“مشاعرك تجاه السيد الصغير… أنا… أنا أتفهم ذلك”
كنت أخرج الأمتعة من العربة حين سمعت صوتًا فجأة. وعندما التفتّ، رأيت ريمسون هيونغ بوجه يملؤه الأسف.
يبدو أن نوبة السعال التي أصابته قبل قليل قد نالت منه. كان بالفعل يضيق عينيه دائمًا، أما الآن فقد بدا وكأنه شاخ عدة أعوام في يومٍ واحد.
سألته بقلق، “هل أنت بخير؟”
“تسألني الآن؟!”
انفجر ريمسون هيونغ بمجرد أن أنهيت سؤالي. لكنه تدارك نفسه بسرعة وخفّض صوته، مدركًا أن الفرسان كانوا يجهزون المعسكر خلفه.
“أعندك أعناق متعددة بدلًا من عنق واحد؟! كيف لا تخاف من قول أشياء كهذه! تسأل النبلاء أن يلتقوا بأحد”
“مهلًا، دعنا نُريح ذلك العبوس أولًا. إن تعمّقت تلك التجاعيد أكثر، فلن تتزوج أبدًا.”
وعندما سمع كلامي، بدأ ريمسون هيونغ يضرب صدره بقبضتيه كمن يوشك على الانفجار. بدا حقًا كدبّ غاضب.
أمسكت بيده وسحبته بلطف نحو الأمتعة الموضوعة في العربة. لكنه راح يرميها على الأرض بغضب، واحدة تلو الأخرى.
يبدو أن قلقي كان في غير محله. كالعادة، المرتزقة أقوياء للغاية. وبينما واصلت مساعدته في نقل الأمتعة، لاحظت ملامح القلق على وجهه.
“لا تقلق كثيرًا.”
طمأنته، لكنه ظلّ حائرًا من تصرفاتي.
“لماذا تسعى لجذب انتباه السيد الصغير هكذا؟”
“ليس الأمر أنني أريد لفت انتباهه”
كان أقرب للشعور بالشفقة تجاه من يُعاني من نفس المرض. ابتسمت بمرارة، وقطعت جملتي بغموض.
هدفي الأكبر هو أن أُشفى من مرضي، لكن مع الوقت، ومع معرفتي به، بدأت مشاعر مختلفة تنمو. كلما رأيته، تذكّرت تلقائيًا تلك الأوقات التي كنت فيها أتألّم وحدي.
فما الذي يمكنني قوله إذًا؟
هل هو تعاطف؟ أم شفقة؟ هناك رابطة فريدة تجمع بين من عانوا من نفس المرض النادر.
رغم أن الأمر يظلّ من طرفٍ واحد.
فسّرت لريمسون هيونغ بهدوء، وقد بدا عليه أنه ينتظر تفسيرًا.
“بصراحة، في البداية، ظننت أن وجودي بقربه سيكون أمرًا جيدًا. أما الآن، فقد تغير الأمر. أريد أن أتعرف عليه أكثر، وأتمنى أن يتحسن حاله أيضًا. وهناك… أشياء بدأت تلفت نظري.”
قررت أن أعتني به طالما كنا معًا.
صحيح أن ولي العهد موجود، لكنه لن يظهر إلا لاحقًا، وسيكون من القسوة أن يظل يعاني حتى ذلك الحين.
لكن ريمسون هيونغ تردد بالكلام، كما لو أنه سيطرح موضوعًا مؤلمًا.
“هكذا… لأنك ما زلت صغيرًا. لا يزال بإمكانك أن تلتقي بأناس مختلفين. يمكنك تغيير رأيك، والبدء بشيء جديد وبدلًا من أن تخدم أحدًا وتضعه في المقام الأول، ألا يجدر بك أن تعيش حياتك لأجل نفسك؟”
طريقة غريبة لوصف الأمور، أليس كذلك؟
ارتبكت قليلًا، لكن نبرة هيونغ كانت جادّة لدرجة أنني لم أستطع تجاهلها.
“هل هناك شيء تود فعله غير كونك خادمًا؟ هذا الهيونغ سيبحث لك عنه.”
(ما الذي أود فعله)
وبشكل لا إرادي، تذكّرت اللحظة التي ساعدت فيها إيدريك على ركوب الكرسي المتحرّك.
كنت قد توقعت أن الاقتراب سيزيد من التأثير، لكن لم أكن أتخيل أن يكون بذلك القدر. حتى التفكير فيه الآن يجعل قلبي يخفق بشدّة.
(سيكون من الرائع لو أتيحت لي فرصة أخرى)
وأنا غارق في التفكير، أضاء وجه ريمسون هيونغ فجأة.
“ماذا؟ ما الأمر؟ ماذا تريد أن تفعل؟”
“أريد أن أساعد السيد الصغير مجددًا. أو… أمسك يده بشكل صحيح. آه، لا، لم يكن هناك أي رد فعل عند الإمساك باليد. إذًا، أرجو أن ننقله إلى الخيمة قريبًا. هكذا أستطيع مساعدته.”
“….”
“متى سيأتي الفرسان؟ هيونغ، لا توافق إن طلب منك أن تفعلها، مفهوم؟”
“فقط أرحني واغرب عن وجهي.”
…هاه؟ ألم تسألني قبل قليل إن كان هناك شيء أود فعله؟ لماذا تتغير فجأة بهذا الشكل؟
بعد أن رتّبت الأمتعة تقريبًا، نظرت إلى الجهة الأخرى حيث الفرسان. بدا أنهم قد أنهوا استعداداتهم.
كنت على وشك العودة إلى السيد الصغير، لكن ريمسون هيونغ، الذي كان يمسح يديه، نظر إليهم باشمئزاز.
“تش، لماذا يرتدون تلك العباءات الضخمة؟ ستعيق حركتهم. هؤلاء الفرسان… متفاخرون لدرجة الغثيان.”
وبما أنه كان مرتزقًا، كانت علاقته بالفرسان سيئة، وينطبق الأمر ذاته على فرسان السلسلة السوداء.
وخزته بمرفقي عند خصره لأقاطعه عن انتقاداته.
فقال مستغربًا، “ما بك؟ ماذا؟”
“هيونغ. هل يمكنك إلقاء نظرة على أحد الفرسان وأنت في طريقك؟”
كابن عائلة تجارية لعدة أجيال، أرى أن ريمسون أكثر من يمكن الوثوق به.
لذا، طلبت منه طلبًا بسيطًا، كنت واثقًا أنه لن يورطه في شيء.
لكنه رمقني بنظرة شك.
“ما الأمر مع الفرسان؟ ما الذي تخطط له؟”
“هناك سبب لذلك.”
“وما هو هذا السبب؟”
“هيهي.”
حدّق بي ريمسون هيونغ، لكنني اكتفيت بابتسامة هادئة. عندها تنهد وقال بيأس:
“أي فارس تريدني أن أتحرى أمره؟”
“أمم، لنرَ شعره أشقر وطويل، طويل مثل الفارس، بشرته فاتحة، أكتافه عريضة، وفي عمر يقارب هيونغ آه، وهو وسيم جدًا! عيناه حادتان، ملامحه مرتبة، وله حضور رائع.”
وصفته صفةً صفةً، وكان هو فارس الدوقة بالتحديد.
وبعد أن أنهيت كلامي، نظر إليّ ريمسون هيونغ كما لو أنني قمامة.
****
“القائد، نحن مستعدون.”
كان قائد فرسان السلسلة السوداء، بليڤان، قد أنهى تأمّله. وصلت عيناه إلى نافذة العربة، حيث كان ضوء المصباح يسطع من الداخل.
هناك، كان السيد الجديد ينتظره.
طفل ذو شعر أشقر جميل وفم متعنّت. تمامًا كما كان السيد الحالي في طفولته.
لكن هذا كل ما يشتركان فيه.
على عكس السيد، الذي كان مباركًا بالسيف بالفطرة، كان ذلك الطفل هزيلًا، بل وذو ساقين معطوبتين.
وعلى عكس سيده، الذي أقرّ الجميع بنبوغه منذ صغره، لم يبدُ أن ذلك الطفل مدرك لما حوله.
بل أكثر من ذلك—
ألم يقولوا إنه متقلّب المزاج، لا يمكن التعامل معه؟
كان بليڤان من أولئك الذين لا يصدقون إلا ما يرونه بأعينهم، لكنه لم يستطع منع نفسه من القلق، إذ لم يسمع عن ذلك الصغير سوى كل سيئ.
حتى كبير الخدم الذي لازمه لبعض الوقت اشتكى منه مرارًا. كان دائمًا قلقًا من أن الطفل سيلقي بزجاجات الدواء أرضًا ويكسرها.
بل وذكر أنه جاحد، يرفض حتى الحديث مع السيدة التي تربيه بكل عناية.
ومع ذلك، لم يتزعزع بليڤان كثيرًا. فالطفل هو الوريث، بغض النظر عن عيوبه. وسيقسم له بالولاء طالما لم يهدم أسس عائلة دينكارت. لأن هذا ما يفعله الفارس الحقيقي.
كان بليڤان، مستندًا إلى الشجرة، حين قال ببرود:
“سأجلب السيد الصغير.”
“نعم، يا قائد.”
حين وصل إلى مقدمة العربة، لمح أحدهم في الخلف ينقل الأمتعة بنشاط.
بدا له أنه فتى هزيل كالسيد الصغير. كان بليڤان قد اطلع على الأمور مسبقًا، ولم يستغرق الأمر طويلًا حتى تذكّر اسمه.
(روفيل… الخادم الذي ذكره له كبير الخدم.)
كان كبير الخدم قد قال له الكثير قبل الرحيل، لكن حديثه تمحور حول خادمٍ بعينه.
لا أعلم بشأن الآخرين، لكني أعتقد أن السيد الصغير ينسجم مع هذا الفتى أكثر من سواه.
وقد رأى بأم عينه في الصباح كيف تولّى الفتى دفع كرسي السيد الصغير.
رغم صغر سنه، كانت ابتسامته المشرقة لافتة للانتباه. بل وربما لم يكن مدركًا لذلك بنفسه. كانت ابتسامته متألقة حين رآه أثناء النهار بجوار السيد المنزعج.
كان بليڤان على وشك مناداته، لكنه تردد للحظة.
فكّر قليلاً. كان يدرك تمامًا كيف تبدو ملامحه للآخرين، ملامح صقلتها المعارك وأكلها التعب.
وكان الأطفال هم الأكثر حساسية تجاهها. كم من مرة جعلهم وجهه يبكون دون قصد بسبب بنيته وهيبته.
لكن في تلك اللحظة، لاحظ الخادم روفيل وجوده، واستدار نحوه. اندهش بليڤان من سرعة ردّة فعله اللافتة، ثم حدث ما أدهشه أكثر.
حين وقعت عليه تلك العينان البنفسجيتان، اتّسعتا لبرهة، ثم أضاء فيهما بريق فرح.
“وصلتَ، أيها القائد! السيد الصغير في الداخل!”
“…؟”
لماذا ترحّب بي بكل هذا الحماس؟
شعر بليڤان بالارتباك، وهذا أمر نادر. كان من الطبيعي أن يشعر الخادم بالخوف، أو حتى يبكي.
كانت الأجواء مظلمة، لكنها لم تكن كافية لإخفاء ملامحه.
ومع أن وجهه القاسي كان ظاهرًا بوضوح تحت ضوء المصباح المتسلل من نافذة العربة، ظلّ روفيل يبتسم بصفاء.
“سمعت أن خيمة السيد الصغير جُهّزت. أين هي؟”
كان السؤال مشبعًا بالحماس. حتى الجنود الجدد الذين أمضوا سنوات في معسكرات التدريب، نادرًا ما تجرؤوا على الحديث معه بمثل هذه الحماسة.
وفي تلك اللحظة، تذكّر بليڤان كلمات كبير الخدم:
[روفيل يخدم السيد الصغير بإخلاص. حتى في نوبات النهار، كان يتنازل عن نصف نومه لزيارته، رغم التعنيف.]
كما قال كبير الخدم تمامًا، بدا أنه خادم قد نذر نفسه بإخلاصٍ تام للسيد الصغير.
ومع ذلك، أليس من الجرأة أن يوجّه سؤالًا كهذا مباشرة إلى القائد؟ ألا يخشى أن يتعرّض لعقوبة؟
رغم الصمت الثقيل، ظلّت عينا روفيل تتلألآن. بدا وكأنه يتوق لنقل سيده إلى مكان أكثر راحة، مغطى بالبطانيات، بدلًا من هذه العربة الخشنة.
وكان بليڤان، الذي يمكنه استنتاج المواقف من مجرد تنفّس الطرف الآخر، مقتنعًا تمامًا.
ذلك لم يكن شعورًا مفتعلًا.
هل يمكن أن يكون هذا الخادم هو الشخص الذي أُعدّ ليعتني بالسيد الصغير أكثر من أي أحد آخر؟
عندها، ارتخت زاوية فم بليڤان بخفّة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل "7"