلّص من بعض قطاع الطرق على الطريق، رأى روفيل بملابسه الجديدة.
وكانت على وجهه نظرة غريبة، وكأنه رأى شيئًا لا ينبغي له الوجود في هذا العالم، لكنه لم يقل شيئًا.
وبعدها، وصلوا أخيرًا.
زمّ إيدريك شفتيه وهو يحدّق في المشهد المألوف والغريب خارج النافذة.
هل هذا هو المكان فعلًا؟
مع أنه لم يغادره سوى منذ بضعة أشهر، بدا له الآن ضيّقًا وبائسًا، بعد أن كان واسعًا وكبيرًا في عينيه سابقًا.
ذلك المكان… كنت أذهب إليه مع أمي.
بدا على القرويين الدهشة حين رأوا عربة الدوق.
وكان من بينهم بعض الوجوه التي يعرفها.
لكنه أسدل الستار، لأنه لم يكن يحتفظ بأي ذكرى طيبة معهم.
وحين وصلوا إلى المقبرة في القرية، وضعه أحد الخدم الكبار في كرسي متحرّك.
لكن إيدريك لم يأمرهم بدخول المقبرة على الفور، فقد رأى الزهور مرتّبة بعناية على القبور الأخرى.
ولم يدرك إلا للتوّ… أنه جاء خالي اليدين.
كانت سقطة كبيرة.
وبينما هو محرج ووجهه يحمر، اقترب فارس منه.
“سيدي الصغير.”
انحنى فارسٌ أشقر طويل على ركبته أمامه، وقدّم له باقة من أزهار الأقحوان.
كان هو الفارس الشاب المكلّف بمرافقته إلى القرية.
وقد أعطاه هذا الفارس انطباعًا حسنًا دون شك.
لكن إيدريك تعلّم ألا يحكم على الناس من مظاهرهم فقط، وأن لا نوايا طيبة بلا مقابل في هذا العالم.
وحين رفع رأسه بحذر، بدأ الفارس بالكلام:
“سيدي الصغي—”
لكن في تلك اللحظة…
“سيدي الصغير! انظر ماذا جلبت!”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل "9"