ركض روفيل فجأة وانخفض على ركبة واحدة أمام إيدريك بجانب الفارس.
كان يحمل شيئًا له، لكن من أين حصل عليه في هذا الوقت القصير؟
“ما هذا؟”
وعلى عكس شكوكه، كان المحتوى عاديًا تمامًا. كانت باقة من زهور بسيطة ومتنوعة.
لكن ما جذب عينيه أكثر هو روفيل نفسه. كان واضحًا أنه ركض إلى هنا من مكان ما. كان يبتسم بابتسامة مشرقة، لكن العرق كان يتصبب من جبينه، وكان يلهث قليلًا أيضًا.
ومع ذلك، كان صوته واضحًا كالعادة.
“إنها زهور.”
“…هل تظن أنني لا أراها؟”
“لقد وعدت بأن أرد لك الجميل.”
متى فعلت؟ كان إيدريك على وشك أن يعترض، لكنه تذكّر شيئًا.
رد الجميل كان روفيل قد قال شيئًا من هذا القبيل بالفعل، لكنه لم يعره أي انتباه حينها لأنه كان منزعجًا.
لكن قبل أن يقول شيئًا، اقترب منه روفيل على ركبتيه وقدّم له باقة الزهور.
لم تتح له حتى فرصة الرفض.
رأى إيدريك أحد الواقفين يتمتم بشفتيه: “هذا المجنون”.
وقد وافقه تمامًا.
لكن لم يكن الخادم عديم الفائدة تمامًا. فهذه الباقة كانت أفضل من لا شيء.
ما قدّمه له روفيل كان بالتأكيد باقة أبسط كثيرًا، لأن الزهور من هذه القرية. لكن والدته كانت تحبها.
أخذ إيدريك الباقة بتردد.
وعلى الفور، أدرك روفيل انتصاره، فاستدار إلى الفارس.
“سيدي، هل أحضرت الزهور للسيدة الراحلة؟”
“نعم.”
فأخذ روفيل باقة الأقحوان منه بسرعة.
لقد كان ذلك أشبه بالابتزاز.
“السيّد الصغير يشكرك على هذا.”
تناثرت زهور الأقحوان عالية الجودة في نفخة واحدة من الرياح.
مرة أخرى، أذهل سلوك الخادم إيدريك، لكنه لم يقل شيئًا. لديه باقة بالفعل، لذا قرر أن يترك الأمر.
والحقيقة، أنه أحب هذه الباقة أكثر. ربما لأنها ذكّرته بأمه.
بعد ذلك مباشرة، اقترب روفيل من إيدريك. ثم انحنى بجسده نحوه وكأنه يصغي لشيء ما، ثم قال: “نعم، نعم.”
“هذه رسالة من السيّد الصغير. يُرجى من الجميع الانتظار هنا للحظة، ما عدا القائد بليڤان.”
في هذه المرة، كان إيدريك على وشك أن يقول: “متى قلت ذلك؟” لكنه التزم الصمت.
حتى وإن كان يختلف مع روفيل في العادة، إلا أنه لم يكره ما قاله هذه المرة. بعض الخصوصية سيكون أمرًا جيدًا.
ولما لم يقل شيئًا، اقترب بليڤان الذي كان يراقب بصمت من الخلف.
اقترب القائد بخطى دقيقة وثابتة.
الناس من حوله لم يستطيعوا إلا أن يتأثروا به.
“هل نذهب؟”
من بينهم، كان روفيل وحده يبتسم ببهجة.
*******
“ذلك اللقيط الغير شرعي”
ابتلع شيخ القرية جرعة من النبيذ.
بعد أن رحل ذلك الفتى الذي كان يحصل على الكتب والملابس بمساعدته، بدأ ينسج أوهامًا جميلة.
كان يتوقع أن يشعر الفتى بالامتنان له على كرمه.
بل إنه، بعد أن تمكّن من سرقة أشياء من بيت العائلة تحت أنف أولئك الفرسان المخيفين، اعتقد أنه سيكون من السهل استغلال ذلك الفتى أيضًا.
لكن حساباته كانت خاطئة تمامًا.
لم يعد حتى لزيارة قبر أمه لقد نسي أمرنا!
بل إنه أعد عربة وذهب بنفسه إلى القصر مخاطِرًا، لكن الحراس لم يصغوا له.
بل رمقوه بازدراء وطردوه.
كان أحمقًا حين أحسن إلى مُقعَد في القرية.
وبينما كان يأخذ نفسًا عميقًا من غليونه، فُتح الباب بقوة.
كان الداخل هو الفتى الذي يشبه زوجته الهاربة.
“أبي! أبي!”
في حالته العادية، كان يشعر بالضيق كلما رأى ذلك الفتى. أما وهو سكران، فقد زاد انزعاجه عشر مرات.
ابتسم الفتى ابتسامة عريضة، وقال بحماس:
“ذلك الوغد عاد! لقد عاد!”
******
يبدو أن الدوقة كانت على دراية جيدة بعناد السيّد الصغير.
على سبيل المثال، تقديم التعازي من خلال الفارس الذي تسبّب بموت أمه، وإهداؤه زهورًا من قِبل من قتلت والدته.
كان الأمر فظيعًا للغاية. لكنه لم يكن مفاجئًا.
فباقة الأقحوان أيضًا كانت قد أُعطيت مسبقًا لسير أريف من قِبل الدوقة، كما لو أنها فكّرت في الأمر بعناية لأجل إيدريك.
كان من المفترض أن يسلّمها له ويقول: “لقد أعدّتها الدوقة لك”.
كنت أتعرّق بردًا وأنا أنظر إلى ظهر السيّد الصغير وهو يضع الباقة أمام قبر أمه بعناية.
لو وصلت متأخرًا قليلًا، لكانت كارثة
من حسن الحظ أنني استطعت تمييز ذلك الفارس الوسيم بسهولة.
لو لم أتدخّل في الوقت المناسب، لكان إيدريك قد ثار غضبًا حين علم بمصدر تلك الباقة.
لم يكن سيرمي الزهور فقط، بل كان سيسبّ الدوقة علنًا.
ومعظم فرسان السلسلة السوداء كانوا قد تلقّوا يومًا ما معروفًا أو مكرمة من الدوقة.
فلو أن هذا الطفل غير الشرعي، الذي ترعاه بكل مشقّة، لم يُبدِ امتنانًا فحسب، بل أهانها علنًا.
لكان ذلك أول شرخ في العلاقة بين إيدريك والفرسان.
لهذا، كان لا بد لي من التدخّل.
لا أعلم ما إذا كان هذا سينفعه على المدى البعيد، لكنني كنت مؤمنًا بأن كسب ثقة فرسان السلسلة السوداء سيكون في صالح إيدريك.
لهذا السبب بالذات واصلت الاقتراب من بليڤان.
وبذلك، يمكننا تجنّب أكثر من نصف الأخطار التي قد تهدّد حياة إيدريك
بينما كنت شاردًا في التفكير، كان السيّد الصغير قد أنهى زيارته لقبر والدته.
“يكفي. لنعد.”
قالها بصوت هادئ، وكان وجهه أكثر كآبة من المعتاد.
مررت من أمامه وانحنيت أمام قبر والدته بكل احترام.
“مرحبًا سيدتي. أنا روفيل، الخادم الأكثر موثوقية للسيّد إيدريك. في الآونة الأخيرة، لم يكن يأكل جيدًا أو يتناول أدويته بانتظام. يبدو أنه يخطط للانضمام إليك في حال أسوأ العام القادم. وهذا يؤلمني كثيرًا.”
“متى قلت شيئًا كهذا!”
“أليس كذلك؟”
لا تقل شيئًا.
كان السيّد الصغير، بشفتيه المضغوطتين من الانزعاج، يبدو وكأنه يأمرني بالصمت.
لكنني تجاهلت أمره الصامت وواصلت حديثي المبالغ فيه.
“لكن لا تقلقي. انظري، هناك من يمكن الوثوق به إلى جانب السيّد الصغير الآن.”
“…”
“إنه القائد بليڤان، قائد فرسان السلسلة السوداء، وأنا، النجم الصاعد في عائلة دينكارت. سنحمي السيّد الصغير جيدًا، فلا تقلقي كثيرًا.”
كان بليڤان واقفًا بصمت بالقرب، ولم يعلّق.
لكنني أعلم أنه كان يسمع كل كلمة.
“نحن لا نقع بسهولة في فخاخ أو مؤامرات. أليس كذلك، أيها القائد؟”
عند سؤالي التحريضي، ظلّ بليڤان يحدّق إلى الأمام، لكن حاجبيه الكثيفين ارتفعا قليلًا.
*****
لن تجد أحدًا من سكّان العاصمة يعرف مكانها، فالمكان ناءٍ جدًا في أطراف القرية.
كانت هناك دكان صغيرة وبائسة لبيع الزهور. كانت منزلًا لأم فقيرة وابنها.
أما الآن، فقد تغيّر المالك، ويعيش فيها زوجان مسنّان.
كان بليڤان شاردًا وهو يتفحّص المنزل الخشبي الضيق. كان رأسه يكاد يلامس السقف عند دخوله.
الفتى الذي عاش في مكان كهذا ورغم ذلك، كان متأنقًا.
كان هناك بعض التغييرات الطفيفة مؤخرًا.
فالخادم تجرّأ على ارتداء ملابس السيّد، وهو من النبلاء.
وفي اليوم الأول الذي رأى فيه ذلك المشهد، كان الجميع حوله يحدّقون في الاثنين بعيون متوسّعة.
حتى بليڤان، الذي لا تهتزّ له عين، شكّ في بصره.
حتى لو نشأ في مكان كهذا، كيف يجهل الأمور تمامًا؟
لو لم تكن أوامر السيدة بأن يُلبّى ما يريده إيدريك قدر الإمكان، ولو كان هناك نبلاء آخرون، لكان قد عاقب روفيل في الحال. لقد كان محظوظًا بذلك.
ومع ذلك، ومهما رأى الناس في الأمر، لم يبدو أن الاثنين لاحظا شيئًا.
خصوصًا تعبير وجه إيدريك، الذي لم يُظهر أي انزعاج مما يحصل.
حتى وإن اتّسخت الملابس أثناء قيام روفيل بالأعمال المختلفة، لم يبدو أن ذلك يهمّه.
كان ذلك مفاجئًا.
لم يكن الأمر لأنه يهتم بخدمه.
مما تعلّمه حتى الآن، بدا أن روفيل هو من يتبعه من طرف واحد.
لكن كيف كسب ولاءه إذًا؟
وكانت الكلمات التي قالها ذلك الخادم عند القبر لا تزال ترنّ في ذهنه. لا بد أن هناك سببًا وراءها.
بينما كان غارقًا في التفكير، سمع ضجّة عند المدخل.
“السيّد إيدريك! سيّدي الصغير! من فضلك، افتح الباب لحظة!”
“لدي شيء أقوله!”
كان مصدر الضجّة رجل مخمور وشاب صغير.
نظر الفرسان إلى بليڤان في انتظار أوامره.
لم يكن ذلك مفاجئًا، فقد يأتي المحتالون أحيانًا ليتسوّلوا من النبلاء.
وكان بليڤان على وشك أن يأمر رجاله بطردهم.
لكن في تلك اللحظة، سُمِع صوت عجلات الكرسي المتحرّك يقترب.
وقد خرج الخادم والسيّد، اللذان كانا يتفقّدان المنزل، بسبب الضجّة العالية.
لقد التقوا من قبل.
كان ذلك واضحًا من تعبير وجه إيدريك.
وبناءً على تلك النظرة الباردة، لم تكن العلاقة جيدة.
ومع ذلك، كان من الأفضل مراقبة الوضع عن كثب.
نظر بليڤان إلى مرؤوسيه.
ثم صاح الرجل المخمور بصوت عميق وعالٍ:
“العكّازات! أنا… أنا أعرف مكان العكّازات! لقد احتفظنا بها!”
عند سماعه ذلك، تغيّر تعبير وجه إيدريك تمامًا.
شدّ قبضته على مقابض الكرسي بعجلة. وتمكّن بليڤان من قراءة الأمر الصامت بسهولة.
فأعطى القائد أمره دون أي تأخير:
“أحضروهم إلى الداخل.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل "10"