“سيدي الصغير، سيدي الصغير… الطبيب الذي دخل قبل قليل بدا مريبًا، أليس كذلك؟”
أنتَ الأشدّ ريبة من بين الجميع…
تمتم إيدريك بهذا داخليًا، وهو ينظر إلى روفيل الذي كان يحدّق في باب الخيمة المغلق بتعبير جاد.
كان يدرك تمامًا أن هذا الخادم يملك عادات غريبة، لكنه اليوم قد تجاوز كل حد. رمق إيدريك الجانب الآخر من الخيمة بعينين حائرتين. البطانيات والأغراض التي جهزها الفرسان والخدم مسبقًا كانت مرتّبة بعناية على جانب.
وكل هذا من فعل هذا الخادم الغريب.
بعدها، جلب روفيل بطانيات جديدة إلى داخل الخيمة.
لماذا تفعل أشياء لا فائدة منها؟
وعندما نظر إليه إيدريك وقال له إن ما يفعله لا داعي له، ردّ بأنه قد اختار بعناية بطانية جيدة التهوية وجلبها له، بكذبٍ فاضح لا يُصدّق.
ورغم ذلك، السبب الوحيد الذي جعله يتحمّل هذا هو ما رآه في قائد الفرسان عندما التقاه أمام العربة.
[إن حصل شيء، سأعود فورًا.]
رغم نشأته كعامّي، إلا أنه كمواطن في الإمبراطورية كان يعلم جيدًا ما تعنيه سمعة فرسان السلسلة السوداء.
لطالما قالت له والدته إنه، بعد شفائه، سيصبح رجلًا عظيمًا مثلهم.
وفي الواقع، كان بليڤان مرعبًا كما في سمعته: أطول من الرجل العادي برأس، ذو بنية طاغية، ووجه قاسٍ لا تعبير فيه، وعينان صارمتان.
فهم إيدريك فطريًا أن أي تصرّف أحمق قد يجعله يُعاد إلى القصر مباشرة دون تردّد.
“إنه غير مريح أبدًا… خذ هذا من فضلك.”
قال روفيل، وهو يُخرج زجاجة دواء من جيبه.
حين نظر إليه إيدريك بدهشة، عقد روفيل حاجبيه كمن تذكّر شيئًا مهمًا.
“آه… الاختبار.”
تمتم بتلك الكلمات الغريبة، ثم فحص الزجاجة، وأعاد عرضها بثقة.
“لم ألمسها بفمي، لذا رجاءً تناولها.”
ورغم مقاومته، أُجبر في النهاية على الإمساك بالزجاجة. كانت الزجاجات عادةً باردة، لكن هذه بدت دافئة، على الأرجح لأنها بقيت طويلًا في الجيب.
راقب روفيل السائل المتماوج داخل الزجاجة البنية، ثم قال:
“رجاءً خذها.”
“…”
“إن لم تفعل، ستتألم كثيرًا الليلة.”
قالها بابتسامة، لكن صوته خلا من أي مزاح.
وفجأة، تغيّر الجو.
ما الذي تعرفه عن مرضي؟ كيف لك أن تعلم إن كنت سأتألّم أم لا؟ أنت لم تمرض مثلي يومًا.
بغصة في صدره، شدّ إيدريك قبضته على الزجاجة. وفهم روفيل الإشارة فورًا.
بهدوء وحزم، أخذها منه قبل أن يقذفها.
“سأنتظر في الخارج. إن احتجت شيئًا، فقط نادِني.”
ولسببٍ ما، خرج روفيل دون أن يلتفت.
وطبعًا، لم يكن إيدريك ساذجًا ليصدّق كلامه.
لا يمكن أن يبقى خارجًا طوال الليل. بالتأكيد سيغادر لاحقًا.
راقب ظله من داخل الخيمة. إن تحرك قليلًا، سيلقنه درسًا.
لكنه أخطأ في تقديره.
ظلّ ظل روفيل بلا حركة طوال الوقت.
كان هناك من يمر أحيانًا، لكن روفيل بقي في مكانه دون أن يحرّك ساكنًا.
دون وعي، سقط نظره على البطانيات المكوّمة فوقه. كلها كانت من جلبه.
أيعني ذلك أن ذاك الخادم واقف بالخارج بهذه الملابس الخفيفة فقط؟
همف وما شأني أنا؟
أغمض عينيه وهو يتذكّر فم روفيل المزعج.
ورغم أنه غفا، لم يتحرك روفيل.
الطريق الممتد من الجنوب الشرقي نحو الغرب لم يكن لطيفًا مع المسافرين.
كانت النيران تدفئ الخيمة، لكن الرياح القوية التي تسربت إلى الداخل كانت تخترق العظام.
ولا بد أن الجو في الخارج كان أسوأ. إن استمر بهذا الشكل، فروفيل سيصاب بالزكام لا محالة.
وربما كان خائفًا أيضًا، مع وجود أولئك الفرسان الأشداء للحراسة.
ولأن إيدريك كان يعرف هذا الشعور أكثر من أي أحد، استطاع تخيّل ما يشعر به روفيل. ولسببٍ ما، بدأت هذه الأغطية الفاخرة تزعجه أكثر فأكثر. تقلّب تحت البطانيات بضيق.
إن تجمّد ذاك الغبي حتى الموت، سأكون أنا الخاسر الوحيد.
تذكّر نظرة قائد الفرسان الدافئة نحو روفيل في وقتٍ سابق. ربما سيطلب منه العودة فورًا إن تدهورت حالته.
هذا… ليس جيدًا.
جلس نصف جلوس، وقرر أن يطلب منه إحضار بطانية. لكن ما إن همّ بالمناداة، حتى انفجر في نوبة سعال عنيفة. وضع يده على فمه، وشعر بسائل دافئ على كفه. ومع طعم الصدأ المألوف في لسانه، علم فورًا ما هو.
دم.
كُسر صمت مدخل الخيمة. وفي اللحظة نفسها، دخل خادم مغطّى من رأسه إلى قدمه ببطانية، كانت أسمك بثلاث أو أربع مرات من بطانية إيدريك.
شاهد وجهه الشاحب وهو يدخل بخطى واسعة، ثم انزلقت البطانية عن جسده. شعره بدا كعش طائر، وجهه لامع، وزاوية فمه تقطر لعابًا واضحًا. من المؤكد أنه نام نومًا عميقًا.
بل إن بشرته، ربما بسبب الدهن، بدت أصفى من أي وقت في النهار.
إيدريك شعر بأن في الأمر ظلمًا.
كان ذلك لا يُصدّق.
لم تخطط الدوقة الأنيقة لاغتيالٍ مباشر.
بل أرادت أن تُظهر ضعف إيدريك للفرسان، ليروه بأعينهم.
تم استبدال كل دوائه، حتى المسكنات، بأدوية ذات آثار جانبية شديدة. وكذلك الأمر مع البطانيات والملابس التي تلامس الجسد.
لقد بذلت مجهودًا كبيرًا في الأمر، لكنني أفسدته كله. استبدلت كل شيء بما جلبته معي.
لم أكن أتوقع أن تنفع في هذا السياق، لكن
كنت مكوّمًا أمام الخيمة كشرنقة داخل بطانية، وأنا أتثاءب.
الفرسان الذين كانوا في نوبة الحراسة لم يُعروني اهتمامًا، فقد رأوا أنني مجرد خادم.
ومن المعتاد أن ينتظر الخادم أمام خيمة سيّده. لذا، اكتفيت بابتسامة واسعة لهم.
لكنني لم أكن مطمئنًا.
لا أعلم متى قد يُصاب السيد الصغير بنوبة. والأهم، عليّ مراقبة الفارس الأشقر المريب وأمنعه من الاقتراب.
برد…
وغرقت في النوم وأنا أفكر في خطط المنع.
أظن أنني أرهقت نفسي كثيرًا منذ الفجر. لا عجب أن جسدي كله يؤلمني.
وحين أفقت، وجدت أن البطانية قد انزلقت قليلًا.
كنت أتثاءب وأرتبها عندما سمعت صوت سعال من داخل الخيمة. كان خافتًا بالكاد يُسمع فوق صوت الريح.
لكنني شعرت بشيء مريب…
نهضت بهدوء، ودخلت الخيمة دون لفت انتباه الفرسان.
وربما فشلت.
فعندما دخلت، رأيت إيدريك يرتجف ويتقيأ دمًا. تحركت فورًا.
اقتربت منه، وأخرجت من جيبي الدواء الذي كنت قد أعددته مسبقًا.
ثم أمسكت برقبته من الخلف وأملت رأسه.
“أوغ!”
ابتلعه إيدريك دون إرادة منه. وما إن انتهى، حتى صفع يدي بعيدًا.
صفعة!
كانت قوية. وبما أن يديّ كانتا مخدرتين من البرد، فقد آلمني ذلك كثيرًا. لكنني لم أشعر بأي ضيق.
بل على العكس
لماذا أشعر بهذا الرضا؟
يبدو أن الأثر يتضاعف مع ازدياد الاحتكاك.
أمسكت بكأس ماء، وانتظرت بصمت حتى توقف عن السعال.
وطبعًا، في تلك الأثناء، كانت خمسون ألف فكرة تدور في رأسي.
لو صفعني على وجهي مئة مرة، هل سأُشفى تمامًا؟
إن كان الأمر كذلك، هل يجب أن أُغضبه عمدًا؟ أم أقترب منه أكثر لأسرق صفعة؟ لكن السعال توقف.
حان وقت الجدية مجددًا.
تصرفت كما كان والداي يفعلان معي.
مسحت فمه، وأسقيته الماء، والتقطت البطانيات الملقاة، وأعدت ترتيبها بعناية.
استلقى إيدريك ببطء، وكان يحدّق بي.
كان شاحبًا إلى درجة توحي بأنه سيفقد وعيه في أي لحظة، لكن عيناه كانتا حادتين.
كان بوضوح يحاول التظاهر بالقوة. لا يريد أن يبدو ضعيفًا.
“لديك معدة قوية. ألا تخاف من القذارة؟”
هل سبق له أن شكا لأحدٍ في حياته بأنه مريض؟
فكّرت بحزن، لكنني أجبته بهدوء دون أن أظهر شيئًا.
“إنها مقززة، نعم. لكن، أليس الجميع مقززين؟ حتى السيدات الأنيقات… فقط انظر إلى كعوب أحذيتهن، ستجد فيها ذرة تراب واحدة على الأقل.”
“أنا مختلف عنهم. أتظن أن الغبار يساوي دم الساحرات؟”
“هل السيد الصغير ما يزال يؤمن بوجود سانتا كلوز؟”
وكالعادة، لم يحب إيدريك إجابتي. نظر إلي وكأنه سيقتلني، وهمّ بالرد، لكن جفونه بدأت تثقل. يبدو أن الدواء بدأ مفعوله.
كما توقعت. كان من الجيد أن أخلط له المهدئات في الجرعة التي تركتها على السرير.
شعرت بالحزن في داخلي، لكن السيد الصغير قال:
“لا بد أنك لُعنت أيضًا بعد أن لمست دمي بيدك العارية. ستموت قريبًا… ستتعفّن ساقاك مثلي.”
للأسف، لم يكن تهديدًا ناجحًا لمن مات مرتين بالفعل.
نظرت إليه، وكان يبدو لطيفًا حقًا، وأجبته بصبر:
“إن كنت قد لُعنت، فما باليد حيلة. لا أريد أن أجهد نفسي في التفكير بأمور لا أستطيع تغييرها. ما يهمني الآن هو أن أعتني بالسيد الصغير.”
“…”
“فهل لك أن تكفّ عن التحديق بي وتنام؟ أنا نعسان جدًا. ألن تنام أنت أيضًا؟”
“أنا أكرهك بشدة.”
قالها وهو يلف نفسه بالبطانية بانزعاج شديد.
لكن لم يصدر منه أمر بمغادرة الخيمة حتى طلوع الفجر.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل "8"